تمهيد: "المقدمة" والسياسة
إذا أنعمنا النظر في "مقدمة" ابن خلدون في ضوء ما آل إليه علم الاجتماع، وجدنا أنه رأى فيها الموضوع الاجتماعي من أكثر جوانبه، وأن دراسة منهجية لها من شأنها أن تبين هذه الجوانب؛ لا سيما أن ابن خلدون كتب "مقدمته" في مدة قصيرة لا تتجاوز الخمسة أشهر (1)؛ من دون أن يجد له متسعاً من الوقت يساعده على عرض موضوعه عرضاً منظماً؛ بحيث يعرض الظواهر الاجتماعية ظاهرة ظاهرة، بعد تحديد الموضوع العام لعلم الاجتماع.
والحقيقة، أن ابن خلدون لا يقتصر في "مقدمته" على الموضوع العام لعلم الاجتماع بل يتجاوزه إلى ظواهره الاجتماعية المختلفة، كالظاهرة التعليمية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية والمعرفية واللغوية والأدبية الخ... لكننا لن نتعرض لهذا كله هنا، وإنما نريد أن نتوقف عند ظاهرة واحدة هنا، هي الظاهرة السياسية، بما هي ظاهرة اجتماعية.
إن أول سؤال يطرح نفسه علينا –ونحن بصدد موضوع السياسة عند ابن خلدون –هو الكيفية التي طرح بها مسألة الدولة في "مقدمته". فهل فهمها كما نفهمها نحن اليوم على أنها علم الدولة، أو فن حكم المجتمعات؟ هل درسها دراسة وضعية أو تاريخية أو مقارنة؟ أو تراه فهمها فهماً آخر مغايراً؟ ما المبادئ التي استند إليها؟ وما الأفكار التي نادى بها؟ وهل وقف عند حدود الوصف، أو تعداها إلى التوجيه والإرشاد؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة لا يمكن أن نقدمها قبل عرض آرائه في الدولة والسياسة.
فعندئذ يحق لنا أن نرجح رأياً، أو نجزم بفكرة. لهذا لا بد لنا من أن نشرع بتحديد المسائل التي سنتناولها في بحثنا هذا؛ لنتمكن من تبني رأي محدد بهذا الصدد.
أما المسألة الأولى التي سنشرع في تناولها، فتتعلق بنشأة الدولة في المجتمع وما يرافقها من سلطة، وارتباط ذلك بالعصبية والرئاسة والتغلب في المجتمعين البدوي والحضري؛ لكي ننتقل من بعد إلى مسألة الدولة ذاتها؛ فنتكلم على نطاقها وأجيالها المتعاقبة وشأوها الذي تبلغه؛ في سبيل النظر إلى مسألة جبايتها وتأثير هذه الجباية في ازدهارها من ناحية، وفي اضمحلالها من ناحية أخرى.
1- نشأة الدولة
قبل أن نعرض لرأي ابن خلدون في نشوء الدولة، لا بد لنا من أن نضع نصب أعيينا الرأي الذي انتدب نفسه لمعارضته، والذي يسميه رأي الفلاسفة. لقد لاحظ هو نفسه اختلافه في الرأي عن الرأي الذي كان سائداً في مجتمعه، والذي يرد نشوء الدولة والسلطة إلى الشرع المفروض من عند الله. لهذا فإننا سنبدأ بعرض هذا الرأي، قبل عرض نظرية ابن خلدون.
إذا أنعمنا النظر في "مقدمة" ابن خلدون في ضوء ما آل إليه علم الاجتماع، وجدنا أنه رأى فيها الموضوع الاجتماعي من أكثر جوانبه، وأن دراسة منهجية لها من شأنها أن تبين هذه الجوانب؛ لا سيما أن ابن خلدون كتب "مقدمته" في مدة قصيرة لا تتجاوز الخمسة أشهر (1)؛ من دون أن يجد له متسعاً من الوقت يساعده على عرض موضوعه عرضاً منظماً؛ بحيث يعرض الظواهر الاجتماعية ظاهرة ظاهرة، بعد تحديد الموضوع العام لعلم الاجتماع.
والحقيقة، أن ابن خلدون لا يقتصر في "مقدمته" على الموضوع العام لعلم الاجتماع بل يتجاوزه إلى ظواهره الاجتماعية المختلفة، كالظاهرة التعليمية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية والمعرفية واللغوية والأدبية الخ... لكننا لن نتعرض لهذا كله هنا، وإنما نريد أن نتوقف عند ظاهرة واحدة هنا، هي الظاهرة السياسية، بما هي ظاهرة اجتماعية.
إن أول سؤال يطرح نفسه علينا –ونحن بصدد موضوع السياسة عند ابن خلدون –هو الكيفية التي طرح بها مسألة الدولة في "مقدمته". فهل فهمها كما نفهمها نحن اليوم على أنها علم الدولة، أو فن حكم المجتمعات؟ هل درسها دراسة وضعية أو تاريخية أو مقارنة؟ أو تراه فهمها فهماً آخر مغايراً؟ ما المبادئ التي استند إليها؟ وما الأفكار التي نادى بها؟ وهل وقف عند حدود الوصف، أو تعداها إلى التوجيه والإرشاد؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة لا يمكن أن نقدمها قبل عرض آرائه في الدولة والسياسة.
فعندئذ يحق لنا أن نرجح رأياً، أو نجزم بفكرة. لهذا لا بد لنا من أن نشرع بتحديد المسائل التي سنتناولها في بحثنا هذا؛ لنتمكن من تبني رأي محدد بهذا الصدد.
أما المسألة الأولى التي سنشرع في تناولها، فتتعلق بنشأة الدولة في المجتمع وما يرافقها من سلطة، وارتباط ذلك بالعصبية والرئاسة والتغلب في المجتمعين البدوي والحضري؛ لكي ننتقل من بعد إلى مسألة الدولة ذاتها؛ فنتكلم على نطاقها وأجيالها المتعاقبة وشأوها الذي تبلغه؛ في سبيل النظر إلى مسألة جبايتها وتأثير هذه الجباية في ازدهارها من ناحية، وفي اضمحلالها من ناحية أخرى.
1- نشأة الدولة
قبل أن نعرض لرأي ابن خلدون في نشوء الدولة، لا بد لنا من أن نضع نصب أعيينا الرأي الذي انتدب نفسه لمعارضته، والذي يسميه رأي الفلاسفة. لقد لاحظ هو نفسه اختلافه في الرأي عن الرأي الذي كان سائداً في مجتمعه، والذي يرد نشوء الدولة والسلطة إلى الشرع المفروض من عند الله. لهذا فإننا سنبدأ بعرض هذا الرأي، قبل عرض نظرية ابن خلدون.