«توقفي أيتها الندف المتطايرة. توقفي أيتها الرياح !
هل ثمة من هو قادر على تذكري ؟»
آنا أخماتوفا
قطعة ُ بازلت خيطها العشب / رداءُ الصفصاف
هي. آثارُ رياح هبت فاقتطعت وجه الصخر. الشطرُ الأيمن غاص
كقطعة نقد في البحر. الشطرُ الأيسر لازال هنا (قطعة ُ نرد تضربها
الريح فترفعها كالرمح إلى أعلى !)
الشطرُ الأيسر بيتي ... / .
...................
لو أشرعتُ اللحظة نافذتي. لو قـُيِّضَ للريح الرخوةِ
أن تمسح طاولتي. أن تنشرَ ضَوْعَ البلـّوطِ الناشف في
" يا غيمة ُ أهلا في ساحة بيتي ! عليكِ سلامُ الغائبِ
مني. إن الليل طويلٌ و ثقيلٌ، أتنامين بقربي ؟ !!!
...................
الريحُ الرخوة ُ تشتدُّ. الغرفة ُ تختضُّ (البابُ المُشرَعُ للغيمِ،
مصاريعُ النافذةِ، طاولة ُ الإبلنز، صفُّ الكتـُبِ المشري
حديثا – بعضُ دراساتٍ في علم النفس و في الفلسفة، مسوداتُ قصائدَ
لم أكملها، و رواياتٌ لم يطلبها أحد غيري – ) و كذا المرآة ُ المهجورة
تختضُّ : كأنَّ غزالا مذعورًا سيَنُطُّ من البلور ليبني عشه
في الركن !
...................
لو لم أشرع نافذتي ... هل كان لنقار الخشب أن يقفز
في هذي الساعة فوق مخدّاتِ القطن. أن يَفرُكَ منقارَه
في شَعْري كي يُوقِظَـني ؟ !!!
لو لم أشرع نافذتي ... هل كان لنقار الخشب أن يدخلَ
هذي الغرفة َ؟ هل كان سيمطرني بالأسئلة:
"من أنتَ؟ من أي بلادٍ بائدةٍ جئتَ؟
يَا ابنَ قرَامِطَةٍ ! يا ابنَ شيوخٍ متصوفةٍ ، قـُمْ و انـْـفضْ عنكَ
رداءَ النَـوم؟ قـُمْ و ادخل مطبخكَ في هذي الساعةِ / قطعًا
في هذي الساعةِ من هذا الليل المبْـتـلِّ ...
جاهد كي تبصرَ في العتمة كيسَ البنِّ !
(أكياس البن ثلاث) جاهد كي تبصر ذاك الكيس
الأثخنَ لونا. ذاك البنَّ الناعمَ مثل صلاة الفجر !
...................
... لم تبصره ؟ حسنا !
جاهد أكثر ! أغمض عينيك و درب أنفك، دربه
مثل كلابِ الصيد الألماني، و دعه يشقُّ العتمة َ– حيث شميمُ
البن اللامع كالذهب – ستبصر ذاك الضوءَ بلا ريبٍ
فتتبعهُ ... تتبع أنفك لا تخشى !
خذ كيس القهوة بين يديك و قــبّـلهُ. ضع في الطـَسْتِ المُهملِ
ملعقتين و ملعقة ً من مسحوق الغيم و حركه
على مهل ! حركه على نار هادئةٍ. سيصير البنُّ
و لا أصفـَى ... !
ستشمُّ روائح لم تألفها ( ماءَ التفاح، أريجَ الحناء، رحيقَ
التين البري، نديفَ البلوط النابتِ في المرتفع الصخري ...).
سيصير البن و لا أزكى... !
ستـُطلُّ وجوهٌ لم تعرفها ( من حرثوا الأرض من الفقراء / فـُقـرَا
أمريكا الوسطى، من زرعوا الأشجارَ، من دفعوا العرباتَ
و من قطفوا حبَّاتَ القهوة ... )
سيصير البن و لا أحلى... !
ستكون وحيدا في عتمة مطبخك. مرتجفا ستكون
و مختلفا ......... !
...................
الريحُ انطفأت – عادت رخوًا – أشجارُ البيتِ انكفأتْ
في البردِ تـَعُدُّ خسارتها (أوراقا و ثمارا طوَّحَها العصفُ !).
جِـراءُ الكلب اختبأت في جوفِ السُّورِ مبللة ً– على غير العَادة
لم تنبح في هذا الوقت ...
... العالمُ أكثرُ صمتا ! /
أقـُومُ الآن ....
أثبِّتُ مِصراعًا خلعتهُ الريحُ. أنضِّدُ طاولة َ الإبلنز،
ألملمُ أوراقي و أرتـِّبُ مسودّاتَ الشعر.
شخِيرُ غزالٍ في الركن. نقارُ الخشبِ استسلم للنومِ
غريبَ الوجه. أتقلـَّبُ منطفئا بين مُلاءَاتٍ صوفٍ
و حشايا. أتقلب في قطعة بَازلتٍ.
... الغُرفـَة ُ هادئة ٌ جدا ! /
لا شيءٌ يقطعُ هذا الصمتَ. لا شيءَ يُكدِّرُ صفوَ السمكِ
الهاجعِ في قاع المرآة.
...................
كسطح بحيرة لادوغا Laatokka يتلألأ
وجه المرآة !
... الغرفة أكثر دفئا ! / .
زياد عبد القادر- زيوسودرا