يعد كتاب علم الإجرام للدكتور فرج صالح الهريش – أستاذ القانون الجنائي المساعد، جامعة قاريونس - من بين أهم ما كتب في ليبيا حول هذا العلم، سواء من حيث تقسيمه لفصول الكتاب أو من حيث محتواه الغني بالاستفادة، إذ يبلغ عدد صفحاته 403 صفحة وذلك في الطبعة الثالثة لسنة 2006، حيث قسمه إلى بابين جعل الباب الأول كمدخل إلى دراسة علم الإجرام في تعريفه وتطوره التاريخي وطبيعته وكذا الفروع العلمية المكونة له، وعلاقته بغيره من العلوم الجنائية، ثم منهج وطرق البحث في علم الإجرام، فيما تناول في الباب الثاني لعوامل الإجرام وأهم النظريات الدارسة له والمفسرة للجريمة، ومنه سنتطرق في معرض حديثنا عن أهم ما جاء فيه انطلاقا من تقسيمه حسب وجهة نظرنا إلى شقين أساسين أولهما يتبنى تعريف وشرح لمفهوم علم الإجرام، والشق الثاني للعوامل التي تؤدي إلى الإجرام بحد ذاته.
الشق الأول شرح لمفهوم علم الإجرام:
مما لا شك فيه، فإن وضع تعريف دقيق لعلم الإجرام أمر صعب، وذلك بسبب الاختلاط الواقع والتشابك بين عدة علوم، فتارة يعرف بأنه علم دراسة أسباب الجريمة، أو علم دراسة عوامل الجريمة، أو علم الجريمة، في حين عرفه البعض الآخر بتفصيل أكثر على أنه الدراسة العلمية للجريمة كسلوك فردي وظاهرة اجتماعية، ومن ثم نخلص إلى أن علم الإجرام بصفة عامة هو العمل الذي يدرس الظاهرة الإجرامية للوقوف على أسبابها تمهيدا للوصول إلى انسب الأساليب للقضاء على هذه الأسباب أو الحد من تأثيرها.
الجيل الثاني للنظرية النقدية :يورغن هابرماس ـ عثمان السطابي
من أهم ممثلي الجيل الأول للمدرسة النقدية نجد هوركهايمر و تيودور أدرنو و ماركوز .... فهذا الجيل كان له الفضل في تطور هذه النظرية لأنه ساهم في وضع أفكار النقد و التحديث و التجديد، و بهذا يحصل التراكم، أو بلغة طوماس كون الثورات العلمية، التي من خلالها تحصل العلمية و يتقدم العلم. و هذا ما حصل و يحصل في النظرية النقدية، نقد بعد نقد، رغم أن هذا الجيل "الأول" كان له فضل كبير في تطور النظرية إلا أنه ظهر جيل ثاني ينتقده و يأتي بالجديد، فهذا الجيل "الثاني" من بين ممثليه نجد: ( هابرماس، كارل أوتو أبل، ألبريش فيلمر، كلاوس أوفة)، لكن من أهم الممثلين نجد هابرماس، فهذا الأخير الذي فكره انتشر عبر العالم نظرا لتشعبه و تعدد أبحاثه النقدية و مشاربه الفكرية المتنوعة.
من هو هابرماس؟
"يورغن هابرماس بالألمانية Jürgen Habermas فيلسوف وعالم اجتماع ألماني معاصر (18-06-1929 يعتبر من أهم علماء الاجتماع والسياسة في عالمنا المعاصر. ولد في دوسلدورف، ألمانيا وما زال يعيش بألمانيا .يعد من أهم منظري مدرسة فرانكفورت النقدية له ازيد من خمسين مؤلفا يتحدث عن مواضيع عديدة في الفلسفة وعلم الاجتماع وهو صاحب نظرية الفعل التواصلي.
وصل يورغن هابرماس إلى درجة من الشهرة والتأثير العالمي لم ينجح الرعيل الأول من ممثلي النظرية النقدية الاجتماعية والمعروفة في حقل الفلسفة المعاصرة بمدرسة فرانكفورت في الوصول إليها. فعلى الرغم من الثقل العلمي لأفكار الجيل الأول (هوركهيمر، أدورنو، ماركوزه، إريك فروم…)، إلا أن هابرماس هو الفيلسوف الوحيد الذي فرض نفسه على المشهد السياسي والثقافي في ألمانيا كـ"فيلسوف الجمهورية الألمانية الجديدة" .
مسألة التثاقف ـ الراجي عبد الرحيم
تعد مشكلة التثاقف من المشكلات الفلسفية التي تثير اليوم اهتمام المفكرين على اختلاف مشاربهم، ويتجلى ذلك في الندوات الثقافية التي تعقد في هذا الموضوع، وفي المقالات والكتب التي تنجز تحت عناوين لها علاقة بمشكلة التثاقف، نذكر منها على سبيل المثال يلي: كتاب Figures d’altérité لجون بودريار، وكتاب Etrangers à nous-même لجوليا كريستفا وكتاب الحرب الحضارية للمهدي المنجرة... الخ. وأوضح في هذا السياق بأنني سأركز في مقالتي هاته على تناول مشكلة التثاقف من ثلاث جوانب أساسية:
ـ الجانب الأول: سأعمل فيه على تأطير مشكلة التثاقف تأطيرا فلسفيا وتاريخيا، لأن وضع المشكلات في سياقها التاريخي والفكري يساعد وييسر عملية الفهم والمساءلة.
ـ الجانب الثاني: سأنتقل فيه إلى تحديد معنى الثقافة والتثاقف.
ـ الجانب الثالث: سأبرز فيه بصورة موجزة كيف يمكن للمثقف العربي أن يساهم في عملية دعم ثقافته لمواجهة ثقافة الغرب الذي ينزع اليوم تحت فكرة العولمة إلى نمذجة ثقافته.
أولا: تأطير مشكلة التثاقف
الحديث عن مشكلة التثاقف هو في الأصل حديث عن مشكلة الغيرية التي ركز فيها ممثلو الفلسفة الحديثة والمعاصرة على مساءلة العلاقة بين الذات والغير، أي مساءلة العلاقة القائمة بين "الأنا والأنا الذي ليس أنا" كما يقول جان بول سارتر، ومشكلة الغيرية هاته من المشكلات الفلسفية التي تبلورت مع التحولات العميقة التي عرفتها أوروبا في القرن 18 على المستويات الثلاث الآتية:
1 – التحولات الاقتصادية: التي تجسدت مع الثورة الصناعية في إنجلترا.
2 – التحولات السياسية: التي تبلورت مع الثورة السياسية الفرنسية سنة 1789 بزعامة فلاسفة الأنوار الذين حملوا شعار "لتكن لديك الشجاعة على استخدام عقلك". إنها لحظة الدعوة إلى التخلص من الوصاية التي كانت تفرضها الكنيسة على الإنسان في أوروبا.
تصور روبير مونتاني للقبيلة في المغرب: من الأمغار إلى القائد وهيمنة المخزن ـ عبد العاطي أوحسين
يتضح تصور روبير مونتاني R . Montagneللقبيلة في كتابه البربر والمخزن، ومن خلال هذه الدراسة اتخذ قبائل منطقة سوس بالجنوب المغربي كنموذج لدراسة القبائل البربرية. وتعد نتائج هذه الدراسة من الركائز الأساسية التي اعتمد عليها المستعمر الفرنسي لاحتلاله للمغرب، باعتباره مجتمعا قبليا لما له من خصوصيات تقليدية، يصعب على المستعمر اختراقه وغزو بنياته القبلية الرافضة للتدخل الأجنبي إلى مجال عيشها، مما دفع المستعمر – تفاديا للتجربة الدموية بالجزائر - إلى بلورة إستراتجية الاختراق من خلال استخدام فرضية التعارض بين البربر والعرب.
إن ما يهمنا اليوم، نحن كباحثين في ميدان العلوم الاجتماعية ليس الغاية السياسية للمستعمر من دراسة روبير مونتاني، بل تلك الحقيقة الموضوعية لواقع القبيلة البربرية وخصوصياتها الثقافية و الاجتماعية التي تتضمنها هذه الدراسة. لهذا، يجب أن نكون في غاية الحياد و تجنب العاطفة، و استقراء ما هو مفيد علميا في قراءتنا لمثل هذه الدراسة التي كانت خلفية سياسية للاحتلال الفرنسي، وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار الأهمية المنهجية التي تتسم بها هذه الدراسة، حيث شارك و لحظ عادات و تقاليد القبائل و نمط عيشها، يمكن اعتبار ذلك بمثابة العمل الانثروبولوجي و الاثنوغرافي.[i]
حلقات حول النوع الاجتماعي ( الجندر ) : تقديم حول ماهية النوع الاجتماعي ( الجندر ) ـ ذ . رشيد اوبجا
برز مفهوم الجندر le genre أو النوع الاجتماعي بصورة واضحة في بداية السبعينيات من القرن الماضي. وهو مخاض فلسفي و فكري للحركات النسوية و نتاج نضالاتها . وأول من حدد مفهوم النوع من وجهة نظر نسوانية ، هي" ان أوكلي" سنة 1972، فقد ميزت بين الجنس و النوع ،" فكلمة الجنس تحيل على الفروق البيولوجية بين الذكور والإناث ، و إلى الفرق الظاهر بين الأعضاء الجنسية ، وكذا إلى الفروق في ارتباطها بوظيفة الانجاب. أما النوع، فهو معطى ثقافي يحيل على التصنيف الاجتماعي ( مذكر/ مؤنث) " (1)
وتخلص (أوكلي) إلى القول بأن النوع الاجتماعي هو بمثابة "الجنس الاجتماعي" انطلاقًا من قدرته على التغير بحسب الزمان والمكان.
إن النوع الاجتماعي يشير إلى المكانة التي يحددها المجتمع للرجل والمرأة في جميع مراحل حياتهما بصفتهما ذكرًا أو أنثى. وهو بذلك يختلف عن الجنس الذي يحيل على الخصائص والصفات البيولوجية والفيزيولوجية التي يتحدد الذكور والإناث على أساسها.
وتعتبر كل من الباحثتين الأمريكيتين " جوديث بتلر " و " تيريزا دو لورتيس " في أبرز أعمالهما Gender trouble : Feminism and the subversion of identity(1990) و Technologies of Gender (1987) أن النوع الاجتماعي هو ، قبل أي شيء ، شكل من الأداء performance ، وهو بالتالي أساسي في فهم تشكّل الهويات المرتبطة بالنوع الاجتماعي للنساء والرجال.
انطلاقًا من هذا المصطلح يمكننا فهم بعض السلوكيات المرتبطة بالنوع الاجتماعي للنساء أو الرجال في مجتمع محدّد في سياق عملية تأكيد للهويات المتوقعة (الحاجة أو اللجوء من قبل بعض النساء إلى التبرّج أو انتقاء ملابس معيّنة أو المغالاة في أدوار الأمومة وربة المنزل لتأكيد أنوثتهن ، أو من قبل بعض الرجال إلى تبني سلوك حازم أو في بعض الأحيان عنيف مع الشريك أو أمام الأطفال لتأكيد ذكوريته).
المثقّف العربي في الغرب ـ عزالدين عناية
ثمة كوكبة مهمّة من مثقفي البلاد العربية تتوزع على جملة من البلدان الغربية، باتت تلعب دورا معتبرا في الحراك الثقافي الحاصل بين الثقافتين. يطبع اهتماماتها انشغال بقضايا المثاقفة بكافة أبعادها وآثارها، ناهيك عمّا لها من انعكاسات على الجانبين. ونقصد بالأساس فئة المثقفين الذين اختاروا المكوث الطوعي في الغرب وليس المثقفين العابرين، الذين اقتضت ظروف عملهم، أو دراستهم، أو ما شابه ذلك الإقامة المؤقتة فيه. من هذا الباب سنسلّط الضوء على شريحة مَن صاروا مواطنين غربيين، أو من نشأوا في أحضان تلك المواطنة مع استبطانهم لمكوَّن حضاري عربي. فأية هوية حضارية تميز هؤلاء وأي دور وظيفي لهم في ظلّ تقلص فرص التواصل مع بلدان المأتى التي هجروا التفاعل المباشر معها وتنامي نشاطهم في بلدان المهجر التي باتوا يعيشون بين أحضانها؟ فأن يكون المرء عربيا ثم يغدو غربيا، أو أن ينشأ بالمولد غربيا ويستبطن رأسمالا ثقافيا عربيا (في حال مواليد المهجر) ليس أمرا متناقضا، بوصف الغرب هو جملة تراكمات ثقافية تتداخل فيها انتماءات حضارية متنوعة وليس مكوَّنا مغلَقا يجبّ ما دونه. فالغرب أتون تنصهر في جوفه جملة من التقاليد الثقافية، ما عاد بمقدور الرؤى المنغلقة ادعاء نقاوته الوهمية، أو الحديث فيه عن نموذج مفارق ينبغي ملاحقته والمقايسة عليه، بل هناك صيرورة ثقافية متحركة هي ما يشكّل هوية غرب ما بعد الحداثة. إضافة أن المثقف الكوسموبوليتي، المتحرر من تصلب الهوية، والمرشَّح للتطور وأخْذ دور في ظلّ تحولات العالم الجارية، هو كائن عابر للثقافات وغير خاضع للتصنيف المعتاد المحصور بمحددات جغرافية تقليدية.
قراءة في مؤلف بيير بورديو: الهيمنة الذكورية ـ هشام أبولعيد
".. المجتمع مثل كائن للتآمر، يبتلع الأخ الذي يملك الكثير منّا مبررات احترامه في الحياة الخاصة، ويفرض مكانه ذكراً متوحشاً ذا صوت يزمجر وقبضة قاسية (...) يستمر في طقوسه الصوفية، وقد تحلى بالذهب والأرجوان وتزين بالريش المتوحش، متمتعاً بالملذات المشبوهة للسلطة والهيمنة، فيما نحن نساؤ(ه) يُغلق علينا في منزل العائلة، من دون أن يُسمح لنا بالمشاركة ". V. Wolf
تقديم
تمثل الهيمنة موضوعاً أساسياً انكبّ عليه بيير بورديو (Pierre Bourdieu) درساً وتحليلاً[1]، قبل مؤلفه الذي يحمل اسم "الهيمنة الذكورية"[2]بسنوات عديدة، وذلك في سياق تشريحه للعلاقات القائمة بين الأفراد في مختلف حقول العالم الاجتماعي/ المجتمع، وليس فقط في الحقل السياسي أو السلطة السياسية كاختزال سافر لمعاني الهيمنة؛ لأنّ أكثر الحقول التي لا تعلن عن نفسها كحقول هيمنة واستعباد إنّما تستثمر كلّ أدوات التخفي والاحتجاب لتمارس التقنع والمخاتلة والمراوغة والخداع.
نحن إذن أمام عنوان دال ممتد وعميق، فـ "الهيمنة الذكورية" مفهوم يختصر واقعاً قائماً لا يساهم فيه الذكور وحدهم وإنما الإناث أيضاً وبشكل لا واع، إنّه اشتراك الضحية والجلاد في تبنّي التصورات والمقولات التصنيفية ذاتها، ممّا يسمح بالحديث عن إعادة إنتاج الهيمنة والمحافظة عليها بل وتأبيدها.
بالتوقف عند مقدمة الكتاب، نجد صاحبه يقرّ بصعوبة الموضوع البحثي، ويعتبره مغامرة منه سبقها تردد كبير، لأنّه كان مدركاً ليس فقط للصعوبات التي تخترقه وإنّما للأحكام والتصورات التي تلفّه، الواعية منها واللاواعية حتى لدى كبار الباحثين. وفوق كلّ ذلك فهو مجال ظلّ محتكراً من قبل النساء في سياق امتزج فيه ما هو ذاتي بما هو موضوعي، لدى جلّ الكتابات النسائية التي أقحمت الدفاع السياسي داخل الحقل العلمي[3[ .
العلوم الإنسانية والمواطنة في زمانية متحولة ـ مولاي عبد الحكيم الزاوي
أي موقع بات لعلوم الإنسان ضمن زمنية مطبوعة بالتحول في تفسير "عالم ما فوق الواقع" بتوصيف من الفيلسوف الفرنسي جون بوديار؟ هل أضحينا أمام خطاب مُتجاوز في تقديم مداخل علمية لفهم تشعبات الواقع الإنساني المتعدد، في سياق سطوة خطاب التكنوقراطية الماتح من عولمة اقتصاد السوق؟ كيف يُمكن للتاريخ والفلسفة وباقي المباحث الإنسانية المجاورة أن يُحصنا الذات البشرية من تطرف الواقع وغلوه؟ وهل بات مختبر العوم الإنسانية على المحك كما يقول بذلك جوزيف ستيكليتز؟
أسئلة عديدة ترتسم داخل مغرب اليوم، في تفسير تموقع العلوم الإنسانية ضمن خارطة الفهم، تُبرز معها نتوءات التباعد وأنوية المغايرة، بين دولة تتمخزن، وفرد يتحرر، طارحة بسؤال ساخن، من يريد حَرْق الوضع؟
زمن جديد، بمرجعيات جديدة، يقتحم الحديقة السرية لمختبر العلوم الإنسانية، بأسئلة جديدة، يعيد رسكلة الخطاب والممارسة، بتصور مانوي، يقيم شرخا، بين قديم يترنح، وجديد لم يولد.