
إن أفكارنا وعواطفنا وخطواتنا تتشاغل بشكل دائم بأشياء أخرى من حولنا كالأسرة والرزق والوظيفة وعلاقاتنا بالآخرين، وتطغى على تفكيرنا عقلية المال والمصلحة الدنيوية والانغماس في مستنقع الملذات، ونستنفذ طاقاتنا في الركض وراء شظف العيش، وتضيع سنواتنا وأيامنا في خضم الأحداث والظروف وقسوة الحياة بأشياء مفيدة وضارة، وتتحكم فينا الغفلة، ونسهو عما هو مهم، وتقودنا ضغوط الحياة إلى مسارات متباينة، ونضع محاسبة الذات في سلة الإهمال، وتتحول " الشهوة " إلى حالة إدمان حينما نجد فيها حلاوة ولذة حتى ولو كانت تلك اللذة ممزوجة بالألم، وسط كل هذا تتناسى نفوسنا وعقولنا " المكتوب" أو " القدر" القادم في الطريق إلا من أدرك حقيقة الدنيا وإنها سلسلة من الامتحانات والأحداث الصعبة.
فجأة تحدث الفاجعة أو الصاعقة أو المأساة أو المحنة سميها ما شئت، ويهز الزلزال كل أرجاء كياننا ونكون إما نحن السبب أو يكون الآخرون شركاء في حدوث المأساة أو يلعب القدر دوره، وربما تخرج المأساة من مساحاتنا الشخصية لتكون مأساة جماعية يشاركنا الآخرون في التمرغ بأوجاعها – الحرب مثلا - ، فما الذي تفعله في ذواتنا؟ وما الذي تحفره في جدران قلوبنا؟ وما هو طعم الغصة وحجم مرارتها في النفوس؟ وكيف تمر تلك اللحظات؟ وما هو الهول الذي تحمله؟ وكيف نعيش تلك الدقائق الرهيبة؟
تمر تلك الدقائق كأنها ساعات، وتعيش أجسادنا ونفوسنا وعقولنا حالة اتحاد في مواجهة تلك اللحظات العصيبة، وتتدفق عواطفنا في كل الاتجاهات، وتتهيج مشاعرنا، وتمتلئ قلوبنا بالحزن، وتعتصر نفوسنا بالألم، وتعج نظراتنا بالمعاناة، ويبرز الهلع في أقصى درجاته، ونشعر بانكسار الذات، ونفقد توازننا، وتموت الكلمات على شفاهنا وتعجز ألسنتنا عن النطق بالحروف...