tableau-abstrait-0102يتميز الخطاب الشفوي بفرص ليست متاحة للخطاب المكتوب.
فالشفوي فيه حضور متحدثين ويمكن أن يستعان فيه بالحركات والاشارات ويمكن تبادل الأدوار بين المتكلم ومستمع فضلا عن أنه يمكن التحقق من آثار الخطاب وتصحيحها فورا إن وجب التصحيح.
بينما تعترض القارئ جملة من الصعوبات نحاول أن نتبينها لاحقا.
إن الموضوع نظرية القراءة وآليات التلقي يجعلنا ننصرف مباشرة إلى الخطاب الأدبي بسبب ما يميز الإنتاج الأدبي من خصوصية بلغت درجة من التعقيد تستدعي البحث والمساءلة وقد ذهب "فيني جيرار"إلى أن العلاقة بين المنشئ والمتلقي هي العلاقة مبنية على عدم اليقين، بحيث إن الكاتب وهو ليس متأكد من نوايا القارئ، كما أن القارئ وهو يقرأ ليس متيقنا من مقاصد الكاتب، فالعلاقة بين الطرفين تقوم على الشك والاحتمال أصلا وهذا يعود إلى طبيعة الخطاب الأدبي من جهة ثانية إلى عملية التلقي.
إن الخطاب الأدبي من طبيعته، بل من شروط أدبيته ان يجعل الأشياء المألوفة تبدو وكأنها غير مألوفة، وهذا الفعل الذي يتجه نحو خرق المألوف هو ما يخلق الغرابة وما يغلف العمل الأدبي بهالة من السر قد تستعصي على التفسير ولعل هذه الظاهرة هي التي جعلت قدماء اليونان ينسبون الشعر إلى ألهةالأولمب وقدماء العرب ينسبونه إلى شياطين واد عبقر.

ABSTRAIT111الكتابة الأدبية الراهنة: 
إن المتأمل في الكتابة الأدبية الراهنة وما يواكبها من حركة نقدية تتيح للمنجز
النصي إمكانيات جديدة للتأويل والتحليل والتنظير والاستنطاق المختلِف لعالمالنص يَلفى أن إعفاء النقد من آلياته الكلاسيكية و"المطلقة" ، والانفتاح علىالمناهج الأدبية والدراسات النقدية المعاصرة بات ضرورة ثقافية وأدبية تفرضهاالمثاقفة الإبداعية العالمية لخلقِ أفقٍ جديد للتحليل والتأويل، وحوارٍ تناصيّ مع النصوص، وانفتاحِ النص الأدبي على آليات نقدية جديدة وقراءات جديدة ممكنة، ( ولهذا لا مناص من الانفتاح على المناهج الحديثة، وما مِنْ مناصٍ من خلخلة نظرة التقليدانيّين للأدب بشكل عام وآليات تلقّيه، ولنا في التاريخ أُسوة حسنة في الانفتاح، لعل خير مثال لذلك في تراثنا: انفتاح المعتزلة الذين استفادوا من التحليل اليوناني للدرس البلاغي والنقدي والشعري ثم أقاموا صرح البلاغة والنقد المتميز عن ذلكم التحليل) وهذا لا يعني  - أثناء انفتاحنا - أن نُبعد النص عن خصوصياته الثقافية والاجتماعية التي تميزه عن غيره/ الفرنسي والانجليزي والألماني والروسي وو.. ونُخضع النص قسراً كفأر تجارب لمختبرات ستراوس وفوكو وبارت ولاكان وألتوسير وبروب وسوسير وآليات التحليل النفسي أو البنيوية أو التفكيكية أو السيميائيات العامة أو الشكلانية أو الواقعية ..إلخ، فَنُقَوِّل بعض النصوص ما لم تقل، وإنما أقول ما قال إمبرتو إيكو:"النص كونٌ مفتوح (open-end)"[1]، قابل للمساءلة والتأويل والنقد والتداول والانحراط في إعادة تشكيله وصياغته، على اعتبار أن النقد إبداع مُوَازٍ لإبداع الكاتب أو الشاعر.

بعد أربعين متفرقات ما بين السياسة والتاريخ والاجتماع، تقابلك "خصوصيات" الجزء الرابع من الشوقيات. هذه "الخصوصيات" تضم ستة وسبعين قصيدة، خصّ منها "أحمد شوقي" الحيوان والطير، وغيرهما، بثلاثة وخمسين "حكاية شعرية". حكايات ـ تستوحي نمط قصص كليلة ودمنة، وقصص "لافونتين" ـ نظمها "شوقي" بأسلوب تستشف منه جوانب "الحكمة، والخبرة، والتوظيف الرمزي للتأديب والتهذيب". كما يكتسي ـ أحياناًـ بمسحة "طريفة، سّاخرة، ضاحكة".
لقد حظي "الثعلب" (بنصيب الأسد)، فكان أكثر الحيوان ذكراً في قصصه (9 قصائد). ذلك أن أمير الشعراء "شوقي" (1868-1932م) يراه (وأمثاله ممن ينتهجون نهجه من البشر) رمزاً للخبث والمكر والخديعة. تلي الثعلب "الحمار" (6 قصائد)، ثم "الأسد، والكلب، والشاة" (5 حكايات لكل). ومن الطير كان للديك/ الدجاج، في "حكايات "شوقي" (3 عناوين)، أما "الغراب، والحمام، والعصافير" (قصيدتان لكل)، بينما ذُكرت "النملة" في ثلاثة حكايات (أحمد شوقي: الشوقيات، الجزء الرابع، المكتبة التجارية الكبرى بمصر، 1983م). ومُبيناً الغاية من وراء هذه القصص يقول "شوقي" في مقدمة قصيدة "الصياد والعصفورة":
حكــاية الصيـــاد والعصفوره صـارت لبعض الزاهدين صوره
مـــا هَزءُوا فيهــــا بمستحقَّ ولا أرادوا أوليــــاء الحَـــــــــق

peinture-8هو اقتحام لزمن التمكين ....هو ارتحال هامس بالوطن....هو وجع مسيج بالانتظار...أو انتظار مسيج بالوجع...وأنا أصاحب بوحه المفلت من صفة التطابق والباحث عن هويته ضمن مسارات التعدد ...قابلني الألم الكامن في حرفه وذلك الحلم بالاسترجاع والتحقق ...هذا ما وجدته في نص الشاعر المصري الأستاذ محمد الخولي والموسوم بـ"عيد ميلادي"،فما يقوله النص؟

العنوان:"عيد ميلادي" يتشكل العنوان من ملفوظين ،فعيد تحمل دلالة الفرح والتجدد والسرور والبهجة...،وترد نكرة لتترك للمعنى الملحق أن يحدد هويتها ،وأما لفظة "ميلادي" فتدل على الانبعاث والتجدد والبدء....،إذ النسبة دلالة اعتراف بأن الهوية اللغوية في طور الإنجاز ،حيث تسعى الذات/النص لتجديد محدداتها وخصائصها وفق انفتاحات زمنية مختلفة،وكأن بالمنجز النصي يعلن ارتهانه للتشكل القبلي/البعدي حيث التحقق في الزمن الماضي ثم الاحتفاء بذاكرة لغوية ومحاولة استرجاعها في لحظة الذكرى حينما تلتقي أو تلامس تجدد الإعتبار التاريخي في راهنه المعاش ،ومن ثمة يعترف النص باحتوائه لعناصر الزمن المنقضي والزمن القادم في الوقت ذاته،حيث الهوية هي خليط متجانس بينهما،ومن ثمة فالنص يلتقي بهما من خلال المتعالقات الواقعية الآنية والتاريخية معا.

abstrait112النقد في عالمنا العربي دائماً مدان ومتهم، و لا تثبت براءته أبداً.. فإن كتب الناقد اتهم بالتحيز حيناً أو المعاداة حيناً آخر، وإن لاذ بالصمت صار متعالياً و إقصائياً.. ويتهم النقاد دوماً بإهمال النصوص الحقيقية، والتركيز على أسماء معينة، حتى تكاد تتخيل أن النقاد يتنافسون في ما بينهم في تناولهم للنص المحتفى به لكاتب لا تنقصه الشهرة ولا جوقة مطبلين، كلما نشر كتاباً جديداً، في حين نجد كتابات وأسماء لا يكتب عنها سطر واحد، والضحية دائماً هو النص...

القاص والمترجم المغربي المقيم في فرنسا (محمد المزديوي) يرى بأن هذه الحالة المَرَضية أمر واقعٌ حتى في  فرنسا، ولعل الأسباب كثيرة ومتضافرة. من بينها، ولعله أخطرها، العلاقة الملتبسة  بين النقد و الإبداع، وأيضاً العلاقات التي تربط النقاد بالمنابر المتعددة، من جرائد ومجلات متخصصة... ربما كان الخلاص في النقد الأكاديمي ولكنه بطيء، وأحياناً يغرق في شكليات لا تفصح عن مضمون يستطيع القارئ العادي أن يتفهمه... إذاً لا مفرّ من النقد الصحفي، السريع والمواكب لظهور النصوص الإبداعية.. في فرنسا تطبع في كل دخول أدبي ما يناهز 700كتاباً لا يحتفي النقد إلا بعشرة إلى عشرين كتاباً فقط...  دون نسيان الخط التحريري للمجلة والصحيفة (التي يكون مسؤولوها، وهم عادة مبدعون ونقاد، مرتبطين بكُتّاب مُكرَّسين معروفين) له دور حاسم في تقبل النصوص النقدية، أو في القذف بها في سلة المهملات.... ويضيف المزديوي: "جميل أن ننشر ونحتفي بالشباب ولكن حذار من أي نزوع شبابويّ أو من تلهّف لدفن الكبار الذين لا يزالون ينزفون إبداعا"ً.

277hGrisetقصة خريف يحكيها رجل قتلته الوحدة وشاخ قبل الأوان
انسكبت مني الحياة منذ أعوام وتركتني ظلا أسعى
 الـــــغُـــــربــــــة:
قدم عبد الله العروي في مؤلفه "الغربة"، نموذجا روائيا مستجدا ومميزا في الواقع الروائي المغربي، حيث رسم من خلاله رؤية فريدة للرواية كما تصورها النقاد المعاصرون في العالم الغربي. وقد عُد مؤلفه من بين كتب قلائل بادرت إلى تبني النموذج الجديد هذا في العالم العربي. وكان ذلك السبق في خريف سنة 1956، أي بالتزامن مع الاستقلال السياسي للمغرب. وقد ساهم هذا المعطى التاريخي بشكل كبير في تحديد الوجهة الرئيسة ورسم المسار العام الذي ستسير وفقه أجواء الرواية وأحداثها رفقة شخصيات اختارها عبد الله العروي لتكون عناصر فاعلة ومحركات لتلك الأحداث التي تبدو للقارئ في بادئ الأمر غير ذات حمولة وافية، ومع القراءة الواعية والمتعمقة يندمج متتبعي أحداث الرواية تدريجيا في جوها العام، كونها - أي الرواية- تحمل في طياتها أبعادا مختلفة تعالج مواضيع آنية متعلقة بالزمان والمكان ( خمسينيات القرن الماضي // استقلال المغرب)، مما جعل الكتاب يصدح بمواضيع شتى، ويتصدى لقضايا ذات أبعاد واسعة مرتبطة بجوانب ثقافية، سياسية، مجتمعاتية و اقتصادية لمغرب الخمسينات كما كان يتصوره عبد الله العروي وفق نظرة ثاقبة لكاتب ليس بالعادي؛ حيث إننا في حديثنا عن د.العروي فنحن نذكر المفكر، والناقد المؤرخ والفيلسوف: هذه الجوانب الثلاثة ساهمت في انبثاق رؤية وحدوية فريدة لكاتب مميز عن واقع متبدل وخاضع لصيرورة مكثفة وفق أحداث كبرى شهدتها البلاد في العصر موضوع الرواية وشهدها الفيلسوف الروائي بمنظوره الثاقب  وبطريقته الخاصة، لتكون روايتنا هاته نتاج مخاض عسير لا يتصدى له سوى كاتب كبير كعبد الله العروي الذي نجح في رصد الأحداث بكل دقة، وعمد إلى طبع روايته هاته بطابعه الفكري الخاص عن طريق تعليقات تمس في الجوهر آراء، وأفكار، وتصرفات شخصيات القصة.  

Anfasseالثقافة هي المدخل والمعول لكل التحولات السياسية والاجتماعية وغيرها
"الطفولة مكون جوهري من مكونات الشخصية مثل الوطن، قد يشيخ ولا تشيخ مكوناته في دواخلنا"
"وراء كل إنسان عظيم فلسفة، وروافد شتى داعمة له"
حوار من إنجاز نعيمة الزيداني- صحافية من المغرب
ضيفتنا لهذا العدد من فرح الشاعرة العراقية المتألقة "فاتن نور"  ابنة محافظة البصرة الفيحاء، حاصلة على بكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة البصرة. عملت بمجال تخصصها بعدة وزارات عراقية دون أن تعرف الاستقرار، وعن ذلك تقول" رُحلّتُ من وزارة إلى أخرى كالمساجين حين يُرَحلون لصراحتي في كشف الحقائق أمام الجهات العليا ."
هاجرت إلى الولايات  المتحدة الأمريكية، وبها تقيم حاليا، ثقافتها واسعة ومتنوعة فهي مهتمة بالفلسفة وعلم النفس والشعر والقصة، ولها فلسفتها الخاصة في القراءة، تقول" تنوعتُ في قراءاتي ما بين العربيّ والعالميّ،  أبحثُ دوماُ عن الكتاب والكتاب الناقد للكتاب / لعبتي هي الشيء ونقيضه."
تكتب الشعر منذ كانت طالبة في المرحلة المتوسطة، لغتها الشعرية شديدة التفرد، وقصائدها تفيض فلسفة... يقول عنها الناقد الدكتور وليد سعيد البياتي "الشاعرة فاتن نور تمثل مسارا خاصا ومتفردا في الشعر الرمزي، وهي تحاول تقديم منظور فكري معاصر للمرأة."
أهلا بك في هذا اللقاء مع قراء فرح

النزعة الأيديولوجية في تقييم النصوص الشعرية - فاتن نور

ideolثمة آفات كثيرة تنخر في المشهد الثقافي جلها معلل بمستوى الوعي العام والجهل بماهية الأدب، وهي من الماهيات العليا التي لا ينبغي جرها الى الدرك الأسفل. وفي هذا المقام سنقف على تخوم آفة خطيرة، وهي تقييم شكل النص الشعري بفعل المضمون وما ينطوي عليه من انزياح  فكري أو عقائدي أو توجه قد لا يستحبه المتلقي سواء كان قارئا عاديا أو ناقدا. أو قد يُستفز به أيديولوجيا فيصب جام غضبه على الشكل الشعري مبخسا اياه ومتجنبا الخوض في المضمون لعلة ما.  إنما الأنكى في الموضوع هو إغتيال الشاعر أدبيا بفعل الأيديولوجيا أو الإنتماء بشتى صنوفه، فإذا كان المتلقي أديبا او ناقدا قد يلجأ الى تسفيه نصوص الشاعر أو النيل منها إشباعا لعدائيته أو اهمالها.  وثمة تعصب ايديولوجي قد يصيب صاحبه بالعماء فلا يرى إلاّ شعراء محيطه الأيديولوجي وربما ممن لا يتقاطع معهم نفسيا أو مزاجيا فقط أو اخلاقيا. والجدير بالذكر أن المعروف عن الشاعر محمود درويش الذي يلقب بشاعر القضية الفلسطينية تشبعه بالأدب العبري، ولم تعفه نفسه عن قراءته لأسباب سياسية أو عقائدية أو عدوانية. وهذا نهج سليم فالأدب لغة عالمية وليس دينا أو حزبا أو تيار.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة