يسري الغول - أنفاس نتكعادتي دوماً حال انتهائي من قراءة بعض الروايات الفلسطينية التي تستثيرني أحداثها وأفكارها، فإنني أسعى جاهداً للكتابة حول الراوية المقروءة. وأذكر أني كنت قد كتبت سابقاً قراءة نقدية حول رواية (عين سفينة) للروائي الفلسطيني خضر محجز وكانت قراءتي قاسية جداً بالنسبة لمؤلفها، لأنني عملت على سبر أغوار ما كان يرمز له في جوف روايته تلك. وأذكر يومها أيضاً بأن جريدة الحياة الجديدة رفضت أن تنشر القراءة، الأمر الذي دفع بالدكتور خضر محجز نفسه لأن يطلب من الجريدة أن تنشر النقد دون وجود أي معارضة من جانبه، فهي في النهاية مجرد قراءة نصية.
واليوم فإنني –وبعد قراءتي لرواية السيدة من تل أبيب- أردت أن أضع بعض التوصيات الهامة والملاحظات – حسب ما أرى- للاستفادة منها في الطبعات القادمة، ولعل ذلك بدا واضحاً من خلال ما كتبت في سياق النقد، حيث ذكرت على سبيل المثال لا الحصر في موضع لقاء البطل بأمه "أعتقد أن الكاتب بحاجة لإعادة صياغة المقطع بما يتناسب مع حجم الموقف واستغلاله لاستدرار مشاعر القارئ الجياشة".  وحين ذكرت أيضاً، "وهذا خلل طارئ داخل الرواية أعتقد بأن على الروائي المدهون معالجته في الطبعات القادمة".
لكنني –وللأسف- فوجئت برد قاس من طرف السيد ربعي المدهون، والتهديد باللجوء إلى القضاء، وغيرها من الاتهامات والتجريح. ولست أدري منذ متى كان النقد الأدبي يدفع بصاحبه إلى ساحات القضاء. ولعلي بحاجة هنا إلى توضيح وتفنيد بعض الأمور للسيد المدهون حول قراءتي لتك الرواية.

أنفاس نتإن سجل القيم واسع شاسع. وعندما ينتقي المؤلف الروائي من ذلك السجل ما يعتقد أنه يتناسب وشخصيته أو أحداثه الروائية، يمهد بذلك الطريق للناقد الروائي كي يسأل إن أفلح المؤلف في ذلك وقدم ما يكفي من العلل لتبرير ذلك الاستعمال الأدبي.
حالات بلاغية:
البلاغة بحر صاخب متعدد الألوان، غزير الإمكانات، متفاوت الاختيارات. وهي بسبب هذه الغزارة تتداخل في كثير من الأحيان مع أبواب النقد والتحليل والتأمل والتفسير والتأويل والشرح والتعليم. كما أنها قاسم مشترك بين المبدع وممارسي كل تلك المهام العقلية حيث يمتح الجميع من جماليات الإمكانيات التعبيرية المتاحة أو المحتملة، إما بقصد النظر النقدي أو بقصد الخلق والابتكار. بيد أن إقرارنا بهذه الرحابة قد يفوت علينا في عديد من المناسبات فرصة التأمل المجهري في قضية من قضايا البلاغة أو اجتهاد من اجتهادات أعلامها. لذلك يحسن في مثل هذه الأحوال العمل على تقليص مظاهر الرحابة ولو على سبيل التبسيط وتقريب المفاهيم.
ويمثل كتاب واين بوث Wayne C.Booth حول بلاغة الرواية Rhetoric of Fiction مناسبة فريدة من تلك المناسبات حيث يقدم هذا الباحث اجتهادا بلاغيا معاصرا يخص الرواية بصفة أساسية. وأظن أنها فرصة فريدة ما دام عنوان الكتاب قادرا وحده على إحداث رجة في عقلنا النقدي. وربما من أجل هذه الفرادة –وبتأثير أسباب أخرى تخرج عن نطاق هذا المقال- سنقدم على عملية التبسيط المشار إليها آنفا.

أنفاس نتليس من عادتي الرد على أي انتقاد يوجه لروايتي "السيدة من تل ابيب" التي كانت على القائمة القصيرة لجائزة بوكر العالمية للرواية العربية في دورتها الثالثة 2010، ولا أسمح لنفسي بذلك أساسا. لكن حين يتجاوز النقد أبطال روايتي، إلى المس بشخصي، وينزلق إلى التشهير بي، اعتمادا على أكاذيب، وتلفيق تهم وتزوير للنص الأدبي، وتقويل شخصياتي ما لم تقله، واتهامي بمواقف غير وطنية، في عملية تحريض علني مثيرة للاستغراب، فلن أكتفي بالرد الذي أورده هنا، مؤكدا على حقي المكفول بالرد على مقال السيد يسري الغول، المعنون "بين كتاب في جريدة وبوكر الرواية العربية"، وإنما سأحتفظ بحقوقي القانونية، إذا ما تبين لي، بعد الاستشارة، أن ما ساقه الغول من الفاظ واتهامات وتحريض يقع في إطار الذم والتشهير والنيل من السمعة الشخصية من دون حق أو سند.

أعترف بداية بأن الغول يبدأ بمقدمة موضوعية، وملاحظات نقدية تعبر عن وجهة نظر عقلانية وهادئة، تشيد بقوة بالرواية حتى جزئها الثالث، الذي "آلمني كثيراً لتوقف كل عناصر الرواية الحقيقة (..) فكان عنصر التشويق (...) قد ولى إلى غير رجعة، وبدأت التقريرية الصحفية تطفو على سطح سيرة الكاتب الذاتية، أو روايته حسب تصنيفها، وانتقلت الرواية من الأحداث المشوقة والمهمة إلى أخرى لا قيمة لها عند القارئ،" كما كتب يقول عنه.

أنفاس نت - محمد يوبعندما يريد القارئ المتتبع للمجاميع القصصية قراءة مجموعة قصصية قراءة نقدية، يقف حائرا حول المنهج الذي يلائم هذه المجموعة أو تلك، لأن طبيعة السرد القصصي ومدى تأثيره على المتلقي هو الذي يفرض نفسه عليه،ويحثه على الوقوف مليا أمام الكلمات المفاتيح التي تغلب على هذه المجموعة والطابع العام الذي يغلب على هذه القصص،الشئ الذي يدفعه للاهتداء إلى الأدوات والآليات النقدية الممكنة التي تساعد على فك ألغاز وخفايا هذا النص القصصي أو ذاك.

وعندما قرأت "وطن وسجائر بالتقسيط" للقاص المغربي أحمد السقال أثار انتباهي طريقة السرد التي تناول بها السي أحمد أغلب مواضيع قصصه، حيث إنها في أغلبها قصص تدخل في إطار ما يسمى بالسرد القائم على السخرية السوداء،هذا النوع من الكتابة الأدبية التي تعتبر بحق من الصعوبة بمكان، نظرا لما تحتاج إليه هذه الكتابة الذكية من تقنيات عالية وأدوات لغوية وبلاغية،التي تساعد على نقل الواقع المبكي بأسلوب مضحك،بمعنى أن طريقة الكتابة التي تخوض سرديات السخرية السوداء ينبغي عليها أن تجمع بين الكوميديا والتراجيديا في قالب واحد متناغم ومتلائم لاوجود فيه للتناقض والارتباك الذي يقضي على جمالية هذا النوع من الكتابة،والسخرية السوداء كانت معروفة في التراث العربي القديم وبشكل خاص عند الجاحظ وهو ما يسمى في كتاباته الأدبية بالأسلوب المضحك المبكي أو "ضحك كالبكاء".

أنفاس نتيتميز التفكيك عن النقد. فالنقد يعمل دوما وفق ما سيتخذه من قرارات فيما بعد، أو هو يعمل عن طريق محاكمة. أما التفكيك فلا يعتبر أن سلطة المحاكمة أو التقويم النقدي هي أعلى سلطة.إن التفكيك هو أيضا تفكيك للنقد. وهذا لا يعني أننا نحط من قيمة  كل نقد أو كل نزعة نقدية . لكن يكفي أن نتذكر ما عنته سلطة النقد عبر التاريخ"
J.Derrida, Points de suspension, entretien avec D. Cohen
Ed. Galilée 1992.
تذكرنا عبارة " تفكيك النقد" بعبارة أخرى أكثر قدما هي عبارة "نقد النقد"، فهل يتعلق الأمر بالشيء ذاته ؟ وإن كان الجواب سلبا، فما الذي يميز العملية الأولى عن الثانية؟
ربما كان علينا، تمهيدا للجواب عن هاته الأسئلة،أن نتساءل أولا مشروعية الحديث عند النقد بصيغتي التعريف والمفرد. هاتان الصيغتان هما اللتان كان دريدا، فيما قبل، يستعمل بهما لفظا أخر لا يبعد كثيرا عن لفظ النقد في السياق التفكيكي , هو لفظ الميتافيزيقا. ونحن نعلم أنه تدارك الأمر فيما بعد منبها أن علينا بالأولى أن نتحدث عن ميتافيزيقات. ربما كان هذا أيضا شأن النقد . قد يقال وأن المقصود هنا هو النقد من حيث هو استراتيجية ، وليس شكلا بعينه من أشكال النقد ، غير أن هذه الملاحظة لن تبدو مقنعة إن راعينا أن تلك الاستراتيجية تلونت عبر التاريخ. وهو أمر يشير إليه دريرا نفسه في السطر الأخير من النص السابق.

أنفاسمثلت انطلاقة "كتاب في جريدة" في نوفمبر 1997 انطلاقة رائدة في عالم الثقافة والأدب، فقد أراد القائمون على المشروع في حينه أن يبلغوا بهذا العمل الرائد ترسيخ وحدة اللغة والثقافة. وتعرُّف أبناء الوطن الكبير على كبار الكتاب والمفكرين والأدباء في العصر الحديث. ولعلي في ذلك الوقت كنت في بداية مشواري الأدبي؛ لذلك كنت انتظر أول أربعاء من كل شهر كي أبتاع جريدة الأيام المشاركة ضمن هذا المشروع. ولا زلت حتى اللحظة أذكر كم كانت متعتي في الحصول على الكتاب الشهري الذي تنوع خلال تلك الحقبة الطويلة بين الأعمال الإبداعية، والفكرية والتنموية، محتفظاً بذلك الكنز الثمين في مكتبتي كميراث لأولادي وغيرهم ممن أثق باحترامهم للكتاب.
مثَّل "كتاب في جريدة" خطوة كبيرة لي نحو التقدم والإبداع، حيث تعرفت من خلاله على كبار الروائيين والقصاصين العرب مثل بهاء طاهر وزيد مطيع دماج وإيميل حبيبي وغالب هلسا وعبد الرحمن منيف وإبراهيم الكوني وغائب طعمة فرمان، وغيرهم الكثير. كنت أقرأ أعمالهم بشغف، تاركاً كتب الدراسة كي أعيش عوالمهم، وأغوص في بحور أفكارهم. ولقد فتح لي "كتاب في جريدة" كوة من المعرفة نهلتُ منها الكثير الكثير. حيث أنني كنت أستعير جميع أعمال الروائي أو القاص الذي أجدني مشدوداً إليه حال فراغي من روايته أو مجموعته القصصية التي تصدر عن المشروع، فقرأت لبهاء طاهر خالتي صفية والدير وقالت ضحى وشرق النخيل وواحة الغروب والحب في المنفى وغيرها من الروايات التي لا تسعفني الذاكرة بها الآن. وقرأت جميع أعمال الروائي الرائع منيف، بدءاً بخماسية مدن الملح وانتهاءً بأرض السواد.

ممدوح عدوانيعتبر الإنتاج الحديث للشعر العربي المعاصر، والمتمثل في شعر الرواد (شعر الخمسينيات): السياب – البياتي- نازك الملائكة... هو الانطلاقة التجريبية الأولى التي تأكدت معها – فيما بعد- المبادئ القاعدية لتحويل الشكل الشعري للقصيدة وبنيتها الإيقاعية والذي سيبلغ مداه وأبعاده العميقة في شعر الستينيات الذي استوعب مجموعة من العلائق المنطقية التي أصبحت القصيدة تتدرج في إطارها، بفعل التطور الفكري والفني الذي خضعت له القصيدة العربية الحديثة، وذلك تحت تأثير عوامل داخلية وخارجية؛ إذ تلاشت الوظيفة الأفقية للبيت الشعري داخل عملية تكييف حديثة لحركة الحداثة التي مثلها: أدونيس ويوسف الخال- على وجه الخصوص  ومجلة "شعر " ومريدوها – على العموم-، وحلت محلها نظرة جديدة تزاوج بين ما هو أفقي وما هو عمودي على نحو تناغمي منسجم، معتبرة أن العملية الإبداعية على مستوى الشعر: "عقدة عضوية " تتقاطع فيها جميع المظاهر الشكلية والمضمونية، حيث يكمل بعضها البعض.
" ومع تلاشي الوظيفة الأفقية للبيت الشعري في صيغته التقليدية، واعتماد البيت الوحيد البنية؛ سادت إرادة الابتعاد عن الانتظام الهندسي للزخرفة الشعرية الاتباعية، بهدف الحصول على حرية إيقاعية، وكذلك – وهذا هو الأهم – على حرية في البناء الشعري."1
وعلى هذا الأساس، أصبح للشاعر كامل الحرية في إطالة الإيقاع أو اختصاره، تبعا لإرادته ودفقته الشعرية وذوقه وحاجته، متمتعا من ناحية أخرى بحرية اختيار القافية التي يختتم بها أبياته.

محمد يوب - أنفاسالرمز من التقنيات التي يكثر استخدامها في الشعر المغربي المعاصر،وهو وسيلة يعتمدها الشاعر للإيحاء بدل المباشرة و التصريح،فينقل القارئ من المستوى المباشر للقصيدة إلى المعاني و الدلالات التي تكمن وراء الكلمات،كما يقوم باستكمال ما تعجز الكلمات عن تبيانه.
يقول أدونيس( الرمز هو ما يتبح لنا أن نتأمل شيئا آخر وراء النص،فالرمز هو قبل كل شئ معنى خفيا وإيحاء،إنه اللغة التي تبدأ حين تنتهي لغة القصيدة،أو هو القصيدة التي تتكون في وعيك بعد قراءة القصيدة)
ويرى كارل يونغ أن الرمز(أحسن طريقة ممكنة للتعبير عن شئ لايوجد له معادل فكري آخر،من الحق أن مضمونه المنطقي أو العقلي يستطاع إدراكه وفهمه لكن مضمونه اللامنطقي لا يمكن تفسيره تماما،وإنما يلتقطه الحدس)
وهذا المدخل يساعدنا على فهم المستويات الدلالية في القصيدة ،المستوى الظاهري وهو المستوى المباشر،و الثاني باطني ينمو نموا طبيعيا من المعنى الأول.وعملية نمو مستوى الرمز ليس عملية إنابة عن المستوى الأول فالمستوى الأول ضروري وأنه أحسن طريقة للتعبير،وهو الذي يلائم منطق العقل ويوافقه.
و الرمز لا ينهض على محاكاة الواقع،وإنما ينطلق منه ويتجاوزه لإنشاء علاقات جديدة مرتبطة بعالم الشاعر،وفي هذه المرحلة يصبح الشعر أكثر صفاء وتجريدا،لأنه يقدم صورا حسية توحي بما هو معنوي.وهو بذلك عندما ينطلق من الواقع يرتبط بالذات فتنهار المعالم المادية وتنهض على أنقاضها علاقات جديدة مرتبطة بالرؤية الذاتية للشاعر.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة