يولي المكتب المركزي للإحصاء التابع لحاضرة الفاتيكان عناية مهمة للعمل الإحصائي المتابع لتطورات الكنيسة على مستوى الأتباع والكوادر. بما يقدّم تحليلا علميا ضافيا لأهم ديناميكيات التطور المتعلقة بالكنيسة الكاثوليكية على جميع الأصعدة، وبما يغطي 2.998 محافظة كنَسية منتشرة في كافة أرجاء المعمورة. وفي هذا السياق صدر "الجرد البابوي السنوي" مشفوعا بـ"التقرير الإحصائي"، مبرزا حصول تطورات في جوانب وتراجعات في أخرى مسّت قطاعات حيوية داخل جيش الكنيسة، مع تحولات داخل فضاءات جديدة نسبيا وتراجع في أخرى تُعدّ تقليديا مركزية في الكنيسة الكاثوليكية.
وقد صدر الإحصاء بلغات ثلاث هي اللاتينية والإنجليزية والفرنسية، وتولى إعداده نخبة من رجالات الكنيسة ترأّسهم ثلاثة من رجال الدين توزعوا الأدوار بينهم وهم دون سرجيو بلليني و مارك كازماركزيك و دومنيكو نغويان دوك مان. والإحصاء على العموم يعطي لمحة مجردة عمادها الأرقام عن حجم القوة الهائلة التي بحوزة الكنيسة، لا سيما وأن هذه القوة لا تتركز في فضاء محدد بل تنتشر في أصقاع عدة من العالم ما يجعل الكنيسة الكاثوليكية أقوى مؤسسة دينية على مستوى العالم من حيث امتلاك الكوادر والخبرات والقدرات، ولكن الإحصاء لا يخفي أيضا باعتماد المقارنات ما يعتري هذه القوة من تعكرات وما تعاني منه من نزيف في قطاعات تعدّ حيوية.
الكاثوليك ورجالات الكنيسة في العالم

تعد إفريقيا من اكبر القارات احتضانا لأقدم الحضارات الإنسانية ، الأمر الذي رجحها أن تكون ذو أهمية بمكان في الدراسة العلمية الأكاديمية. وعلى أثر هذه القيمة صدر كتاب "موجز تاريخ إفريقيا " عن مؤلفين : ى.سافلييف و ج.فاسلييف، وتمت ترجمته من طرف أمين الشريف، ونشر تحث لواء دار النشر مؤسسة العصر الحديث. في حدود 156 صفحة من الحجم المتوسط. إذ يرسم لنا هذا العمل معالم تاريخ القارة السمراء وصيرورتها وفق خمس فصول أساسية: أولها الحضارات القديمة في إفريقيا، حيث يحاول فيه تسليط الضوء على أهم الحضارات في هذه القارة التي لها ضرب في التاريخ، في حين ذهب الفصل الثاني الموسوم بإفريقيا في العصور الوسطي إلى التأكيد على الخصائص التي تتميز بها هذه القرة في المرحلة. أما الفصل الثالث المعنون بالإمبريالية و تقسيم الأراضي فيركز على تدخلات الدول المستعمرة في هذه القارة و تقسيمها لها، الأمر الذي سينعكس عنها في الفترة مابين الحرب العالمية الأولى و الثانية، وهذا ما جاء في مضمون الفصل الرابع الذي عنون بإفريقيا من الحرب العالمية الأولى إلى الحرب العالمية الثانية. ليختم الكتاب بالفصل الخامس تحث عنوان كفاح الشعوب الإفريقية في سبيل التحرير ونشأة الدول الإفريقية، موضحا من خلاله وعي الدول الإفريقية بوجوب تحررها و بناء سيادة وطنية، بالإضافة إلى تقديم المؤلفين جداول توضيحية تكشف عن تواريخ استقلال الدول الإفريقية وبعض المعطيات عنها.    

تُعدّ "نوسترا آيتات": -Nostra aetate- أو "مجلس الحوار مع الأديان غير المسيحية" المؤسسةَ الأهمّ التي أنشئت عقب مجمع الفاتيكان الثاني (1962-1965)، بوصفها المرجع النظري والعملي لعلاقة الكاثوليكية مع الأديان والتقاليد غير المسيحية. وضمن هذا السياق حازت اليهودية موضعا متقدّما في علاقتها بكنيسة روما. في الفترة الأخيرة، وبمناسبة مرور ما يزيد عن نصف قرن على حصول ذلك التحوّل في الكاثوليكية، جرت حوصلة لتلك التطورات مع الجانب اليهودي وردت في عرض صادر من قِبل الكردينال كورت كوش والمونسنيور بريان فارل ورجل الدين نوربارت هوفمان على أعمدة صحيفة "الأوسرفاتوري رومانو" لسان حاضرة الفاتيكان، نورد فحواه كالآتي:
تأثير "نوسترا آيتات" على مدى الخمسين سنة الأخيرة

منذ 11 شتنبر 2011، ظهرت على السطح مسألة تأثير العامل الديني في النزاعات التاريخية. اليوم، بينما ينخرط المجتمع الغربي في الدنيوية (sécularisation) ينكب كبار المثقفين في دراسة ومناقشة العلاقة التي يقيمها الجنس البشري مع التعالي. فبعد مسار سياسي ملتزم ، يعود ريجيس دوبري إلى جو الدراسات (يدرس حاليا الفلسفة بجامعة ليون 3) ليؤسس علما اجتماعيا جديدا: الميديولوجيا (علم الوسائط. نشر مؤخرا بحثا حول فكرة الله عبر مختلف الحضارات تحت عنوان “الله، بيان رحلة” (مطبوعات أوديل جاكوب).
اما الباحث الأنثربولوجي روني جيرار، الأستاذ منذ مدة طويلة بجامعة ستانفورد الأمريكية، فقد قام بإعادة قراءة المسيحية بواسطة العلوم الاجتماعية. جعلت منه نظريته حول “الرغبة التكيفية” و”كبش الفداء” أحد المفكرين الأكثر أصالة. في كتابه الأخير المعنون “الذي أتت على يده الفضيحة” (مطبوعات ديسلي دوبروار) يعطي خلاصة لأبحاثه. من أجل تسليط بعض الأضواء على مسألة عودة الديني في الوقت الراهن، ارتأت مجلة “لوفيغارو ماغزين” الفرنسية الجمع بين ذينك المفكرين وإثارة الحوار بينهما عن طريق طرح مجموعة من الأسئلة فكان هذا النقاش الذي نعرض فيما يلي لأهم ما جاء فيه.

 لا يختلف مفكران في مسألة التناسب الطردي والتفاعل الجدلي بين درجتي المحظورات  السلوكية والفكرية والتناقضات الاجتماعية في كل مجتمع من ناحية، وبين هذه وتلك ومستوى التخلف في أي مجتمع من ناحية أخرى!
وفي واقع غارق في التخلف كواقعنا العربي الطافح بالتناقضات والتوترات ليس غريبا أن نجد ذلك الكم الضخم من الحظورات والمحظورات على كافة الصعد، التي يتصدرها بالطبع ثالوث الدين والسياسة والجنس، وهذا ما يجعل مسألة الكتابة والنشر عن أي منها أمرا على درجة عالية من المشقة غالبا، بل والخطر في كثير من الأحيان، وليس من النادر أن يتهرب الناشرون من النشر في هذه المسألة بذرائع شتى تجنبا للعواقب المختلفة، فمثلا عند التوجه إلى ناشر بموضوع حساس يتعلق بالدين أو يمسه، فاحتمال رفض هذا الموضوع بدعوى الابتعاد عن إثارة الحساسيات والنعرات والعصبيات الطائفية وما شابه هو عادة عال، وكأن السكوت عن العيوب الجمة والضخمة في واقعنا الديني هو الموقف السليم والكافي لمعالجة هذه العيوب!

استهلال
جدير أن يحوز دانتي مقاما عليّا في المخيال الإيطالي بوصفه رمزا من الرموز الثقافية البارزة، في بلد كابد لأجل تحقيق وحدته الوطنية، وذلك لما لعبه الشاعر من دور في صياغة هوية إيطاليا اللغوية. فإيطاليا التي قامت على أنقاض ممالك وجمهوريات وإمارات عدة، تبقى مَدينةً لصاحب الكوميديا في نحت لسانها وتوحيده؛ في ذلك المسار العسير الذي دحضت فيه الإيطالية الدانتية، أو بالأحرى إيطالية فلورانسا، سائر الألسن الأخرى، السردينية والنابوليتانية والفريولية واللادينو والأوشيتانية وغيرها كثير، حتى أبقتها في حدود الاستعمالات الضيقة.
وضمن تنافس المتنافسين على دانتي أطلّت كنيسة روما، وإن حصل ذاك متأخرا، في محاولة لاحتضان إرثه الثقافي، رغم أن الرجل أولج بابواتها أبواب البرزخ مثل نيقولا الثالث وبونيفاس الثامن وكليمنت الخامس. فهل هي صحوة كنَسيّة لمراجعة التاريخ أم هي استراتيجية الأمر الواقع؟ صحيح أن دانتي كان كاثوليكيا ولكنه ما كان من أنصار الثيوقراطية وحشْرِ السيفين في غمد واحد، كما رنت الكنيسة طيلة العصور الوسطى، مستلهمة ما ورد في إنجيل لوقا (22: 38): "يا رب ها هنا سيفان". فقد انتقد دانتي الكنيسةَ في مسألتين رئيستين: فساد الإكليروس وغواية السلطة، بوصف فساد المدينة متأت من هذا الزيغ. فالنشيد التاسع عشر من "الكوميديا الإلهية" هو مانيفستو صريح ضد الانحدار الخلقي، منذ أن هلّت "حقبة الفجورقراطية"، أو "حكومة الفاجرات" التي جثمت على الكنيسة، حتى سماهم دانتي بالسيمونيين نسبة إلى الساحر سيمون الوارد ذكره في سفر "أعمال الرسل" لبولس. (المترجم)

عادة ما نفهم من كلمة acculturation (ثتاقف أو مثاقفة) تمثل فريق بشري، كليا أو جزئيا، للقيم الثقافية لفريق بشري آخر، وقد تعني لنا على مستوى أصغر أقلمة فرد أو تأقلمه مع ثقافة أجنبية متصل بها. لكن ليس متاحا للجميع القيام بجولة عبر أرجاء السياق العام الذي احتضن نقاشا خصبا ومثيرا في آن لهذا المفهوم بين الباحثين المتخصصين في العلوم الاجتماعية. من أجل القيام بإطلالة على هذا السياق الحافل بالمغامرات، ارتأيت ترجمة مقال سيسيليا كوربو Cécilia Courbot المنشور بموقع الكتروني أكاديمي توجها وطابعا، والذي هذا رابطه: https://www.cairn.info/revue-hypotheses-2000-1-page-121.htm.
بطريقة مختزلة إلى حد أدنى، تبسيطية تقريبا، يمكن تعريف مصطلح التثاقف أو المثاقفة على أنه صيغة تصف جميع الظواهر والعمليات التي تصاحب اللقاء بين ثقافتين مختلفتين. هذا المصطلح مستمد من الأنثروبولوجيا الأنجلو سكسونية حيث ظهر بالفعل في القرن التاسع عشر. ومع ذلك، لم يتطور استعماله في العلوم الاجتماعية الا انطلاقا من سنوات الخمسينيات من القرن الماضي.
يطرح مفهوم التثاقف مشكلة مفهوم الثقافة الذي يعد من جذوره. وليس هناك تعريف للثقافة واضح لا لبس فيه. فالتعاريف المقرتحة لمصطلح التثاقف هي إذن متعددة، وهذا صحيح حتى في المجال الذي نشأ فيه المصطلح. وقد أدت المناقشات المختلفة الناتجة عن استخدامه إلى العديد من إعادات التعريف والاحتياطات في استعماله، من دون حل صعوبات التعامل مع هذا المفهوم.
يبقى مصطلح التثاقف هذا مرتبطا بمواضيعية خاضعة للجدل. ويؤدي استخدامه في أغلب الأحيان إلى معالجة مفاهيم سجالية مثل مفاهيم العرق، الإثنية، العلاقة بين المجتمع المهيمن / المجتمع المهيمن عليه، الاستعمار. وهكذا، من أجل إعادة النظر في استخدام هذه الكلمة في مجال التاريخ، كان من الضروري أن نفهم بشكل أفضل تطورها مسبقا في إطارها الأصلي.

يشكّل مطلب "الأَجُورْنامِنْتو" (التجديد) تحدّياً عويصاً للمسيحية المعاصرة، بوصفه الرهان الملحّ لإخراج اللاهوت من ربقة البراديغم القروسطي وولوج عصر الحداثة، بعد أن باتت الكنائس خاوية والساحات عامرة، كما يتردد في أوساط المراقبين للشأن المسيحي. فمنذ اعتلاء البابا بنديكتوس السادس عشر (جوزيف راتسينغر) كرسي البابوية، وإلى حين تخلّيه المباغت والصادم عن مهامه في الثامن والعشرين من فيفري 2013، تمحورَ هاجسُه في الإلحاح على خوض غمار تحوير مؤسسة الكنيسة. بقصد تحريرها من براثن المؤسساتية الطاغية وجهازها البيروقراطي الجاثم، الذي يوشك أن يخنق روح الدين، كما أوضح راتسينغر في كتابه "نور العالم" (روما، 2010). بعد أن تحوّلت الكنيسة إلى مؤسسة دنيوية متلهفة على الربح والسطوة والجاه. فقد لمس راتسينغر، خلال فترة بابَويته، أزمة الكنيسة، الأمر الذي جرّه إلى أن يعلن أمام الكوريا الرومانية -هيئة كبار الكرادلة- قبل اتخاذ قرار الاستقالة "إن جوهر أزمة الكنيسة هي أزمة لاهوتية. وفي حال تعذّر إيجاد حلول، وعدم استعادة الإيمان حيويته، لِيصبح قناعة عميقة وقوة حقيقية بفضل اللقاء مع يسوع المسيح، فإن مجمل الترقيعات الأخرى لا معنى لها".