anfasse22123المكان عنصر أساسي من عناصر وتفاصيل الحدث، فالوقائع والأحداث تكون ضمنه، ويستحيل بالتالي تصوّرها بدونه، وسيصعب تذكّرها أو إثباتها مع زوال المكان الذي احتضنها، ونهدف من خلال رواية تاريخه إلى تعميق فكرة الانتماء في الوجدان والحفاظ على الذاكرة الجماعية، ورسم خريطة زمانية وثقافية تعيش لتبقى حية وفاعلة في ضمير وهوية أبناء المدينة.

بعد المقال الأول من سلسلة قصور ميدلت الذي حمل عنوان " إِخْرَمْجِيوْنْ القصر اللُّغز"، هذا فصل أخر من تاريخ المدينة، لم تكتب تفاصيله أبدا، ومازال يعتريه غموض كبير، تاريخ قصر تصدر بالأمس المشهد بما جرى فيه من أحداث وتفاعلات إثر تمرده، وبما يضمه من عمائر كانت واستمرت لتحكي حكايات لها دلالتها وتاريخها. المكان الذي وُلدت فيه، ودرجت عليه مع أترابي، وشكل ذاكرتي الأولى، إنه إغرم ن "تَشَاوِيتْ"، أخر قصر لأيت إزدڭ في سافلة واد أطاط على الضفة اليسرى نزولا، يتراءى لزائر المدينة والساكن فيها، وهو واقف بشموخ، يمين الطريق الوطنية رقم 13 في اتجاه مكناس.

أصل التسمية

الدراسة الطوبونيمية ليست مجرد دراسة لاسم مكان وتوضيح معناه، بقدر ما هي نبش في الذاكرة الحضارية والتاريخية والثقافية.  فأغلب الأسماء الأمازيغية نابعة من الأعماق، أحيانا معبرة ولها دلالة وسهلة في النطق، وأحيانا أخرى غامضة لا تبوح بأسرارها. إن الأسماء لها ارتباط وثيق بالتضاريس أو بنوع الوحيش والنبات الذي عاش بالمنطقة، أو بعضو من أجساد الكائنات، بشرية كانت أم حيوانية. 

anfasse13121"نظريا لا يوجد تحقيب متفق عليه،كل دولة تكتب التاريخ العام من منظورها، وذلك المنظور يختلف من قارة لأخرى،من ثقافة لأخرى،من ملة لأخرى،وقد تختلف الآراء والاتجاهات داخل الدولة الواحدة حسب المصالح والعقائد " عبد الله العروي-مفهوم التاريخ(1992)ص.281.
شاءت الأقدار ، سنة2014،أن يغادر عالمَنا المؤرخ المجدِّد"جاك لوغوف"،والذي طالما وضعته تصنيفات المفكرين والباحثين في علم التاريخ ضمن حقل التاريخ الجديد، المؤرخ الذي ترك لنا مؤلفا علميا شيقا يعيد،وبمشروعية منهج المؤرخ، السؤال حول مفهوم النهضة ومدى صحة التأطير الذي طالما تداولته الكتابات التاريخية لمرحلة العصر الوسيط.
الاهتمام بمرحلة الوسيط كان انشغالا فكريا وقضية بحث لدى ج.لوغوف،وله فيه العديد من المؤلفات منها للمثال فحسب:المثقفون خلال العصر الوسيط(1957) حضارة الغرب في العصر الوسيط(1964) المتخيّل في العصر الوسيط(1986)،وفي ثنايا تلك الكتابات بحث عن أجوية ممكنة لسؤال العلاقة بين التاريخ "المعيش" والتاريخ"الطبيعي" للمجتمعات، وطبيعة العلاقات بين التاريخ والزمن،والمدة،منتصرا لمبدأ "تعدد الأزمنة" والتعبير عنها في تصانيف السرد التاريخي المختلفة.
نقدم هنا محاولة ترجمة متواضعة نقترب فيها من مضامين الفصل الأخير من كتاب ج.لوغوف " Jacques Le Goff, Faut-il vraiment découper l’histoire en tranches?, Paris, Éd .Seuil, 2014, 209 pages"

الفصل بعنوان : تحقيب وعولمة .

anfasse09133ما الإسلام؟ تساؤل صعب٬ و مبهم!
 فمن باب المحال أن يتأمل المسلم ما يعيشه اليوم بدون أن يجتاحه التساؤل الحارق حول مدلوله. و الطابع الحارق لهذا التساؤل  هو الذي دفعنا إلى معاودة طرحه، رغم ما قد يبعثه فينا السؤم من فرط تداولنا له. فاستشكال المسألة الدينية لا يمثل في حد ذاته خطرا، بل الوقوف عنده و الاعتقاد الراسخ بأن ما سيخبرنا عنه في معالجة القضايا الراهنة – و التي لا يمكن أن تتأتى سوى بصورة الفكر التقليدي و بأسلوب القدامى في معالجة إشكالياتهم – هو الخطر الذي لا ينازعه خطر. و مكمن الخطورة يرادف ما نتوهمه من  إجابة بمجرد طرحنا للتساؤل، إذ ثمة بداهة ينبغي أن نتعرفها آليا. و بهذا، نستعيض عن التساؤل  لنستبدله بالسؤال- الوهم الذي تنفي إجابته كل نشاط متوثب و دائم الحركة تجاه الواقع، بخمول يتلذذ امتلاك اليقين. إن وهم حيازة هذا الأخير قد حدد المصير اللاحق للتفكير الإسلامي، ليغدو قدر هذا التفكير هو نفي كل ما يمكن أن يلحقه من معرفة.
 من هنا، نعاين أن الهدف من تساؤلنا هو نفي التصور المغلوط الذي يستدرج الذات الإسلامية داخل إطار لطالما أحست فيه بالألفة، و اعتبرته معلوما و ربما بديهيا. بذلك أضحى التساؤل إحراجا للنظام القائم، يعكس فشل ما هو موجود من مدلولات في ضمان المقصد الإسلامي: الٳسلام كحضور آن و تفكير في الراهن. فكل زمن نقضيه في الاشتغال بالعملة القديمة هو زمن ضائع لا فائدة ترجى منه. فعندما نتأمل كل الجهود و الليالي التي أفنيناها في الشروح و التعليق على الشروح نحس بالحسرة و المرارة٬ ٳذ لم نخرج من تجربتنا معها سوى بالٳحباط و خيبة الأمل .

anfasse09125عند الحديث عن تاريخ المغرب القديم تنتصب أمامنا إشكاليات منهجية ومفاهيمية عويصة تأتي في مقدمتها إشكالية بداية العصر التاريخي، ومؤدى هذا الإشكال نختزله في السؤال الآتي: متى بدأ العصر التاريخي في المغرب القديم؟ وما هي الأحداث التاريخية التي أسست لذلك؟
ما رسخ في الكتابات التاريخية الأجنبية على وجه الخصوص، وما وقع ترسيمه فيما بعد، هو أن فجر التاريخ(استعمال الكتابة) في المغرب القديم يبتدئ بقدوم البحارة الفينيقيين إلى السواحل المغربية في أواخر الألفية الثانية ق. م(حوالي 1200 ق.م). فقد نقلت لنا المصادر الإغريقية واللاتينية بأن هؤلاء التجار المشارقة، الذين كانوا بالكاد قد توصلوا في بلادهم الأم بفينيقيا إلى اختراع الأبجدية، قد أنشؤوا المدن على امتداد المرافئ المغربية. هذه الإشارات المصدرية لا يمكن اعتبارها تاريخا ينطوي على معطيات وحقائق تاريخية، وإنما تبقى في حيز النقد والمسائلة التاريخية بمقابلتها بمعطيات أخرى وباعتماد مناهج صارمة. إننا، بصدد ما ذكره الإغريق واللاتين، نبقى في منزلة بين أقوال وروايات، وبين معطيات العلم من خلال تحريات الأبحاث الأثرية الرصينة غير الموجّهة وغير المتأثرة بتلك المعلومات.
يتميز الوجود الفينيقي بسواحل المغرب القديم بالغموض بسبب ندرة النصوص التاريخية حول النشاط الفينيقي بالمنطقة، فبالأحرى الحديث عن تأسيس مدن ومراكز فينيقية. ينضاف إلى ذاك ضآلة ما بحوزتنا من المعطيات الأثرية الدقيقة التي يمكن أن تبرهن بأدلة ملموسة على تأسيس مدن فينيقية بالمنطقة. ورغم ذلك حاولت الأبحاث الأثرية و الدراسات التاريخية إثبات وجود مرحلة فينيقية بأهم مواقع المغرب القديم من منطلق اعتقادهم ببداهة وصول الفينيقيين إلى المنطقة، وتأسيس المدن، وتوطين ساكنة فينيقية بها. فقد أشار الإغريق واللاتينيين في إشارات غامضة إلى تأسيس المدن الفينيقية بسواحل المغرب القديم(STRABON, Géographie, XVII, 3, 2-3)، وذلك بالرغم من أن الكتاب القدامى أنفسهم قد شككوا في وجود مدن فينيقية بسواحل المغرب القديم.

Anfasse02134  يفهم من خلال الكتابات التاريخية [1] ، أن ظهور الزاوية  جاء متأخرا عن الرباط . الذي اضطلع بأدوار جهادية خلال الفتح الإسلامي متمثلة في نشر الإسلام ، ومحاربة أهل البدع . وقد وردت أحاديث كثيرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم  تحبب المرابطة ، والحراسة في سبيل الله ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، قوله عليه السلام : « كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتنة القبر »[2]. وكذا قوله صلى الله  عليه    وسلم  : « رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه في المنازل »[3].

       ولعل ما يجمع هذه الأحاديث على كثرتها ، هي جعل الرباط والمرابطة من أجلَ الاعمال ، لذلك هبَ ثلة من الصلحاء ، وأهل الصلاح بالمغرب إلى تشييد مجموعة من الرباطات للحراسة في سبيل الله والذود عن الإسلام ، وقد ذكر صاحب التشوف(توفي سنة 627/1230) مجموعة من الرباطات من بينها رباط شاكر الذي ترجع الكتابات التاريخية أمر تشييده ، إلى أحد أصحاب عقبة بن نافع الفهري « وان يعلى بن مصلين الرجراجي بناه وكان يقاتل كفار برغواطة وغزاهم مرات »[4] . كما استنفر الناس للجهاد ، و"حارب برغواطة وحذر الناس من معتقداتهم كما استنهض الهمم من أجل محاربة امارة تامسنا . إلى جانب "رباط شاكر" نجد  "رباط تيطنفطر"، وهو من أقدم الرباطات بالمغرب ، "رباط الحجر"[5] . إلى حدود هذا التاريخ، ظل دور الرباط يختزل في الجهاد، والحراسة .

Anfasse02133قراءة في كتاب:" التحقيب التاريخي: إسهام في التأصيل الإبستمولوجي والمنهجي"[1] محمد صهود.
مدخل:
    يثير موضوع التحقيب التاريخي جلبة قوية داخل أروقة اشتغال المؤرخين، ورفقائهم في شتى مباحث العلوم الانسانية والاجتماعية. نقاشات صاخبة، تسطع وتخبو، هنا وهنالك، تبعا لنضج عملية التفكير التاريخي في قضايا الماضي، والانهجاس بإشكالية الذات. مراجعات وقراءات جديدة تنصب أساسا حول الاشكالية التحقيبية، توقيت الأحداث، وضع الكرونولوجيا، التأويل والمنتج التحقيبي، من أجل إخصاب المعرفة التاريخية، وبناء تاريخ مفاهيمي[2] وإشكالي.[3]، يدفع نحو انتاج نموذج بيداغوجي يُمكّن من نقل الهواجس العالمة إلى تعلمات ديداكتيكية عبر مصوغة تعلمية منسجمة مع مدخل التدريس بالكفايات.

   يتغدى هذا الانهجاس من كون التحقيب التاريخي بمنطق المراجعات الابستمولوجية والديداكتيكية التي أنتجها التفكير التاريخي اليوم، لم يعد عملية ميكانيكية صرفة تقدم الماضي في شكل حقب جاهزة وقوالب زمنية قارة، بقدر ما أصبح مفهمة ،تأويل وبناء يتجاوز السرد الرتيب[4]، يعتمد على بناء الحقب، عبر رصد سيرورة التحول كميكانيزم محوري في المعرفة التاريخية، وتتبع الاستمرارية والانقطاع، الاتصال والانفصال، من منطلق بناء الاشكالية العابرة للزمن التي تمكن الباحث من استقراء التاريخ  بمختلف ايقاعاته الزمنية، وتجعله يرصد وثائر التحولات العميقة التي تشهد عنها أنساق التفكير البشري في الحاضر. فهل تفصح الأعمال الاستوغرافية المغربية عن هموم تحقيبية لدى المؤرخين؟ وهل ثمة اقتناع كاف من طرف مختصي الزمن بضرورة مراجعة المفاهيم التحقيبية؟ وهل أضحى التحقيب التاريخي المعمول به بالمدرسة المغربية عائقا ابستمولوجيا يحول دون تقريب الدرس التاريخي من المتعلمين، ويحيد عن مكتسبات ابستمولوجية ناضل من أجلها رواد ابستمولوجيا المعرفة التاريخية؟ وكيف السبيل إلى ردم الهوة المنهجية في التحقيب بين الخطاب الابستمولوجي والاسطوغرافي من جهة والواقع الديداكتيكي من جهة اخرى بشكل يسهم في تنمية الجانب الفكري والمنهجي للمتعلم في الممارسة الديداكتيكية[5]؟

Anfasse02131تقديم:
يهتم التاريخ بدراسة الماضي البشري بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية...إلخ. وقد انتقل التاريخ من فرع ثانوي من فروع المعرفة الإنسانية إلى أحد أعمدتها الأساسية كعلم له مباحثه ومناهجه ومدارسه الخاصة، لدرجة استوعب معها جميع العلوم الأخرى التي انتصبت كعلوم مساعدة للتاريخ. وتعد الموضوعية والعلمية في التاريخ من الموضوعات التي اختلفت بصددها الآراء واحتدم بشأنها الجدل في فلسفة العلوم الاجتماعية. وقد انقسم المؤرخون بهذا الخصوص إلى فريقين: أصحاب النزعة الموضوعية(Objectivisme) وأصحاب النزعة الذاتية(Subjectivisme).
فما هي المقاييس التي نستطيع بواسطتها الحكم على علمية وموضوعية الكتابة التاريخية؟
علمية الكتابة التاريخية:
هل بوسعنا كمختصين في التاريخ أن ننزع عنا عباءة التاريخ، ونخرج قليلا من جُبّته لكي نتواجد خارج دائرته، ونأخذ موقع المتلقي العادي، فنتخلى بذلك ولو مؤقتا عن الانتماء الضيق لهذا الحقل المعرفي لنرى كيف يكون التاريخ من منظور المتلقي، ولكي نقف على مدى مصداقية الكتابة التاريخية وموضوعية المقاربة التاريخية وقدر الوثوق بها والاطمئنان إلى نتائجها؟

Anfasse2122شهدت أوضاع اليهود في البلاد العربية منذ مطلع القرن الفائت تبدلات جذرية، خلّفت آثارا عميقة على مصير تلك الشريحة الاجتماعية. ولا يخفى ما للصراع العربي الإسرائيلي من أثر مباشر على أتباع تلك الديانة؛ لكن المسألة تبدو أعمق من ذلك، فقد حصل تصدّع في بنية الاجتماع العربي، جراء تخلّف عميق ألمّ بالبلاد العربية، انعكس سلبا على تلك المجتمعات في احتضان مكوّناتها الدينية وشرائحها الاجتماعية. إذ تكشِف وقائع المجتمعات العربية، التي هجَّرت يهودها أو هجَرها يهودها، بحسب القراءتين المتناقضتين الإسرائيلية والعربية، عن عجز عميق في توفير أجواء الاحتضان الاجتماعي، وعن قصور بيّن في تنزيل مبدأ التعارف المستند إلى المنظومة الخُلقية الإسلامية في الواقع.
فبموجب الصراع العربي الإسرائيلي المستفحل طيلة القرن الفائت والممتد حتى عصرنا الراهن، بات المخيال العربي المعاصر تحت وطأة أشكال شتى من التداخل والتضارب تجاه اليهود واليهودية، ما جعل النظر إلى أوضاع تلك الجماعة يأتي مشوبا بتلك الأجواء. إذ ترافقت القطيعة التي حصلت بين الشعوب العربية وشرائحها الاجتماعية اليهودية، مع تردّ لافت في النظر إلى أتباع تلك الديانة وإلى أصول تلك الديانة، استعاض فيها الفكر بأحكام مرتبكة، غالبا ما أتت مسكونة بالهاجس السياسي[1].