تمهيد
مما  لا  يختلف فيه البيان، أن مفهوم الحرية من ابلغ المفاهيم الإنسانية تداولا، سواء تعلق الأمر في اللسان الشعبي اليومي، أو في الحقل الفلسفي و العلمي. وعلى إثر هذه الأهمية البالغة، نخصص مقالنا هذا، لقراءة في فصول كتاب " مفهوم الحرية" للمفكر المغربي عبد الله العروى، الصادر عن دار النشر المركز الثقافي العربي، الطبعة الخامسة، 1993. لما يحوزه هذا الكتاب من أهمية معرفية في الساحة الفكرية المغربية و العربية على حد سواء. الأمر الذي فرض الوقوف عنده، ورصد تحليله للمفهوم السالف. وفق أربعة مستويات معرفية؛ أولها معنون بـ" طوبي الحرية في المجتمع الإسلامي التقليدي" حيث عالج فيه مسألة الحرية استنادا على المنظومة المعجمية العربية، و ركز على أربعة مصطلحات تضمن مفهوم الحرية، وهي كل من : البداوة، التصوف، العشيرة، التقوى. في حين جاء الفصل الثاني، الموسوم بـ " الدعوة إلى الحرية (عهد التنظيمات)" موضحا فية ما يصطلح عليه سياسات الإصلاح كامتداد لتوغل أنظمة الدولة و إقحام الفرد في تجربة السياسة، و ارتباط  مفهوم الحرية بالدولة . أما الفصل الثالث : "الحرية اللبرالية "، تضمن تحديد معالم التفكير اللبرالي، و تبيان الأشواط التي خاضها ( أربع مراحل) ليلتقي بها المفكر العربي على شكل منظومة فكرية متناقضة. الفصل الرابع : " نظرية الحرية"، حاول فيه عبد الله العروي أن يجادل في كل من الفكر اللبرالي و الماركسي و الوجودي، و تصورهم الفلسفي لمفهوم الحرية، و علاقتهم بالوضع العربي من خلال تسليط الضوء على بعض المفكرين العرب. أما الفصل الخامس فخصص لـ" اجتماعيات الحرية"، موضحا فيه الإهمال الذي طال جسم العلوم الاجتماعية و بالأخص علم الاقتصاد و علم الاجتماع و علم السياسة، لكونها علوم تعبر عن مؤشرات التحرر.

       يبدو أن لفظة العولمة تمثل مجالا دلاليا خصبا وغنيا، باعتبارها المحدد الوحيد للتجربة الإنسانية الحديثة، وبوصفها حركة لا تقف عند حد الهيمنة السياسية، والاقتصادية، والإعلامية، التي فرضها العالم المتقدم على عالم الجنوب وعلى ضعاف العالم، بل تتجاوز ذلك إلى فرض النموذج الثقافي والقيمي الأمريكي في كل شيء. وتسخر لأجل ذلك سلطاتها في مستوي  الاقتصاد، والعتاد التكنولوجي، والحضور القوي في الساحة السياسية الدولية.
      وهكذا تكون مقاربة هذه الظاهرة من جانب واحد اقتصاديا كان أم سياسيا أم ثقافيا الخ، أمرا غير ممكن. وإن كان هناك من لا يعترف بوجود العولمة إلا في تمظهراتها الاقتصادية بالدرجة الأولى. فنحن في واقع الأمر أمام ما هو أكبر من ذلك، أمام مرحلة تاريخية جديدة، بسمات وملامح جديدة. مرحلة تصوغ واقع حياة الشعوب المستضعفة من جديد، وفق رؤية العالم الغربي المتقدم وأهدافه. مرحلة يمكن اعتبار أن أهم سمة مميزة لها هي التعقد البالغ في العلاقات، وانكماش المسافات بين المجتمعات، انكماشا لم يكن ممكنا في حضور حواجز الهوية والثقافة، كما كانت من ذي قبل. وتسارع في وتيرة السير في طريق الاندماج الكلي، الذي انخرطت فيه جميع الأمم والشعوب منذ ظهور الثورة التكنولوجية الحديثة، في أواخر القرن العشرين. التي أضحت سارية المفعول في خضم حركة العولمة هذه، بسهر وتأطير من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، كقوة وحيدة على عرش العالم.

anfasse22054تعد تكنولوجية الصورة والإعلام، إحدى ركائز التفوق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي...في المجتمعات الحديثة، نظرًا لما لها من قدرة جبارة على الإقناع والتأثير والتوجيه، بل والتحكم في القيم وتغيير الأذواق والتمثلات والنظرة للأمور وللعالم؛ ما يفسر أن تكنولوجيا الصورة الحديثة بشتى تلاوينها السينما، التلفزة، الإنترنيت...إلخ، غدت سلطة فعالة في أيدي الدول الكبرى والشركات المتعددة الجنسيات التي تسيطر على الصناعة الإعلامية. فما هي يا ترى تجليات هذه السلطة؟
تستمد الصورة سلطانها مما نستثمره فيها من رغبات، وتقوم مقام رغباتنا في تحويل العالم، إن للصورة قوة تأثيرية تفوق كل التوقعات، سيما وأنها توظف مجموعة من التقنيات: السيناريو، الحوار، الإخراج، المونتاج، الإنارة، والماكياج، الإكسسوارات، المؤثرات الصوتية...إلخ، بغية بسط سلطانها على المشاهد؛ فرهان هذا الاختراع البصري هو التحكم في زمام الأمور، وتكريس سلطته على الفضاء العام والخاص، من خلال:

anfasse23046مقدمة:
إذا كانت الدرسات الكولونيالية والفرنسية بالخصوص قد ركزت بشكل كبير على دراسة مختلف الأوضاع الطبيعية والاجتماعية والإقتصادية للمغاربة قبل الإستقلال، تمهيدا لفرض السيطرة الإمبريالية عليه، فإن مضمون اهتمام الدراسات قد تغير بعد الإستقلال.
لقد أولت اهتماما متزايدا لتشخيص الأوضاع السياسية، والوقوف على التوجهات الجديدة التي يسير فيها المغرب وخاصة مغرب الحسن الثاني، وبذلك أطلت علينا مجموعة من الأطاريح السياسية والإجتماعية التي قدمت قراءات مختلفة للوضع المغربي.
من أهم هذه الدراسات، والتي لاقت انتشارا واسعا، نجد دراسة الباحث الفرنسي ريمي لوفو Rémy leveau تحت عنوان: " الفلاح المغربي المدافع عن العرش"، وهي دراسة فريدة إبان الفترة التي أصدرت فيها، وذلك من خلال توجهها الجديد والذي يمكن أن ندخله في سيسيولوجيا الانتخابات.
لقد قدم الباحث تشخيصا عميقا ودقيقا للوضع السياسي المغربي، من خلال تشخيص القوى السياسية الفاعلة في البلاد، وهي مؤسسة الملك والنخب السياسية، سواء منها القديمة التي ظهرت في فترات الإستعمار أو الجديدة والتي ساهمت مجموعة من الظروف في بروزها.
فما المقصور بالفلاح المدافع عن العرش؟ وما هي أبرز المضامين التي حملتها أطروحة الفلاح المغربي في ثناياها؟ وما هي أهم القضايا التي عبرت عنها؟
ما هي أهمية الدراسة المقدمة، باعتبارها توجه جديد في عالم الدراسات التي جعلت من المغرب حقلا معرفيا لها؟
كيف قدم الباحث تصوره عن الأوضاع السياسية المغربية والنخب المشاركة فيها ونوعية العلاقات التي تربط بينها؟

anfasse16049 ارتبط المقترب الانقسامي أساسا بالانتروبولوجية الانجلوساكسونية التي إهتمت بدراسة التشكيلة الاجتماعية السياسية للمجتمع المغربي، منذ الحرب العالمية الثانية. فبينما طبق Evans Pridtchard  الانقسامية على قبائل النوير "Nuer" في جنوب وشمال السودان ، نجد ايرنست كلنير طبقها في القبائل النازلة  بالأطلس الكبير من خلال دراسته لقبائل "ايت عطا"، و D. Hart  فحص هذا المقترب من خلال دراسته لقبائل "بني ورياغل" و "ايت عطا" و "دكالة"، في حين رحل J.Waterbury  بالمقترب الانقسامي إلى المجال السياسي، حيث عمم نتائج الانقسامية على المجتمع السياسي المغربي و أحزابه السياسية، و ذلك في كتابه " أمير المؤمنين : الملكية المغربية و نخبتها ". رغم ذلك، فان فكرة الانقسامية ليست بالجديد على الانتوبولوجيا الانجلوساكسونية، إذ ترجع الانقسامية في الأصل إلى السوسيولوجي الفرنسي E.Durkheim الذي لاحظ  أن المجتمعات الانقسامية تتكون عادة من عشائر متفاوتة الاتحاد فيما بينها، و متشابهة فيما بينها. و في كتابه "تقسيم العمل الاجتماعي" يقدم مثالا لهذا المقترب، مثال استقاه من المجتمع القبائلي بالجزائر والذي يلاحظ فيه أن الوحدة السياسية المهمة في هذا المجتمع تتجسد في العشيرة، فالعشيرة بهذا المفهوم تتفرع إلى قوى متعددة تسمى "اجماعات" وعدة "اجماعات" تكون القبيلة أو العرش وعدة عروش تكون اتحادا قبليا و الاتحاد القبلي يعتبر أعلى هيئة اجتماعية عند القبائليين الجزائريين .
1-    ملاحظات حول مفهوم الانقسامية .

anfasse26037يعد كتاب علم الإجرام للدكتور فرج صالح الهريش – أستاذ القانون الجنائي المساعد، جامعة قاريونس - من بين أهم ما كتب في ليبيا حول هذا العلم، سواء من حيث تقسيمه لفصول الكتاب أو من حيث محتواه الغني بالاستفادة، إذ يبلغ عدد صفحاته 403 صفحة وذلك في الطبعة الثالثة لسنة 2006، حيث قسمه إلى بابين جعل الباب الأول كمدخل إلى دراسة علم الإجرام في تعريفه وتطوره التاريخي وطبيعته وكذا الفروع العلمية المكونة له، وعلاقته بغيره من العلوم الجنائية، ثم منهج وطرق البحث في علم الإجرام، فيما تناول في الباب الثاني لعوامل الإجرام وأهم النظريات الدارسة له والمفسرة للجريمة، ومنه سنتطرق في معرض حديثنا عن أهم ما جاء فيه انطلاقا من تقسيمه حسب وجهة نظرنا إلى شقين أساسين أولهما يتبنى تعريف وشرح لمفهوم علم الإجرام، والشق الثاني للعوامل التي تؤدي إلى الإجرام بحد ذاته.
الشق الأول شرح لمفهوم علم الإجرام:
مما لا شك فيه، فإن وضع تعريف دقيق لعلم الإجرام أمر صعب، وذلك بسبب الاختلاط الواقع والتشابك بين عدة علوم، فتارة يعرف بأنه علم دراسة أسباب الجريمة، أو علم دراسة عوامل الجريمة، أو علم الجريمة، في حين عرفه البعض الآخر بتفصيل أكثر على أنه الدراسة العلمية للجريمة كسلوك فردي وظاهرة اجتماعية، ومن ثم نخلص إلى أن علم الإجرام بصفة عامة هو العمل الذي يدرس الظاهرة الإجرامية للوقوف على أسبابها تمهيدا للوصول إلى انسب الأساليب للقضاء على هذه الأسباب أو الحد من تأثيرها.

anfasse17021من أهم ممثلي الجيل الأول للمدرسة النقدية  نجد هوركهايمر و تيودور أدرنو و ماركوز .... فهذا الجيل كان له الفضل في تطور هذه النظرية لأنه ساهم في وضع أفكار النقد و التحديث و التجديد، و بهذا يحصل التراكم، أو بلغة طوماس كون الثورات العلمية، التي من خلالها تحصل العلمية و يتقدم العلم. و هذا ما حصل و يحصل في النظرية النقدية، نقد بعد نقد، رغم أن هذا الجيل "الأول" كان له فضل كبير في تطور النظرية إلا أنه ظهر جيل ثاني ينتقده و يأتي بالجديد، فهذا الجيل "الثاني" من بين ممثليه نجد: ( هابرماس، كارل أوتو أبل، ألبريش فيلمر، كلاوس أوفة)، لكن من أهم الممثلين نجد هابرماس، فهذا الأخير الذي فكره انتشر عبر العالم نظرا لتشعبه و تعدد أبحاثه النقدية و مشاربه الفكرية المتنوعة.

من هو هابرماس؟
"يورغن هابرماس  بالألمانية Jürgen Habermas فيلسوف وعالم اجتماع ألماني معاصر (18-06-1929 يعتبر من أهم علماء الاجتماع والسياسة في عالمنا المعاصر. ولد في دوسلدورف، ألمانيا وما زال يعيش بألمانيا .يعد من أهم منظري مدرسة فرانكفورت النقدية له ازيد من خمسين مؤلفا يتحدث عن مواضيع عديدة في الفلسفة وعلم الاجتماع وهو صاحب نظرية الفعل التواصلي.

وصل يورغن هابرماس إلى درجة من الشهرة والتأثير العالمي لم ينجح الرعيل الأول من ممثلي النظرية النقدية الاجتماعية والمعروفة في حقل الفلسفة المعاصرة بمدرسة فرانكفورت في الوصول إليها. فعلى الرغم من الثقل العلمي لأفكار الجيل الأول (هوركهيمر، أدورنو، ماركوزه، إريك فروم…)، إلا أن هابرماس هو الفيلسوف الوحيد الذي فرض نفسه على المشهد السياسي والثقافي في ألمانيا كـ"فيلسوف الجمهورية الألمانية الجديدة" .

anfasse10029تعد مشكلة التثاقف من المشكلات الفلسفية التي تثير اليوم اهتمام المفكرين على اختلاف مشاربهم، ويتجلى ذلك في الندوات الثقافية التي تعقد في هذا الموضوع، وفي المقالات والكتب التي تنجز تحت عناوين لها علاقة بمشكلة التثاقف، نذكر منها على سبيل المثال يلي: كتاب Figures d’altérité  لجون بودريار، وكتاب Etrangers à nous-même لجوليا كريستفا وكتاب الحرب الحضارية للمهدي المنجرة... الخ. وأوضح في هذا السياق بأنني سأركز في مقالتي هاته على تناول مشكلة التثاقف من ثلاث جوانب أساسية:
ـ الجانب الأول: سأعمل فيه على تأطير مشكلة التثاقف تأطيرا فلسفيا وتاريخيا، لأن وضع المشكلات في سياقها التاريخي والفكري يساعد وييسر عملية الفهم والمساءلة.
ـ الجانب الثاني: سأنتقل فيه إلى تحديد معنى الثقافة والتثاقف.
ـ الجانب الثالث: سأبرز فيه بصورة موجزة كيف يمكن للمثقف العربي أن يساهم في عملية دعم ثقافته لمواجهة ثقافة الغرب الذي ينزع اليوم تحت فكرة العولمة إلى نمذجة ثقافته.
أولا: تأطير مشكلة التثاقف
الحديث عن مشكلة التثاقف هو في الأصل حديث عن مشكلة الغيرية التي ركز فيها ممثلو الفلسفة الحديثة والمعاصرة على مساءلة العلاقة بين الذات والغير، أي مساءلة العلاقة القائمة بين "الأنا والأنا الذي ليس أنا" كما يقول جان بول سارتر، ومشكلة الغيرية هاته من المشكلات الفلسفية التي تبلورت مع التحولات العميقة التي عرفتها أوروبا في القرن 18 على المستويات الثلاث الآتية:
1 – التحولات الاقتصادية: التي تجسدت مع الثورة الصناعية في إنجلترا.
2 – التحولات السياسية: التي تبلورت مع الثورة السياسية الفرنسية سنة 1789 بزعامة فلاسفة الأنوار الذين حملوا شعار "لتكن لديك الشجاعة على استخدام عقلك". إنها لحظة الدعوة إلى التخلص من الوصاية التي كانت تفرضها الكنيسة على الإنسان في أوروبا.