في موضوع الكتاب والكاتب
أصدر حديثا المؤرخ المغربي الطيب بياض كتابا في طبعة أنيقة، يضم حوالي 175 صفحة من الحجم المتوسط، عن منشورات دار أبي رقراق للطباعة والنشر في الرباط، بمساهمة كلية الآداب والعلوم الإنسانية-عين الشق بالدار البيضاء. يحمل عنوان: "الصحافة والتاريخ. إضاءات تفاعلية مع قضايا الزمن الراهن"، من أجل المساهمة في نقد الصراع المصطنع بين التاريخ والصحافة من جهة، والوصل بينهما من جهة أخرى.
يشتغل الدكتور الطيب بياض أستاذا للتاريخ الاقتصادي، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية-عين الشق. تتمحور اهتماماته حول حقول التاريخ الاقتصادي للمغرب المعاصر والراهن[1]، وعلاقة التاريخ بباقي الحقول المعرفية الأخرى، ثم الرحلات المغربية إلى أوروبا[2]، قبل أن يغوص مؤخرا في حقل الصحافة والتاريخ، في صورة ورش معرفي جديد بدأ شق مسالكه منذ سنوات، حيث درّس ولايزال إلى جانب التاريخ الاقتصادي، مواد "الصحافة والتواصل"، "الصحافة الثقافية"، "تاريخ الزمن الراهن"، بأسلاك مختلفة ومؤسسات متنوعة، بالمدرسة العليا للصحافة والتواصل في الدار البيضاء، وبسلكي الإجازة والماستر بكليتي الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق-الدار البيضاء والرباط، كما كان مستشارا علميا بهيئة مجلة زمان في نسختها العربية، وكاتبا لعمود رأيها الشهري، تحت عنوان: "للتاريخ إضاءة" بين سنتي 2013 و2016.

في مطلع القرن الماضي كان النبوغ المغربي في مجالات الفكر والأدب محط تساؤل من قبل هيئات ثقافية قومية ودولية، فقد غيب الأدب المغربي عن مصادر الأدب العربي، وتجاهلت أخرى الحديث عن وجود إبداع أدبي مغربي يضاهي ما أفرزته أنامل الشرق، فكانت هذه النظرة وتلك امتدادا لما استقر في أذهان نقاد قدامى من تصور مضمونه أن الشرق ينتج والغرب الاسلامي يقرأ، مما حذا ببعض أسلافنا الأجلاء كمحمد بن العباس القباج وعبد الله كنون ومحمد بن تاويت إلى وضع منتخبات تضم بعض ما جادت به أقلام المغاربة، كما انشغل رواد آخرون مثل: عبد العزيز بن عبد الله ومحمد حجي وأحمد زياد بالبحث في التاريخ الفكري والأدبي على عهد الدول التي تعاقبت على حكم المغرب، من أجل تصحيح التمثلات الخاطئة لدى المشارقة حول المشهد الأدبي والفكري في المغرب على مر العصور، وهو ما أثبت مكانة المغرب ثقافيا على الصعيد العربي، وليست دعوة عميد الأدب العربي طه حسين العلامة المغربي عبد الله كنون لإلقاء محضرات أمام طلبة قسم الدراسات الأدبية واللغوية بمعهد الدراسات العربية العالية لجامعة الدول العربية سوى اعتراف وإقرار قومي بأن جانبا مهما من الأدب العربي لم يعرف طريقه إلى القارئ في المشرق، إما بحكم البعد الجغرافي  والمتغيرات السياسية والاجتماعية، وإما بتأخر ظهور وسائل الطباعة والنشر في المغرب.

من نافلة القول التأكيد على أنّ  قدر المفكّرين  الأحرار الخارجين عن دائرة السلطة، إن السياسيّة أو الدينيّة، أن يجري تبخيس وتهجين أفكارهم الحرّة وتحقير مجهوداتهم العلميّة وشيطنة مواقفهم الثوريّة الجريئة إلى حدّ تقزيمهم وترذيلهم. وذلك بهدف تحريض وتأليب العوامّ والجهلة عليهم، أملا في الزجّ بهم في مستنفع النسيان وبالتّالي في مزبلة التاريخ، من قبل رهط ممّن يستعصي عليهم إدراك مضمون الأفكار المستنيرة التي تتخطّى النمطيّة ولا تساير طاحونة الشيء المعتاد ومقاييس العرف السائد. ذلك أنّها تشكُل عليهم وتفسد عليهم، لذّة الاستغراق في سبات عميق مردّه فكر ولّى زمانه، بل و تشوّش على جمودهم الفكري الذي استمرؤوه وركنوا إليه، أفليس الجلوس على الربوة أسلم كما قال الأقدمون ؟!. ولكن أنّى لهم ذلك إذ» يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَه (...) « على هؤلاء النوابغ النّابهين المتفرّدين ولو بعد حين.

يُعدّ أبرز إنجاز لمدرسة النّقد الإنجيلي الحديث، التي انطلقت مع ريتشارد سيمون (1638-1712م)، وهـرمان صامويل ريماروس (1694-1768)، ويوهان دافيد ميخائيليس (1717-1791)، كشْف الإسهام البشري في صياغة الأناجيل والرسائل ونزْع الطابع القداسي الوهمي عنهما. ولكن ينبغي أن نعي أن ما أثبته العلماء، عبر التمحيص والتدقيق والمراجعة، ليس ما تقرّ به الكنيسة، وهو ما خلّف تضاربا بين المنظور العلمي والمنظور الكنسي. كتاب "إنجيل الطفولة السرياني" الذي نتناوله بالعرض، والذي يُرجَّح أن أصله يعود إلى القرنين السادس والسابع، نسخته المعروفة هي النسخة العربية المنقولة عن أصول سريانية دُوِّنت في أواخر القرن الثاني عشر، وقد تم اكتشافها خلال العام 1967 من قِبل المستشرق الألماني هنري سيك. لذلك عادة ما يسمى هذا الإنجيل بـ"إنجيل الطفولة السرياني" أو "إنجيل الطفولة العربي".

يدخل هذا العمل الذي نتشرف بعرض أفكاره، محاولين في الوقت ذاته مناقشتها متى أمكن ذلك، ضمن الأعمال التي تسعى إلى كتابة التاريخ الوطني العام انطلاقا من الرغبة في رسم معالمه، و ظواهره، وقضاياه الكبرى، انسجاما مع التراكم الكمي و النوعي الذي أصبح يعرفه المجال التاريخي خدمة للباحثين و المختصين و الأجيال الصاعدة .
        هذا الكتاب يأتي ليضيف قيمة مضافة تتسم بالجدة، و تزكي الصور المشرقة التي يتمتع بها البحث التاريخي في المجال الأكاديمي من خلال العديد من الأعمال التي راهن أصحابها على الاستفادة من الثورة المعرفية و المنهجية التي سادت في العقود الأخيرة .
       و وفق ما هو مبين في الصفحات الأولى، فإن هذا المؤلف هو عمل جماعي شارك فيه العديد من الأساتذة الباحثين، و ثلة من الشخصيات العلمية المهتمة بالقطاعات المعنية، و التي لها صلة بالموضوع تناقحا و تفاعلا،رغبة في تقديم عمل متكامل من الناحية المعرفية و المنهجية .

تمهيد
حاولت في هذا الكتاب رصد بعض الإشكاليات التي تواجه المسيحية العربية ونظيرتها غير العربية. كما أشرتُ في العديد من المواضع إلى ضرورة تصويب الرؤية بشأن مسيحية الداخل ومسيحية الخارج. فلديّ حرصٌ على التفريق بينهما، لما لمسته في المسيحية الغربية من نزوع للهيمنة. فتلك المسيحية تتعامل مع "الهامش" المسيحي غير الغربي، والمسيحية العربية مصنَّفة في عداده، بمثابة المسيحية القاصرة وغير الراشدة. لذلك برغم ما يجمع المسيحية في الغرب والمسيحية في بلاد العرب من صلات قربى فإن بينهما فروقا شتى.

من جانب آخر، لا يمكن أن ندّعي المحافظة على كيان المسيحية العربية، وننشد أداءها رسالتها، وأساليب وعينا بمخزوننا الحضاري بالية. فالمسيحية إرثٌ جمعيٌّ، وقضاياها ليست حكرا على شريحة بعينها، بل تتخطى من يدينون بها. كما أن هناك خطابا كارثيا رائجا، مشبعٌ بالنحيب عن مصائر هذه المسيحية، لا يذهب بعيدا في تلمّس الحلول وتخطّي المصاعب. لا أودّ المكوث تحت حائط مبكاه، إيمانا بضرورة تطوير أدواتنا الفكرية في التعاطي مع واقعنا الديني، كسبيل للحيلولة دون حصول الأسوأ. فهذا الظرف الصعب نقدّر أنه عائد في جانب واسع منه إلى افتقاد رؤية حديثة للمسيحية في الثقافة العربية. ذلك أن هذه الديانة، أكان أتباعها في الاجتماع العربي أم خارجه، لا يزال التعامل معهم بمنظور عقدي، يستوجب تطعيمه برؤى حديثة، بقصد الخروج من ضيقه وأسره.

تعتبر كل من مدن فاس الجديد، تاقهريت"القهرا"، المنصورة قرب تلمسان  من أهم المدن التي ينسب تأسسيها للمرينيين، فقد اتخذوا فاس الجديد (المدينة البيضاء) [1] التي أسسها يعقوب بن عبد الحق، أول ملوك بني مرين سنة 674ه/1275م عاصمة لهم، وقد حرص على تصميم المدينة لتكون مركزا للحكم. ويبدو أن اتخاذ المرينيين لفاس كعاصمة لهم لم يمنع من احتفاظ مراكش برمزيتها السلطوية ،كما برزت تلمسان هي الأخرى كقاعدة مهمة في مسار الأحداث السياسية خلال الفترة المرينية حيث احتضنت أبرز قوة معارضة للمرينين ممثلة في سلطة بني عبد الواد. أثناء محاصرة مدينة تلمسان، والذي امتد لنحو مائة شهر تم بناء مدينة المنصورة، والتي حملت اسم تلمسان الجديدة وكانت من "أعظم أمصار المغرب، فقد اختط يوسف المريني "بمكان بسط قصرا لسكناه ثم أمر الناس بالبناء حول ذلك فبنوا الدور والمنازل الرحيبة"[2] وظلت المدينة قائمة إلى أن خربها آل يغمراسن عند مهلك السلطان يوسف وارتحال جيوشه عنها [3]وفي إشارة للعمري في مسالكه لظاهرة التمدين المرينية :"قواعد الملك بهذه المملكة ثلاثة: وهي فاس، وهي قاعدة الملك تم مراكش، وهي قاعدة الملك الثانية، ثم تلمسان، وهي قاعدة الملك الثالثة... وأما المدن الكبار بهده المملكة فهي اثنان وأربعون مدينة"[4]، لا شك أن هذا العدد الذي قيده العمري لعدد مدن المغرب في  عهد المرينيين يجعلنا أمام مشهد حضري هام، ينم عن تطور عكس ما  كان عليه الحال من قبل .

تعددت الكتابات الكولونيالية / الاستعمارية  وتنوعت ؛ وذلك خدمة للمستعمر قصد تسهيل عملية التوسع  والسيطرة على البلدان ونهب ثرواتها ، وقد جيشت البلدان المستعمِرة   جيوشا في أثواب علماء نفس وانثربولوجيين  وسوسيولوجيين  وأدباء واطباء و كتاب زارو البلدان المستهدفة ؛ فما تركوا كبيرة ولا صغيرة الا وسجلوها واحصوها ، فنقلوا ا كل ما يمكن أن يسهل لهم عملية الاستيلاء  ، ومع ذلك فقد قدمت هذه الكتابات صورة واضحة عن الشعوب والبلدان في تلك الفترة ، وقد كثر الكتاب  الكولونياليون الذين كتبوا عن مجموعة من البلدان منها المغرب نذكر منهم على سبيل التمثيل لا الحصر : ميشو بللير  و  رونيه باسيت  و  موليراس وإدموند دوتي  ولويس بوط ... وكل كتاباتهم رغم ما تحمله في طياتها من سوء نية ؛ الا أنها تستحق القراءة والمدارسة ، وقد آثرت هذا النص من كتاب في " قلب المغرب " للويس بوت  وقمت بترجمته الى اللغة العربية  ؛ محاولا مشاركة القارئ الكريم قراءتي وتوجيهه الى هذا النوع من الكتابة .
« AU CŒUR DU MAROC »  LOUIS BOTTE
ترجمة نص   من كتاب  " في قلب المغرب "  لويس بوت . من ص 122 الى ص 131
 وهوكتاب مصور يضم 61 صورة ورسم  و 3 خرائط بالاسود     النشرة الثانية    مكتبة هاشيت  79 شارع  سانت جرمان باريس (1913)