يطرح علينا عنوان هذا المقال مناقشة التساؤل التالي: كيف نمارس حرفة علم الاجتماع بعد مضي أكثر من قرن يفصلنا عن المحاولات الأولية لتحديد المسار العلمي والاجتماعي لعلم الاجتماع؟ فلا يزال لغاية اليوم تطرح قضية التزام عالِم الاجتماع المثيرة للجدل تساؤلات عديدة حول ممارسته لعلم الاجتماع وغاياتها. فعلى سبيل المثال يقف معظم علماء الاجتماع على تخوم السياسيين، وعلى مقربة أشدّ مما يظنون من أصحاب القرار. أليس ذلك ينذر بوقوع عالِم الاجتماع ذاته في الشَّرَكِ فيجبر على اتخاذ موقف ما؟ ، وبالتالي تسييس نتائج وتوصيات بحثه حول دراسة الواقع الاجتماعي.
وفي المقابل نجد أنه ما من عالِم اجتماع إلا وتساءل ولو لمرة واحدة حول نفع أعماله، وهَمَّ في لحظة ما، ربما، بالتدخل شخصياً في مناقشات عصره الاجتماعية واتخاذ موقف ما. وهذا يعني أنه ليس بمستطاع عالِم الاجتماع في هذا المعنى أن يبقى مختبئً في برجه العاجي والإمساك عن مناقشة المسائل الاجتماعية والسياسية خاصةً إذا ما كانت تتعلق مباشرةً بالأعمال التي أنجزها([1]).
إن المدقق لواقع علم الاجتماع المعاصر، يجد أن معظم علماء الاجتماع يدفنون أنفسهم في شقوق المعرفة الضيقة، إلا أن علم الاجتماع النقدي* Critical Sociology ([2]) يحاول وبكل جرأة وشجاعة أن يتحمل الإجابة عن الأسئلة الكبيرة المسكوت عنها من قبل علماء اجتماع السلطة الذين يحاولون مراراً وتكراراً أن يطفئوا الشعلة النقدية لعلم الاجتماع المدافع عن حقوق ومصالح السواد الأعظم من أفراد المجتمع .