إذا كان صاحب جائزة نوبل الهندي أمارتيا صن ينظر إلى التنمية باعتبارها حرية، بكل معانيها ومستوياتها الفكرية واللغوية والفعلية السلوكية، فإن التنمية لا يمكن تحقيقها خارج الثقافة من حيث هي نمط وجود وخط فاصل بين مملكة الحيوان وعوالم الإنسان المادية والرمزية والافتراضية. بهذا الصدد، لا يمكن مقاربة مشكلات التنمية وقضاياها المختلفة دون استحضار الإنسان محركها الأساس، لأن التنمية الاقتصادية بمعزل عن روح الإنسان وعقله ورموزه وسلوكه وفعله مآلها الفشل وظهور تناقضات التحديث ومفارقاته الاجتماعية والثقافية. كما أن الحديث عن نموذج تنموي مفترض لا يستقيم دون وضع الرهان الثقافي في صلب اهتمامه، تبعا لاستراتيجيات محددة في المكان والزمان وبرامج محكمة الأهداف والآليات، وفي انسجام تام مع انخراط الفاعلين والمؤسسات ذات الصلة. إذا كيف هو الوضع الثقافي في سياقنا الشمال إفريقي والشرق أوسطي؟ وكيف يتحدد حجم القراءة؟ وما مدى حضور الكتاب في الحياة اليومية للأفراد؟ وبأي معنى يمكن الرهان على القراءة والثقافة لتحقيق التنمية الشاملة؟ وهل معارض النشر والكتاب تسهم في نشر فعل القراءة وتشكل فرصة للتنمية الثقافية أم أنها لا تحيد عن كونها مواسم تكشف عن فراغاتنا وهول عزوفنا عن القراءة وخواء ذواتنا؟

حمل العقد الأخير صورة بانورامية عن عالم يبدو أنه في مرحلة تحوّل كبير، فتحديدا منذ بداية الأزمة المالية العالمية في العام 2008-2009، يرى عدد من المراقبين أن العقد اللاحق لتلك الأزمة كان أكثر عقد شهد حراكا شعبيا وسياسيا اجتماعيا من حيث الكثافة وحجم الانتشار منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وكانت التظاهرات الشعبية الواسعة واحتلال الشوارع والميادين والمساحات العامة هو شكلها الرئيسي، بداية من الاحتجاجات والمظاهرات في اليونان في العام 2010 والتي تجدّدت مع اندلاع الربيع العربي في الشرق الأوسط مع العام التالي، الربيع الذي كان أول الفتيل لحركة تظاهرات عالمية جماهيرية ضخمة في أوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية، وظهور حركات احتجاجية منظمة على نمط حركة "احتلوا وول ستريت" استمرت لسنوات تلت، مرورا بمظاهرات البرازيل وبروكسل في 2014، والصعود الكاسح للشعبوية في الغرب كله، وصولا إلى مظاهرات السترات الصفراء في فرنسا نهاية العام الماضي، ثم تجدّد المظاهرات في مصر واندلاعها بقوة في السودان والجزائر ولبنان وتشيلي.

بادئ ذي بدء، يحيل الحق في الكسل إلى بول لافارج Paul Lafargue وكتابه الحامل لنفس العبارة كعنوان والمنشور للمرة الأولى عام 1880 وفي طبعة ثانية عام 1883. يعد هذا الكتاب بيانا اجتماعيا يتضمن ملاحظات الكاتب حول "قيمة العمل" والفكرة التي كونها الناس عنه.
هذا النص وإن غدا كلاسيكيا، فهوغني تاريخيا حيث إنه يقدم مونوغرافيا اجتماعية واقتصادية وفكرية ويحلل البنيات الذهنية الجماعية في القرن التاسع عشر. بكلمة واحدة، يجرد كتاب "الحق في الكسل" العمل وووضعه القيمي من طابعه الأسطوري.

إِنما الموتُ مُنْتهى كُلِّ حي.. لم يصبْ مالكٌ من الملكِ خُلْدا
عندما لا ندري ما هي الحياة ، كيف يمكننا أن نعرف ما هو الموت. - كونفوشيوس
في تجرّع كأس الموت ينهض الإنسان إلى الطرف الآخر للوجود، وتبدأ رحلته الأبدية إلى عالم مجهول. وعندما يفكر المرء في أحداث الرحيل المرتقب إلى العالم المجهول ترتعد منه الفرائص ويرتجف القلب، وفي غمرة الخوف من الموت والحزن على مفارقة الحياة ينهض فضول معرفي إنساني لاستكشاف منازع الموت وأسراره، ويتجلى هذا الفضول في دوامة أسئلة حائرة شاردة مرتدة في معنى الموت ما زالت تقرع عقل الإنسان منذ الأزل.
الموت سر الأسرار ولغز الألغاز وينبوع أسئلة تقض المضاجع تتمحور في صيغ متعددة أبرزها: هل الموت رحلة إلى الفناء الأبدي؟ هل هو صيرورة إلى العدم؟ هل هو اختفاء وقتي أم اختفاء إلى الأبد؟ هل نتحول بعد الموت إلى روح خالصة أم إلى جماد أبدي مرتقب؟

لماذا نحرص، بكل إصرار وقتالية، على تقبيح أو وأد أجمل ما فينا؟ هل نعي بأننا نضحي بسعادتنا الفردية والجمعية المتوقفتين على السلام الداخلي والخارجي لصالح حرب لا تبقي ولا تذر؟ لماذا نغذي هذا التغول في الأنانية وحب الذات بالحقد وكراهية الغير؟ أليس من النبل أن نحب غيرنا كما نحب أنفسنا، ونحب لهم ما نحب لأنفسنا؟ لماذا نركن إلى التقوقع والانغلاق ونفوت علينا فرص التطور؟ أليس من الأجدى أن نحرر أنفسنا بأنوار الانفتاح؟ لماذا ننتصر للوحش فينا؟ أليس من الحكمة أن يترفق هذا الإنسان بنفسه، وينتصر للمحبة فينتهض لتوطيد أواصرها، ومد جسورها، حتى تطلع الوردة من قلب الحجر، ويسعد كل البشر؟ بعض من أسئلة التعصب الكبرى.
1- في ماهية التعصب
التعصب في المعاجم اللغوية دائر على معاني الالتفاف والتجمع والتقارب والنصرة والمحاماة والتعنت والتمسك والميل والإعجاب والحمية (تنظر في ذلك المعاجم).
وتجدر الإشارة إلى أن الذي يهمنا في هذا المقال، في هذا المقام، ليس التعصب في إطلاقه العام، والذي قد تستفاد منه معان إيجابية، كالتعنت للحق، والتمسك بالموقف الصائب، ونصرة الفقراء والمظلومين، وتوطيد الوشائج في خير، والاعتصام بحبل المودة، وما إلى ذلك. فذلك مطلوب التعصب له. وإنما يهمنا التعصب بما هو مرض نفسي-اجتماعي.

يحوز الدارس الاجتماعي الأمريكي رودناي ستارك مكانة مرموقة في أوساط المهتمّين بعلم الاجتماع الديني في الحقبة المعاصرة، بموجب ما أسهمَ به في تطوير الطروحات السوسيولوجية الجديدة بشأن متابعة الظواهر الدينية، ضمن مجموعة علماء الاجتماع الذين ينادون برفع الحواجز عن كافة أشكال الإيمان، ضمن ما يُعرف بـ "تحرير السوق الدينية". فضلا عن انشغال هذا التوجه بانتقاد سائر أصناف الاستئثار، والمونوبولات (الاحتكارات)، التي تقف حائلا دون الانتشار الحر للاعتقادات الدينية في العالم.
يتلخّص كتاب ستارك "انتصار الإيمان" الصادر بالإيطالية في السعي للإجابة عن سؤال: لماذا عالم اليوم أكثر تديّنا بخلاف ما ساد سلفا؟ وهو ما يسير على نقيض ما يروج أحيانا بأن عالمنا هو عالم هجران العقائد والأديان. فمن خلال بحثه يخلص رودناي ستارك إلى أن عالم اليوم يشهد مدّاً إيمانيا ليس له نظير، بما يدحض الأطروحات التي سادت منذ ستينيات القرن الماضي عن اكتساح العلْمنة واللاّتدين وهيمنة التفسّخ الديني على المجتمعات، على اعتبار أن التملّص من الدين هو ما يطبع سير العالم.

تدبير ندرة الماء بالأرياف المغربية ذات الخصاص، هذا إشكال بقدم في التداول والتناول وفق إرث ثقافي وسبل تحكيم وحكامة خاصة وأعراف محلية، تهم عملية الإجراء والفعل المباشر في علاقة بأساليب سقي معتمدة عند المغاربة منذ قرون. ورغم أن الأعراف المائية غير محددة بدقة فهي مجال خصب لدراسة أشكال تدبير هذه المادة بالأرياف منذ الماضي والى غاية اليوم. ولعل تقاليد المجتمع المغربي كغيره من المجتمعات تتطور مع مرور الزمن، ما جعلها بمفاهيم في حاجة لتحديد وتتبع، مع كون الأعراف المعتمدة هنا وهناك كقوانين في طور التكوين هي بمثابة سياقات تحتوي نماذج جاذبة للتدقيق والتعريف.  

إن أكثر من يلجأ إلى زيارة الأضرحة هم أولئك الذين يعانون من علة مرضية، حيث يعتقد البعض أن كل ما ينتسب إلى الولي يتميز بقوة خارقة. ونحن في هذا المقال سنعمل على رصد الطقوس والعادات التي يتم تتبعها أثناء "الزيارة"،  حيث تتضمن الشعائر والطقوس الخاصة بالزيارة الضرائحية دلالات رمزية عديدة ستتم الإشارة إليها أثناء حديثنا عن كل طقس على حدة:
- النية: فالنية معطى نفسي اجتماعي، ترافق الفرد خلال مختلف مراحل نموه وتترسخ لديه بكيفية أكثر أو أقل من خلال التنشئة الاجتماعية، وأشكال التنشيط الاجتماعي الذي تمارسه البنية الاجتماعية والثقافية، كما تترسخ من خلال العديد من الأمثال الشعبية كالقول "مول النية يربح" "دير النية وبات مع الحية (Espace_réservé1)" .