فعادة ما تتركّز دراسة الدّين في مستواها الأكاديمي، في البلدان العربيّة، في كلّيات الشّريعة والجامعات الإسلامية، أو في الحوزة العلمية، بين أتباع المذهب الإمامي؛ وفي الكلّيات الحبرية لدى المسيحيين. تتلخّص علوم الدّراسة، في الجانب الإسلامي، بالعلوم الشّرعية: من فقه وأصوله، إلى علوم القرآن والحديث، إلى المواريث والمقاصد، إلى الدّعوة، إلى علم التجويد والتّفسير وعلم الكلام. وفي الجانب المسيحيّ تتوزّع بين علوم اللاّهوت والعلوم الكنسيّة بشتى أصنافها: اللاّهوت الكتابي، واللاّهوت المنهجي، واللاّهوت التّاريخي، ولاهوت الآباء، واللاّهوت الرّوحي وعلم التبشير والقانون الكنسيّ، بغرض تأهيل الخرّيجين لممارسة دور كهنوتي.
وتتميّز مناهج الدّراسة والبحث في العلوم الشّرعية واللاّهوتية، لدى الجانبين الإسلامي والمسيحي، بطابع مدرسيّ داخلي، بصفتها علوما إيمانية، غرضها الأساسي دحض القلق العميق الذي يكتنف وجود الإنسان.
والسّائد في مناهج تدريس تلك العلوم، تقديمها بحسب مرويات تخلو من إعادة النّظر في مناهج السّابقين وأساليبهم. وحتى المحدَثين الذين كتبوا في هذه العلوم، غالبا ما لخصوا المدوّنات السّابقة للآباء (أوريجانيس –ت254-، وترتوليانوس القرطاجي-ت225-، ويوحنّا فم الذّهب –ت407-، والقدّيس أوغسطين-ت430-، وتوما الأكويني-ت1274-)؛ أو علماء السّلف (أبو حامد الغزالي-1058-1111م-، وشيخ الإسلام ابن تيمية-ت1328م-، وأصحاب المذاهب الأربعة)، وقدّموها في حُللٍ حديثة مع محافظة على البناء الفكري وإبقاء على الأفق النّظري. والذين حاولوا الخروج عن مرويات الآباء وعلماء السّلف، غالبا ما أزيحوا وأبعدوا، نذكر علمين بارزين في الرّاهن، هانس كونغ من الجانب المسيحي ونصر حامد أبو زيد من الجانب الإسلامي.
فالعلوم الشّرعية واللاّهوتية، في ثوبها التقليدي المعروضة فيه، لم تساير التحوّلات الاجتماعية، من حيث طرح سؤال براغماتيتها وجدواها وقدراتها على فهم الدّين والمتديّن، حتى شاعت مقولة خصوم رجال الدّين القائلة: "زبل البقر أجدى نفعا من اللاّهوت نستطيع أن نصنع منه السّماد". فلو أخذنا دارس علوم القرآن وتفحّصنا طبيعة المواد التي ينكبّ عليها, من ناسخ ومنسوخ، ومكّي ومدني، وأوّل ما نزل وآخر ما نزل، ومطلق ومقيّد، نرى أن هذه العلوم تسمح له بالكاد للاندماج في مؤسّسات المجتمع العصري، لافتقاره لقدرات حقيقية تؤهّله لأداء نشاط عملي أو نظري.