انفاسحقيقة مصطلح البربر
شاع حول لفظة البربر تصور مبني على أحكام القيمة والإقصاء والانغلاق، يختزل دلالاتها في كل ما هو متوحش أو همجي أو بدائي أو نحو ذلك. ولا يعدو هذا التصور المعنى اللغوي والمعجمي المبثوث في بعض القواميس سواء العربية أم الأجنبية التي تتضمن أكثر من تلبيس أو مغالطة، حيث لا يرجع أصحابها إلى تاريخ هذا المصطلح ليثبتوا جذوره الحقيقية وإرهاصاته الأولى، ويطلعوا على الكيفية التي نشأ بها، بل ويتعقبوا تطوراته اللغوية وتبدله المعنوي، فيدركوا أن أصل هذه الكلمة إغريقي صرف، حيث سمى اليونانيون القدامى كل من لا يتكلم بالإغريقية (بارباروس)، ثم استعار الرومان نفس المصطلح فأطلقوه على الأجانب، وبالتحديد الخارجين عن طاعة الإمبراطورية الرومانية والنابذين لأفكارها الاستبدادية والرافضين لنفوذها العسكري. وبما أن الأمازيغ كما يشهد تاريخهم القديم تمردوا على الحكم الروماني العاتي، ورفضوا تمام الرفض وبكل الوسائل المادية والمعنوية سيادته، فقد نعتوا من قبله ب(Barbari)! أشار المؤرخ شارل أندري جوليان في كتابه تاريخ أفريقيا الشمالية "إلى أن البربر لم يطلقوا على أنفسهم هذا الاسم، بل أخذوه من دون أن يروموا استعماله عن الرومان الذين كانوا يعتبرونهم أجانب عن حضارتهم، وينعتونهم بالهمج، ومنه استعمل العرب كلمة بر ابر وبرابرة."
هكذا يمكن اعتبار هذا الدليل الذي يفسر به هذا المؤرخ الكيفية التي تم بها إلصاق هذا المصطلح بسكان الشمال الأفريقي الذين كانوا يسمون الأمازيغ، خير شاهد على براءتهم من الشحنة المعنوية الرديئة والغثة، التي تنتقص من شأن شخصيتهم وقدر ثقافتهم، وقيمة الحضارة التي شيدوها في بلاد شمال أفريقيا المتاخمة لحوض البحر الأبيض المتوسط وجزء من المحيط الأطلنطي. اعتبارا بأن هذا الكلام إنما هو صادر ليس عن أديب يخمن أكثر مما يعلل، أو عن سياسي ينساق إزاء سراب الأيديولوجيا فيجادل أكثر مما يوضح، وإنما عن دارس للتاريخ يستند إلى الشواهد التاريخية والأثرية، فيعمل فيها أدوات البحث من مقارنة وتمحيص وضبط زمني وجغرافي وغير ذلك. ثم إن هذا المؤرخ يذهب إلى حد بعيد في إنصافه لهؤلاء الناس، الذين ظلمتهم الدولة الرومانية ومن والاها من مؤرخي البلاط وكتبة التاريخ الرسمي، فرغم أن شارل أندري جوليان ينحدر من الربوع التي نشأت فيها تلك الإمبراطورية وسادت، فإنه توخى الموضوعية والعلمية في كتاباته التاريخية، فكانت ثمرة ذلك هو كشف النقاب عن حقيقة البربر الذين لم يكونوا بربرا إلا من حيث التسمية.

أنفاسلقد أصبحت مسألة الموروث الثقافي والأصالة والتراث عملة رائجة في سوق المثقفين وموضة كل المنتديات واللقاءات الفكرية و الثقافية, ويكفي أن نلتفت قليلا إلى الوراء حتى نجد كم شهدت الحقبة الفائتة من الطروحات والأطروحات في الفكر العربي بكل مستوياته، على مختلف الأصعدة والطبقات الفكرية والفلسفية بكل الأبعاد والاحتياجات، والتي تمثلت بالكم الهائل من المؤتمرات والندوات التي عقدت حول إشكالية الموروث والعلاقة التي يجب أن تربط الأمة بماضيها وموروثها الثقافي.
هذه الطروحات تناولت القضايا الجوهرية الأساسية في محددات الجماعات والأفراد ولعل من أهم هذه القضايا ما يتعلق ب "الهوية " و"التجذر التاريخي" و"التراث" والعمق الحضاري، وكل ما اتصل بهذه الموضوعات ومصطلحاتها المنبثقة عنها كالأصالة والخصوصية والانفصال عن الدخيل والأمة والوحدة والكونية.....
بدون شكّ فإنّ هذا التوجه يلهب مشاعر الفرد العربي بشكل عام، ويؤجج إحساسه، الذي يستشعر من خلال مفهوم "الأمة" المتخيّلة في ذهنه، وعقليته ويرى فيه صورة "البطل " و"القائد " هذه الصورة المتخيلة ترضي "نرجسية الأمة " وتثري "الأنا العربي".
والذي يُراجع التاريخ يكتشف دون جهد أن الأمم والشعوب تزداد انشغالاً بتاريخها وماضيها حين يكون حاضرها مأزوماً و مؤشرات أسهمها الحضارية في هبوط، وهذا قد أشار إليه الكثير من مفكري العصر الحالي والفلاسفة عبر التاريخ ولا يحتاج إلى الأدلة والبراهين للتدليل عليه.
فالأزمات الكبرى التي تطال "أنا" الإنسان الحاضر تدفع به آليًّا إلى البحث عن "الأنا" الماضي عبر الغوص والبحث عن مسوغات تاريخية تعيد لذاته المتصدّعة اعتبارها من جديد عبر اجترار الماضي "المجيد"، لذلك فإن الخطاب العربي بعد 1967 شهد انشغالا واسعًا وعميقا بالإرث الفكري والعقدي.
وقد طرحت هذه القضايا والموضوعات بعمق أحيانا في ظل تشابك قوي بين عناصرها في مواجهة ما كان يسمى ـ بالغرب ـ وكانت أشبه ما تكون بردّة فعل عكسية لذات متصدعة تخشى على كينونتها وصيرورتها تريد مواجهة «الآخر» خوفا على «الأنا»، باحثة عن معززات «الذات» ناعتة «الآخر» بأوصاف شتى مصوّرة أفعاله بكافة المصطلحات التي راجت و منها "الغزو الفكري والثقافي" و«تارة» الهجوم الإعلامي وتارة "الحرب النفسية" وتارة ب "العولمة"، طارحة مصطلحات مقابلة كالأصالة والهوية والخصوصية، وكانت الأوليات الدفاعية في معظم الأحيان تأخذ بُعدًا نضاليًّا وجهاديًّا، وبدأ المفكرون سيمَا الإسلاميون منهم باستجلاب التاريخ النضالي، واستنفار المخزون العقدي الذي يُؤصل ل"الجهاد " ومفاهيمه و"النضال" ورموزه، وطُرحت قضايا "دار الحرب" و"دار الإسلام" من جديد ...... وبات يُصَوّر للشعوب أن هناك "مؤامرة " مدبرة يحيكها هذا الآخر.

أنفاسمن أغرب الممنوعات في الإسلام من وجهة النظر الأوربية هي تحريم شرب النبيذ.في الآية  219  من سورة البقرة نقرأ ما  يلي:(يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما إثم كبير و منافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما).وأثار هذا التحريم العديد من النقاشات حول جواز شرب النبيذ.تمخض عنها موقفان:
ــ الخطيئة الفعلية تكمن في الإفراط وليس في شرب الخمر بالذات أي  أن  التحريم يقتصر على المبالغة في الشرب  التي تدفع المؤمنين الى الاشتراك في الصلاة وهم سكارى.
ــ كل ما هو مسكر حرام ‘ حتى الكميات الصغيرة ممنوعة.
رغم ذلك فان شرب الخمر كان مألوفا لدى المسلمين بسبب وجود غير المسلمين بينهم و الذين كانوا دوما يزرعون العنب و يصنعون منه النبيذ ويتاجرون به. وسمحت السلطة المسلمة للاقليات الدينية من يهود ونصارى بالاستمرار بهذا النشاط.
لذلك لم يكن من السهل فرض منع شرب النبيذ و احتفظ المسلمون بموقف ملتبس تجاه الخمر و البعض منهم انغمس فيه بحماس. والعامل الذي سهل الأمر لمحبي الخمر هو وجود  نوع  من التسامح أو عدم المؤاخدة من طرف المجتمع تجاه المدمنين.و احتفظ الشاربون المسلمون بوعي بأنهم يخرقون قانونا ولكن بعكس أكل لحم الخنزير لم يكن يثير شرب الخمر أي تقزز.
ولجأت السلطة أحيانا الى اجراءات صارمة لمكافحة الشرب.فكانت تعاقب المسلمين الذين تكتشف لديهم خمرا بقسوة كالجلد أربعين جلدة.وكان حراس الليل يعاقبون السكارى الذين يُلتقطون في الشوارع  ليلا ثم المحتسب نهاراً الذي كان يراقب الالتزام بالقواعد الاسلامية في الاسواق .ولكن من الملاحظ ان المحتسب كثيرا ما  كان عرضة للسخرية في مؤلفات الادب العربي لانغماسه في الشرب هو الآخر.
محور المقال هو استهلاك النبيذ في الشرق العربي الاسلامي في العصور الوسطى. و سأقتصر على عرض كيفية التعامل مع النبيذ علانية في الحياة العامة ثم سأتناول بعض اوجه التجارة به .و لن أتطرق الى موضوع زراعة الاعناب وقطفها وصناعة النبيذ وتخزينه.
كما لن أتناول أنواع العنب المختلفة.وهناك صعوبة في النقطة الأخيرة لعدم تفريق المصادر العربية بين أنواع الأعناب 1المصادرالعربية التي تتناول الخمر واستهلاكه باسهاب: الشعر و الكتب التاريخية والأدب والحكايات.وتعطينا هذه المصادر نظرة شاملة عن التاريخ الحضاري للخمر في العصور الوسطى العربية .
وقبل الخوض في الموضوع الأساسي دعونا نلقي نظرة على أهم الأمكنة التي اشتهرت بزراعة العنب قبل أن تقع في أيدي المسلمين في الزمن الاسلامي الأول .