" في واقعنا المعاصر يتعرض الإنسان في مجتمعاتنا، كغيره من المجتمعات الإنسانية، إلى مجموعة من الخطابات في حياته اليومية. وتزداد الخطابات كثافة في أوقات الأزمات. ولا نستطيع الجزم ببراءة الخطابات من أغراض الهيمنة على وعي متلقيها، لاسيما إذا كان منتج الخطاب من حائزي السلطة أو ممن يسعون إلى حيازتها، وخصوصاً إذا كان سياق إنتاج الخطاب وتداوله سياق أزمة يبلغ فيها الاستقطاب بين الأطراف ذروته "([1]).
لقد ظهر التحليل النقدي للخطاب critical discourse analysis منذ تسعينيات القرن العشرين بوصفه توجهاً جديداً في تحليل الخطاب في الأوساط الأكاديمية في أوروبا الغربية. ومع نهاية القرن كان يمثل أحد أكثر توجهات تحليل الخطاب استقطاباً للباحثين. ويحدد فان دايك (أحد مؤسسي التحليل النقدي للخطاب) موضوع التحليل النقدي للخطاب بأنه دراسة الكيفية التي يقوم بها النص والكلام بتقنين وإنتاج ومقاومة اعتداءات السلطة الاجتماعية وهيمنتها ولا مساواتها. وأن المحلل النقدي للخطاب يسعى إلى فهم اللامساواة الاجتماعية والكشف عنها تمهيداً لمقاومتها. ومن ثم فإن التحليل النقدي للخطاب له توجه عام يستهدف توعية البشر بالتأثيرات المتبادلة بين اللغة والبنى الاجتماعية، تلك التأثيرات التي لا يعيها البشر غالباً([2]).
وفي ذات السياق، كتب نورمان فيركلف عام 1985 مقالاً بعنوان: الأهداف النقدية والوصفية في تحليل الخطاب، داعياً إلى نزع الألفة عن الإيديولوجيات التي تتجسد غالباً في تشكيلات خطابية إيديولوجية، وذلك بتبني تحليل خطاب ذي أهداف نقدية، يبرز كيفية تحديد البنيات الاجتماعية لسمات الخطاب، وكيفية إسهام الخطاب بدوره في تحديد البنيات الاجتماعية. وبعد عدة سنوات، يؤلف فيركلف كتابه المؤسس لمقاربة الجدلية العلائقية في التحليل النقدي للخطاب تحت عنوان: اللغة والسلطة عام 1989، وفيه تظهر النزعة النقدية في دراسة اللغة واضحة، خاصةً في دراسة العلاقات غير المتساوية في السلطة الاجتماعية. ويظهر كذلك البعد النضالي المقاوم لهذه العلاقات غير المتساوية في السلطة([3]).