- قال أحدهم للبوذا: الأمور التي تعلِّمها، سيدي، لم أجدها في الكتب المقدسة."
- ردّ البوذا قائلا: أضفها عليها إذن ..
وبعد هنيهة صمت حَرِجة ...
- قال الرجل: هل لي أن أتجرأ عليك يا سيدي، فأقول إن بعض الأمور التي تعلِّمها يناقض الكتب المقدسة فعلاً!
وأخيرا ردّ البوذا قائلا: إذا الكتب المقدسة تحتاج إلى التصحيح.
فالكتاب المقدس "لا يعلمنا كيف تسير السماء، وإنما كيف نسير نحن إلى السماء". كما يقول غاليلو غاليلي (Galileo Galilei)؟
1- مقدمة:
تعد إشكالية المقدس من أخطر الإشكاليات، وأكثرها حساسية وأعمقها صعوبة في حياتنا الثقافية المعاصرة. وتأتي هذه الصعوبة من حساسية المقدس نفسه الذي يلامس في كثير من الأحيان الأوتار الداخلية للوجدان الإنساني، وهي الأوتار التي تشكل نسيج العقائد الإيمانية والروحية التي تسكن في أعمق أعماق الإنسان، وهي التي تعبر عن أكثر معطياته الكونية أهمية وخطورة وحساسية. لقد لعب المقدس دورا تاريخيا كبيرا في توليد العطالة الفكرية وإفقار العقلية الإنسانية عبر عصور من الزمن. وشكّل هذا المقدس نفسه المانع والممنوع والممتنع على مختلف أوجه التفكير والتداول والنقد والمساءلة والرفض . ومن هنا تأتي الصعوبة المحفوفة بالخطر في مناقشة مفهوم المقدس نفسه وإخضاعه للمناقشة للجدل. ومع ذلك كله، ورغم هذه الحساسية الهائلة لهذا الموضوع، يبدو لنا أن مناقشة هذا المفهوم وإخضاعه للتحليل العلمي قضية تفرض نفسها في حياتنا الثقافية والفكرية المعاصرة. وهذه المناقشة لا تهدف أبدا إلى تجاوز حدود المقدس الذي يأنف التداول والجدل، بل تأتي في سياق مقالتنا هنا تأكيدا على جوهر هذا المقدس وتحديده وفصله عن مجاله الدنيوي الذي انغرس فيه إلى حدّ التهلكة.
جاء في لسان العرب أن المقدس هو تنزيه الله عز وجل وهو المتقدس القدوس المقدّس([1]). ويميز كمال دسوقي في مفهوم المقدّس بين معنيين، حيث يعني القضايا والأشياء التي تتعلق بما هو إلهي من جهة، والقضايا التي يجب تجنب التعامل معها بخفة ورعونة أو عبث من جهة أخرى ([2]). ولكن الموسوعة الفلسفية العربية لمعن زيادة تقدم تعريفا أكثر تطورا. فالمقدّس كما تعرفه هذه الموسوعة هو " كل ما لا يمكن تدنيسه أو تلويثه، ويمتلك المقدّس على قوة غامضة تجذب أحيانا وتنفّر أحيانا وتجذب وتنفّر في أحيان أخرى. ويضيف معن زيادة في تحليه لهذا المفهوم بأن المقدّس " هو ما يثير في النفس الخوف والرهبة والاحترام والخشوع الذي يبعدنا عنه ويرغبنا فيه في الوقت نفسه. وينتج عن المقدّس مجموعة من المشاعر المختلطة والمرتبطة من: الاندهاش، والرغبة، والانجذاب، والفضول والتحفظ والقلق، والفزع والخوف مما يجعلنا نحبه ولا نجرؤ على تناوله في الوقت نفسه" ([3]).