يخلد الفلاسفة بمفاهيمهم، و العلماء أيضا، بل إن العالم يتحول في آخر المطاف إلى إنسان مقترن بمجموعة من المفاهيم صيغت في شكل قوانين. و يخلد المفهوم الفيلسوف باعتبار المفهوم في جوهره تورطا و ارتطاما بالعالم و قضاياه، و بالضبط بقضايا الإنسان في علاقته بالإنسان. و التورط و الارتطام قد يكونان بالمعنى الإيجابي و قد يكونان بالمعنى السلبي، و السلبي و الإيجابي يدركان طبعا انطلاقا من شرط من يرى و يدرك. و حين يتمكن الفيلسوف من بناء مفهوم ما بهذا المعنى( وهي عملية في غاية الصعوبة و إلا لكان كثير من الناس فلاسفة )، يولد المفهوم و ينفصل عن صاحبه، و يصبح ملكا لكل قادر على التورط أو إعادة التورط به. و هنا يكمن سر تخليده للفيلسوف الذي أبدعه. أما سر تخليد المفهوم للعالم، فالواضح أنه أشسع من سر تخليده للفيلسوف خصوصا حين يتعلق الأمر بالمفاهيم المرتبطة بقضايا الإنسان، إذ إلى جانب كون المفهوم هنا تورطا و ارتطاما بالعالم و قضاياه يستثمره آخرون، فإن المفهوم في العلم يعتبر أداة للكشف و الاستقراء و النبش و السبر و التفكيك (تفكيك الوقائع طبعا) ...، يستمر اعتمادها( الأداة) بالتناسب مع حجم قوتها و فعاليتها، وما دام العلم لم يتمكن بعد من بناء مفهوم آخر أكثر قوة و فعالية.

"لم يكن حراك الاحتجاج على ارتفاع سعر المحروقات في المدن الفرنسية احتجاجا على سياسات ماكرون وحكومته فحسب وانما كان احتجاجا يضرب في العمق نظاما كاملا دفع بالإنسان إلى هاوية الجشع الرأسمالي." بهذه الكلمات كتب المفكر اليساري الفرنسي "جون كلود ميشيا" رسالته إلى الثائرين في الشارع الفرنسي من أصحاب السترات الصفراء والذين لم يعد في وسعهم حسب الكاتب إلا أن يثوروا بعد يأسٍ من اليمين واليسار .[1]

يساند ميشيا بشدة انتفاضة السترات الصفراء (ليجيليجونles gilets jaunes ) ويرى أنّ القائمين بها يمثلون أغلبية الشعب الفرنسي الذي صار مرتهنا في حرّيته وضرورات حياته للمؤسسة الرأسمالية التي لا تتوانى عن تفقيره ونهب قوته واستعباده.  

عرف المغرب منذ أمد طويل بتراثه الغني الذي كان ولا يزال يشكل بصمة خاصة تميزه عن عدد من دول العالم. وعندما نتحدث عن التراث الشعبي، لابد لنا بداية من أن نحدد الخطوط العريضة التي سنحاول تسليط الضوء عليها في هذا المقال؛ ذلك لأننا سنقوم بتناول الأغنية الشعبية بالدراسة، باعتبار أن هذه الأخيرة تشكل عنصرا مهما من عناصر الأدب الشعبي، ولن نكتفي بالوقوف عند العموميات وإنما سنحاول أن نتعمق أكثر في رصد حضور المعتقد الديني في أغنية “العلوة” على وجه التحديد.
وقبل المضي في هذه الدراسة تجدر الإشارة إلى كون الثقافة الشعبية هي تلك الثقافة التي ينتجها الشعب خارج الضوابط المؤسساتية، ولذلك فأهم خاصية في الثقافة الشعبية هي أنها تتسم بالتداول وأنها غالبا ما تكون مجهولة المؤلف والمصدر، فنقول مثلا “ضرب الحديد ما حدو سخون” من هو قائلها؟ فهو مثل ذو مصدر مجهول لكنه يتسم بالتداول. وذلك في مقابل الثقافة الرسمية التي تعتبر ثقافة مع سبق الإصرار لها قوانينها وضوابطها المؤسساتية.

تمارس الدعاية التجارية اكتساحا شاملا لبنيات المجتمعات المعاصرة موظفة لذلك  كل من: التكنولوجيات  الجديدة للإعلام والاتصال، تداخل العوالم الاجتماعية ، اتساع  السوق الليبرالية المفتوحة، هيمنة ايديلوجيا اقتصاد الوفرة الممجدة لفكرة تدفق المنتوجات المادية، الثقافية والرمزية، وكذلك خضوع أنظمة الإنتاج لاكراهات التسويق وما يترتب عن ذلك من عنف في المنافسة المفرطة المولدة للحروب الاقتصادية.
وسط هذا الفضاء، يصطدم الفرد في حياته اليومية بنسق متعدد من خطابات الدعاية التجارية بشتى اختلافاتها ووسائل إيصالها سواء كانت  مرئية، مسموعة أو مكتوبة،  برموزها، بإيقاعاتها، بمحتوياتها الثقافية ومفعولها السيكولوجي. انه نسق من الخطابات يخترق العلاقات الخاصة و العمومية و فضاءات الميدان العام، و يتجه نحو إضفاء طابع التتجير Commercialisation  على دينامية  الحياة الاجتماعية واختراق خطوط دفاع الإفراد والجماعات بغية تدجينهم  والتحكم في تنشيط آليات مخيالهم الاجتماعي.

الاغتراب كان وما زال قضية الإنسان أينما وجد، فطالما أن هناك فجوة شاسعة بين الأحلام الفطرية للبشر وبين واقعهم، وطالما أن هناك تعارضاً واضحاً بين القيم النظرية والمثل الإنسانية وبين حقيقة السلوك البشري، وهناك خللاً في العلاقة بين الإنسان والآخرين، واضطراباً في علاقته مع ذاته، وعدم التماهي بين الفرد والمجتمع، فلا بد أن يشعر الإنسان بالاغتراب وإن تعددت المجتمعات واختلفت، وإن تعاقبت العصور كذلك تظل قضية الاغتراب السمة المشتركة لجميع الذين يعانون من وجود شيء ما يفصلهم عن واقعهم وعالمهم.
إن ظاهرة اغتراب الفرد عن محيطه لم تعد السمة التي يعاني منها فقط المبدعون من الشعراء والكتاب والفنانين، بل تحولت إلى حالة شبه عامة يكابد مفاعيلها الجميع.

 التعريف بالكاتب في سطور
بييربورديو (1930-2002 )باحث فرنسي عالم اجتماع وأحد أكبر مفكري العصر الحديث ؛
درس الفلسفة في مدرسة المعلمين بباريس ؛ارسل الى الجزائر حيث ادى الخدمة العسكرية  فدرس في كلية الاداب في الجزائر؛ واهتم بالدراسات الانثروبولوجية والاجتماعية؛ وبعد عودته الى فرنسا كتب "سوسيولوجيا الجزائر" ثم اصدر " ازمة الزراعة التقليدية في الجزائر " . درس الفلسفة في السوربون ثم اصبح مديرا لمعهد علم الاجتماع الاوربي  وانتخب  عام 1982 لكرسي علم الاجتماع  في " الكوليج دو فرانس" ...

عرف علم الاجتماع على يديه تطورا علميا واضحا وتجديدا كبيرا في المصطلحات ؛ فقد احدث ثورة في طريقة تحليله للظواهر الاجتماعية والسياسية والثقافية.
لقد تنوعت اهتماماته في العلم والسياسة والفن والتربية والصحافة...وانخرط في الصراع الاجتماعي والسياسي؛وشارك عمليا في حراك مجتمع  واكسبه نضاله الفكري والميداني صيتا عالميا
قام بترجمة الافكار والمواقف التى نادى بها على ارض الواقع فعمل على نقلها مما هو نظري الى ماهو تطبيقي وعملي .

الحديث عن ظاهرة الانتحار في المغرب حديث ذو شجون..لكن بعد التطرق لهذا الجانب، يستحسن القيام بإطلالة على هذه الظاهرة على المستوى العالمي. في وسط هذا المقال، سوف أخصص بعض الفقرات لعرض رأي باحث سوسيولوجي مغربي.
المغرب: أعلى معدل انتحار في العالم العربي
لفت آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية مؤخراً حول الانتحار في المغرب الانتباه إلى الاتجاه السائد في معدلات الانتحار في المغرب، الذي سجل أعلى معدلات الانتحار في العالم العربي.
خلال المدة الفاصلة بين 2000 و2012، ازداد عدد حالات الانتحار في المغرب بنسبة 97٪، وارتفع من 2،7 الى 5،3 لكل 100،000 من المغاربة. ويبرز هذا التقرير أن 800 مغربيا يقدمون على الانتحار سنويا، أي ما يعادل نسبة 5 إلى 10 لكل 100،000 من المغاربة، وهي نسبة كبيرة تتطلب اهتماما عاجلا ورصدا دؤوبا من قبل السلطات الصحية في بلادنا.

يرمي هذا المقال إلى استكناه فحوى تصور السوسيولوجي الفرنسي آلان تورين للحداثة، من حيث هو تصور مغاير. وما يجعله كذلك هو ابتعاده عن مجمل ومختلف الطروحات الفكرية السائدة للحداثة نفسها. لا يرجع ذلك، إلى الطابع السوسيولوجي لذلك التصور أو لسوسيولوجية نمط تفكيره فحسب، وإنما إلى خصوصية سوسيولوجيته، بما هي سوسيولوجيا تاريخوية، كما يرجع إلى ما تعنيه تلك التاريخوية نفسها. إن الحداثة عند آلان تورين ليست لا قبلية ولا بعدية، لا عقلنة ولا تذويت، لا منظومة ولا فاعل، لا علمنة ولا دنيوة، وإنما هي : سيرورة غير منقطعة للعلاقة  المتوترة بين الماقبلي والمابعدي، بين العقلنة والتذويت، بين المنظومة والفاعلين، بين العلمنة والدنيوة. إن الحداثة حوار مستأنف ومستمر بين العقلنة والتذويت.  

قد يبدو للمرء - القارئ في الوهلة الأولى التي تقع عينه على عبارة " نقد الحداثة " [1]، أن الأمر يتعلق بالفكر الذي ينعت تصنيفا ب " ما بعد الحداثة ". لكن سرعان ما يتبدد هذا الانطباع، إن لم ينفجر فور استكناه فحوى ما ترمي إليه تلك العبارة، نظرا لما تتضمنه من تصور وموقف للحداثة، يمكن وصفه بالمغاير. يتعلق الأمر بتصور آلان تورين Alain Touraine، للحداثة.  إنه تصور مغاير، وما يجعله كذلك هو ابتعاده عن مجمل ومختلف الطروحات الفكرية السائدة للحداثة نفسها؛ أنّى كانت : سواء تعلق الأمر بعقلنة rationalisation  الحداثة أو بتذويته subjectivation ، بالحداثة وما بعدياتها. لا يرجع ذلك، إلى الطابع السوسيولوجي لذلك التصور أو لسوسيولوجية نمط تفكيره فحسب، وإنما إلى خصوصية سوسيولوجيته، بما هي سوسيولوجيا تاريخوية، كما يرجع إلى ما تعنيه تلك التاريخوية نفسها.  فما هو المعنى الذي تتضمنه  هذه التاريخوية والحالة هذه ؟