hassan-elassiإن أية نظرة موضوعية للواقع العربي الراهن تؤكد بما لايدع مجالاً للشك أن الأمة العربية الواحدة ذات الثقافة واللغة والهوية والجغرافيا الواحدة وذات المصير المشترك، تتصارع الآن في داخلها قوى وجماعات وكيانات، وتتمزق وحدة هذه الأمة على المستوى القومي وعلى الصعيد الوطني، ويتم تهجير ملايين من المواطنين ومنهم الكثير من الكفاءات والعقول الخبيرة، وتتعمق في المحتمع الواحد الإنقسامات الأثنية والطائفية أو حتى المناطقية في بعض الدول .
إن واقع الحال العربي يشير إلى أن هذه الأمة تتنازع فيها هويات جديدة على حساب الهوية العربية المشتركة، بعضها هويات إقليمية أو طائفية أو دينية أو عرقية، ويبدو أن الهدف هو تجريد هذه الأمة من هويتها وشخصيتها العربية والإسلامية .

في ظل هذا الحال من التفتيت والتقسيم التي تعاني منه المنطقة العربية، والتي لاتبشر بالخير أبداً ويشير إلى أن المنطقة مقبلة على صراعات أكثر دموية، نقول إنه في ظل هذا الوضع بدأت تتعالى أصوات بعض المفكرين بضرورة العودة إلى دروس وعبر الماضي لنستلهم منها مايعيننا على مواجهة معضلات الحاضر، ذاك الماضي الذي كان فيه العرب والمسلمين أصحاب مكانة ونفوذ، وأصحاب فضل في تطور ونشر المعارف.

anfasse7780       قبل الخوض في الحديث حول إشكالية التحقيب في المغرب وإمكانيات دخول المغرب العصر الحديث الأوربي، وأيضا زوايا تناول هذه الإشكالية لدى المؤرخين والمؤلفين من مختلف تخصصات العلوم الاجتماعية، سواء المغاربة منهم أو الأجانب، للإجابة على السؤال المحوري. هل ولج المغرب العصر الحديث مع الدولة السعدية؟  لكن قبل ذلك لابد من تحديد بعض المفاهيم الأساسية كمدخل للتمييز بين بعض المصطلحات حول الموضوع؛ ونقصد هنا (الحداثة، التحديث، العصر الحديث).
       قد يصعب تحديد تعريف خاص بالحداثة لاختلاف وجهات نظر المنظرين والمهتمين بالمجال، لكنها عموما تسير في اتجاه واحد يجعل من الحداثة بناء مفاهيميا نظريا قيميا متكاملا يسعى للوصول بالمجتمع إلى درجات عليا من التطور الفكري والعلمي والرفاه المادي، وهي أيضا بنية اجتماعية ، اقتصادية وثقافية تتحدد بالتحولات المادية والتجارب الجديدة، وتفرض عادات وسلوكات مستحدثة[1]. أما التحديث فهو الجهاز المادي للحداثة، وهو كعملية "سلسلة متتابعة من التغيرات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والثقافية والسياسية وحتى البيولوجية، ويتضمن تبنيا لطرق جديدة للحياة المادية "[2]  تتحول من خلالها المجتمعات من نموذج لمجتمع (تقليدي أو متخلف) إلى نموذج آخر (حديث أو متقدم). ولا يمكن الفصل بين التحديث والحداثة   "فالعلاقة تتوضح بين التحديث من حيث هو اقتباس لعلوم الغرب العصرية المتطورة، وبين الحداثة من حيث هي استيعاب للعلوم العصرية والمشاركة في الإبداع فيها على المستوى الكوني"[3] .

boubkriمع الثورة المعلوماتية أخذ أفراد مجتمعات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يحسون بالانغلاق الثقافي لبلدانهم، إذ أصبحوا يتواصلون مباشرة مع الخارج. ورغم ذلك ستظل أغلبيتهم غير مدركة لخطورة الثقافة المتجذرة في عقولهم والتي رسَّخت فيهم التقليد الحاجب للواقع، حيث تسلَّلَت إلى أذهانهم منذ صغرهم، وتشبَّعوا بها قبل أن يمتلكوا القدرة على فحصها وتمحيصها... لذلك، توجد في ذهننا عوائق يجب اختراقها وممارسة القطيعة معها للانفتاح على ثقافة العصر القائمة على العقل، ما يفرض علينا مراجعة فكرية جذرية لنتمكن من الانخراط في ثقافة الاختلاف والأخذ بأسباب العقل والتطور...
ومن المؤسف أننا نلاحظ اليوم أن أغلبية عقولنا تخضع لاحتلال أخطبوط الثقافة التقليدية، حيثُ تنظر لمن يختلف معها بعداء كبير يبلغ أحيانا حدَّ الاعتداء الجسدي.
الثقافات عبارة عن كيانات متمايزة ومتنافرة، لكن الثقافة الغربية تتميز عن غيرها بالتقدم والإنجاز... والمجتمعات التي انفتحت على الغرب، كاليابان والصين وغيرها، كلُّها تقدمت إلى أن صارت اليومَ تنافسه... فلو اكتفت البلدان الأسيوية بثقافاتها المحلية لبقيت غارقة في التخلف.
نحنُ نستفيد من منجزات الغرب التي لم نبدعها، لكننا لا نسعى لفهم ثقافته التي هي أساس نهضته، وبالتالي سنظل عاجزين عن فهم إنجازاته وكيفية تحقيقها.

anfasse9901قليلة هي الأصوات الغربيّة المشكّكة، التي لا  تعتبر أنّ ابن خلدون (1332 - 1406م) هو الأب الشرعي لعلم الإجتماع رغم أنّه هو من ابتكره، بل تذهب إلى  أنّ مؤسس الفلسفة الوضعيّة(Positivisme)، مؤلّف كتاب "محاضرات في الفلسفة الوضعيّة" و كتاب "نظام في السياسة الوضعيّة"، الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي" أوغست كونت" (Auguste Comte1798 - 1857)، الذي إبتكر وأعطى لعلم الاجتماع هذا المصطلح الحديث، هو الأب الشرعي لعلم الإجتماع.
ولكن، ورغما عن ذلك، فإنّي لا أبالغ القول عندما أزعم أنّه، باستثناء هؤلاء القلّة المعترضة، فأنّه لا يجادل أحد في جدارة ابن خلدون، في أن يكون في مصاف عمالقة الفكر، على مرّ التاريخ، لا سيّما فكر ما يسمّى بفلسفة التاريخ وعلم الإجتماع. ويعود الفضل في ذلك بالأساس إلى" كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر"، وبصفة أدقّ في جزئه الأوّل، وهو "المقدّمة"، التي أرسى  في توطئتها وصلب أبوابها الستّة، ليس فقط قواعد فقه التاريخ، بل وكذلك  أساسيات علم العمران، ضمن بحث في أسباب ازدهار الدول و انهيارها، فيما نسمّيه اليوم بعلم الإجتماع وفق إصطلاح "أوغست كونت" ويسمّيه إبن خلدون، قبل ذلك بستّة قرون وأربعة عقود، بعلم العمران.

anfasse8897مقدمة :
تعرف هذه الزاوية منذ عهد الشيخ أحمد ابن القاسم الصومعي (ت1013هـ/ 1904م) إلى اليوم باسم الصومعة، والاسم ينطق بحسب المصادر القديمة مثل دوحة الناشر[1] بالصُّومعة بضم الصاد المشددة بعدها واو فميم ساكنة وعين وهاء، وهو النطق المعروف عنها في مدينة بني ملال : الصُّمعة وينسبون إليها بقولهم : الصُّمعي. وتشير الصّومعة المذكورة إلى آثار متبقية من صومعة المسجد بحي أسردون التي تعود إلى عهد الموحدين، كما وضح المستشرقGautier [2] بالنظر إلى تشابه هندستها بهندسة صومعة الكتبيين وصومعة حسان.
تقع زاوية الصومعة بدير جبل الأطلس المتوسط، في المرتفعات الأولى المشرفة على  سهول بني معدان، على مقربة من عين أسردون الشهيرة. ومن الأهمية بمكان أن نثير الانتباه إلى أهمية هذا الموقع الذي كان له أثره الفعال في تقوية النفوذ الروحي والاجتماعي لهذه الزاوية؛ فموقع الدير كما هو معلوم يتوفر على إمكانيات طبيعية مهمة، تتجلى في كثرة العيون والمجاري المائية والأراضي ذات التربة الغنية، ثم الغطاء النباتي الكثيف. كما أنه ذو أبعاد إستراتيجية واجتماعية؛ فمنطقة الدير تمثل نقطة اتصال بين سكان الجبال الأمازيغ وسكان السهول العرب، وبالتالي فهي مجال لاتصال وتفاعل نمطين اقتصاديين مختلفين : نمط سهلي ونمط جبلي. ومن هنا تكتسي هذه الزاوية وباقي زوايا الدير المجاورة لها، أهميتها على المستوى الاجتماعي، وخصوصا في تهدئة الأوضاع، وإقامة نوع من التوازن الاجتماعي بين الرحل والمستقرين[3].

mohamed-abdouتقديم
يعتبر محمد عبده (1844م-1905م) من أكثر مفكري التيار السلفي الإصلاحي لعصر النهضة العربية  تأثيرا في الأجيال اللاحقة من المفكرين،  وقادة الحركات الوطنية ، ورجال السياسة. والذين شكلوا امتدادا لدعوته سواء في المشرق العربي أو في مغربه. أو على الأقل تأثرت أفكارهم في جانب من جوانبها بمدرسته .  فقد كان محمد عبده شخصية تنوعت أفكارها بين الدين، والعلم، والتربية، والسياسة. ونموذج متميزا للمثقف السياسي والسياسي المثقف. سخر حياته وفكره لربط الإسلام بالتقدم،  مشتغلا في ذلك على هدفين أساسين: الأول:  هو" تحرير الفكر من قيد التقليد، وفهم الدين على طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلاف"(1)- الثاني:  هو "إصلاح أسالب اللغة العربية في التحرير(2)-

anfasse7788تعتبر زيارة الصديقين وأولياء اليهود ظاهرة اجتماعية تميزت بها الطائفة اليهودية المغربية التي خصت هؤلاء بهالة من التبجيل والتقديس [1]، ويرجع تاريخ هذه الظاهرة منذ الفتح "الأموي" لشمال إفريقيا، ونشر الإسلام في ربوعها حيث وجد أن البربر كانوا يؤمنون بمعتقدات وثنية وهي تقديس والتبرك بقبور الموتى، وأخذ عنهم اليهود في هذا الجانب وصار كل صديق يسمى ولي "البلاد"[2] ، كما تشير بعض المؤلفات اليهودية التي ترجع إلى القرون الوسطى إلى أن الجلوس على قبور الصديقين مخصص لقراءة التوراة مرة في السنة فقط، وانتشرت الظاهرة لتهم كافة اليهود ويزورون طوال العام، كما أن ممارسات الزيارة بدأت من القرن الحادي عشر لكنها انتشرت بين العامة في حدود القرن السادس عشر، ولا زالت نشيطة حتى بعد الحماية الفرنسية للمغرب سنة 1912 م [3]  .

blood-burning يعتبر كتاب ميلاد العالم الحديث1780-1914 "للمؤرخ البريطاني كريستوفر آلان بايلي، وهو أستاذ التاريخ الامبريالي والبحري بجامعة كامبريدج متخصص في الهند . من الكتب التاريخية القليلة التي تناولت التاريخ الفوري في مجال التوسع السريع للتاريخ العالمي.  مما جعل المؤرخ البريطاني إريك هوبسباون المختص في نفس الفترة الزمنية التي تناولها الكتاب  يقول عنه "ليس من المبالغة  القول أنه منذ ظهوره بالنسخة الانجليزية سنة 2003 حول طبيعة الفترة التي تناولها والتي امتدت ما بين ثورات القرن18 واندلاع الحرب العالمية الأولى، مما جعل موضوع الكتاب نقطة انطلاق لجميع الدراسات الجادة حول تاريخ العالم الحديث " .
لقد حاول الكاتب من خلال هذا العمل تحليل الخاصيات المتسارعة للتغيرات السياسية والاقتصادية في العقدين اللذين سبقا قيام الحرب العالمية الأولى، من خلال مقارنة وجهات نظر مختلفة حاولت تحليل الجذور الحقيقية لهذه الحرب. حيث كان لينين و معاصروه الثوريون وكذلك المتخصصون في التاريخ العمالي، يرون التغيرات الاقتصادية بمثابة إعلان عن دخول المجتمع الرأسمالي في مرحلته النهائية، وأن الحرب تعود إلى انتشار الإضرابات وقوتها وتطور الحركة النقابية، وأن قيام الحرب هو علامة على زيادة قوة الطبقة العاملة.