mediter-livreتقـديم:
يعتبر كتاب المتوسط والعالم المتوسطي على عهد فيليب الثاني، لصاحبه فيرناند بروديل مرجعا أساسيا لتاريخ البحر الأبيض المتوسط، بل ومرجعا في علم التاريخ في مجمله، حيث تطرق من خلاله للحضارات التي تعاقبت على البحر الأبيض المتوسط منذ قدم الأزمان وحتى اليوم، فدرس في بداية الأمر الجبال والسهوب المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط من كل الجهات. كما درس الجزر، والصحاري، والحياة البدوية ، والبرازخ، ومضائق البحار، والملاحة البحرية، والطرق البرية التي كانت متوافرة آنذاك. وبالطبع درس المناخ السائد في حوض البحر الأبيض المتوسط ودورة الفصول. وبعدئذ انتقل لدراسة الأمور ضمن منظور المدة المتوسطة للتاريخ والتي تقع فوق المدة الطويلة السابقة. ويقصد بذلك دراسة التاريخ الاجتماعي للشعوب والأمم : أي دراسة الاقتصاد والديموغرافيا والعملة المالية والمعادن والأسعار وتجارة القمح ووسائل النقل السائدة في تلك الأزمان برا وبحرا. كما درس الفئات الاجتماعية المختلفة من بورجوازيين، أي سكان مدن، وقطاع طرق وعصابات، ويهود ومسلمين ومسيحيين، وكذلك درس الرأسمالية والحروب. ثم انتقل بروديل إلى دراسة الطبقة الأخيرة والثالثة من تاريخ شعوب البحر الأبيض المتوسط. وهي التي تخص دراسة المعارك العسكرية والسياسات التي اتبعتها هذه السلالة المالكة أو تلك والحروب التي جرت بين الأوروبيين المسيحيين والأتراك المسلمين. إذن فمن هو فيرناند بروديل؟ وما هو منهجه في كتابة التاريخ؟ وما هو مضمون كتابه المتوسط والعالم المتوسطي؟

anfasse16103كان يقال دوما والعهدة على من روى، أننا سقطنا ومن حيث لا ندري في عصر الانحطاط بعد أمجاد وبطولات قل نظيرها اليوم، كما قيل دوما أن أجدادنا كانوا ذات يوم يتسيدون العالم بإنجازاتهم وعلومهم ومعارفهم، ربما هكذا تم التسويق لفترة لازالت معتمة في تاريخنا، أو لربما أنشأنا وهما من خلاله بررنا ونبرر فشلنا في الحاضر، ونجد له منفذا نحو الماضي بدل التفكير في التخلص منه.
    بداية وجب علينا كمنطلق لهذا القول التفريق تمام التفريق بين الحضارة الإسلامية بمختلف مشاربها، والمنطقة العربية بمجموع أنواع سكانها وأصنافهم من عرب بائدة وعاربة ومستعربة وعجمية...، الحضارة الإسلامية استلهمت قوتها الكبيرة من التنوع الثقافي ومن تاريخ الأمم التي سقطت تحت جوانح حكمها، من قبيل الفرس وبابل وشرق أوربا وقرطاج والهند والأندلس، حيث تغذت بما أنتجه تاريخ هاته الأمم بما أنهم كانوا قوم مدن وليسوا أهل انتقال وعدم استيطان، ربما كانت حظوة العرب تتجلى في لغة القرآن ونسب النبي لا غير، ودليلنا على ذلك ليس يكمن إلا في نصوص التاريخ، حيث كانت الدعوة المحمدية وما بعدها من عصر الخلفاء الراشدين، دعوة تتأسس على إدخال الإسلام لغير المسلمين دون التفكير في الصناعات العلمية والأدبية والمعمارية... وذلك راجع إلى طبيعة أهل شبه الجزيرة العربية التي كان يغلب عليها طابع البداوة أكثر من التمدن، لهذا كانت صناعاتهم هاته تكاد تغيب إن لم نقل بعدم وجودها في الأصل، من ثمة كان لا بد لنا من الحديث عن تاريخ جريح قبل الخوض في وهم التفوق، كما إنه لا بد من التفصيل في التمزق العربي قبل النهضة العربية غير المحققة لحد الساعة.

anfasse091010فمن تكن الحضارة أعجبته            فأي رجال بادية ترانا
القطامي التغلبي (يفاخر ببداوته، ويهزأ بالحضارة)
المعلوم عن العرب أنّهم سريعو الغضب، وأنّهم على درجة عالية في فن اختلاق المشاكل التي قد تعرّض بلدانهم للخطر.  وذلك لضحالة دور  مؤسساتهم المدنيّة  ولغياب رؤاهم الإستراتيجيّة، ولتفرّد حكّامهم بالسلطة بما يماهي ويعيد إلى الاذهان السلطة المطلقة لزعيم القبيلة في العرف البدوي. وقد حدث ذلك عندما غزا صدام حسين الكويت سنة 1990  بعد سنتين فقط من انتهاء الحرب العراقية الإيرانيىة التي أنهكت العراق ماديا وبشريّا بشكل كبير لا تزال آثاره ماثلة إلى اليوم في المجتمع العراقي العظيم الذي فقد وزنه العربي والإقليمي والدولي جرّاء مغامرات حكّامه وبداوة تفكيرهم وسذاجته رغم وطنيتهم المشهود لهم بها وذودهم عن قضايا العروبة. وهو يحدث اليوم في الحالة السورية التي يعتمد حكّامها على طائفتهم العلوية كشكل من أشكال إحياء العصبيّات القبليّة المتاصّلة في البادية.  وهو ما يلحّ علينا بالسؤال التالي : هل العرب تخطّوا فعلا مرحلة البداوة في تفكيرهم وسلوكهم اليومي!! ؟ والجواب القاطع إنّما هو بالنفي لا بالإيجاب، لأنّ العرب لا يزالون يتصرّفون وفق منطق القبيلة و أعرافها  البدويّة المتخلّفة، لا وفق منطق الدولة ومؤسسّساتها العصريّة.

anfasse11097يعود اهتمام الكتابات التاريخية الغربية بموضوع الخوف إلى الدراسة التي أنجزها المؤرخ الفرنسي المعاصر جون دولومو Jean Delumeau، المتخصص في تاريخ العقليات الدينية، حول الخوف في الغرب ما بين القرنين 14 و 18، بالرغم من الإشارات التاريخية إلى دراستين سابقتين على هذا البحث؛ تهم الأولى كتاب المؤرخ جورج لوفيفر Georges Lefebvreتحت عنوان الخوف الكبير لعام 1789[1]، الذي خصصه للثورة الفرنسية  وكتبه عام 1932، وتشمل الثانية مقال للوسيان فيفر Lucien Febvre في مجلة الحوليات E.S.C حول الإحساس بالأمن[2](Le besoin de sécurité). وإذا كان تساؤل جورج لوفيفر عن إمكانية إعادة قراءة التاريخ انطلاقا من الحاجة إلى الأمن، فإن موضوع الخوف كما أشار إليه الباحث إدريس الكنبوري في قراءته لمؤلف جون دولومو السابق، موضوع غريب متشعب، لم تتعود الكتابة التاريخية الاقتراب منه أو حتى التفكير فيه، وقد يدرس هذا الموضوع من الناحية النفسية-السيكولوجية، أو من الزاوية الدينية-اللاهوتية، لكن أن يدرس من الناحية التاريخية فهذا يبدو مهمة صعبة[3]، وهي المهمة - المغامرة – التي تفرد بها جون دولومو بعدما كسر ما سماه هو بالصمت الطويل حول دور الخوف في التاريخ، وما قد تسلطه كتابة لتاريخ الخوف في الغرب من أضواء على جوانب من الحياة الاجتماعية والثقافية والنفسية والذهنية للإنسان الأوربي في فترات زمنية قد تمتد لقرون طويلة توصف بالعصيبة.

anfasse26083لا شكّ  في أنّ ظاهرة السخط على كل جديد هي ظاهرة قديمة قدم الانسان، الذي كأنّي به قطع على نفسه عهد الطعن في الجديد ولو إرتقى الى أعلى درجات سلّم الابداع والجودة، والتغنّي بالقديم والتمسّك به كصنم يعبد ولا يحطّم، ولو تدحرج هذا القديم الى أسفل درجات هذا السلّم.
والجديد الذي نقصده قد يكون في مجال الشعر والأدب أو الفلسفة أو العلم أو الفنّ أو التربية، وقد يكون رأيا في الدين أو في عالم المال والأعمال أو في الإقتصاد و السياسة ونحو ذلك من مجالات الحياة الكثيرة والمتعدّدة. ففي مجال الشعر مثلا جدّد أبو تمّام فاعتبرت إنتاجاته الشعريّة في حينها إفسادا للشعر. ثم اقتفى أثره شعراء كثر. نقتصر على بعض شعراء العصر الحديث، اللذين من بينهم الشاعر المجدّد التونسي أبو القاسم الشابّي الذي سخر منه الجميع، لا بل وأقرب النّاس اليه. كما نذكر منهم  شعراء "الحر" و"غير العمودي  والحر" المتمرّدين على القصيدة العموديّة التوّاقين أبدا إلى مسايرة العصر بنفس شعري جديد لا ينتهي بالضرورة عند التفعيلة السادسة بل عند الانتهاء من  رسم الفكرة المقصودة. وهذه المقاربة الثوريّة جعلتهم يلاقون من الانتقادات و من التحقير والتعيير ما تنوء به الجبال، لكنّهم ظلّوا صامدين و تجاوزوا الحواجز ليقينهم من وضوح رؤيتهم وسلامة مسيرتهم،  وواصلوا السير رغم العبوات الناسفة التي وضعت باستمرار في طريقهم.

anfasse26082ملخص:
    في إطار الدينامية التي يعرفها البحث التاريخي بالمغرب خلال العقود القليلة الأخيرة، وبهدف تسليط الأضواء على مواضيع وقضايا جديدة مرتبطة بالذاكرة الجماعية للمغاربة، وفي مُقدّمها الأقلية اليهودية التي عادة ما تُهمَّش أو تُغيَّب في الدراسات والأبحاث، واعتمادا على ما توفره المصادر التاريخية من إمكانيات؛ نصبو عبر هذه الإطلالة السريعة، إلى ملامسة بعض جوانب موضوع مهدوية المغرب الأقصى طيلة العصرين الوسيط والحديث؛ مقارنِين بين ثقافتين مختلفتين جمعتهما الجغرافيا والتاريخ المشتركيين، وباحثِين عن جوانب الائتلاف والاختلاف بينهما. ولن يتأتى لنا ذلك إلا باستنطاق بعض المصادر التاريخية اليهودية والإسلامية، عبر التساؤلات الأولية التالية:
كيف تَمثّلَ المغاربةُ يهودا ومسلمين المهدي المنتظر؟ وما أوجه الائتلاف والاختلاف بينهما؟ لماذ استنجد المغاربة بالمهدي وعقيدته؟ ما الذي جعل مشاريع التغيير المغربية تتحول من "ادعاء النبوءة خلال القرون الهجرية الأولى إلى المهدوية ابتداء من القرن السادس الهجري على الأقل (12 م)؟  كيف وُظفت المهدوية في تاريخ المغرب؟ لما لم تنجح الحركات المهدوية؟

مقدمة
  تشترك عدة ديانات وأمم في الإيمان بعودة المهدي أو المنقذ؛ إذ يَعتقد اليهود بظهور محرر مخلص للتكفير عن خطايا البشر، ويؤمن بعض المسيحيين برجعة المسيح لإنقاذ العالم من ظلم الإنسان، كما توجد فكرة المخلص المنتظر عند المصريين والفرس والصينين والهنود القدامى[1]. وتهدف المهدوية في كل الديانات والمعتقدات إلى التغيير الاجتماعي، وتَعِد أنصارها بالمستقبل الأفضل في العالم الدنيوي، لكن بتوظيف وسائل مرتبطة بماهو غيبي أخروي.

dine-khalid-ghazal  صدر عن دار الساقي كتاب وقع في 319 صفحة، موسوم بـ: (من الدين إلى الطائفة، في ضرورة الدولة المدنية) لكاتبه خالد غزال.
  الكتاب عبارة عن شريط عريض شامل للأحداث التي عرفتها الإنسانية منذ نشأة الأديان السماوية إلى وقتنا الراهن الذي يتميز بالثورات و الفتن التي يشهدها العالم العربي.
  قسم خالد غزال كتابه إلى قسمين:
القسم الأول: أسباب تحول الأديان إلى طوائف.
  يحاول الكاتب في هذا القسم التأكيد على أن الدولة الدينية لم تكن لها كينونة على مدى التاريخ البشري، و أنها لم تكن سوى أسطورة" وضعت لها المؤسسات الدينية بنيانا أيديولوجيا و نظريا بالتواطؤ مع السلطات السياسية القائمة".
  و من كتاب الملل و النحل للشهرستاني استدل الكاتب على انقسام الأديان إلى طوائف متناحرة و رافضة للوحدة، و كل واحدة متألهة و مدعية للحق المطلق على الأخرى.

anfasse140851- يمنى القدّيس أوغسطين العائدة
يعود حضور المسيحية في المنطقة الممتدّة بين ليبيا والمغرب إلى عهود سحيقة، وقد حاز الفضاء قصب السبق من حيث الريادة التأسيسية، في ما يخصّ صياغة النص المقدّس التوراتي الإنجيلي، باللغة اللاتينية؛ وبالمثل في بلورة الخطّ الإصلاحي، أكان ذلك مع الموحِّد القدّيس أريوس اللّيبي (ت336م) المبعَد، أو في بلورة الخطّ المنعوت بالأرثوذكسي، مع القدّيس أوغسطين (354-430م) المحتَفى به. إذ تبقى المسيحية الغربية مدينةً في أصولها التكوينية للصياغات اللاهوتية، التي تطوّرت في قرطاج وثاغست (سوق أهراس) وهيبون (عنّابة)، خصوصا مع مدرسة القدّيس أوغسطين. غير أن أسْلَمة المنطقة شكّل تحوّلا انقلابيا باتجاه ديانة توحيدية مستجدّة لم تضاهيه غيرها من التحوّلات، سواء في بلاد النيل المجاورة أو في منطقة مهد المسيح وما جاورها، من حيث اكتساح الدين الوافد -الإسلام- لسابقيه نسخًا وإلغاءً.
ولئن اندثرت المسيحية الأهلية من بعض أقطار المنطقة مبكّرا، منذ مطلع القرن التاسع الميلادي، كما الشأن في المغرب، فإنها عمّرت حتى عصور متأخّرة بين الأهالي في تونس، حيث تواصل أداء النصارى الجزية بالجنوب التونسي، إلى حدود القرن الرابع عشر الميلادي. تعرّض لذلك الفقيه أحمد بن محمد المعروف بالبرزلي (المتوفى سنة 1438م)، في كتابه: "جامع مسائل الأحكام مما نزل من القضايا بالمفتين والحكّام".