" إنّ التاريخ يعيد نفسه مرتين, مرة على شكل مأساة، ومرة على شكل مهزلة"
كار ل ماركس
1- مقدمة:
تشكل نظرية ماركس في المادية التاريخية والجدلية مدخلا منهجا أصيلا في فهم فيبر ونظرياته المثالية. ويحق إذ يكفي للمرء أن يقلب نظرية ماركس ليجد نفسه في فضاء نظرية فيبر، وذلك لأن نظرية فيبر تشكل النظرية المثالية النقيضة لنظرية كارل ماركس المادية. وفي جدل التضاد والتناقض بين مثالية فيبر ومادية ماركس تنفتح آفاق فسيحة لفهم مختلف التجليات الفكرية الخصيبة في الفكر والفلسفة والمناهج الاجتماعية. وحال هذا التناقض بين النظريتين يمتثل واضحا في التشبيه الشعري الذي يقول: ضِدّانِ لمّا اسْتَجْمَعا حَسُنــــــــــا والضدّ يُظْهِرُ حُسْنَـــه الضِــــــدُّ. وقد يجد الباحث في هذه المقاربة بين النظريتين أن كلا منهما تشكل محكا منهجيا لفهم الأخرى ورصد حركتها الفكرية لأن سماء فيبر تنعكس على الصفحات المائية في البحر الماركسي المتلاطم الأمواج. وقد يتجلى التناقض القائم بينهما على صورة تناقض جدلي ديالكتيكي يتخاصب فيه التناقض بين الطرفين على صورة توليد ذهني فكري يتجاوزهما كلاهما في حركة من الفهم والتوالد لا تتوقف أبدا.
لقد أقرّ ماكس فيبر بداية بأنه ولد في عالم فكري هو في جزء كبير منه من صنع كارل ماركس وفريدريش نيتشه"[1]، في عالم فكري وأيديولوجي إما أن يكون فيه المرء مع ماركس أو ضده ولا وسط بين الحدين. وقد شكل هذا الضغط الفكري الماركسي كابوس ماكس فيبر الذي لازمه كظله. ومع ذلك لم يستكن فيبر في البحث عن منهجية جديدة تخرجه من وهج ماركس وعن قوة هائلة تضعه خارج المدار الماركسي الذي استقطب الفكر والمعرفة والفلسفة في القرن التاسع عشر ولم يزل. وقد شكل هذا التحدي الماركسي قوة حافزة لماكس فيبر الذي استلهم ماركس وعمل على تجاوزه بطريقة انعكاسية على صورة انقلاب شامل ضد بركان ماركس وطوفانه الجاذبي. ومع ذلك لم يستطع ماكس فيبر الانفلات من قبضة ماركس نهائيا وكأن الماركسية كانت له قدرا ومصيرا حدد له مصيره على نحو انعكاسي.