بالرغم من مضي أكثر من قرن من الزمان على وفاة كارل ماركس* فلا يزال فكره يشغل حيزاً من اهتمام الباحثين والمفكرين الذين ينتمون إلى أكثر من تخصص ولا يكاد يخلو مؤلف واحد اهتم بتاريخ النظرية إلا ووقف على ما كتب ([1]). لأن ماركس يعتبر أحد أهم المنظرين الثوريين**، والفلاسفة الماديين النقديين تأثيراً في التاريخ الإنساني، فما تزال أفكاره حتى الآن تجتذب المثقفين في أماكن كثيرة من العالم على الرغم من تهاوي الكثير من الصروح السياسية والاقتصادية، التي قامت على هدي أطروحاته في القرن العشرين المنصرم ([2]).
شهد ماركس ظروف التصنيع المبكر في أوروبا وما نتج عنه من آثار سلبية على الطبقة العاملة، مما دفعه إلى الاهتمام بسرعة التخطيط لإحداث عملية التحول الاجتماعي، والإقرار بضرورتها، فنكب بجهد لا مثيل على دراسة وتفسير وتحليل ونقد العوامل، التي أدت إلى ظهور الرأسمالية والمبادئ، التي ارتكزت عليها للحفاظ على وجودها واستمرارها، وذلك بهدف القضاء عليها وتجاوزها إلى تشكيلة اقتصادية - اجتماعية ينتفي فيها استغلال الإنسان لأخيه الإنسان ([3]). بهذا نجد أن الفلسفة الماركسية شكلت مدخلاً ثورياً للتغيير الاجتماعي والتقدم الإنساني.
درس ماركس طبيعة هذا الاستغلال وحلله وتنبأ بالنتائج التي سيفضي إليها، فهذا الاستغلال قد اتخذ صور شتى عبر التاريخ، من اقتصاد المرحلة العبودية إلى الإقطاعية وأخيراً إلى الرأسمالية، حيث انقسم أفراد المجتمع فيها إلى ساد وعبيد ثم إلى إقطاعيين وفلاحين، وأخيراً برجوازيون وعمال. وفي كل ذلك كانت قوانين الاقتصاد السياسي هي التي تتحكم بوجود وتطور وفناء نظام اجتماعي – اقتصادي معين، ومجيء نظام أرقى منه ([4]). وينطلق ماركس في تفسيره لطروحاته من افتراض أن موقع الأفراد والجماعات من ملكية وسائل الإنتاج هو الذي يحدد وضعهم الاجتماعي في بناء القوة داخل المجتمع، فإما أن ينتمون إلى الطبقة المسيطرة أو الطبقة الخاضعة، ومعادلة القوة هذه ذات بُعد تاريخي لا يمكن تجاهله في النظرية الماركسية، لهذا أوضح ماركس في البيان الشيوعي 1848، " بأن كل التاريخ السابق لم يكن إلا تاريخ صراع طبقي "([5]). إن هذا الفهم للتاريخ، يصوره كتاريخ قوة تحركه صراعات القوى وتناقضاتها، التي تتمثل في الطبقات الاجتماعية، حيث كان يوجد دائماً طبقات تمتلك وطبقات لا تمتلك، وتبعاً لذلك طبقات حاكمة وطبقات محكومة. لذا فإن الأغلبية الساحقة من البشر حسب التصور الماركسي كانت تعمل بمشقة.