لقد جاء اهتمام النقد العربي الحديث بمباحث الأجناس متأخرا نسبيا، ويرجع ذلك إلى البواعث الإيديولوجية، التي وجهت عناية المعاصرين إلى الإكباب على التراث فحصا وتنقيبا، يحدوهم في ذلك طموح إلى إبراز سمات الحداثة في هذا التراث إثباتا لأسبقية العرب إلى الكشوفات الأدبية والنقدية دفعا لتهمة التأخر عن الغرب. أما البداية الفعلية للاهتمام بمباحث الأجناس فلم تنطلق، عربيا، إلا في الثمانينات لتبدأ في التنامي منذ ذلك الحين، حتى استوت في السنوات الأخيرة في دراسات متخصصة محضها أصحابها لفحص قضايا الأجناس من وجهة أنظار متغايرة. وقد رأينا أن نصرف بعض جهدنا في هذا البحث إلى فحص المسألة الأنواعية في المنجز النقدي لباحثين ثلاثة من المغرب العربي (عبد الفتاح كيليطو – سعيد يقطين – فرج بن رمضان) في سعي لاستخلاص معالم الدرس الأنواعي في النقد العربي الحديث.
1. عبد الفتاح كيليطو: النص الأدبي وقواعد النوع
أدونيس و حداثة ... الاستبداد ! ـ الصادق بنعلال
" أعتقد أن الربيع العربي يمثل تطورا ذا أهمية تاريخية ، فهو ضمن هذا المفهوم على الأقل استطاع أن يزلزل أسس بعض الأنظمة الديكتاتورية ، و يمكن بذلك أيضا أن يفتح مجالا واسعا للتخلص من التبعية التاريخية للقوى الغربية " : نعوم تشومسكي .
1 - يحظي الشاعر الكبير علي أحمد سعيد ( أدونيس ) بمكانة بالغة الأهمية في مجال الثقافة العربية الحديثة و المعاصرة ، و في مضمار الصوغ و النقد الشعريين تحديدا ، لقد ساهم باجتهاد قل نظيره في التنظير و الاستقراء غير المسبوقين لاستكناه المنجز الثقافي و الإبداعي العربي طيلة عقود من الزمن ، أملا في إحداث قدر من التحول الإيجابي و التغيير المنشود في جسد عربي مثخن بجراح التخلف الحضاري . فطالما أقلعنا معه في " زمن الشعر " نحو عوالم جمالية مصحوبين ب " كتاب التحولات و الهجرة في أقاليم النهار و الليل " ، مفضلين الإبحار ب " مفرد بصيغة الجمع " نستعذب الترنم ب " أغاني مهيار الدمشقي " ، و نستشرف " الثابت و المتحول " في موروثنا الثقافي الباذخ ، كل ذلك في " وقت بين الرماد و الورد " !
في أفق رواية حضارية إنسانية : قراءة في "شمس المتوسط" ـ الصادق بنعلال
" الأدب يفتح إلى اللانهاية إمكانية هذا التفاعل مع الآخرين و هو إذن يثرينا لا نهائيا . يزودنا بإحساسات لا تعوض تجعل العالم الحقيقي أشحن بالمعنى و أجمل. ما أبعده عن أن يكون مجرد متعة ، و تلهية محجوزة للأشخاص المتعلمين ، إنه يتيح لكل واحد أن يستجيب لقدره في الوجود إنسانا " : تزيفيتان تودوروف (1)
تصدير أولي :
نروم من خلال هذه الإطلالة النقدية استكناه جانب من المنجز الإبداعي المتميز للكاتب المغربي دائم التألق الدكتور نور الدين محقق ، و نحن إذ ندرك مدى تنوع انشغالات الكاتب ، و عنايته بميادين معرفية ثرية : النقد السينمائي و التشكيلي و النقد الأدبي و التأمل الفلسفي و الإبداع الروائي و القصصي و الشعري .. فإننا سنقتصر على التعاطي النقدي مع خطابه السردي ممثلا في رواية "شمس المتوسط" ، لاستقراء بعض المكونات و السمات الجمالية و الرؤيوية التي تسم عالمه الحكائي . و غني عن البيان أن الكاتب أثرى المكتبة العربية بإبداعات سردية بالغة العمق الدلالي و الصوغ الفني ، أقلها بريد الدار البيضاء و وقت الرحيل و النظر في المرآة و إنها باريس يا عزيزتي و شمس المتوسط .. و هي في مجملها توجز معالم الرؤية الأدبية و الفلسفية للكاتب إزاء العالم و الإنسان و المجتمع !
صدرت هذه الرواية سنة 2013 بدمشق – سورية ، و تضم 144 صفحة من القطع المتوسط ، و قد ضمت إلى جانب الاستهلال و الاختتام الشعريين تسعة فصول ، آخرها تحت عنوان شمس المتوسط أي العنوان الأصلي للرواية ككل .
قراءة في شعر الشاعر المغربي محمد اللغافي الموسوم بالكرسي ـ سعيدة الرغيوي
اختار الشاعر " محمد اللغافي" أنْ يُصدِّر كتابه الشعري" الكرسي" بقلمه قائلا:
إلى الأصابع الحالمــة
أصابع بترها مقص البطالة
بدءا من مقهى رجيانا..سيدي مومن
إلى شرق البلاد وغربها
شمالها وجنوبها
كان بودي أن أعانقكم واحدا...واحداً
ولأني لا أعرف كيف ذلك
أكتفيت بتقبيلكم دفعة واحدة
"الرواية المغربية الجديدة: دراسات في أعمال فريد الأنصاري الروائية":على سبيل التقديم ـ سعيد الشقروني
كتاب:"الرواية المغربية الجديدة: دراسات في أعمال فريد الأنصاري الروائية"، مجموعة من الدراسات قدمها باحثون من منطلقات نقدية شتى، حول الأعمال السردية للأديب الراحل العلامة فريد الأنصاري رحمه الله، في ندوة وطنية احتضنتها مؤسسة المهدي بنعبود بمدينة الدار البيضاء خلال شهر أبريل من سنة 2014.
والراحل فريد الأنصاري ـ لمن لا يعرفه ـ شخصية متعددة الوسائط والقنوات الفنية. فهو شاعر كبير وفنان تشكيلي، وصاحب قبسات فنية تتوهج شعرا، فيما كتبه من كتابات نثرية في مجال الدعوة، وهو باحث أكاديمي، وأصولي فريد، كما قال عنه أحد أساتذته المميزين.
ولكن الذي خفي على كثير من المعجبين بالمرحوم فريد الأنصاري، ويخفى على كثير من محبيه، هو أن الأنصاري، روائي كبير ـ ليس بمعيار الكم، وإنما بمعيار النوع والكيف.
لقد خلف صاحب " قناديل الصلاة " ثلاثة أعمال سردية هي: "كشف المحجوب" و"آخر الفرسان" و "عودة الفرسان". وقد سجلت كل من "آخر الفرسان" و "عودة الفرسان " رقما قياسيا في المقروئية، إذ صنفتهما مكتبة الألفية الثالثة بالرباط، ضمن الكتب الأكثر مبيعا خلال سنة 2014، كما قرأت هذا بنفسي في لوحة من اللوحات الإشهارية داخل هذه المكتبة، لما زرتها خلال نهاية ربيع السنة المذكورة، كما قال محمد المتقن منسق ومقدم الكتاب.
قراءة في رواية خنجر المودة، لعبد المنعم لزعر ـ نادية البعون
رواية خنجر المودة تجربة إبداعية تقربنا من منطق النضال وقيم الاحتجاج وآفاقه وتكلفته. يقوم من خلالها عبد المنعم لزعر، باحث في العلوم السياسية، بسرد تجربة نضالية مستلهمة بعض أحداثها من الواقع، من قلب إحدى مجموعات الشباب العاطل من حاملي الشهادات العليا، عبر شخصية أمجد، أحد عاطلي "نضالات الرغيف" الذي حملته البطالة مرغما إلى شوارع الرباط وأزقتها وساحاتها. انخرط في نضالات إحدى مجموعات الشباب العاطل للتحسيس بقضيته الاجتماعية، والمطالبة بما "اعتقده" حقوقه الأساسية المشروعة، والمتمثلة في التوظيف المباشر، والبحث عبر هذا المسلك عن الكرامة. عبر حياته الجامعية والنضالية، كان أمجد يعتبر النضال مسألة قناعات ومبادئ "من يخون مرة يمكنه أن يخون ألف مرة". لكن هذه المعرفة وهذا الاعتقاد سقط وتعرى أمام امتحانات الواقع، ليجد نفسه متهما أمام أعضاء المجموعة بالخيانة والانتهازية. فهل كانت خيانة مشروعة أم غير مشروعة؟
الوجه الآخر لـ "أندرومان...' : الأنوثة بين سؤال المعرفة و حميمية الدم ـ نورالدين بوخصيبي
ما إن يخرج فيلم ما إلى الوجود، حتى يقيض له أن يحلق متنقلا مثل طائر جوال بين قارئ و ناقد و محلل.. لذلك نعتبر أن هذه المقاربة التي نقترح القيام بها لشريط "أندرومان.. من دم و فحم"، هي واحدة من بين مقاربات عديدة ممكنة، مفتوحة على اللانهاية، قصد مساءلة جوانب تستحث الوعي و تطرح عليه أسئلة ما، علما أن كل من يقرأ عملا إبداعيا يقوم بذلك من زاويته الخاصة، و انطلاقا من مرجعيات محددة...
نقترح مقاربة فيلم "أندرومان من دم و فحم" (2012) للمخرج المغربي عز العرب العلوي، ضمن أربعة مستويات للقراءة: مستوى التواصل المحجوز، مستوى المظهر المخادع للرجولة، مستوى المتعة المنفتحة للأنوثة، و أخيرا مستوى انسابية الصورة السينمائية. القراءة المقترحة نابعة من متعة شخصية خلال مشاهدة هذا الشريط الذي حقق فيه مخرجه بتألق فني كبير نوعا من التناغم الجمالي بين كافة أبعاد العملية الإبداعية. و قد سَعِدْتُ بمشاهدة هذا الشريط مرات عديدة، مما جعلني أدخل معه فيما يشبه التوله العاشق، الذي أعتبره شرطا ضروريا لتحقق فعل القراءة..
قصيدة النثر أو الحساسية الجديدة: نحو خطاب إنساني كوني ـ عز الدين بوركة
ظل الكلام المنثور من اللغة، النثر ذلك الكلام المسترسل، غير ذا قيمة تُذكر أمام الكلام الموزون والمقفى عند العرب، الشعر، لقرون خلت، بل لا يُعتبر العارفُ عارفاً (فيلسوفاً كان أو رجل دين...) عند شعوب الضاد، قديما، إن لم تكن له مَقدرة في نَظمْ الشعر ووزنه حسب البحور المعروفة والمحددة، كأن هذه البحور شيء مقدس مثلها مثل الكتاب المنزّل والحديث الموحى. لهذا عرفت القصيدة العربية عند انعطافها إلى شكلها الأول من الحداثة، مع نازك الملائكة (التي سَمّت هذه القصيدة "بالمعاصرة") وبدر شاكر السياب.. وغيرهما من شعراء قصيدة التفعيلة.. مواجهة عنيفة من مدارس أدبية تبنّت الدفاع عن القصيدة الأم (مدرسة الديوان المتأثرة بالرومانسية الإنجليزية، الإحيائيين... مثالا). مواجهة لم تستمر أكثر من ثلاثة عقود من الشدّ والجذب، والعراك الأدبي الثقافي. إلى وقت بداية ميل –واعتراف- بعض الأصوات المضادة للخطاب الداعي لهذه التجربة وتبنيه.