ـ مقدمة
إن الإبداع الأدبي بصوره التَّعَاقُدِية ليس تَرِكَة لمبدعه، بل هو من مُمْتلكات التاريخ الأدبي بنصوصه وأعلامه، فالأديب ليس مبدعا بالمعنى الصناعي لأن الإبداع، بما هو إنشاء أدبي على غير مثال أدبي سابق، لا يتحقق إلا بالقوة، في حين أن وجوده بالفعل يبقى مرجأ إلى سجلات المستقبل، وبهذا لا تكون الإبداعية خصيصة الأدب لأن منتجه يُوَّلد منتوجه الأدبي بآليتين، تتجلى إحداهما في الامتصاص بما هو استبطان النص – الحاضر للنص – الغائب باعتباره المستودع الذي يحتضن الأفكار والأساليب التي تخترق أجواز المجالين الزماني والمكاني، وتتمثل الأخرى في التحويل بما هو تنضيد لهذا الإرث الأدبي وترصيص لجواهره في ديباجة جديدة، وبهذا تكون التوليدية خصيصة الأدب، فالإبداع في المجال الأدبي لا يعدو أن يكون، في رأي بارت، وَهْما لأن الفعل الأدبي فعل توليدي يتداخل في إنجازه فاعلان؛ أحدهما متوارِ وهو الذاكرة القرائية بعامة والإرث الأدبي بمعانيه وأساليبه بخاصة، والآخر بارز وهو الأديب الذي يُؤلِّف بين ألوان هذا الإرث لتَتَمَشْهد في صورة جديدة، ويُنشط ذاكرته القرائية التي تتداعى تراكماتها الكمية والكيفية في مسطوره الأدبي لتتمظهر في مولود إبداعي متعدد الأنساب والجذور الأدبية.
عَلمَنَة الإبداع ـ عمر طاهيري
بدأ الحديث أول ما بدأ عن العَلمانية في السياق السياسي، فصيغت أقوال وعبارات صارت متداولة بين الناس من بينها قولهم "ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، ومنها تعريفهم الأولي للعلمانية بمعناها الجزئي حين قالوا "العلمانية هي فصل الدين عن الدولة"؛ بهدف إبعاد الدين عن أنظمة الحكم، فكانت بذلك علمانية جزئية، ثم اتسعت الدائرة إلى العلمانية الشاملة، ليشمل مجال العلمنة دوائر أوسع مثل السوق والإعلام، وحياة الإنسان الخاصة والعامة، أي أنه وقع انتقال من الإنساني إلى الطبيعي/ المادي، ومن التمركز حول الإنسان إلى التمركز حول الطبيعة، والانتقال من تأليه الإنسان وخضوع الطبيعة إلى تأليه الطبيعة وإذعان الإنسان لها ولقوانينها ولحتمياتها، فشكلت بذلك العلمانية سقوطا في الفلسفة المادية، كما يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري .
"بلاغة الحرية" أو كيف تتحرك البلاغة في معترك السياسة؟ ـ محمد المساوي
يأتي كتاب بلاغة الحرية للأستاذ عماد عبد اللطيف في سياق مشروعه العلمي الذي يهتم بتحليل الخطاب عموماً، وتحليل الخطاب السياسي خصوصاً، وقد صدر الكتاب سنة 2012 عن دار التنوير، ونال عنه الباحث جائزة أفضل كتاب عربي في العلوم الاجتماعية في معرض القاهرة الدولي للكتاب، الدورة الرابعة والأربعين، سنة 2012.
تتوزع محتويات الكتاب على ثلاثة أقسام، بالإضافة إلى مقدمة حاول من خلالها الباحث تقريب القارئ إلى محتوى الكتاب وأهمية تحليل الخطاب السياسي، ثم خاتمة يمكن اعتبارها لوحدها تشكل قسما موازيا للمقدمة والأقسام الثلاثة، حيث طرح الباحث فيها أسئلة عميقة وخطيرة، هي في تقديرينا تشكّل عُصْب الاشكالات التي تعترض سبيل التحليل البلاغي للخطاب.
الكاتب في حضرة السلطان ـ د.مصطفى الغرافي
يكشف التأمل الدقيق في نظامنا الثقافي عن ارتباط يكاد يكون مصيريا بين الكاتب والسلطان. ذلك أن "التوسل بالكتابة للدخول في دائرة الدولة كان غاية تستقطب المطامح"[1]. وننطلق في هذا المقال من فرض منهجي أساس مؤداه أن السلطة السياسية كانت تنجح دائما في تعبئة المثقفين وتسخيرهم من أجل خدمة مصالحها والترويج لمخططاتها. وقد رأينا أن نختبر هذا الفرض من خلال العمل على تتبع واستقصاء موقف كاتبين مرموقين من السلطة القائمة هما الجاحظ المعتزلي وابن قتيبة السني.
الجاحظ: الكتابة في خدمة السلطان
يبدو أن شهرة الجاحظ، "خطيب المعتزلة"[2]، قد بدأت عند أصحاب السلطان بكتاباته التي تناولت قضية سياسية على جانب كبير من الأهمية. يتعلق الأمر بـ "الإمامة" أو شرعية نظام الحكم بتعبير معاصر. وقد كان الجاحظ يبعث بهذه الكتابات التي يصوغها وفق المذهب الرسمي للدولة إلى "أولي الأمر" باعترافه. يقول: "قرأ المأمون كتبي في الإمامة فوجدها على ما أمر به. وصرت إليه، وقد كان أمر اليزيدي بالنظر فيها ليخبره عنها، قال لي: كان بعض من نرتضي عقله ونصدق خبره خبرنا عن هذه الكتب بإحكام الصنعة وكثرة الفائدة فقلت: قد تربي الصفة على العيان، فلما رأيتها رأيت العيان أربى على الصفة، فلما فليتها أربى الفلي على العيان كما أربى العيان على الصفة، وهذا كتاب لا يحتاج إلى حضور صاحبه ولا يفتقر إلى المحتجين عنه"[3]. وقد كانت ثمرة هذه الخدمة التي أسداها الجاحظ للسلطة أن قدمه أحد المعتزلة، الذين كان لهم نفوذ في بلاط المأمون، هو ثمامة بن أشرس إلى الخليفة الذي ولاه منصب الكتابة، لكن الجاحظ لم يكن له صبر على أعباء الوظيفة فطلب إعفاءه منها بعد ثلاثة أيام[4].
"الدار الكبيرة" في السرد المغربي المعاصر ـ فاطمة تامر
تتنوع مظاهر الحضور المكاني في السرد المغربي المعاصر، حيث نتنقل ما بين المدن والبوادي ،المنافي والسجون والأضرحة،الشوارع و الاقامات،الشقق والفصول الدراسية، المصانع والمحاكم ،الحقول و المزارع.. بل إننا نسافر مع الشخصيات عبر الحافلات والقطارات لنعايش وإياها التجربة في أحياز داخل أ وخارج الوطن، و قد نقتحم عليها أماكنها الحميمية كما هو الشأن مع "الدار الكبيرة" أو البيت الكبير (بيت العائلة) :
انها عبارة عن فضاء كبير يتسع للعائلة الممتدة ،المشكلة من الأصول والفروع ،بل يسع أحيانا المطلقات والأرامل والمحتاجين من الأقارب ،مما يجعله تنظيما خاضعا لقواعد وأعراف وتراتبية، وقيادة فعلية أو رمزية ،تسند في غالب الأحيان إلى الشخصيات الكاريزمية القادرة على تدبير الاختلاف وإدارة الشؤون غالبا لسنها أو لهيبتها وخبرتها.
وقد تألقت الدار الكبيرة في الكثير من الكتابات السردية مما يحفز على فتح كوة نطل منها على هذا العالم الحافل بالحيوات والأسرار:
من الأعمال السردية التي تطرقت للمجتمع المغربي التقليدي خاصة بفاس (دفننا الماضي لعبد الكريم غلاب 1966+في الطفولة لعبد المجيد بنجلون1957+لعبة النسيان لمحمد برادة1987)وبمراكش رواية"قلاع الصمت" لحليمة زين العابدين2006...)على سبيل المثال .وقد انعكست في هذه الأعمال التفاصيل اليومية للعائلة المغربية في "الدار الكبيرة" بتقاليدها وأعرافها، في حالات السراء والضراء،طبيعة العلاقات بين المنضوين تحت لوائها، والخاضعين لقانونها العام المتوافق عليه، والذي لا يعترف بفردانية الشخص وخصوصيته ،ويغرق فيه الفرد وسط الجماعة حتى لو شعر وسط الزحمة بالوحدة والغربة رغم كثرة الأفراد من أصحاب البيت والخدم والحشم..وإذا كان البعد الاجتماعي التاريخي بارزا هنا فانه أحيانا يغتني بالبعد الترميزي كما في" لعبة النسيان" لمحمد برادة ، وهي رواية استرجاع للأزمنة الضائعة من خلال المكان والفضاءات ..(أ لم يكن مارسيل بروست يبحث عن الزمن الضائع في تفاصيل الأمكنة والأشياء؟) لاحظ الدارسون الحضور الرمزي الكثيف للام –وهي مركز "الدار الكبيرة" وبؤرة الضوء فيها-وتوقفوا عند العلاقة الوثيقة بين" الدار الكبيرة "والأم والتي تصل حد التماهي،يؤكد ذلك ماتشيعه "لالا الغالية "على البيت وسكانه من دفء و بهجة وحيوية.
تسونامي الشعر النسائي المغربي ـ هشام رحمي
لقد استطاعت الشعرية المغربية المعاصرة أن تختط لنفسها منحى جديدا ومغايرا، وان تبلور ملامح خرائط شعرية جديدة، أثبتت جدارتها الفنية و الجمالية، بحيث لا يقل منجزها الشعري شاعرية عن نظيراتها المشرقية، أو ما اصطلح النقاد على تسميته الحساسية الشعرية الراهنة في كل الأقطار العربية، وخاصة بعد التسعينيات من القرن الماضي. وكل ذلك يعزوه الدارسون للمشهد الشعري المغربي إلى حرص الشعراء و الشواعر على الانفتاح على مختلف الجغرافيات الشعرية الإنسانية. ولعل قصيدة النثر إحدى حسنات هذه المثاقفة الشعرية و النقدية، باعتبارها إحدى التحولات الكبرى التي أغنت المشهد الشعري المعاصر في المغرب من جهة و خلخلت أفق
انتظار متلقي النص الشعري من جهة أخرى.
وهكذا يتعلق الأمر إذن بتجربة إبداعية وجمالية أخذت على عاتقها تشييد معالم شعرية مغايرة للمألوف والسائد سواء على مستوى الممارسة الشعرية أو على مستوى التنظير النقدي. شعرية متأبية ومتمنعة، لن تنكشف مقوماتها و سماتها إلا بالإنصات العميق إلى نبض و صوت أو أصوات النصوص، و الإبحار في عوالمها السحرية و أقانيمها المخبوءة، شعرية تنهض في تبنينها و انشغالاتها على مجموعة من المقومات الفنية و الجمالية الحاملة لخطاب أو خطابات شعرية مشروطة بسياقها التاريخي و الثقافي. وإذا كان فعل القراءة يتيح للنص إمكانيات التداول
قراءة عاشقة ل ّنافذة على الداخل" لعراب القصة القصيرة بالمغرب أحمد بوزفور ـ أحمد بنحميد
عن منشورت دار طارق للنشر صدر مؤخرا للكاتب والقاص المغربي أحمد بوزفور مجموعة قصصية بعنوان "نافذة على القلب" وهي العمل السادس بعد الأعمال القصصية التالية : النظر في الوجه العزيز" سنة 1983، و "الغابر الظاهر" لسنة 1987، و"صياد النعام" سنة َ1993 و"ققنس" سنة 2007 و"ديوان السندباد" سنة 2010 و "قالت نملة" سنة 2010.
وتضم المجموعة القصصية إثنى عشر قصة قصيرة في خمسة وسبعين صفحة من الحجم المتوسط، وتشمل العناوين التالية: المكتبة، شخصيات خاصة جدا، التعب، الوحشة، الحزن، البكاء، الحب، الفرح، الصمت، الظل، الشك، الكهف.
نافذة على الداخل، عتبة انطلاق نحو الذات ممتطية شراع الذاكرة، الذاكرة الفردية والجمعية، ذاكرة بأحلامها، بآمالها، بخساراتها، ذاكرة تتمسح بفعل القص الضارب في تربة الثقافة العربية المنفتح على الثقافات الكونية، لهذا نجد القصص الإثنى عشر تستحضر أحداث فارقة في التراث الأدبي العربي وأسماء فاصلة في السرد القصصي العالمي من خلال إهداء نصوص قصصية لكل من "ماريو بينيديتي، فرجينيا وولف، زكريا تامر، هذا دون اغفال تطريز النصوص القصصية بأقوال لكل من فولتير و ماشادو دو أسيس، قول يفتح شهية القارئ ليتلقف الحكاية والدخول لعوالمها عبر بوابة الداخل من خلال ثقب (صورة الغلاف) الذي استحال إلى نافذة.
عوامل تعثر أدب الطفل في عالمنا العربي ـ سهيل إبراهيم عيساوي
هنالك العديد من العوامل المتشابكة التي تقف عائقا امام نجاح وازدهار أدب الطفل في عالمنا العربي ، والأدب العربي بشكل عام وهي :
- نقطة الانطلاق جاءت متأخرة : أدب الطفل دخل الى عالمنا العربي ، بعد قرون من انتشاره في الغرب ، وتلكأت الحكومات ، ودور النشر، والمدارس الفكرية عن دعم هذا التوجه ، وتقاعس الأدباء العرب عن طرق هذا الباب ،ربما ظن البعض ان الكتابة للأطفال شارة ضعف ،ربما نظرة استعلاء ، وعدم اعتراف بمكانتهم في المجتمع ، يمكن القول أيضا نتيجة سوء تقدير بأهمية هذا الصنف من الأدب ، فقد حرم أطفال العرب طويلا من هذه النعمة التي كان يتمتع بها أترابهم في أوروبا ، الفضل يعود في نقل وترجمة وكتابة مئات القصص للأديب المصري كامل الكيلاني الذي زار أوروبا في بعثة دراسة وعاد الينا بحزمة من الأفكار والقصص ، وقدم خدمة جليلة لأطفال العرب وللكتاب وللمجتمع.
- انعدام الدعم الحكومي لقصص الطفل : معظم الدول العربية لا تقوم بدعم قصص الطفل ، مما يجعلها تقتصر على فئة الميسورين وينحصر انتشارها ، لان دور النشر ليس بمقدورها مجابهة كل الصعوبات وحدها .