
إنجازات علميّة، طبيّة، وتقنيّة تقاوم أسباب الأمراض المميتة، إطار قانوني يضع الشروط الإنسانية والأخلاقيّة للتبرّع بالأعضاء. فتاوى دينيّة تجيز اِستقطاع الأعضاء البشريّة، حملات تحسيسيّة عبر مختلف وسائل الإعلام بضرورة التبرّع ولكن يبقى الإقبال دون المأمول مما حدا ببعض الباحثين إلى اعتبار أن ’’أزمة زرع الأعضاء هي أزمة معقدّة‘‘ وتظلّ الأسئلة مطروحة: مَنِ المتبرّع؟ لماذا ترفض عائلة الميت التبرّع؟ ما سبب ذلك؟ كيف السبيل لتجاوز العوائق إزاء التبرّع؟
أمام هذه الأسئلة القلقة تصبح المقاربة الانثروبولوجيّة ـ السوسيولوجيّة ملحّة وأكيدة لأنّها ستحاول البحث في الأسباب العميقة للمواقف الاجتماعية وممارساتها تجاه حساسيّة التبرّع بالأعضاء وفق مقاربة شاملة تعطي للثقافة ولتاريخ الذهنيّات أهميّة. ومن المفارقات العجيبة أن العلم تطوّر وغايته الأساسية هي خدمة قوى الحياة ولكنه في نفس الوقت عليه أن يواجه تيارا عارما من المواقف التي تريد أن تتصادم معه بدل أن تتعاون معه. فالتحوّلات التي شهدها العالم اليوم، فجّرت قضايا مستجدة مختلفة الأنواع وفي كلّ المجالات ولم تتناول بصورة مباشرة وأصبحت هذه المشاكل تحتاج من العلوم الاجتماعية أن تضعها في مخبر اِهتماماتها.
وتهدف هذه المقاربة إلى دراسة مسألة التبرّع بالأعضاء وما يحفّ بها من ردود أفعال المجتمع: بين القبول والرفض. ذلك أنّها تحاول رصد الأسباب العميقة للرفض. وعليه تقترح حلولا تراها مناسبة للحثّ على التبرّع بالأعضاء. كما أنّ دراسة أثر التغيّرات على القيم والطقوس والمعتقدات لا يمكن أن يكون مجديا إلاّ من خلال اِختبار مسألة من المسائل التي تشغل المجتمع مثل موضوع التبرّع بالأعضاء. وبإيجاز تضع هذه الدراسة في اِعتبارها رهانات أساسيّة هي منطلق توجهاتها:
1.رفض التبرّع له أسباب عميقة: فليس من الهيّن الإحاطة بها جملة وتفصيلا بل هي تحتاج إلى دراسات معمّقة تتضافر فيها الاختصاصات وتتعدّد فيها المناهج. كما أنّ تغيير المواقف يتطلب حيزّا زمنيا كافيّا. فضلا عن ذلك لا تكفي الدراسات الكميّة التي تنطلق من أرقام ومتغيّرات وجداول إحصائية لاستطلاع الرأي العام وسبره بل لا بدّ من دراسات كيفيّة تتعمّق في المعاني والمقاصد التي تتناول مواقف المجتمع بما يعطيه للأشياء من رموز ودلالات.