يُعدّ كتاب الباحث الإيطالي فرانشيسكو سترازاري من الدراسات القليلة التي تناولت أوضاع المسيحيين في الوقت الراهن في بلدان الخليج العربي، وهو يندرج ضمن اهتمامات الباحث بالمسائل الأمنية والتعايش الديني بين المسلمين والمسيحيين. فقد أصدر في الشأن عددا من المؤلفات منها: "صوب الأرجنتين لمعرفة البابا برغوليو" 2013، و"الكنائس في أكرانيا والقوقاز بعد 1989" 2011، و"المسيحيون بين الأصولية والحرب في بلاد الرافدين" 2010. والكتاب المخصص لشؤون المسيحيين في الخليج العربي يأتي بشكل عام ضمن مناخ يسود فيه تخوّف على مصائر الأقليات المسيحية في البلاد العربية من الأكثرية المسلمة. ولذلك وجب التنبه إلى ضرورة التعاطي مع المسيحية في الخليج العربي ضمن منطق مغاير، بوصفها مسيحية مهاجرة عابرة ووافدة وليست مسيحية أصيلة، حتى لا تُحشَر ضمن منطق الأكثرية والأقلية.
يستهلّ الباحث بحثه بتقديم عام بقلم جورج إميل عيراني الأستاذ في الجامعة الأمريكية في الكويت، يستعرض من خلاله الخاصيات التاريخية والسياسية لمجمل بلدان الخليج، مبرزا الأوضاع الاقتصادية الجيدة التي ساهمت في جذب المسيحيين وغيرهم نحو هذه البلدان. إذ يفوق عدد المهاجرين في بلدان الخليج 15 مليونا، وتبلغ نِسبهم في قطر والإمارات مثلا أكثر من ثمانين بالمئة، في حين تتنازل في سلطنة عمان والعربية السعودية إلى قرابة ثلاثين بالمئة. يتناول عيراني في تقديمه الخصوصيات الدينية والاجتماعية المحافظة في الخليج، فضلا عمّا يشهده من تحديات متمثّلة في تسرّب التشدد الديني، ناهيك عن التهديدات والمطامع الخارجية، التي جعلت من تلك البلدان محطّ أنظار العديد من القوى الإقليمية والدولية.

 تنبعث فكرة الإصلاح بالبلاد المغاربية خلال القرن التاسع عشر، من عدة اعتبارات فرضت نفسها كقوة ضاغطة حتمت صناعة حل شامل لما هو عليه الوضع بالمنطقة يومها. وقد تجلت هذه الاعتبارات الضاغطة فيما هو داخلي وآخر خارجي، أ كدت بوقعها ضرورة تفعيل هذا الإصلاح. فانتشار الازمات الداخلية المتمثلة في العاملين البشري والطبيعي كالثورات التي ارتفعت الى حد تهديد وجود السلطة الحاكمة والتي كان لها الأثر البالغ فيما آلت إليه الأحوال المغاربية زمنئذ، لعل أبرزها تلك التي قادها الثائر "بوبكر امهاوش" مطلع القرن التاسع عشر بالمغرب، حيث استطاع هذا الشخص أن يجمع تحالفا مهما بالنسبة للقبائل الأطلسية مشكلا بذلك تهديدا خطيرا للسلطة المركزية[1]؛ توازيها حدة في البلاد التونسية ثورة "علي ابن غداهم" 1864م التي جرت على البلاد ويلات التطاحن والصراعات إثر السياسات المغرمية التي انتهجها البايات الحسينيين[2].
ينضاف الى هذا العامل البشري أخر طبيعي أبى إلا أن يزيد المنطقة جروحا الى جروحها، فالجوائح والمصاغب التي كانت تعصف بالبلدان المغاربية من حين لآخر جعلت المنطقة تحت رحمة الطبيعة، فكان من أهمها الطاعون الذي آلم بالبلاد التونسية أواخر القرن الثامن عشر سنة 1784م، حيث تم نقله عن طريق الحجاج والتجار إلى الايالة[3]؛ هذا كما عصفت بالبلاد أيضا جملة من الأوبئة أهمها وباء الكوليرا الذي أزهق سنة 1849م العديد من الأرواح[4].

شهدت الأبحاث الأكاديمية في الغرب خلال العقود الأخيرة تبلور منهج دراسي لافت، لقي حظوة بين العديد من الباحثات والدارسات ممن ينتمين إلى الأوساط الدينية عُرف باسم "اللاهوت النسوي". تعلّق بمعالجة قضايا المرأة في كافة تشعباتها التاريخية والدينية والمؤسساتية، بوصف ذلك اللاهوت تأملا لنساء مسيحيات في سياق الدين والحياة في ضوء الإنجيل. صاغت رائداته العديد من الرؤى المعرفية والدينية بقصد بناء تصورات جديدة في معالجة قضايا المرأة. فبعد حضور دوني في الكنيسة امتدّ قرونا، لم تسنح الفرصة للتنديد بحياة القهر التي ترزح تحت وطأتها المرأة، سوى مع مطلع ستّينيات القرن الماضي. حيث شكّل الكتاب المرجعي لفاليريا غولدستاين 1960، "أنا مرأة وأدرُس اللاّهوت"، قطعا مع اللاّهوت الرّجالي وتدشينا لمرحلة جديدة عُرِفت باسم اللاّهوت النّسوي. ومنذ ذلك العهد تناسلت المؤلفات والأبحاث حتى غدت تيارا شائعا له أنصاره داخل الأوساط الدينية وخارجها. كتاب تيريزا فوركادس "اللاهوت النسوي" الذي نتولى عرضه هو متابعة تاريخية وتحليلية لتطورات ذلك المسار الفكري، من تأليف إحدى المنشغلات بهذا اللاهوت، وهي راهبة ودارسة لاهوت تحمل شهادتي دكتوراه في اللاهوت والطب. عُرِفت تيريزا فوركادس بالتزامها النضالي على جبهتين: بقضايا إقليم كاتالونيا في إسبانيا حيث نشأت وبقضايا النسوية داخل الكنيسة وخارجها.

تمرّ هذه الأيام الذكرى الخمسون لتأسيس جماعة "سانت إيجيدو" الكاثوليكية، وهي المنظمة التي أعادت للكنيسة حضورها السياسي الناعم في العديد من القضايا الدولية. فيوم أطلّت الجماعة في الساحة الإيطالية في السابع من فبراير 1968، كانت عبارة عن فصل جديد من فصول الأصولية المسيحية التي تمور بها الساحة الدينية في أوروبا والأمريكتين. في تلك الحقبة كان قد ألمّ بالمحرك الديني الرئيس في روما، شيء من العطل وباتت تعوزه المبادرة التاريخية، جراء غلبة الطابع التقليدي والمحافظ عليه. تلخّص ذلك العطل في عدم قدرة الكنيسة على التلاؤم مع تحولات الناس، على غرار تواصل تحريمها للطلاق، وموقفها المناهض لمساواة المرأة مع الرجل في الترقي الكهنوتي، وهو ما لا يزال جاثما على صدر الكنيسة حتى اليوم. لم تجد كنيسة روما سبيلا للخروج من مأزق التأقلم مع الحداثة سوى التعجيل بعقد مجمع الفاتيكان الثاني (1962-1965) في محاولة لمواءمة رسالة الدين مع روح العصر والبحث عن مصالحة مع الزمن، بقصد الإمساك بمجريات الواقع الديني الذي بدأ ينفرط عقده وما عاد للبابا سلطان عليه.

عقِب اعتلاء البابا المستقيل جوزيف راتسينغر كرسي البابوية سنة 2005، بدأ معه تحذير من مخاطر تحوّل الكنيسة إلى مؤسسة دنيوية ربحية، على غرار غيرها من المؤسسات اللاهثة وراء تحقيق النفع المادي. وقد لخّص هرم القيادة الكاثوليكية موقفَه حينها في كتاب حِواري بعنوان "نور العالم"، عدّ فيه ما يجري هو حصيلة مسار سقيم انساق للتأقلم مع الثقافة اللائكية والتصالح مع روح العصر دون مراعاة خصوصية الكنيسة. فقد حالت صلابة راتسينغر الدغمائية دون أن يلوذ الرجل بالصمت، تقديرا منه أن ليس بوسع المرء أن يخدم الله والمال تبعا لما يرد في الإنجيل (متّى6: 24).
في الأثناء توالت الأصوات المحذّرة من الخط الدنيوي الذي بات متسرّبا داخل الكنيسة. وجاء ذلك من المقرَّبين من دوائر القرار في حاضرة الفاتيكان على غرار جان فرانكو سفيدركوسكي النائب الأسبق لرئيس تحرير صحيفة "أوسرتفاتوري رومانو" اللسان الرسمي للفاتيكان، وهو ما ورد بليغا وموجزا في كتابه "عودة رجالات الكنيسة" الصادر قبيل استقالة راتسينغر، والذي عدّد فيه المسائل العاجلة؛ وبالمثل من المتابعين العلمانيين للشأن الفاتيكاني على غرار فرانشيسكو بيلوزو مؤلف كتاب "مصرف البابا" الصادر أواخر العام الفائت، والذي يعيد فيه تفكيك سلطان المال داخل حاضرة الفاتيكان مبرزا خطورة ما يواجه البابا الحالي فرانسيس برغوليو من تحديات على غرار سلفه المستقيل.

نادرة هي المؤلفات التي باح فيها الكاتب الإيطالي أومبرتو إيكو بما يختلج في صدره بشأن تجربته الدينية وتصوراته الوجودية -مع أنه غزير الكتابة-، مثلما رشح من تلك المحاورة الثنائية مع الكردينال كارلو ماريا مارتيني، التي نُشِرت تباعا على صفحات "مجلة ليبيرال" الإيطالية، على مدار سنة تقريبا، من مارس 1995 إلى يناير 1996. لم تنتظم المحاورة ضمن الطريقة المعهودة باعتماد أسئلة تقابلها أجوبة، بل جاءت بعرض مسائل متعلقة بالشأن الديني، يتناولها كِلا الطرفين، كلّ من منظوره، بالتحليل والمناقشة. وقد حظيت المواضيع المثارة حينها بمتابعة واسعة، ما دفع بالمجلة إلى الإقدام على نشرها في كتيب بعنوان: "في ما يعتقد من لا يعتقد؟"، صدر في عدة طبعات آخرها خلال العام الحالي، كما تُرجم إلى ست عشرة لغة. وإن يكن إيكو من بين أكثر الكتّاب الإيطاليين حظا في الترجمة إلى العربية، جنب بازوليني ومورافيا، فإن موقفه من الكاثوليكية ومن الدين عامة بقي غائما لدى القراء العرب، ربما من هذا الباب أردنا تسليط بعض الضوء على هذا الجانب الخفي لديه.
جاء الحوار بين الأديب والكردينال في كنف التقدير المتبادل رغم الاختلاف البين بينهما، في التصورات والتوجهات، أحدهما يقف على أرضية لائكية راسخة، بالإضافة إلى كونه أحد أبرز وجوه الثقافة العلمانية الرصينة، والآخر ينتسب إلى تراث يسوعي عريق، جاء كردّ فعل عميق على البروتستانتية وما مثلته من تحدّ للاهوت الكاثوليكي. والقدرة على الحوار بين العقل الديني والعقل العلماني في الغرب، هو ما نفتقر إليه في تقليدنا الراهن في البلاد العربية، حيث نجد قدحا متبادلا من الجهتين، أو حوار ديكة، زادت من حدته، في السنوات الأخيرة، التقاليد التي أرستها بعض القنوات التلفزية التي تروج للتناطح المقيت، وهي تزعم أنها تفسح المجال للرأي والرأي المغاير.
الأبوكاليبس.. هاجس يقضّ مضجع اللائكيين

   لا شك أن جل الباحثين المعاصرين في ميدان التاريخ، قد ساروا على نهج تجديد مفهوم الوثيقة التاريخية، وذلك من خلال الانفتاح على "المصادر الدفينة" أو بمعنى آخر "المصادر غير الإرادية"، والتي من خلالها يمكن انتقاء مجموعة من الإشارات، تسهم في إزالة العتمة عن التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للغرب الإسلامي بصفة عامة، ويأتي في طليعة هذه المصادر كتب الفتاوى والنوازل الفقهية[1].                               
  وقبل التطرق إلى أهمية كتاب فتاوى ابن رشد في الدراسات التاريخية، يمكن طرح مجموعة من التساؤلات من قبيل: متى ظهرت أولى المصنفات النوازلية بالغرب الإسلامي؟ وما هي أهم المراحل الأولى التي مرت بها كتب النوازل الفقهية في الدراسات التاريخية بالمغرب؟ وكيف ساهمت هذه المصنفات في الكشف عن مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية رغم الصعوبات المنهجية التي تخترقها؟ وإلى أي حد شكل كتاب فتاوى      ابن رشد، صورة عن حياة المزارع بالغرب الإسلامي في تعامله مع أهم مادة حيوية في المجال الفلاحي ألا وهي الماء؟

     1_ البدايات الأولى لاستعمال كتب النوازل الفقهية في البحث التاريخي:        
   نشير بادئ ذي بدء إلى أن أولى المؤلفات في فقه النوازل ظهرت في بداية القرن الثالث الهجري بمنطقة الغرب الإسلامي بشكل عام[2]،  حيث شكل بروز هذا الفقه نوعا من " الاجتهاد المباشر " حول مختلف الأحداث والوقائع التي طرأت على صعيد المجتمع الإسلامي[3] بمختلف مكوناته الاجتماعية والفكرية والاقتصادية[4]، ليزدهر هذا النوع من التأليف على الخصوص منذ منتصف القرن الخامس الهجري، إثر ظهور العديد من المصنفات نذكر منها على سبيل المثال نوازل ابن سهل[5]، وفتاوى ابن رشد ونوازل القاضي عياض[6]  ونوازل ابن الحاج الشهيد[7]، إلى غيرها من المصنفات الفقهية.           
   والجدير بالذكر أن النوازل الفقهية كان ينظر إليها خصوصا في الميدان التاريخي، بأنها كتب فقهية خالصة لا يمكنها أن تكون في مستوى تطلعات المؤرخين[8]، حيث أن بعض المستشرقين وعلى رأسهم "سوفاجي" ذهبوا إلى اعتبار أن هذا النوع من التأليف لا طائلة تُرتجى منه، بل أكثر من ذلك ذهب به الأمر إلى تحذير المؤرخ من استعمالها في دراسته للأوضاع الاجتماعية[9]، إلا أنه نظرا لحاجة الباحثين لاقتحام جوانب من التاريخ  " الاقتصادي والاجتماعي والثقافي"، فرض عليهم الانحياز نحو هذا الصنف الفقهي نظرا لعدم وجود وثائق أخرى، قد تسهم في نفض الغبار عن الحقول السالفة الذكر[10].   
   ومن المستشرقين الذين تنبهوا  وأكدوا على أهمية هذا التراث الفقهي في الكشف عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية خاصة في بلاد الأندلس، نجد في طليعتهم المستشرقان الإسبانيان لوبيث أورتيث Lopes ortis، وسالفادور فيلا Salvador villa[11]، والمستشرق الفرنسي جوزيف شاخت « J.SCHACHT »،  حيث نورد في هذا الصدد ما أورده أحد الدارسين نقلا عن  هذا الأخير: " فهم المجتمع الإسلامي سيظل رهينا بمدى فهم ودراسة هذه النوازل والاستفادة من مادتها الخام"[12].  
   وعلى نفس المنحى، يمكن التأكيد على أن الأجانب كانت لهم قدم السبق في مجال الاهتمام بكتب النوازل الفقهية، حيث نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: إميل عمار (Emil AMAR)، ولوبنياك (LOUPIGNAC)، هذا بالإضافة إلى كلود كاهن (Claude CAHEN)  و جان كلود ألان  (Jean CLAUD ALLAIN) إلى غيرهم من الباحثين الذين انفتحوا على دراسة هذا الصنف من المصادر[13].
   أما فيما يتعلق ببداية الاهتمام بكتب النوازل الفقهية بالمغرب، فيعود على الأرجح إلى سنة 1970م، بحيث يمكن اعتبار هذه السنة شاهدة على تدشين مرحلة جديدة في ميدان استعمال المؤرخين لهذا النوع من المصنفات، كمصدر أساسي لاستقراء تاريخ الغرب الإسلامي[14].
   وعلى نفس السياق، يمكن القول أن الفضل يعود إلى مجموعة من الباحثين والدارسين الذين حملوا على عاتقهم مهمة نفض الغبار على مجموعة من المخطوطات الفقهية، والعمل على تحقيقها ودراستها للدفع بعجلة البحث التاريخي المغربي إلى الأمام، ونجد في طليعة هؤلاء الباحثين محمد حجي[15]، ومحمد الحبيب التجكاني[16]، والمختار بن طاهر التليلي[17]، ومحمد بركة[18]، ومحمد بن شريفة[19].              
  وبالتالي فإن هذا النوع من التراث الفقهي " فقه النوازل"، الذي ظهر على مستوى الأبحاث التاريخية، مكن الباحثين من محاولة تجديد الكتابة التاريخية لمنطقة الغرب الإسلامي[20]، وذلك بالتركيز على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي، بعد أن تبين بجلاء مدى عجز المصنفات التقليدية عن مواكبة الثورة الموضوعاتية[21]، نظرا لغض طرفها عن مختلف الشرائح الاجتماعية البسيطة، من مزارعين وحرفيين وصناع إلى غيرهم من الفئات التي لم تنل حظها بما يكفي من الاهتمام في الكتب السالفة الذكر، ونستشهد في هذا الإطار بما أثاره أحد الباحثين حول أهمية كتب النوازل الفقهية في إلقاء الأضواء على فئة المزارعين، وذلك من خلال  قوله: " تمكن (كتب النوازل) من انتشال هذه الفئات المهمشة من ركام النسيان وإزالة الحيف الذي لحقها من قبل المؤرخين"[22].
   وبناء عليه، فإن هذا الحيف والظلم الذي تعرض له المزارعون والفلاحون بصفة عامة، يمكن إرجاعه بالأساس إلى عاملين رئيسيين، أولهما: كون أن الفلاحة حسب العلامة ابن خلدون " من معاش المستضعفين وأهل العافية من البدو"[23]، وثانيهما أن هذا التهميش                   ناتج أيضا عن موالاة هؤلاء المؤرخين للبلاط الحاكم، واتجاههم نحو تركيز الحدث حول السلاطين والحكام، وكذا المبالغة في وصفهم من خلال تخصيص عشرات الصفحات حول نسبهم وأخلاقهم وملامح وجوههم وملبسهم، في مقابل تهميش غالبية عامة المجتمع، والذي في حقيقة الأمر كان له الدور الحاسم في توجيه الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة[24].            
    والجدير بالإشارة أنه لم يقتصر هذا التهميش من طرف هذه الفئة من المؤرخين فقط، بل تم تبنيه أيضا حتى من قبل العديد من المؤرخين المحدثين، الذين قاموا بتحليل ودراسة التاريخ الإسلامي انطلاقا من زوايا ضيقة، معتبرين التاريخ مجرد حروب وانتصارات في مقابل ظلت حياة الفلاحين وغيرهم ضمن إطار المنسيين[25]. 
   وبالتالي فلتجاوز هذا التهميش، ولتجنب كذلك هيمنة النصوص التقليدية ذات الطابع السياسي التي غالبا ما ترجح كفتها لصالح السلطة السياسية، لا مناص للباحث في ميدان التاريخ من الاعتماد على كتب النوازل الفقهية.

      2_ النوازل الفقهية بين التوظيف التاريخي والإشكال المنهجي: 

   إنه لمن الأهمية بمكان أن نثير نقطة أساسية، تتمحور حول استغلال هذا الصنف من المصادر في ميدان البحث التاريخي، وما يرافقه من صعوبات منهجية تعترض الباحث أثناء محاولته استقاء المادة التاريخية من معين هذا الخزان الفقهي.         
   وتتجلى بعض هذه الصعوبات في كون أن دراسة النازلة الفقهية تتطلب دقة التركيز  لتجاوز اللبس الذي يكتنف معظم نصوصها[26]، هذا بالإضافة إلى صعوبة فهم بعض المصطلحات الفقهية التي ترتبط بشكل أساسي ب " الصياغة الشرعية لأصول الفقه "[27]، يضاف إلى ذلك أن المفتين غالبا ما ينكب تركيزهم بدرجة أولى على تبيان "حكم الشريعة" في القضايا المستجدة، مما يضفي على أحكامهم صبغة قانونية[28]. دون أن ننسى أيضا من بين المشاكل المنهجية لدراسة النازلة الفقهية، عنصري الزمان والمكان، بحيث نجد في بعض الأحيان أن النازلة لا تتحدد بفترة زمنية ومكان محددين، وأن بعضها يتسم بطابع افتراضي وغير واقعي[29].    
   لكن ما تجب الإشارة إليه، هو أنه رغم وجود هذه الصعوبات المنهجية، فإن هذا الأمر لا ينفي كونها تزخر بمعطيات تاريخية هامة، بحيث نورد في هذا الصدد ما ذكره أحد الباحثين في إطار حديثه عن المصنفات الفقهية بما فيها كتب النوازل، إذ يقول: " وبالرغم من المشاكل المنهاجية التي يراها البعض على أنها من أهم المعوقات التي تحول دون استفادة البحث التاريخي من هذا النوع من المصادر الفقهية (كتب الوثائق) إلى أبعد الحدود، مثله في ذلك مثل كتب النوازل، فإنها مع ذلك لا تخلوا من فوائد ومعلومات تتعلق بتطور مجتمع الغرب الإسلامي عامة، وكيف كان هذا المجتمع يسير شؤون حياته في إطار ضوابط تلائم بين ما هو سماوي شرعي وما هو لصيق بالمجال الذي يعيش فيه خاصة"[30]، وبطبيعة الحال فإن هذا الأمر يفند ما ذهب إليه بعض الدارسين، من كون أن النازلة الفقهية قد تفقد مادتها التاريخية، بسبب خلوها في بعض الأحيان من عنصري الزمان والمكان، واسم المفتي والمستفتي[31].       
   وبعد هذه الإطلالة الموجزة عن أهم المراحل التي مرت بها كتب النوازل الفقهية  حول بداية ازدهارها في الغرب الإسلامي، وبداية اعتمادها في مجال البحث التاريخي، نشير إلى أهم مصدر في هذا الموروث الفقهي، ألا وهو كتاب فتاوى بن رشد الذي يعتبر بحق أغنى مدونة فقهية في تاريخ الإنتاج الفقهي المالكي بالغرب الإسلامي خلال العصر الوسيط، لما يحتويه من نوازل ذات أهمية كبرى، عكست بذلك من جهة أولى أحوال المجتمع الإسلامي، ثم شكلت من جهة ثانية إطارا مرجعيا لعامة فقهاء الغرب الإسلامي[32]، سواء منهم المعاصرين لابن رشد أمثال القاضي عياض وابن الحاج الشهيد[33]، أو من أتى بعده من الفقهاء المتأخرين أمثال البرزلي، والونشريسي[34].                 
   ونشير إلى أن من أوائل الباحثين الذين تنبهوا للأهمية التي تكتسيها فتاوى بن رشد، هو الدكتور عبد العزيز الأهواني، حيث يقول في إطار تقديمه ودراسته لبعض من نوازل     بن رشد: " ونحن نضع أمام القارئ بعض نصوص يسيرة من ذلك الكتاب، تتصل بالحياة السياسية في الأندلس على عهد الطوائف والمرابطين، لا نريد منها إلا أن نلفت أنظار الدارسين إلى أن هذه الكتب التي تحمل اسم المسائل أو الفتاوى أو النوازل جديرة بالعناية، حقيقة بأن يعكف عليها الباحثون في غير الفقه من المؤرخين السياسيين والاجتماعيين، ليستكملوا بذلك بعض ما تفتقر إليه الدراسات التاريخية والأدبية من تصوير البيئة والكشف عن المجتمع والوقوف على مشكلات تلك العصور"[35].
   وبناء عليه، تقدم فتاوى ابن رشد للباحثين مادة غنية حول المعطيات المرتبطة بالمجال السياسي والاجتماعي، حيث تتناول  من هذه الناحية العديد من الظواهر والأحداث بالمغرب والأندلس خلال عهد الدولة المرابطية، كما أنها ترفع الحجاب عن تجاوزات السلطة وهفوات القضاة[36]، إضافة إلى ما تطرقت له لبعض فئات المجتمع، والشؤون الأسرية، وكذا طبيعة الروابط الاجتماعية بين الجيران[37].              
   ومن جانب آخر، فإن كتاب فتاوى ابن رشد، شأنه في ذلك شأن مختلف كتب النوازل الفقهية، يساهم في الكشف عن بعض الجوانب من التاريخ الاقتصادي لبادية الغرب الإسلامي[38]، سواء تعلق الأمر من جهة بتلك العلاقات المرتبطة بالمشاركة في الزراعة والتي يصطلح عليها في كتب النوازل ب "المزارعة"[39]، وما يترتب عنها من صراعات من حيث قلب الأرض وزراعتها وحصادها، وما يتعلق أيضا بفسخ عقود كراء الأراضي الزراعية، نتيجة لما يصيب هذه الأخيرة من قحوط ودورات الجفاف، دون أن ننسى أيضا التجاوزات التي يقوم بها بعض المزارعون من قبيل الاستيلاء على الطرق العامة، وتجاوز حدود أراضيهم الزراعية ومحاولة الاستحواذ على أراضي الجيران من خلال حيازتها وحرثها وغرسها[40]. أو من جهة ثانية فيما يقترن بموضوع  "قضايا الماء" والذي يعتبر موضوعا على غاية من الأهمية، نظرا لما تشكله هذه المادة الحيوية من "إحدى المفاتيح إلى جانب الدين والعصبية التي تفسر بعض معطيات تاريخ الغرب الإسلامي في أواخر العصور الوسطى"[41].
   وفي هذا الصدد تلقي نصوص نوازل ابن رشد الأضواء عن بعض التقنيات المائية، وكل ما يتعلق ب " أحوال الري بالغرب الإسلامي بصفة عامة "[42]، وما تتصف به تلك الأحوال من علاقات اجتماعية يغلب عليها طابع النزاع، حيث يقول أحد الدارسين:         " وبحكم تخصصها كشفت كتب النوازل والعقود والفتوى بعض فصول الصراع الذي شجر بين القبائل والجماعات المشتركة في استغلال المياه، ولا سيما في فترات الجفاف والسيول"[43]، كما نشير في نفس السياق إلى مسألة تداخل العديد من العوامل في تشكيل العلاقات الاجتماعية حول الموارد المائية، منها ما هو اقتصادي وتقني وتشريعي وعرفي[44].                     
   والجدير بالذكر أن كتاب فتاوى ابن رشد، مثله في ذلك مثل مختلف كتب النوازل يتكون من ركنين أساسيين، يتمثل أولهما في السؤال الذي يقدم لنا الواقعة الاجتماعية، كما حدثت بتفصيل في مجال جغرافي معين وخلال فترة زمنية محددة، في حين أن الجواب يكون عبارة عن حكم شرعي، يحمل في طياته حلولا ذات صبغة قانونية[45]، مبنية أساسا على ضلعين أساسيين ألا وهما الشرع والعرف، وعلى عكس ما ذهب إليه أحد الدارسين حول أهمية السؤال على الجواب[46]، فإننا نؤكد في هذا الإطار على أن الجواب  لا يقل أهمية عن السؤال، بدليل أن أجوبة الفقهاء ومن ضمنها أجوبة ابن رشد بخصوص المسائل المتعلقة بقضايا الماء، تمثل  إطارا ومرجعا قانونيا أطر عمليات الاستفادة من المياه المشتركة، وبالتالي ساهمت إلى حد كبير في التخفيف من المشاكل الاجتماعية التي سادت بوادي الغرب الإسلامي، أثناء الشروع في عملية القيام بشؤون الأراضي الزراعية.                                                     
   وبناء على ما تقدم، جاز لنا القول أن كتاب فتاوى ابن رشد، لا يفيد المؤرخ في دراسته لمختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية من وجهة تاريخية فحسب، بل يتعدى ذلك ليقدم له خزانا غنيا بمعطيات وإفادات ترتبط بالجانب القضائي والقانوني، وبالتالي نثير في هذا الإطار نقطة جوهرية تتلخص في التداخل بين ما هو تاريخي وبين ما هو قانوني[47].

      3_ الامتداد المكاني والزمني لفتاوى ابن رشد:       
          
   من الإنصاف أن نشيد بما تحتويه فتاوى ابن رشد من أهمية بالغة، بالمقارنة مع ما ألف من متون في ميدان النوازل الفقهية طوال فترة العصر الوسيط، حيث تبين لنا بجلاء بعد تتبعنا ورصدنا لمعظم المصنفات، سواء المعاصرة لابن رشد أو التي ألفت بعده، مدى القيمة العلمية التي تكتنفها فتاويه في حل مختلف المشكلات والقضايا الاجتماعية والاقتصادية التي انتشرت بالمنطقة، إذ ستشكل خير معين لمختلف الفقهاء المبتوتون في سائر المدن الأندلسية والمغربية، وباقي مختلف مناطق الغرب الإسلامي في تقديم إجابات شافية للمستفتون الواردون عليهم، وخاصة في الجانب المتعلق بمسألة تدبير الشأن المائي، نظرا لخضوع المنطقة للمناخ المتوسطي الذي يتميز بندرة الأمطار وتذبذبها[48].                           
    وفي هذا السياق، نكشف الأضواء عن تلك السلسلة من الأسئلة[49] التي لطالما كان يبعث بها قاضي مدينة سبته القاضي عياض لأستاذه وشيخه ابن رشد، ويستفسره بشأنها راجيا منه وضع مجموعة من الإجابات حولها، ومن أمثلة ذلك: " وكتب إليه رضي الله عنه القاضي بسبتة أبو الفضل بن عياض (...) بعشرة أسئلة نزلت في الأحكام بين يديه، وهي كلها في شأن أرحاء وسقي جنات وخضر، وهذا نص كل سؤال منها"[50]، ثم نذكر أيضا:   " ضمت مدرجتي هذه أسئلة رغبتي جوابه عنها مأجورا مشكورا إن شاء الله"[51]،       كما يجب ألا نغفل مدى الاحترام والمكانة التي حظي بها ابن رشد لدى الفقهاء، وهو ما كان يعبر عنه القاضي عياض بمجموعة من العبارات، التي تحيل على علو كعبه في مجال القضاء والإفتاء[52].       
    والجدير بالإشارة أن ابن رشد كان قبلة المستفتين لفقهاء بلاد العدوة المغربية بجميع مدنها، بما فيها العاصمة المرابطية مراكش " وكتب إليه – رضي الله عنه- بعض الفقهاء من حضرة مراكش حماها الله في آخر شهور خمس عشرة وخمسمائة بثلاث مسائل يسأل عنها "[53].      
   ولم يقتصر هذا الاهتمام الذي حظيت به فتاوى ابن رشد فقط على فقهاء وقضاة عصره بالمغرب والأندلس كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك، بل تجاوز هذه الحدود المجالية والزمنية، حيث سينهل فقهاء إفريقية من معين هذا التراث العلمي والفقهي، وعلى رأسهم البرزلي[54]، صاحب كتاب جامع مسائل الأحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام، ذلك أنه من العبارات التي تدل على اعتماد هذا الفقيه على ما أفتى به ابن رشد "وكذا ذكر ابن رشد"  "وفي بعض نسخ نوازل ابن رشد"  " جوابها لابن رشد"[55].             
   ونشير إلى أن تأثر نوازل البرزلي بفتاوى ابن رشد، قد أشار إليه أحد الدارسين، وذلك من خلال قوله: " أما نوازل البرزلي، فتمثل استمرار مسائل ابن رشد، ومنزلتها لدى فقهاء المالكية بعده، فنوازل البرزلي تقدم نموذجا لهذه المنزلة، حيث تنقل الكثير من مسائل ابن رشد، بلفظها أحيانا، وباختصار أحيانا، حتى أنه ليمكن اعتبار نوازل البرزلي شرحا يكاد كاملا لمسائل ابن رشد"[56].
   وبالرجوع إلى بلاد العدوة المغربية، نشير إلى أهم من تأثر بفتاوى ابن رشد خلال أواخر القرن التاسع الهجري وبداية القرن العاشر الهجري، والحديث هنا بطبيعة الحال عن أحد فطاحلة المفتين بمدينة فاس، ألا وهو أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي صاحب موسوعة المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب،    حيث أنه بعد تصفح هذه الموسوعة نجد مجموعة من العبارات الدالة على اعتماده على فتاوى ابن رشد[57].                      
   والجدير بالذكر أن هذا الاهتمام الذي نالته فتاوى ابن رشد، لم يقتصر على مؤلفي كتب النوازل الفقهية فحسب، بل طال أيضا مؤلفي كتب العقود كما هو الشأن بالنسبة لابن سلمون الكناني (ت 741ه) الذي يقول في متن كتابه: " وفي مسائل ابن رشد أن الكرم إذا ظهر أنه شارف قد خلف لم يرد به لأنه من العيوب الظاهرة، ولا يجوز أن يستثنى الثمرة لنفسه قبل الإبار وهي للمبتاع بمقتضى العقد، فإن وقع ذلك فسخ البيع ورد الأصل إلى البائع ما لم يفت.. "[58].  
   وبناء على ما تقدم، يتبين بجلاء مدى الامتداد المكاني والزمني الذي ميز فتاوى ابن رشد، حيث يثبت هذا الامتداد مدى أصالة وعراقة فتاويه، وتظهره أيضا كزعيم ورائد لفقهاء المالكية بالغرب الإسلامي خلال الفترة الوسيطية، ومن تم فهي تكشف أيضا عن مكانته العلمية، ومدى رسوخه في العلوم الفقهية.

 4_ لمحة مقارناتية بين نوازل ابن رشد ونوازل القرنين (5-6ه / 11-12م)

   إنه لمن الأهمية بمكان أن نقوم بمقارنة النوازل التي يتضمنها كتاب فتاوى ابن رشد بمثيلاتها المتعلقة بالقرنين (5-6ه / 11-12م) والتي أمكننا الاطلاع عليها[59]، حتى نتمكن من التمييز بين مكامن الالتقاء ومواطن الاختلاف بين مواضيعها.
   وبناء عليه، فإن تتبع مختلف مواضيع نوازل الفترة، وخاصة تلك المرتبطة بالمجال القروي، مكنتنا من تسجيل العديد من الملاحظات والنقاط الأساسية، حول طبيعة الأحداث والوقائع التي كانت منتشرة بالمنطقة، حيث يظهر جليا من جهة أولى مدى تشابه وغنى هذه المصنفات بالمواضيع التي تتعلق بأمور الزراعة والمساقاة وكل ما يتعلق بالمغارسة، وإن كانت تتفاوت نسبيا من حيث حضورها الكمي، أما من جهة ثانية فنسجل معطى أساسي ألا وهو استحواذ كتاب فتاوى بن رشد على نصيب كبير من نوازل المياه، في حين لا نعثر في باقي المصنفات الأخرى سوى على عدد ضئيل جدا لهذا الموضوع، باستثناء كتاب مذاهب الحكام في نوازل الأحكام للقاضي عياض، الذي يمكن القول عنه بأنه يضاهي  شيئا ما نوازل بن رشد، حيث يتوفر هو الآخر على عدد لا بأس به من نوازل النزاع حول الماء.
 وبالتالي ما هي الأسباب الكامنة وراء هذا الفارق العددي لموضوع الماء بين نوازل     ابن رشد والنوازل المعاصرة لها؟
  في حقيقة الأمر أن الإجابة عن هذا السؤال مرتبطة أساسا بما أشرنا له سابقا عن مدى أهمية الامتداد المكاني لفتاوى ابن رشد، ذلك أن مكانة هذا الفقيه القاضي والصيت الذي حظي به خلال عصره، جعلت منه محور اهتمام كافة أناس وفقهاء المنطقة، الذين كانوا يبعثون إليه بما أشكل عليهم حله من قضايا ذات ارتباط بموضوع الماء.
  وفي نفس السياق، فإن ندرة نوازل الماء في باقي المصنفات الأخرى، يعزى بدرجة كبيرة لمحدودية شهرة أصحاب هذه المؤلفات النوازلية، الأمر الذي جعل من مواضيعها مقتصرة فقط على محيطهم ومجالهم المحدود، والذي من المحتمل أنه لم يكن يشهد توتر العلاقات بين الفلاحين بصفة دورية.
   وفيما يلي جدول مقارناتي لعدد النوازل المائية الواردة في المصنفات المعاصرة لابن رشد:

نوازل القاضي ابي سليمان بن خلف الباجي الأندلسي

نوازل ابن سهل

نوازل أحمد بن سعيد بن بشتغير

نوازل القاضي عياض

نوازل ابن رشد

العدد

2

8

9

30

32


 يظهر من خلال الجدول  مدى شساعة الفارق في عدد مسائل المياه المتضمنة في كل من نوازل ابن رشد والقاضي عياض، مقارنة مع باقي المصنفات الأخرى، حيث نستنتج من خلال هذا الجرد الإحصائي، مدى أهمية نوازل ابن رشد بشكل خاص في إنارة تلك الجوانب المرتبطة بتاريخ الري بمنطقة الغرب الإسلامي.
   ومن زاوية أخرى، فإنه بعد تتبع نوازل الماء التي يتضمنها كتاب مذاهب الحكام للقاضي عياض، نجد بأن هناك إجماعاً على طبيعة النزاعات التي تنشأ بين مختلف الأطراف المالكة للمصدر المائي، حيث نؤكد في هذا الإطار على أنها تعود بالأساس لعامل الندرة وليس لعامل الوفرة.
   ومما يجب التنبيه إليه، هو أن نوازل القاضي عياض مكنتنا أيضا من رصد الأحكام الصادرة من طرف المفتين في مسائل المياه، ذلك أن هذا القاضي كان يبعث بالمسائل المعروضة عليه ليس فقط لأستاذه ابن رشد، بل أيضا للعديد من المفتين الآخرين أمثال   ابن الحاج الشهيد وابن الإمام[60]، ومحمد بن إسماعيل[61] ويوسف بن أحمد[62] وموسى بن حماد[63]، مما وفر لنا مجالا لمقارنة أحكام هؤلاء الفقهاء بأحكام ابن رشد، حيث لامسنا من خلالها وبدرجة كبيرة أهمية وقيمة التفرد الذي تحظى به أجوبة هذا الأخير، وذلك من خلال ما تتميز به من شرح تفصيلي مُوضِح للمسألة، بل أكثر من هذا قد تختلف مع العديد من الفقهاء في أكثر من موضع، ولعل هذا ما يبرر المكانة التي حظيت بها فتاواه من طرف فقهاء عصره، وكذا المتأخرين عنه كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك[64]. 

 
[1] _ المنوني محمد، المصادر العربية لتاريخ المغرب من الفتح الإسلامي إلى نهاية العصر الحديث، 1404ه- 1983م، الجزء الأول، ص: 8 / انظر أيضا: بنحمادة سعيد، "الفلاحون والفلاحة في البادية المغربية والأندلسية في العصر الوسيط من خلال كتب الأمثال الشعبية"، كان التاريخية، السنة السادسة، العدد الثاني والعشرون/ ديسمبر (كانون الأول) 1435ه-2013م، ص: 116   www.kanhistorique.org   
[2] _العبادي الحسن بن أحمد الهشتوكي، فقه النوازل في سوس: قضايا وأعلام من القرن التاسع الهجري إلى نهاية القرن الرابع عشر، منشورات كلية الشريعة- أكادير، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1420ه/ 1999م، ص: 62 
[3] _بورقية رحمة، "الفقه والمجتمع"، الأكاديمية، مجلة أكاديمية المملكة المغربية، العدد 18 سنة 2001، مطبعة المعارف الجديدة- الرباط، ص: 78  
[4] _جيدل عمار، "النوازل مصدرا للتاريخ الاجتماعي والثقافي"، فقه النوازل في الغرب الإسلامي، أعمال الملتقى الدولي السادس للمذهب المالكي، دار الثقافة، ولاية عين الدفلى 13-14 جمادى الأولى 1431ه، 28-29 أفريل 2010م، ص: 284
[5] _ هو عيسى أبو الأصبغ بن سهل بن عبد الله الأسدى، أصله من جيان من المراجلة، سكن قرطبة وتفقه بها...انظر تتمة ترجمته في كتاب: الإعلام بنوازل الأحكام المعروف بالأحكام الكبرى، لأبي الأصبغ عيسى بن سهل بن عبد الله الأسدي المتوفى سنة 486ه، تحقيق الدكتورة نورة محمد عبد العزيز التويجري، الطبعة الأولى 1415ه _ 1995م، الجزء الأول، ص: 21
[6] _ هو أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى بن عياض بن محمد بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي، ولد بسبتة منتصف شعبان سنة 476ه وتوفي سنة 544ه، انظر في هذا الشأن: القاضي عياض، الغنية، فهرست شيوخ القاضي عياض 476ه-544ه/ 1083م-1149م، تحقيق ماهر زهير جرار، دار الغرب الإسلامي، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1402ه-1982م ، ص: 6   
[7] _ هو الفقيه القاضي الشهيد أبو عبد الله بن أحمد بن خلف بن إبراهيم التجيبي ابن الحاج (458-529ه)، أحد الفقهاء الفضلاء، ولى قضاء الجماعة بقرطبة مرتين، وكانت أمور الأندلس الكبار قد صرفها إليه أمير المسلمين أيام قضائه وفتواه،  قتل وهو قاض يوم الجمعة، وهو ساجد في صلاة الجمعة. انظر في هذا الشأن: القاضي عياض، الغنية، مصدر سابق، ص ص: 47-48       
[8] _بلهواري فاطمة، "النص النوازلي للغرب الإسلامي أداة لتجديد البحث في تاريخ الحضارة الإسلامية"، مجلة عصور، مجلة علمية محكمة يصدرها مخبر البحث التاريخي مصادر وتراجم، جامعة وهران-الجزائر، العدد: 17، جوان/ ديسمبر 2011، ص: 83      
[9] _شعيب أحمد اليوسفي، "أهمية الفتاوى الفقهية في كشف وقائع التجربة الأندلسية (نوازل ابن الحاج) القرطبي نموذجا"، ضمن ندوة الأندلس قرون من التقلبات والعطاءات، القسم الأول التاريخ وفلسفته، مرجع سابق، ص: 385 / انظر في هذا الإطار أيضا: غراب سعد، "كتب الفتاوى وقيمتها الاجتماعية – مثال نوازل البرزلي-" مجلة حوليات الجامعة التونسية، العدد 16، 1978، ص ص: 66-67
[10] _بوداود عبيد، "كتب نوازل وفتاوى الغرب الإسلامي الوسيط مصدرا للدراسات التاريخية والتشريعات القانونية"، ضمن ندوة التاريخ والقانون، التقاطعات المعرفية والاهتمامات المشتركة، أعمال مهداة للأستاذ الدكتور محمود إسماعيل، أيام 3-4-5 نونبر 2009، الجزء الأول، سلسلة الندوات رقم 22، 2009، جامعة مولاي إسماعيل مكناس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية – كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، ص: 31     
[11] _حجي محمد، نظرات في النوازل الفقهية، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، الطبعة الأولى 1420ه-1999م، ص: 168
[12] _زناتي أنور محمود، "كتب النوازل مصدرا للدراسات التاريخية والقانونية في المغرب والأندلس"، ضمن ندوة التاريخ والقانون، مرجع سابق، الجزء الثاني، ص: 518   
[13] _الهلالي محمد ياسر، "نوازل بلاد المغرب والأندلس خلال العصر الوسيط، تقديم وترتيب ببليو كرونولوجي"، دعوة الحق، مجلة شهرية تعنى بالدراسات الإسلامية وبشؤون الثقافة والفكر، السنة الثالثة والخمسون، العدد 396، جمادى الثانية 1431ه/ يونيو 2010م، دار أبي رقراق للطباعة والنشر-الرباط، ص: 143    
[14] _مزين محمد، "حصيلة استعمال كتب النوازل الفقهية في الكتابة التاريخية المغربية"، ضمن ندوة البحث في تاريخ المغرب حصيلة وتقويم، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 14، جامعة محمد الخامس 1989، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء، ص: 77 / وانظر أيضا:  مزين محمد، "التاريخ المغربي ومشكل المصادر نموذج: النوازل الفقهية"، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس، عدد خاص 2 سنة 1406ه-1985م، دراسات في تاريخ المغرب، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء، ص: 105
[15] _قام بتحقيق: المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب، تأليف أبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي المتوفى بفاس سنة 914ه، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للمملكة المغربية 1401ه-1981م.    
[16] _حقق كتاب مسائل أبي الوليد ابن رشد "الجد"، دار الجيل بيروت – دار الآفاق الجديدة المغرب، الطبعة الثانية 1414ه- 1993م 
[17] _قام بتحقيق فتاوى ابن رشد، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي (520ه-1126م)، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1407ه-1987م.
[18] _حقق كتاب: فقه النوازل على المذهب المالكي/ فتاوى أبي عمران الفاسي (ت430)، أفريقيا الشرق 2010.
[19] _قام بتحقيق كتاب: مذاهب الحكام في نوازل الأحكام، للقاضي عياض وولده، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1990م- الطبعة الثانية 1997م.  
[20]_ بوتشيش إبراهيم القادري، "تجديد التاريخ الإسلامي: كيف ومن أين يبدأ"، مجلة الاجتهاد، العدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، شتاء العام 1414ه/ 1994م، ص: 138       
[21] _ من قبيل دراسة الأسعار والديمغرافية وكل ما يتعلق بشؤون الأسرة، انظر في هذا الصدد: بنميرة عمر، "جوانب من تاريخ أهل الذمة في الأندلس الإسلامية"، مجلة دراسات أندلسية، العدد الرابع عشر، جوان 1416ه/ 1995م، طبع بمطبعة المغاربية للطباعة والنشر والإشهار، تونس 1995، ص: 47   
[22] _ بوتشيش إبراهيم القادري، "النوازل الفقهية وكتب المناقب والعقود العدلية مصادر هامة لدراسة تاريخ الفئات العامة بالغرب الإسلامي (ق 5-6ه / 12-13م)"، مجلة التاريخ العربي، العدد الثاني والعشرون، ربيع 1423ه-2002ه، ص: 248، وللمزيد من المعلومات حول أهمية هذا التراث الفقهي في تقديم إفادات حول مختلف الطبقات الاجتماعية المهمشة في التاريخ، وحول أهميته في دراسة  مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، انظر أيضا: حسبلاوي نسيم، "التاريخ وفقه النوازل بالغرب الإسلامي: منذ البداية إلى عصر الونشريسي 914ه"، مرجع سابق، ص: 231. / وانظر أيضا: بوداود عبيد، "مصنفات النوازل الفقهية وكتابة تاريخ المغرب الوسيط"، مجلة المواقف، العدد الأول، دسمبر 2007، مجلة الدراسات والبحوث في المجتمع والتاريخ، مطبعة الرشاد للطباعة والنشر/ سيدي بلعباس/ الجزائر منشورات المركز الجامعي مصطفى اسطمبولي معسكر، ص: 127. / وانظر أيضا: معصر عبد الله، "النوازل الاقتصادية بالغرب الإسلامي"، المصباحية، مجلة تصدرها في سلسلتين كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس- فاس، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، سلسلة العلوم الإنسانية، العدد الخامس 2001، مطبعة سايس، ص ص: 90-94. / وانظر أيضا: زناتي أنور محمود، "كتب النوازل مصدرا للدراسات التاريخية والقانونية في المغرب والأندلس"، مرجع سابق، ص: 517. / وانظر كذلك: الهيلة محمد الحبيب، "مناهج كتب النوازل الأندلسية والمغربية من منتصف القرن 5ه/11م إلى نهاية القرن 9ه/ 15م"، مرجع سابق، ص: 23. / وانظر أيضا: بوتشيش إبراهيم القادري، "مخطوط "نوازل بن الحاج" مصدر جديد في تاريخ المجال القروي بالمغرب والأندلس خلال عصر المرابطين"، البادية المغربية عبر التاريخ، تنسيق إبراهيم بوطالب، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 77، مطبعة النجاح الجديدة- البيضاء، الطبعة الأولى 1420ه/ 1999م، ص: 30. / وانظر أيضا: طه عبد الواحد ذنون، "أهمية الكتب الفقهية في دراسة تاريخ الأندلس، نموذج تطبيقي عن كتاب المعيار المعرب للونشريسي"، ضمن أعمال الندوة الدولية: الحضارة الأندلسية في الزمان والمكان، 16-18 أبريل 1992، جامعة الحسن الثاني، كلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية، ص:121. / وانظر أيضا: المنصوري عثمان، "حدود إسهام الفتاوي في التاريخ الاقتصادي المغربي"، مجلة أمل، التاريخ- الثقافة- المجتمع، العدد 7، السنة الثالثة 1996، ص: 94 / وانظر أيضا:  Thami AZEMMOURI, les Nawazil d’Ibn Sahl, Section relative à l’Ihtisab, 1 partie : Introduction texte arabe et bibliographie, HESPERIS TAMUDA, UNIVERSITE MOHAMMED V, FACULTE DES LETTRES ET DES SCIENCES HUMAINES, VOL XIV_ Fascicule unique, EDITIONS TECHNIQUES NORD AFRICAINES 1973, p : 7             
[23] _ابن خلدون، المقدمة، حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه عبد الله محمد الدرويش، دار يعرب، الطبعة الأولى 1425ه-2004م، الجزء الثاني، ص: 82   
[24] _ بوتشيش إبراهيم القادري، "النوازل الفقهية في الأطروحات الجامعية: التوجهات، الإضافات المعرفية والإشكالات المنهجية"، مجلة عصور الجديدة، تاريخ الجزائر-جامعة وهران، عدد 16-17، شتاء- ربيع (أبريل) 1436ه/ 2014-2015م، ص: 46
[25] _بنمليح عبد الإله، "التاريخ الاجتماعي للمغرب الوسيط: أنموذج المهمشين ملاحظات وتساؤلات"، مجلة الجمعية المغربية للبحث التاريخي، عدد خاص مزدوج (7-8) السنة 2009-2010، خمسون سنة من البحث التاريخي في المغرب، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، مطبعة RABAT NET MAROC، ص: 83          
[26] _عبد العزيز خلوف التمسماني، "قيمة فقه النوازل التاريخية"، مرجع سابق، ص ص: 73-74        
[27] _بلهواري فاطمة، "النص النوازلي للغرب الإسلامي أداة لتجديد البحث في تاريخ الحضارة الإسلامية"، مرجع سابق، ص: 89   
[28] _المغراوي محمد، "مسائل العملة والصرف والأسعار في العصر المرابطي من خلال  فتاوى ابن رشد"، ضمن ندوة التاريخ وأدب النوازل، دراسات تاريخية مهداة للفقيد محمد زنيبر، إنجاز الجمعية المغربية للبحث التاريخي، تنسيق محمد المنصور- محمد المغراوي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 46، الطبعة الأولى 1995، ص: 59
[29] _ مزين محمد، "وثيقة جديدة حول توزيع المياه بفاس القديمة ( عدوة الأندلس ) في أواخر العهد المريني"، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، العددان الثاني والثالث، لسنتي 1979-1980م، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، ص: 390 / انظر أيضا: المنصوري عثمان، "حدود إسهام الفتاوي في التاريخ الاقتصادي المغربي"، مرجع سابق، ص: 96  
[30] _السلامي رشيد، "السواقي ومشاكل تصريف المياه بالغرب الإسلامي من خلال كتب الوثائق"، ضمن ندوة الماء المتملك: الدول، القسمة، وحق التصرف في الحظ من الماء، مجموعة البحث في تاريخ المجال والإنسان بتانسيفت، تنسيق حسن حافظي علوي وعبد الجليل الكريفة، جامعة القاضي عياض، كلية الآداب والعلوم الإنسانية مراكش، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، الطبعة الأولى 2002، ص ص: 92-93    
[31] _ حباشي عبد اللطيف، "حول صورة الفلاح في الثقافة العربية الإسلامية – أدب النوازل نموذجا-" مجلة أمل: التاريخ، الثقافة، المجتمع، العدد 9، السنة الثالثة، 1997، مطبعة النجاح الجديدة، ص: 66
[32] _ سنتطرق إلى الامتداد المكاني والزمني لفتاوى ابن رشد في ثنايا هذا المحور
[33] _ أشار أحد الدارسين في إطار حديثه عن ابن الحاج إلى أن هذا الأخير كان دائم الاعتماد على فتاوى ابن رشد، حيث شكلت مرجعيته الخاصة في إصدار الأحكام الفقهية، انظر في هذا الإطار:  بوتشيش إبراهيم القادري، إيضاءات حول تراث الغرب الإسلامي وتاريخه الاقتصادي والاجتماعي، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت، الطبعة الأولى آذار (مارس) 2002، ص: 35  
[34] _ هو أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد بن علي الونشريسي، ولد بجبال ونشريس التي تعد أكثر الكتل الجبلية ارتفاعا في غرب الجزائر حوالي عام 834ه، ونشأ بمدينة تلمسان حيث درس على جماعة من الأعلام في مقدمتهم شيخ المفسرين أبو عبد الله محمد بن العباس(ت871)...أنظر ترجمته في كتاب المعيار المعرب و الجامع المغرب عن فتاوي أهل إفريقية و الأندلس و المغرب، مصدر سابق، الجزء الأول، ص: 5   
[35] _ الأهواني عبد العزيز، "مسائل ابن رشد"، مجلة معهد المخطوطات العربية، المجلد الرابع، الجزء الأول، مايو 1958م- شوال 1377ه، جامعة الدول العربية، ص: 73         
[36] _ ابن رشد، فتاوى ابن رشد، تقديم وتحقيق وجمع وتعليق الدكتور المختار بن الطاهر التليلي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1407ه-1987م، الجزء الأول، ص: 74    
[37] _ أبو مصطفى كمال السيد، " صورة من المجتمع الأندلسي في عصري الطوائف والمرابطين من خلال نوازل ابن رشد القرطبي"، المجلة التاريخية المصرية، المجلد 37/ سنة 1990م، مكتبة الدار العربية للكتاب، ص: 12
[38] _ من مميزات النوازل تأثرها بدرجة كبيرة بطبيعة المجال البدوي أو القروي، وأنها اقترنت به لتساعده على تصريف شؤون الحياة، انظر في هذا الصدد: العبادي الحسن، "خصائص فقه النوازل بسوس"، ضمن ندوة التراث الإسلامي في سوس 15-17 شعبان 1420ه/ 25-27 نونبر 1999م، جامعة ابن زهر منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية- أكادير- سلسلة الندوات، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء، الطبعة الأولى: 1430ه-2009م، ص: 295    
[39] _ المزارعة بمثابة عقد شركة بين صاحب الأرض المعدة للزراعة وبين الشخص الآخر الذي يتكلف بخدمات زراعة هذه الأرض، من حيث نفقات الزرع وكل ما تتطلبه الأرض الزراعية من صيانة، وفي نهاية الموسم الفلاحي يقوم بتقديم نصيب معين من منتوجاتها لصاحب الأرض، وقد يتضمن هذا العقد في بعض الأحيان شكلا آخر بحيث قد يتكلف صاحب الأرض بالزرع والبهائم، بينما يساهم الفلاح بقوة عمله فقط، ليحصل بذلك هذا الفلاح على ربع أو خمس الإنتاج بناءا على بنود الاتفاق. انظر في هذا الشأن: الخياري علال، "المزارعة ( أو المشاركة في الإنتاج الزراعي )"، مجلة دار الحديث  الحسنية، العدد الخامس 1406ه_1985م، ص: 223 / انظر أيضا: فتحة محمد، "جوانب من الحياة الاقتصادية المغربية خلال العصر المريني"، حوليات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، العدد الثاني 1985، جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، ص: 139         
[40] _ ابن رشد أبي الوليد، فتاوى ابن رشد، مصدر سابق، ص ص: 193-1011-1135-1215-1337. / وانظر أيضا: ابن رشد أبي الوليد، مسائل ابن رشد، مصدر سابق، ص ص: 166-167-232-1071-1145-1195. / انظر أيضا: التجكاني محمد الحبيب، تحليل مسائل ابن رشد، مجلة دار الحديث الحسنية، سنوية علمية تعنى بشؤون الفكر الإسلامي، العدد 6، 1408ه-1988م، ص: 172. / وانظر أيضا: البياض عبد الهادي، "تدبير النزاع بين الفلاحين في بوادي المغرب والأندلس خلال العصر الوسيط ( إسهام في دراسة دور القانون والعرف في تسوية المشاكل الاجتماعية زمن السيول والجفاف)"، ضمن ندوة التاريخ والقانون، مرجع سابق، الجزء الثاني، ص: 361         
[41] _ مزين محمد، "التاريخ المغربي ومشكل المصادر نموذج النوازل الفقهية"، مرجع سابق، ص: 118         
[42] _ فتحة محمد، النوازل الفقهية والمجتمع: أبحاث في تاريخ الغرب الإسلامي ( من القرن 6 إلى 9ه/ 12-15م)، جامعة الحسن الثاني- عين الشق، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية الدار البيضاء، سلسلة الأطروحات والرسائل، 1999، ص: 357 / انظر أيضا: فتحة محمد، "نازلة وادي مصمودة بفاس مثالا عن النزاعات حول الماء"، ضمن ندوة الماء في تاريخ المغرب، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية- الدار البيضاء، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 11، مطبعة المعارف الجديدة 1999، ص: 168
[43] _ البياض عبد الهادي، الكوارث الطبيعية وأثرها في سلوك وذهنيات الإنسان في المغرب والأندلس (ق 6-8ه/ 12-14م)، دار الطليعة - بيروت، الطبعة الأولى آب ( أغسطس) 2008، ص: 224 
[44] _ بنحمادة سعيد، الغرب الإسلامي مباحث في العلوم التجريبية، رؤية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2013م، ص:95 
[45] _ مزين محمد، "التاريخ المغربي ومشكل المصادر نموذج النوازل الفقهية"، مرجع سابق، ص: 102
[46] _ ابن رشد، فتاوى ابن رشد، مصدر سابق، الجزء الأول، ص: 71. / انظر أيضا: حجي محمد، نظرات في النوازل الفقهية، مرجع سابق، ص: 59 
[47] _ يزخر كتاب فتاوى ابن رشد بأحكام قضائية وقانونية هامة، حول كل ما يتعلق بالزواج والطلاق والإرث والتحبيس. انظر في هذا الصدد: ابن رشد، فتاوى ابن رشد، مصدر سابق، الجزء الأول، ص: 164-173-176-178-180-188-224-243-294-313-349-355-384
[48] _الهنتاتي نجم الدين، "مياه الأمطار في المدينة في الغرب الإسلامي الوسيط"، ضمن ندوة الماء والتعمير ببلاد المغرب في العهدين القديم والوسيط، الندوة الدولية الثالثة، المنعقدة بالمكتبة الوطنية بتونس أيام: 15-16-17 نوفمبر 2007م، أعدها للنشر الأستاذ محمد حسن، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا، جامعة تونس، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، وحدة البحث " ابن خلدون" المجتمع والعمران بالبلاد التونسية عبر التاريخ، تونس 2009، ص: 123   
[49] _ إن تعدد هذه الأسئلة واختلاف أماكن ورودها، تسمح لنا بالقول أن ابن رشد  شيخ الفتوى بالأندلس والمغرب على مذهب مالك وأصحابه، انظر في هذا الصدد: الخرساني واعظ ناده، "ابن رشد: الفقيه المالكي والفقه المقارن"، مجلة الفقه المقارن، العدد الأول – السنة الأولى- شتاء 1434ه- 2013م، ملف العدد: المنهج المقارن: ماهيته، مجالاته وأهدافه، ص: 71
[50] _ابن رشد، فتاوى ابن رشد، مصدر سابق، الجزء الثالث، ص: 1285     
[51] _  نفس المصدر السابق ونفس الجزء، ص ص: 1285-1286  
[52] _ نفس المصدر السابق، الجزء الثالث ، ص ص:  1287-1288-1295
[53] _  نفس  المصدر السابق، الجزء الثاني ، ص: 1027       
[54] _ هو أبو القاسم بن أحمد بن محمد بن المعتل البلوي القيرواني الشهير بالبرزلي، فقيه بلاد إفريقية ومفتيها ( ت841هـ / 1438م ). انظر: البرزلي، فتاوى البرزلي جامع مسائل الأحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام، مصدر سابق، المجلد الأول، ص: 5
[55] _ نفس المصدر السابق، ص ص: 216- 621- 643                      
[56] _ التجكاني محمد الحبيب، "تحليل مسائل ابن رشد"، مرجع سابق، ص: 178 
[57] _الونشريسي أبو العباس أحمد بن يحيى، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب، مصدر سابق، الجزء الثامن، ص: 403         
[58] _ ابن سلمون الكناني (توفي 741ه)، العقد المنظم للحكام فيما يجري بين أيديهم من العقود والأحكام، عناية وتعليق، أ/ محمد عبد الرحمن الشاغول، دار الآفاق العربية، الطبعة الأولى 2001، ص: 215          
[59] _ من قبيل كتاب: مذاهب الحكام في نوازل الأحكام للقاضي عياض وولده محمد، ثم الإعلام بنوازل الأحكام المعروف بالأحكام الكبرى لأبي الأصبغ عيسى بن سهل بن عبد الله الأسدي (ت 486ه) ونوازل  أحمد بن سعيد  بن بشتغير        ( ت512ه)، دراسة وتحقيق وتعليق الدكتور قطب الريسوني، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1429ه-2008م، ثم كتاب فصول الأحكام وبيان ما مضى عليه العمل عند الفقهاء والحكام للقاضي أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي الأندلسي (ت474ه)، تحقيق وتقديم الدكتور محمد أبو الأجفان، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1422ه-2002م
[60] _ هو أبو القاسم ابن الإمام من أهل إشبيلية. انظر: القاضي عياض، مذاهب الحكام في نوازل الأحكام، مصدر سابق، ص: 77
[61] _ هو محمد بن إسماعيل الرجاني، توفي في سنة 509ه، نفس المصدر السابق، ص: 33
[62] _ من فقهاء سبتة، نفس المصدر السابق، ص: 89
[63] _ هو أبو عمران موسى بن عبد الرحمان بن حماد الصنهاجي، من أشهر قضاة المرابطين (462ه-535ه)، نفس المصدر السابق، ص: 75
[64] _ نفس المصدر السابق، ص ص: 68-99-101-102-106-107-108-113-115-116-117-118-120-251

أعادت الأوضاع المتوترة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، لا سيما في العراق وسوريا، تحريك مسألة الأقليات والطوائف في الأوساط الدينية والسياسية الغربية. وتم التعاطي مع المسألة بشكل غلب عليه طابع الإثارة وافتقر إلى الروية. جرى في غالب الأحيان تصوير العالم العربي بمثابة فضاء طارد ومعاد لمكوناته الدينية غير العربية وغير المسلمة إمعانا في تجريده من رصيده الخلقي. والصورة فيها تلاعب فجّ لا تنصف المتضررين، مع حصول انتهاكات فظيعة بشأنهم في الفترة الأخيرة، ولا تردع الظالمين، بل تسيء إلى العرب أيما إساءة. هذا الكتاب الذي نتناوله بالعرض يأتي ضمن موجة الانشغال بأقليات البلاد العربية لاسيما منها المسيحية. وقد آثرنا عرضه نظرا لخطورة مضامينه، ولما يُعبّر عنه من مواقف تجاه التاريخ المشرقي عامة والواقع السياسي العربي راهنا، ولما يحوزه مؤلفه من موقع داخل حاضرة الفاتيكان. فهو من تأليف الكردينال فرناندو فيلوني، من مواليد 1946 بمندوريا الواقعة جنوب إيطاليا. الرجل يُعتبر من الوجوه البارزة لدبلوماسية حاضرة الفاتيكان، حيث شغل منصب القاصد الرسولي في العديد من المناطق خارج أوروبا، في إيران وهونج كونج والصين والفلبين والبرازيل، فضلا عن تقلّده مهام دبلوماسية في الأردن والعراق. بالإضافة إلى تولّيه مناصب حساسة في حاضرة الفاتيكان، حيث يشغل، منذ العام 2011، منصب مفتش أنجلة الشعوب، وهي أعلى الهيئات المعنية بالتبشير على نطاق عالمي.