كثرت الأسئلة حول الدين والدولة، وأدلجة الدين والتراث، وعن دور الدين ومجاله في الحياة، ولا سيما على ضوء ما نحياه اليوم من صعود التطرف الديني، ودعوات التحرر من سطوة السلف وتحديث الفكر الديني. أسئلة من هذا النوع الإشكالي وغيرها حملناها إلى المفكر الاسلامي العراقي والأستاذ في الحوزة والجامعة الدكتور عبد الجبار الرفاعي.
فكان هذا الحوار:

1-    ناقشت "اختزال الدين في الأيديولوجيا"، وهذا ما أسهبت الحديث عنه في كتابك "إنقاذ النزعة الإنسانية في الدين"، وقدّمت كل من علي شريعتي وحسن حنفي كنموذجين لتحويل الدين من ثقافة إلى أيديولوجيا. مع الرفض لأن يختزل الدين في الأيديولوجيا، ولكن إذا تحدثنا عن الإسلام، فهو ينطوي في فكره وتراثه على تحقيق العدالة، أي أنه دين في جوهره يحمل عقيدة تغييرية، فكيف يمكن أن يكون خالصاً من التمثلات الأيديولوجية؟

Aanfasse03113من سوء حظ الحركة الصهيونية ومشروعها المادي إسرائيل، أن الحرب التي اندلعت عام 1947 وأعلن في اثرها عن قيام تلك الدولة البغيضة لم تكن صفحة منتهية، وإنما كانت صفحة البداية لصراع سيستمر طويلاً، ويعود ذلك بالأساس إلى أن الأسطورة اليهودية لم تتوافق مع الوقائع، في حين تناقضت الأيديولوجيا الصهيونية مع الحقائق السياسية والاجتماعية.
 فهذه الأرض المقدسة التي دارت عليها الحرب لم تكن «أرضاً بلا شعب» كما روّج المشروع الصهيوني الاستيطاني، وبالتالي لم تستقبل «الشعب الذي بلا أرض» بالأحضان وأكاليل الغار، وهؤلاء الذين قُذف بهم في المنافي وتحولوا إلى لاجئين لم يموتوا ولم ينسوا، فبقيت حقيقة وجود الشعب الفلسطيني واستمرار هذا الوجود وبصمود منقطع النظير ، الدليل الأقوى على سقوط الأسطورة ، وعلى فشل المشروع الصهيوني من الوصول إلى نهاياته، والدليل الأكثر قوة على استمرار الصراع واشتعاله، رغم أن واقع اللجوء بحد ذاته، ومأساة الشعب الفلسطيني بقيت من جهة أخرى ماثلة بقوة كدليل على بؤس المشروع العربي، وبقيت المخيمات البائسة ماثلة دائماً تذكرنا بهزيمة المشروع العربي في تحرير المسجد الأقصى من رجس الاحتلال الصهيوني، كما ظلت صورة مخيمات اللجوء والشتات تعيد إشعال المرارة في نفوسنا دائماً . وهذا مايقودنا الى حقيقة لايمكن إنكارها ,  أنه بدون حل جذري لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين  فلن يكون هناك أي حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي .

anfasse28109تقديم.
           أَوْلَتْ إدارة الحماية بالمغرب عناية فائقة لقطاع الحرف: باعتبارها تشكل أساس اقتصاد المدن ولأدوارها الاجتماعية، وللتعرف على إمكانات هذا القطاع أمر الجنرال ليوطي سنة 1913 بإجراء بحث ميداني حول الصناعة التقليدية من الوجهة الاقتصادية والاجتماعية والفنية[1]. وإذا كانت علاقة إدارة الحماية مع الحرف متشعبة، فقد أقدمت على تنظيم معارض للصناعة التقليدية والفلاحة والتجارة بالمدن المغربية الكبرى ومن بينها معرض الصناعة التقليدية والصناعة والفلاحة والتجارة لفاس باعتبار أن المعارض «هي أقوى العوامل وأنجح الوسايل [هكذا] لترويج التجارة والصنائع وجلب الذخائر والبضايع من أقاصي الأماكن والمواضع وهي الطريقة الوحيدة لاستدرارالأموال»[2]. فما هي دواعي تنظيم هذا المعرض التجاري؟ وما دوره في تنشيط الحياة الاقتصادية بالمدينة؟.

أولا: الظرفية التاريخية لتنظيم المعرض التجاري لفاس.
 نضجت فكرة تنظيم المعارض التجارية لدى أطر الحماية في خضم الأحداث التي صاحبت الحرب العالمية الأولى، وهي تندرج ضمن المخطط الاقتصادي الاستعماري الذي وضعته فرنسا في المغرب وقد اتخذت سياسة الاستغلال الاقتصادي ثلاثة أشكال رئيسية وهي[3]:
 1  إنجاز أشغال عمومية كبرى.
 2  الحفاظ على الوضعية الاقتصادية للبلاد.

anfasse28107   شكلت الأماكن المقدسة المسيحية في المشرق العربي واحدة من الذرائع التي وظفها ملوك أوروبا لتهييج العالم المسيحي لشن الحروب الصليبية على العالم الإسلامي، ولتحقيق أهدافها الاستعمارية في هذه المنطقة الهامة ولتثبيت أقدامها خلقت تنظيمات لتثبيت وجودها في المنطقة ، ومن أهم تلك التنظيمات إسبتارية مملكة بيت المقدس ، وهي جماعة دينية نذرت نفسها لضيافة الحجاج والزوار إلى الأماكن المقدسة، وهي من نتاج القرون الوسطى و تنشأ في نزْل رئيسي تلحق به مجموعة من المنازل ، وتقتبس الجماعة إسمها من ذلك النزل . فما هي خصائص إسبتارية مملكة بيت المقدس ؟، وما دورها  في الحروب الصليبية ؟.

1 ـ عوامل نشأة إسبتارية مملكة  بيت المقدس.
•    العوامل الدينية :
   يرجع ستيفن رنسيمان في كتابه " الحروب الصليبية " نشأة طائفة الإسبتارية في القدس إلى جماعة من المواطنين التجار الأمالفيين الأتقياء الذين قاموا  بتشييد نزل إسبتار في هذه المدينة وذلك حوالي سنة    1070 م لأجل إيواء الحجاج الفقراء الذين يزورون الأماكن  المقدسة بها بعد أن استأذن والي المدينة التابع لنفوذ مصر ، حيث سمح لقنصل أمالفي ـ منطقة في إيطاليا ـ باختيار موقع ذلك النزل ، مما يوضح البعد الاقتصادي للحروب الصليبية ورغبة المدن الإيطالية في السيطرة على التجارة في البحر الأبيض المتوسط  ثم تكلف الرهبان بإدارة شؤونه بعد بنائه وأصبح هذا النزل نواة تشكل طائفة الإسبتارية ، فما هي الظروف التاريخية التي ظهرت فيها ؟.
•    الصراع المسيحي ـ الإسلامي في المشرق العربي . 

anfasse28103تمهيد:
منذ مقتل عثمان ابن عفان رضي الله عنه الخليفة الثالث للمسلمين، أصبح الصراع على السلطة مشروعاً ومحتدماً، ويتجلى ذلك أكثر كلما توغلت في دهاليز تاريخ الخلفاء الذين تعاقبوا على الحكم بعد الأربعة الأوائل: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي واستثناء العهد العزيزي. قد لا تجد خليفة من الخلفاء يده نظيفة من الدم، فقد تشربوا حب الدم حتى أصبح ثقافة الخلفاء وولاتهم.

لا ينكر منكر أن السلطة وخاصة السياسية منها لها من المناعة ما لسواها، وبالأخص في زمن سلطة الخلافة، بل وكل الإمبراطوريات الشمولية التي حكمت الشعوب بقبضة من حديد. فالسلطان الجديد عندما يتولى الخلافة يحتاج الى خلط الأوراق وقلب الطاولة على إرث الفقيد الذي لا يترك هذه الدنيا الا على وصية يوصي بها لمن يخلفه، غير أن السلطان الجديد ذو الأذن الصاغية ما أن تنتهي مراسيم الدفن حتى يهرع لتمزيق الأوراق وترتيبها، ويتخذ إجراءات قاسية يكون على رأسها تصفية إرث الفقيد.

السلاطين والعنف:
لا تخلو سلطة من عنف. وهذه حقيقة يجب على الذين يدافعون عن نظام الخلافة الإسلامي الموصوف عندهم بالسؤدد ومن يبتغي غيره فلن يقبل منه، أن يعترفوا بها. وكأي نظام حكم فإن المتمعن في تاريخ الخلفاء يجد عجباً، إذ نستطيع القول: بان الدم كان شعار كل السلاطين الذين أعقبوا الخمسة المذكورين أعلاه، وتاجا على رؤوسهم. وقد اتخذ العنف في تاريخ الدولة الإسلامية أشكالا وألواناً، فمن الضرب الخفيف إلى الضرب حتى الموت الى تقطيع أطراف الجسد إلى السحل وسمل العيون وصم الآذان وجدع الأنوف وجب المذاكير، إلى الحرق والفتك والتمثيل بالجثة...الخ، وعادة ما تمارس عملية التعذيب علناً وتتنوع فضاءات "المشهد العقابي" حسب الظروف السياسية العامة أو حسب الأهمية التي يمثلها الضحية المستهدف، بالإضافة إلى الإقامة الجبرية والنفي..الخ[1].

anfasse03111 نجمت عن الاحتلال الفرنسي للجزائر ردود فعل قوية في المغرب سواء لدى الجهاز المخزني المغربي أو لدى السكان، تمحورت كلها حول مناصرة الأهالي في هذا القطر، و دعم المقاومة الشعبية. و انتصبت القبائل المغربية في التخوم الشرقية و الجنوب الشرقية ضد التسرب الاستعماري الفرنسي. و من أهم هذه القبائل قبائل تافيلالت و تحديدا قبيلتا: ذوي منيع و أولاد جرير، حيث دخلتا في مناوشات مع القوات الفرنسية بعد احتلالها لوهران و شرعت في التوسع إلى الواحات الشرقية مثل: توات و تيديكلت، ثم سيطرتها على تومبوكتو أي المجال الطبيعي لتنقل هذه القبائل، و بدأت عفوية منذ نهاية القرن التاسع عشر إلى مطلع القرن العشرين ضد، فكانت مقاومة بوعمامة، ثم توسعت مع مقاومة ذوي منيع و أولاد جرير، الذين بدأوا يغيرون على القوات الفرنسية أينما وجدت حتى في السودان الغربي. و خلال 1904/1905 نظم ذوي منيع و أولاد جرير حرْكة- غزوة  على القوات الفرنسية في تومبوكتو لمباغتتها و النيل منها.

فمن هم ذوو منيع و أولاد جرير؟ ومن تزعم هذه الغزوة؟ و ماهي النتائج التي ترتبت عنها؟

1.   التعريف بقبيلتي ذوي منيع.
تستوطن قبائل أولاد جرير و ذوي منيع[1] مجالا شاسعا مشتركا متجاورا، فقبيلة ذوي منيع من أهم قبائل شرق و جنوب شرق المغرب قبيلة عظيمة، و لقبها يعبر عنها تحمل اسمين زكدو و ذوي منيع، وهما اسمان مرادفان للقوة و العدد الكثير، فذوي منيع مصطلح يعبر عن نفسه، و يعني القبيلة المنيعة الحصينة المدافعة،  أما زكدو فهو لفظ مشتق من زغد، و نزغد وَزَغَدَ السِّقَاءَ : عصَرَهُ حتى يُخْرِجَ الزُّبْدَ من فمِه وقد ضاقَ به . و تنطق في الصحراء نزكد و معناها الكثرة ككثرة النمل.[2] 

anfasse11099المدخل:
يتضمن البحث العلمي المميز الذي أنجزه الباحث الأكاديمي والكاتب السوداني الدكتور محمد محمود مقدمة قصيرة ولكنها تكشف عما يمكن أن يواجهه هذا الكتاب من المتشددين والمتطرفين والجهلة من محاولات للتشويه والإقصاء والتشكيك بكل ما هو علمي وخاضع للتحليل المادي التاريخي والمصاعب التي يواجهها البحث العلمي عموماً في هذه المرحلة التي بدت وكأنها صعود للفكر غير التنويري الغائص في الأساطير والخرافات والخزعبلات الفكرية والرافض للفكر النقدي من جهة، ويشعرنا من جهة أخرى بأهمية الخوض في مثل هذه الأبحاث مستنداً إلى الحكمة التي طرحها أبن خلدون في كتابه "المقدمة" إذ كتب ما يلي: "إنه لا يكفي أن تصف موج البحر، وظهور السفن، حين تريد أن تتكلم عن حياة البحر .. لا بد لك أن تفهم ما في القاع.. قاع البحر المليء بالغرائب والتيارات والوحوش… وقاع السفينة حيث يجلس عبيد وملاحون إلى المجاديف أياماً كاملةً، يدفعون بسواعدهم بضائع تحملها السفن، وثروات وركاباً .. وينزفون عرقاً، وتتمزق أجسامهم تحت السياط.. أجل، ينبغي أن تعطيني صورة كاملة، عندما تريد أن تقنعني بأمر من الأمور". ثم يضيف الدكتور محمد محمود مسألة مهمة جداً تمس استقلالية وجدية البحث العلمي حين يؤكد ضرورة رفع القدسية عن كل شيء حين يراد التعمق حتى القاع في البحث العلمي بهدف الوصول إلى الحقائق الصلدة وليس برؤية مسبقة، ولكن بافتراضات علمية يسعى البحث للتيقن منها أو رفضها، أي البحث بهدف الوصول إلى الاستنتاجات العلمية التي يصعب دحضها من خلال إيراد الأساطير التي تناقلتها المجتمعات البشرية منذ العهود السومرية والأكدية والآشورية والكلدانية وعموماً البابلية أو الفرعونية أو غيرها كالتوراة والإنجيل والتلمود والمدراش ...الخ والمسطرة من جديد وبصيغ وأساليب أخرى في القرآن.

anfasse14085منذ سنوات قليلة، وعلى إثر ارتداده عن الإسلام وتعميده على يد البابا بشكل علني وبدعاية كبيرة من الفاتيكان واعتباره موضع ترحيب في الكنيسة، كتب الصحفي المصري "مجدي علّام "المعتنق حديثا للمسيحيّة آنذاك" مقالا تهجّم فيه عن الإسلام وقال فيه فيما قال:  "إنّ جذور الشرّ متأصّلة في إسلام سمته العنف وتسوده تاريخيّا الصراعات".
وكم كنت أودّ أن أفنّد هذه المزاعم بالحقائق التاريخيّة التي لا  تحتمل الشكّ و لا تقبل السجال حولها و لا يمكن بالتالي القفز عليها بجرّة قلم من أيّ كان ، ولاسيما ممّن هو حديث التحوّل إلى المسيحيّة. لأنّها تعدّ من البديهيات والمسلّمات التي لا يمكن إنكارها إلّا من جاهل أو متحامل  أو منافق بالمعنى الإسلامي للكلمة. إلّا أنّ ذلك  قد يتطلّب مبحثا ليس مجاله هذه العجالة.
 ورغم أنّ التحوّل على المسيحيّة هو  أمر شخصي وخيار حرّ لا يجادل فيه أحد، فإنّه من غير الوارد أيضا- بالنسبة لي على الأقلّ- أن لا أجادله في قوله في موضع آخر من مقاله بعد التعميد حيث قال: »إنّ فكره تحرّر على مرّ السنين من ظلاميّة عقيدة تعطي شرعيّة للكذب والتستّر  والموت العنيف الذي يؤدّي إلى القتل والإنتحار والخضوع الأعمى للإستبداد«. وأنا ليس باستطاعتي هنا- لضيق المجال- أن أردّ على كلّ ما جاء في هذا القول من تجنّ على الإسلام لأنّ ذلك قد يتطلّب صفحات من المقارعات بالحجج الدّامغة التي لا تقبل الطعن ضرورة أنّها تقطع الشكّ باليقين.