تقديم وإشكال
أصبح التدريس بالوضعيات – المشكلات أكثر انتشارا ضمن المنظومات التربوية العالمية، لا سيما وأن هذا النهج قد تم تبيه من طرف بعض المؤسسات الأكاديمية (كلية ماك ماستر للطب بكندا 1969/التكوين المهني...)، واستحسنه العديد من البيداغوجيين في إطار الأجرأة التدبيرية لمدخل المقاربة بالكفايات (البيداغوجيا النشيطة)، بهدف الارتقاء بتدريسية منهاج المواد الدراسية ومنها مادة الجغرافيا، وانتشالها من الرتابة الطولية والشكلانية الخطية نحو طرح الإشكالات المركبة والبحث عن الحلول الناجعة لها (الوظيفية)، انسجاما مع تكامل الوظيفيتين الأساس لمنهاج المادة (الوظيفتين التربوية والمجتمعية)، وتقاطعهما مع تكوين الناشئة المتعلمة (المواطنة الفاعلة)، مقدما العديد من الإيجابيات والمزايا التعلمية للمتعلمين...ومن هنا أصبح من الضروري وضع المتعلِّم أمام وضعيات – مشاكل، فليس من الجائز تقديم الخلاصات والمعلومات الجاهزة عن القضايا الجغرافيَّة المدروسة للمتعلمين (بيداغوجيا الحلول الجاهزة)، ولكن عليهم البحث عن دلالات المعطيات والقضايا الجغرافية وفهمها، والتدرب على طرح التساؤلات وصياغة الفرضيات وتعزيز التعلُّم الذاتيِّ، وتطوير مهارات التفكير الإبداعي والاستقصاء، ومعالجة المشكلات باقتراح الحلول المناسبة لها، وتبني المواقف والقيم المجالية الإيجابية، والتفاعل المرن معها (بيداغوجيا حل المشكلات)...
إجمالا يمكننا القول إنّ «بيداغوجيا الوضعية المشكلة» انتقال بالأساس من نموذج يتأسّس على تبليغ المعارف إلى نموذج يقوم فيه المتعلّم ببناء معرفته من خلال وضعيات يوظّف فيها إمكاناته وهي تأخذ بعين الاعتبار البعد التّفاعلي بين المعارف والتمثلات القديمة والمواضيع الجديدة داخل الوضعية. والتّفاعل بين الذات ضمن وضعية معيّنة يؤدّي إلى بناء المعارف الجديدة التي تعتبر هي الحلّ للمشكل المقترح، فالذّات النشيطة تبني المعارف وتراكمها، وتقيم العلاقات بين المعارف والمفاهيم وتحلّل وتعيد النّظر، وتدمج وتصحّح وتبدع وتراقب ذاتها واستراتيجياتها المعرفية ومواردها من أجل حلّ المشكلة والإنجاز في الوضعية المحدّدة، وبهذا تتحقّق مجمل الكفايات (المعرفية – المنهجية – التواصلية...)...
والملاحظ أن إعداد وتدبير الوضعية المشكلة يتلائم مجموع المنهاج الدراسي، أو مع مادة معينة، أو مع مجزوءة تعلمية، أو مع درس معين أو حتى مع مقطع تعلمي (دور الأستاذ في صياغة الوضعية المشكلة)...
- ما المقومات الأساس المهيكلة للوضعية المشكلة لمادة الجغرافيا بالتعليم الثانوي؟
- كيفية توظيفها العملي ضمن الممارسة التدريسية، في أفق اكتساب وترسيخ القيم المجالية؟
- ما القيمة المضافة لهذه المقاربة التعلمية بالنسبة لتجويد تدريسية منهاج مادة الجغرافيا؟
المحور الأول : الوضعية المشكلة المكونات والخطوات
من أجل فهم نظري سليم للوضعة المشكلة وكيفية تدبيرها الإجرائي لا بد من التمييز بين معطيين أساسين هما :
- المعطى الأول : يشمل التحديد الذي تناولته بعض الكتابات التربوية العامة لبعض البيداغوجيين أمثال : فليب ميريو(Ph , Meirieu )، جون بيير أسطولفي (J ,P , Astolfi) ، كزافيه روجرس (X,Roegiers) فليب بيرنو (Ph ,Perrnoud) وآخرين... وذلك بهدف تحديد الاطار النظري لهذا المفهوم وابراز بعض معالمه ومكوناته الأساس.
- المعطى الثاني : يتعلق بحضور هذا المقاربة البيداغوجية ضمن مجال التطبيقات الديداكتيكية الخاصة بتدريس مادة الجغرافيا، وهو ما سنجده في أعمال كل من (Tutiaux-Guillon et Autre) وخاصة ضمن أعمال الباحث الديداكتيكي «ألان دولانجفيل» (Alain Dalongeville ) في دراساته حول "بناء الوضعيات – المشكلات في الجغرافيا سنة 2003"، "التعلم عبر الوضعيات – المشكلات سنة 2011 "
- إن البحث في الانتاجات التربوية الحديثة عن هذا التصور البيداغوجي يكتشف تعدد الصيغ والعبارات والتوصيفات التي تمنح وتعطى له، وهو أمر طبيعي بالنظر إلى تعدد المرجعيات التربوية والخلفيات النظرية، وأحيانا حتى التطبيقية منها. وفي هذا الصدد نقف أمام تعدد كبير في التعابير والاصطلاحات المفهومية، حيث نجد مثلا :
بيداغوجية الوضعية – المسألة / طريقة حل المشكلات / الوضعية – المشكلة...
- إذن هناك غموض شديد على مستوى تحديد الاجرأة المنهجية لهذا التصور، فهل يتعلق الأمر :
- بمنهجية بيداغوجية صرفة ؛
- بمقاربة/طريقة وأسلوب في التدريس ؛
- ببيداغوجية واضحة المعالم ؛
- بنشاط ديداكتيكي خالص، أم بمقاربة ديداكتيكية ؛
- طريقة للتنشيط التربوي (دينامية الجماعات)، أم باستراتيجية للتعلم تخص المتعلم وحده ؛
- أسلوب للتفكير وتطوير وبناء التعلمات المدرسية...
- من المهم كذلك الإشارة إلى أن هذه البيداغوجية/المقاربة الديداكتيكية هي في الأصل ذات مرجعيات سيكولوجية، وتحديدا سيكولوجية التعلم، تتأسس على مكتسبات ومستجدات السيكولوجية وتمتح من النتائج والخلاصات التي تنتهي إليها الأبحاث الخاصة بعلم النفس المعرفي (la psychologie cognitive) علما أن الدراسات السيكولوجية في التعليم والتعلم هي أبحاث مخبرية بمعنى خضعت لشروط وظروف التجريب المخبري (J .Piajet).
- من هذا المنطلق، سنجد أن الاستعمالات الأولى كانت مع الاتجاهات السيكولوجية المعرفية، وخاصة مع أبحاث المدرسة السوسيو – بنائية التي وضعت قطيعة ابيستمولوجية مع الاتجاهات السلوكية القائمة على مبدأ التجزيئ للأنشطة التعلمية. فالنموذج السوسيو- بنائي (le modèle constructiviste) يقوم على تصور جديد للتعلم (l’apprentissage) فهو بناء ذاتي مشترك تقوم به الذات المتعلمة في علاقة تفاعلية جدلية مع الآخرين داخل المحيط المدرسي...
أولا: الوضعية – المشكلة في الأدبيات البيداغوجية العامة نموذج : فليب ميريو،ج ب أسطولفي، فليب بيرينو، كرافيي روجز...
يتفق هؤلاء الباحثون على أن الوضعية – المشكلة ذات خصائص متميزة هي :
- وضعية حقيقية للتعلم وضعية واضحة ومفهومة وجديدة ؛
- أداة للتعلم وليس محصلة له ؛
- استراتيجية تعليمية تمكن المتعلم من الانخراط في النشاط التعلمي، كل حسب استراتيجيته التعلمية ؛
- أداة تساعد في بناء المعارف والمفاهيم، واكتساب القيم والمواقف (درجة في النمو المعرفي)...
- الوضعية – المشكلة هي مهمة تتضمن مشكلا (une tache): وهي مهمة تتميز بالموصفات التالية : مهمة عامة وشاملة (une tache globale)/ مهمة مركبة (une tache complexe)/ مهمة ذات معنى/دالة (une tache signifiante)
ثانيا : مكوّنات الوضعية – المشكلة/ حسب دوكتيل Deketele
1- الوسائل المادية /الدعامات : وتشمل
- السّند/الحامل وتتضمّن العناصر المادّية الّتي تقدّم للتّلميذ (مبيانات، خرائط جغرافية، نصوص...)...
- السّياق أي المجال الّذي تمارس فيه الكفاية. فقد يكون السّياق تعلميا بنائيا، تقويميا...
- المعلومات : الّتي سيستثمرها المتعلّم أثناء الإنجاز ، وتتمثل أهميتها في تنمية القدرة على الاختيار...
- الوظيفة : وتتمثل في تحديد الهدف من حل الوضعية، مما يحفز التلميذ على الإنجاز.
2- المهمّــــــــــــــــــة /النشاط المطلوب :
يقصد بها المطلوب من المتعلّم إنجازه ويستحسن أن تتضمّن المهمّة أسئلة واضحة ودقيقة تتيح للتّلميذ حل المشكل بمرونة كبيرة، بجانب المدة الزمنية، وطبيعة المنتوج المنتظر (منتوج كتابي في حدود 10 أسطر...)، ويعتبر مفهوم المهمّة مفهوما مركزيّا في التّعلّم بالوضعيات المشكلات.
3-التّعليمـــــــــــات /الارشادات :
مجموع التّوجيهات الّتي تقدّم بشكل صريح ودقيق للمتعلّم، قصد مساعدته على أداء مهمّته. مثلا: استعمال الدعامات (الخرائط/الاحصاءات...) وغالبا ما تحدّد التّعليمات معايير الإتقان في الكفاية.
ثالثا : أدوار الفاعلين ضمن الوضعية المشكلة حسب "فيليب بيرينو"
أدوار المتعلم | أدوار المدرس : التخطيط/التدبير/التقويم |
تعزيز عملية التعلم الذاتي، البحث عن الحلول للمشاكل المركبة، تنمية مهارات التفكير التحليلي والتركيبي، والنقد تنمية روح المبادرة وتحمل المسؤولية... تنمية الكفايات الضرورية، والذكاءات المتعددة، خلق الثقة بالذات... تطوير المتعلم لمعارفه ومهاراته وتنميتها، والوعي بتطور تمثلاته... المشاركة في المناقشة والتعاون مع زملائه لإبراز تمثل القسم أو أكثر من ذلك حول الموضوع. تحديد المشاكل واقتراح الفرضيات والبرهنة عليها. تقييم الصعوبات واقتراح الآليات والحلول لتجاوزها. الشعور بالحافزية للبحث والتقصي قصد التوصل لحل المشكلة. الإحساس بتجاوز حالات التوتر وعدم التوازن المعرفي والمفاهيمي، نحو الوضعية الجديدة المتميزة ببناء العدة المعرفية ولمفاهيمية واكتساب الكفايات والقدرات... |
قدرة المدرس على التشجيع/التحفيز/المساعدة/التنظيم/التنشيط وتوجيه البحث... التخطيط الدقيق للتعليمات والأنشطة، اقتراح أدوات العمل وتحديد المؤشرات المنهجية، وحسن تدبير كل مرحلة تعلمية... جعل النشاط التعلمي هدفا محوريا من خلال المهمة المنتظر أن ينجزها المتعلم، في أفق تحقيق الهدف الحقيقي للوضعية /المشكلة (إزاحة العائق)... تقبل الأخطاء كموارد أساسية في التنظيم والتقدم، شريطة أن تحلل وتفهم... توجيه التلاميذ حتى يتملكوا الوضعية المتـشكلة/العمل باستمرار على إبراز العائق/المشكل... استثمار عملية التغذية الراجعة، من خلال الإجابة عن أسئلة بأسئلة أخرى. خلق سياق تواصلي وتفاعلي خاص يرتبط بالعمل بالمجموعات، تشجيع العمل التعاوني والجماعي وتنمية الكفايات التواصلية، احترام تعددية الآراء، الإصغاء إلى أجوبة المتعلمين، تقييم التعاون بينهم، التأكد من تتبع الجميع وتقديمهم في العمل. (الدور التوجيهي للأستاذ) التصديق على المنتوج النهائي في اللحظة المناسبة، والمطالبة بشرحه وتبريره... |
رابعا - الوضعية المشكلة عند المتخصصين في تدريس الجغرافيا نموذج «ألان دولونجفيل»
يعتبر دولانجفيل أن الوضعية المشكلة :
- هي وضعية تعلمية مركبة/مهمة/إجراء/صيرورة...
- هي طريقة للتفكير وبناء المعرفة في أفق خلق قطيعة سوسيو معرفية مع التمثلات السابقة للمتعلمين...
- تمكن المتعلمين من الوعي بتطور تمثلاتهم ومعارفهم ومفاهيمهم، حيث تطرح مشكلا أمام المتعلمين تساهم في خلخلة تمثلاتهم السابقة في أفق تجاوزها، من خلال العمل على تحيين/تدقيق تمثلاتهم وبناء المعارف والمفاهيم الجديدة، تصبح هذه التمثلات الجديدة بدورها عوائق يتم تجاوزها مستقبلا...
- الوضعية المشكلة تتطلب العمل في إطار المجموعات : حيث تطرح مشكلا أمام التمثلات الاجتماعية لعموم المجموعة الفصلية (حدوث العديد من الصراعات السوسيو معرفية كإطار للتعلم...)...
- بالنسبة للمدرس : أجرأة الوضعية المشكلة يساهم في اكتساب الكفايات، وتنظيم الأهداف التعلمية، وبناء المعارف والمفاهيم... وتجاوز المتعلمين وضعية تخزين المعارف المكتسبة إلى تطوير المعارف النقدية والتي تمكنهم من الاندماج في العالم كعناصر للتغيير وكمواطنين...
- كل وضعية مشكلة تتمحور حول مفهوم جغرافي أساسي (التنمية البشرية/العولمة/التمدين/الانتقال الديمغرافي...)، حيث تمكن من إعطاء معنى للأنشطة التعلمية، وهي حاملة لدينامية قوية للتعلم، من خلال الاستفزاز المعرفي للمتعلمين، عبر إحداث الصراع السوسيو معرفي لديهم وخلخلة المعارف والتمثلات السابقة وإعادة بناء المعارف والمواقف... ودفعهم لمعالجة مواضيع معينة، والتفكير في جوهر عملية بناء المفاهيم (التمدين/ التنمية البشرية/ العولمة...)...
- تمثل الوضعية – المشكلة طريقة لإبراز تطور منظومة الكفايات لدى المتعلمين، ولطريقة تفكيرهم، ولكيفية اشتغالهم الفردية والجماعية...(طرح الإشكالية/صياغة الفرضيات/نوعية الحلول...)، كما أنها تمثل مقاربة تفكيرية دينامية ونشيطة، وضعية للتعلم والفهم، وبناء المعارف والقدرات والمواقف، وتحقيق الأهداف... انسجاما مع مقولة أرسطو : "المعرفة الجيدة هي المعرفة التي تم بناؤها من طرف الذات".
فمنذ صدور أول كتاب له سنة 2003، حول الوضعية المشكلة، والذي عرف نجاحا خارج فرنسا (المكسيك وكيبيك وإيطاليا...)، حيث تركز المناهج في هذين البلدين على اكتساب المفاهيم (العولمة/التنمية البشرية/الانتقال الديمغرافي...)... عمل "ألان دولانجفيل" على إحداث موقع رقمي يتضمن العديد من الوضعيات المشكلات بهدف تقاسم المنتوج البيداغوجي مع المدرسين الذين لهم نفس النظرة التربوية، من خلال المراهنة على تنويع المقاربات التربوية لتدريس الجغرافيا أو التاريخ...
يقول دولانجفيل : «توفر الوضعية المشكلة إطارا لنجاح كل المتعلمين، فالتلاميذ يتعلمون لأنهم يفهمون رهانات العمل...»
خامسا : بنية الوضعية المشكلة حسب "دولانجفيل"
سادسا : خطوات الوضعية المشكلة حسب دولونجفيل
مرحلة التقديم/التحفيز :
1- تحديد المشكل/الهدف التعلمي/الهدف العائق...
2- الانطلاق من تمثلات المتعلمين
3 – طرح الإشكالية وصياغة الفرضيات...
4 – تحديد التعليمات حول النشاط المطلوب ( المدة الزمنية/تدقيق المهام...)
مرحلة البحث /التنفيذ
1– التحليل الوثائقي لحل المشكل، وتمحيص الفرضيات من خلال التعليمات المؤثثة حول النشاط المطلوب (الوثائق /تدقيق المهام...)
2 – تنظيم الأفكار ، وتركيبها (التركيز على المفاهيم : العولمة/التنمية البشرية...)...
3 – تبني المواقف النقدية الإيجابية...
مرحلة التقويم/التحويل/التعميق :
1-التقييم الذاتي والجماعي للنتائج المتوصل إليها..
2-تصحيح الثغرات ومعالجة نقط الضعف...
سابعا : تعريف الوضعية المشكلة حسب دولانجفيل
الوضعية المشكلة : هي وسيلة للتعلم تقترح على المتعلم مهمة لإنجازها، هذه المهمة تمثل مشكلا. فالوضعية المشكلة تمكّن المتعلم من استخدام كفاياته المتوفرة/المتاحة لفهم ما يجب إيجاده وإدراكه، وهي وسيلة للتعلم، حيث نجعل المتعلم يتعلم بمساعدة من الكبار، وحل مشكلة ما يعني أن المتعلم قد تعلم شيئاً ما، فقد غير من مهاراته وكفاياته وتمثلاته ومفاهيمه.
تتميز الموارد اللازمة لإنجاز هذه المهمة بتنوعها : ما بين الموارد الذاتية/ الشخصية الخاصة بالمتعلم، الموارد التي يشكلها أقرانه، الموارد التي يقدمها المدرس (الدعامات الوثائقية، المؤشرات، مسارات البحث...)..."
ثامنا : نحو تعريف تركيبي للوضعية المشكلة...
الوضعية المشكلة : وضعية تعلمية تفاعلية/تركيبية تتميز بوضع التّلميذ أمام مشكل مركب يتطلّب حلاّ، وما المشكل إلاّ وسيلة للتّعلّم. فهي تعتبر إطارا واقعيا، يواجه ضمنه المتعلّم مشكلا يستثمر من أجل مواجهته معارفه ومفاهيمه ومهاراته وقدراته (التعلم الذاتي).
إنّها وضعية واقعية وملموسة، يحاول التّلميذ تحدّيها بقدراته ومهاراته. وبهذا يمكن القول إنّ التّعلّم مهمّة تشكّل تحدّيا معرفيّا للمتعلّم وتعدّ معالجتها دلالة على كفاءته وأهليته التّعليمية.
إنها وضعية تتميّز بالدّينامية والشمولية من خلال وضع التّلميذ في قلب المشكل وأمام حواجز بغاية تجاوزها، انطلاقا من إثارة التّساؤلات ووصولا إلى خلخلة التّمثّلات مرورا بصياغة الفرضيات التفسيرية. (وعي المتعلم بتطور تمثلاته ومعارفه ومفاهيمه...)
تاسعا : أنواع الوضعيات المشكلات ووظائفها
--أنواع الوضعيات – المشكلات :
الوضعيات الدداكتيكية : هي الوضعيات التي عدها الدرس لفائدة المجموعة الفصلية، في سياق بناء تعلم جديد (المعارف، المهارات، المفاهيم...) وتشمل : الوضعيات الاستكشافية، الوضعيات البنائية، الوضعيات التقويمية...
الوضعيات المفتوحة : وتشمل
- المشكلات التلقائية : تطرح من طرف المتعلم، وليدة إحساس وتجارب وحاجيات المتعلم، لها علاقة بظروفه الخاصة وواقعه...
- المشكلات المحدثة : يقوم المدرس باستدراج المتعلم ومساعدته على وضع المشكلة انطلاقا من ذاته/ايجاد الظروف المساعدة على ذلك...
--وظائف الوضعية المشكلة :
وظيفة تحفيزية : تسعى إلى إثارة المشكل الذي يولّد الرغبة في المعرفة ؛
وظيفة ديداكتيكية : إتاحة الفرصة أمام المتعلم لإعادة بناء المعارف والمفاهيم، واكتساب القيم والاتجاهات ؛
وظيفة تطورية : تتيح للمتعلم أن يُبلور تدريجيا أساليبه الفعّالة لحل المشكل ويطور مختلف مهاراته وقدراته وكفاياته...
وظيفة تقويمية : تقويم كفايات المتعلم على توظيف التعلمات في سياقات مختلفة، ووفق معايير محددة. ويعتبر النجاح في حل هذه الوضعية-المشكلة دليلا على اكتساب الكفايات (المعرفية/المهارية/المنهجية
على سبيل الاستخلاص :
يبدو أن بيداغوجية الوضعية المشكلة كتصور بيداغوجي جديد يغري كثيرا من المهتمين بديداكتيك الجغرافيا، وذلك نظرا للأفاق الواعدة التي تعد بها هذه "المقاربة الديداكتيكية" على مستوى تطوير الممارسة التعلمية في درس الجغرافيا. لكن يبقى تطبيقها وأجرأتها/تدبيرها الديداكتيكي مسألة محفوفة بكثير من المخاوف والمخاطر، وتطرح أسئلة عديدة من قبيل :
- كيف يمكن بناء وضعية مشكلة في درس الجغرافيا؟
- كيف يمكن التخطيط لها ديداكتيكيا؟
- كيف يمكن ادماجها ضمن المنهاج الدراسي، ثم كيف تقويم منتجات المتعلمين؟
(ملحوظة : سيتم تثبيت اللائحة البيبليوغرافية عند الانتهاء عند آخر حلقة ضمن هذا المقال)