anfasse180991 ـ حين تصبح الحكاية بابا للدخول..   
تُفتح للأمكنة الأبواب.. يلجها شاهرا قلما/مفتاحا لفك مغاليق الأبواب.. باب يُسلمه لباب.. باب البيان.. باب الكلام.. إلى آخر الأبواب.. باب الغيوم.. وبه توصد الأبواب وتنغلق الحكاية لتعود إلى مهدها.. إلى سرها.. "جدتي كم أحبك"(ص188).. لتترك القارئ ـ عاشق الحكي ـ مغسولا بالطلل، من عتبة الدخول إلى موعد الخروج كاشفا سر السفر والروائح والأمكنة..
الأبواب تُفتح على الأسرار.. لا تنفتح إلا لتبسط ما بداخلها.. يقال في المثل.. "سر الدار على باب الدار ".. وسر الحكاية عند باب الحكاية.. أقصد عند مفتتحها.. 
2 ـ حين يصبح المكان أمكنة متعددة..
"رائحة المكان" هو في الحقيقة روائح وأمكنة متعددة، فضاءات كوشم انطبع عميقا في ذاتٍ خبرت أسرار السفر، فأصبحت تجوالا إلى ما قبل وما بعد وما سيأتي من حكي تُطرِّزه حكّاءة ماهرة تجيد فن الوشم على ذاكرة متعطشة تنفتح على العالمببطء يسمح لها بالتعلم واحتضان الفضاءات والأمكنة بروائحها وأسرارها آمالها وآلامها وحفرياتها ورجالها ونسائها.. كما تُجيد فن ترصيص الحرف على الحرف بطيئا وئيدا، ليكون للحفر عمقا لا يُشوه معالمه الأيام وذكرى كلما هبَّ على الأمكنة نسيم يعيد الحكاية إلى الواجهة وتظهر الجدة بهيبتها وجلستها الوازنة تعطي الحكي ألقه وقوته..

birdman-poster-US-film(إنــَّه اليوم الأوَّل بعد ماضيك!)
تبدو هذه الجملة هي الأنسب لمشهد النهاية في فيلم (birdman)، فيلم الأوسكار الأوَّل في حفل هذا العام، هذه اللحظة التي يستيقظ فيها البطل على واقع جديد، على لحظة مختلفة عن جملة لحظات حياته السابقة، لحظة النجاة من الماضي!
قد تبدو مسألة النجاة من الماضي هذه مرتبطة بالسوءات، والخسارات، لكنَّ الفيلم يمنحنا نظرة فاحصة على وجه من وجوه الحياة: إنَّ مسألة الفشل مسألة واهنة، إنَّ مصيرها مقرَّر: هناك – دومًا – خطَّة تالية مقبولة بالحدِّ الأدنى من النجاح، الحدِّ الأدنى هذا يجعل الفشل امتيازًا غير منظور حين نقارنه بمسألة النجاح العظيم، ثمَّ النجاح الأقلِّ، أو عدم النجاح، هل تعرفون كيف يبدو الأمر حين ينجح الابن الفاشل للعائلة؟ كم يبدو مريحًا ارتفاعه سلُّمة واحدة؟ بينما يبدو فظيعًا أن يهبط الابن الناجح هبوطًا طفيفًا؟ الفاشل لا يحمل تركة مقايسة، إنـَّه حامل الصفر، والصفر سهل الإزاحة، ليس الأمر كذلك بالنسبة إلى رصيد مذهل من النجاح: إرث ثقيل تصعب إزالته، وهكذا يدور بطل الفيلم (ريغان) – يؤدي دوره الممثل الأمريكي مايكل كيتون – مثقلاً بعبء نجاحه، أسيرًا لنجاح مثالي تجسَّد في شخصيَّة بطلٍ خارقٍ قدَّمها في سلسلة أفلام حقَّقت شهرة ساحقة، لكنه نجَّاح ملغـَّم بفكرة عبء التجاوز,

anfasse04098هلع الكتابة:
  منذ بدأتُ الكتابة مازلت أتهيّب الكتابة، ففي كل مرة أقرر أن أكتب أحاول الهروب، وغالباً ألتمس الأعذار بانشغالي، وندرة ما يتوافر لدي من وقت فائض اُخصصه للكتابة، وربما هربت إلى حيل نفسية، تنقذني من مأزق "هلع الكتابة". كنت أحسب أني مصاب بشلل في الإرادة، وأني أنفرد بذلك، غير أني اكتشفت أن معظم الكتاب الجادين يعانون من ذلك، ولعل من أعنف توصيفات وجع الكتابة ما تحدثتْ عنه الأديبة آني إيرنو، بأن "الكتابة كخنجر"[1]، أو قول إرنست همنغواي عندما سُئل عن أفضل تدريب فكري لمن يريد أن يصبح كاتباً، فأجاب: "إن عليه أن يذهب ويشنق نفسه، لأنه سيجد أن الكتابة صعبة إلى درجة الاستحالة. ثم ينزل عن المشنقة، ويفرض هو على نفسه أن يكتب على أفضل ما يستطيع للبقية الباقية من عمره. عندها ستكون لديه قصة شنقه كبداية"[2].

anfasse04093"طفلي الذي لن يعود" ترنيمة لغوية عابثة تؤجج سؤال المصير عبر ثنائية الخفاء والتجلي  تشكيلة فنية تسامرالوجع عبر افق التلميح ،   فالقارئ يقف مشدوها امام سلسلة من الاحداث التي تتوارى خلف رمزية رصينة واحالات مرنة ترصع ثنايا القصة ، فهي ترسم عالما  يقترب بملامحه الغير مالوفة الى بوح ذهني مستتر خلف اقنعة الرمز . انشطار الذات الكاتبة بين البوح والفلاش باك دعم موقفها الفني وساهم في سبك جدار المعنى فنجد الدلالات تتضافر لتشكل عالم النص القائم على الوصف المتحرك للمكان حيث تحول هذا الاخير الى موتيف فني ساهم في بلورة الاحداث من خلال لعبة المكاشفة ،فقد تأنسن المكان واصبح دالا في حد ذاته يحمل الكثير من التصورات وفي ارجاءه يحمل صيغة الماضي الذي لم ينته صيغة الماضي المفتوح على الزمن الحاضر .
والمكان في هذه القصة جاء مجردا  من ملامحه فلا شي يدل عليه ولاشي يوضحه ،فقط هو تصوير مكثف لاحداث لها علاقة بالغرفة ،هذه الغرفة التي تأزمت بها الكاتبة فأطلقت العنان لذكرياتها ،ارتجاج شعوري نلمحه بكل وضوح ساهم في في رسم الصورة الحاضرة الغائبة  لمعاناة كاتب حكم على ابداعه –على طفله – بالاعدام .

anfasse26084تقديم:
عندما يَتَلَوَّنُ الشِّعر بلون الواقع وقضاياه، فإن الشاعر ينخرط بكل حواسِّه ونبضاته في ذاك الواقع لينقله لنا ويجُسَّ نبضه بكل تفاصيله ووقائعه بكل صدقٍ.ولمَّا كان الشِّعر تعبيرا عن الوجدان والعاطفة أيضاً،فإن المبدع بصفة عامة والشاعر على وجه الخصوص يُمْسك يراعه بكل صدقٍ لينقل لنا تموجات هذا العالم وهذا الواقع بكل تلاوينه وتجلياته، بكل شموعه المُضيئة، وبكل سوداويته وقتامته.
إن جدائل الشَّمس1، ديوان شعر للشاعر المغربي "عبد القادر زرويل"2 المنحدر من مدينة جرادة المغربية في الشرق المغربي، الذي استفزه الواقع بكل ألوانه وأطيافه، فكان الشعر أداته للتعبير والانخراط في هذا الواقع.
يَفْتَتِحُ الشاعر ديوانه الشعري بالتَّساؤل عن ضوءِ القمر الذي غَيَّبَهُ المُتَلاعِبُون بالكلمات، والذين ما فتئوا يطبِّلون ويُزَغْرِدُون ويَعِدُون الكادِحين بالصَّبر،هم – بطبيعة الحال- يبيعُونَهم الوهم والسَّراب.

anfasse21086تتوزع أحداث رواية الكاتبة الإيطالية فرانشيسكا بِللينو "على قرن وحيد القرن"، الصادرة عن دار نشر "لازينو دورو" بروما 2015، بين القيروان وروما. حيث تستعيد الكاتبة وقائع الثورة التونسية وأبعادها العميقة عبر نسيج حكائي مثقل بعبق التاريخ وتوهج الحاضر المنبعث من ربوع القيروان. كما يتخلل الرواية غوص في غور الشخصية التونسية لتقصّي الحوافز الحقيقية التي قادت إلى تلك الهبة العاتية التي لفتت أنظار العالم.
تنطلق الرواية بحديث عن حيثيات العلاقة التي ربطت مريم التونسية المهاجرة بماريا الإيطالية، صداقة عميقة تمتنت عراها منذ أن تقاسمتا "الماء والملح" كما تقول الكاتبة، ومنذ أن آواهما سقف واحد في أحياء روما الشعبية، واكتشفت كل منهما عالم الأخرى. فمريم تختزل أحلام كثيرين ممن هاجروا إلى الغرب بحثا عن غد أفضل، واصطدموا بواقع أخرس، تتقاذفهم فيه رياح الحياة يمنة ويسرة. ولكن مريم التي هجرت وكْرها في القيروان، بقيَ حيّا نابضا في داخلها يلازمها كظلها، لذلك تبدو أحيانا في روما ولكن الروح في ربوع القيروان. رحلت مريم من تونس صوب روما يدفعها حبّ جارف، بعد أن بلغت القلوب الحناجر في بلد انسدّت فيه الآفاق بفعل استشراء الفساد الاجتماعي. فتنغمس في أوروبا بحثا عن خلاص لا يأتي، تصطدم بواقع فجّ، رغم توهمها أنها حققت خلاصها عبر الجنس والشغل والتنورة القصيرة، فتقفل راجعة إلى أرض القيروان حيث يتوفاها الأجل. ما كانت لمريم الأدوات الكافية لفهم الغرب سوى ذكائها الفطري، أدركت إدراك اليقين أن السراب الذي تعلقت به حين هاجرت لم تجده شيئا، "كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه"، ذلك هو الغرب الذي ينشد الغافلون الخلاص فيه، قد بات مشغولا بهمومه، ولا يعنيه كثيرا شأن الآخرين.

anfasse21083تمهيد
تمثّل مسألة وحدات الخطاب و العلاقات بينها من أبرز المسائل الخلافيّة التي لا تخلو منها دراسة أو بحث ما في مجال لسانيات الخطاب أو النصّ . و إذا ما تجاوزنا قضيّة المُكوّن الخطابي أو النصّي و ما أثارته هي الأخرى من ســـــــجال و تقاطعات بين من يرى الجملة وحدةً أساسيّة مكوّنة للخطاب/النصّ  و من يعدّ النسيج الخطابي / النصّي قائما على الأقوالles énoncés  أو القضاياles propositions     اعتبارا منه أنّنا نتخاطب في الواقع  بالأقوال[1] لا بالجمل ، فإنّ طبيعة العلاقات التي تربط وحدات الخطاب لا تقلّ أهمّية عن مُكوّناته أحيانا . ولكم يبدو عسيرا حصر هذه العلاقات و بيان سماتها و خصائصها خاصّة و أنّ نسقيّة الخطاب تتجاوز ما هو لغوي نصّي لتتّسع إلى سياقات أخرى ثقافية و اجتماعـــــية و سياسيّة . وهي ميزة الخطاب ربّما في كونه نسقا تفاعليا مفتوحا وعلينا في كلّ مرّة إعادة رسم ملامحه و حصر سديمه .
كما لا بدّ من التذكير في مقدّمة هذا العرض بخياريْن :

anfasse21082وأعيدُ ترتيبَ الجدار
وأشكّلُ المعنى ..   " ذنوب "
لا أعلم ما الذي استهواني لقراءة ( هوامش كحل ) هواية أم غواية ؟ أهو الفضول في تتبع مَن يملك اعادة ( ترتيب الجدار ) و اشكال المعنى .. ؟ من يتحكم بانزياحات النفس في مكامنها ليقودنا ضمن ايدلوجيته الشعرية للولوج في ( صومعته ) لنقف في فضاءات تتسع كلما ضاقت المفردات والتراكيب ، الصومعة التي افرزت انبعاثات لغوية ومشاطرات شاعر يمتلك كل الادوات التي يستطيع من خلالها التحرك ضمن خطوط متعرجة ، اذن / هو شاعر لا يعرف الهدوء ، شاعر يتحرك في مضامين شعرية ضاجّة ، انه الشاعر الدكتور ( حامد الراوي ) الذي لا ولن تستطيع سبر اغواره إلا بالاقتراب من كتاباته الشعرية ، لتجد انساناً تتكامل لديه كل المفهومات والرؤى الشعرية ليس تحايلاً بل الملكة والموهبة التي انسابت من بين انامله لتغص بهذا الكم الهائل من المفارقات الذهنية والتناقضات التي ترسم خطوطا ً متناهية الصياغة الفنية وكأنني في ورشة رسم صغيرة في مساحتها .. كبيرة في نتاجاتها ، تضخّ كل ما يجذبنا ، الى عالم مملوء بالصخب والجنون :

مفضلات الشهر من القصص القصيرة