1
وظيفةُ رمزيةِ اللغةِ هي إيجادُ الهُوِيَّات المُتَشَظِّيَة في العلاقات الاجتماعية ، وتحويلُ التجاربِ الشخصية إلى مفاهيم ثقافية مركزية في البناءِ الشُّعوري للفرد،والسُّلطةِ الاعتبارية للجماعة، والمَنهجِ النَّقْدِي للشرعية التاريخية، والمِعيارِ الإنساني للمشروعية الحضارية. ووظيفةُ رمزيةِ اللغة لا تَنفصل عَن مُهِمَّة الظواهر الثقافية في المجتمع ، وهي إيجادُ نِظام أخلاقي مُتكامل يَعْمَل على تطويرِ الأفكار الإبداعية ، وتعزيزِ تَأقْلُم الفردِ والجماعةِ معَ تَقَلُّبَاتِ الواقعِ وأَزَمَاتِه، وتفكيكِها معنويًّا وماديًّا، وتأويلِها شكلًا ومَضمونًا، مِن أجل تحديد تأثيراتها على العقل الجَمْعي ، الذي يُمثِّل خَلاصًا معرفيًّا قائمًا بذاته ، ومُسَيْطِرًا على البُنية الوظيفية للهُوِيَّة الاجتماعية بِوَصْفِهَا مُحاولةً لِتَحَرُّرِ شخصية الفرد الإنسانية مِن قُيودِ البيئة وضُغوطاتِ الطبيعة ، ومُهَيْمِنًا على مركزية الوَعْي في الواقع بِوَصْفِهَا صَيرورةً تاريخيةً تَكشِف الأنساقَ الكامنةَ والعناصرَ المَكبوتةَ في الحياة اليومية ، على المُسْتَوَيَيْن الفَرْدي والمُجتمعي. وإذا كانت صَيرورةُ التاريخِ تتجسَّد في رمزية اللغة وعيًا وإدراكًا وإرادةً ، فإنَّ الحياة اليومية تتجسَّد في بُنية الفِعْل الاجتماعي فِكْرًا ومُمَارَسَةً وتطبيقًا ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى تفعيل الظواهر الثقافية كنظامٍ عقلاني مُتَجَاوِز لِسِيَاقَاتِ التفكير الاستبدادية ، وكمنظومةٍ حضارية حاملة لِمَاهِيَّة الإنسانية . واتِّحَادُ النظامِ العقلاني والمنظومةِ الحضارية يَمنع فَصْلَ الوَعْي عن الواقع ، ويَرْدِم الفَجْوَةَ بين صِناعةِ الثقافة وتعقيداتِ الحياة اليومية . وكُلُّ نظام عقلاني يَحتاج إلى أدواتِ تنقيبٍ عن آثار سُلطة المعرفة في العلاقات الاجتماعية ، وكُلُّ مَنظومة حضارية تحتاج إلى آلِيَّاتِ تفسيرٍ لرمزية اللغة في التجاربِ الشخصية والثقافةِ المُتَجَانِسَة .
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاريخية – علي أسعد وطفة
" إن الناس يصنعون تاريخهم بأيديهم، لكنهم لا يصنعونه كما يحلو لهم؛ إنهم لا يصنعونه في ظل ظروف يختارونها بأنفسهم، بل في ظل ظروف قائمة بالفعل، ظروف ورثوها ونقلوها من الماضي. إن تقاليد جميع الأجيال الميتة تثقل مثل جبال الألب على أدمغة الأحياء " [1]
كارل ماركس “الثامن عشر من برومير لويس بونابرت”
1- مقدمة:
يُعدّ الفيلسوف الاقتصادي الألماني كارل ماركس (Karl Heinrich Marx: 1918-1883) [2]- مؤسس النزعة الماركسية - واحداً من الآباء الخمسة الأوائل لعلم الاجتماع، ويصنف على أنه أكثرهم نفوذاً وتأثيراً في الفكر السوسيولوجي المعاصر كما هو الحال في الفلسفة الحديثة، ولا غرو أنه ترك بصمته المميزة في مجال الفلسفة الاجتماعية الحديثة، وقد قدر له أن يؤسس لنظرية المادية التاريخية التي تشكل الإطار المنهجي والتاريخي لعلم الاجتماع الماركسي الذي استطاع أن يسجل حضوره في التاريخ بتدفق كبير من الأعمال والدراسات الهامة في تاريخ السوسيولوجيا العالمية.
ومع أن كثيراً من الباحثين يصنفون كارل ماركس من بين الفلاسفة أو الاقتصاديين فإنهم ينظرون بعين الاعتبار إلى الجوانب السوسيولوجية لفكره، ويقدرون عالياً إسهاماته في مجال علم الاجتماع. ويمكننا القول في هذا السياق: إن معظم أعمال ماركس وكتاباته العبقرية ة تبحث في المجتمع وفي ظواهره وقوانينه الاقتصادية والفكرية والسياسية، وقد لا نبالغ إذا قلنا: إن ماركس كان قد أراد للعلوم الإنسانية جميعاً أن تنحو نحواً اجتماعياً لتباشر المجتمع بالدراسة والتحليل والاستكشاف. ومن هنا جاءت دعوته التاريخية إلى تحويل الفلسفة من فكر يجول في الآفاق العادية إلى علمٍ اجتماعي مهيباً بها ألّا تقف عند حدود التفسير متطلعاً لها أن تسعى إلى التغيير ومن صلب هذا التوجه يقول: "كل ما فعله الفلاسفة حتى الآن هو تفسير العالم بطرائق مختلفة - لكن المهم هو تغييره".
ولد كارل ماركس عام 1818 في مدينة ترير (Treves) -التابعة يومئذ لمملكة بروسيا- حالياً لأب يعمل في سلك المحاماة. درس في جامعتي بون وبرلين في مجال التاريخ والعلوم الإنسانية وفي رحاب هاتين الجامعتين درس كلاسيكيات الفلسفة الألمانية المثالية والمادية، وحصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة، وكانت أطروحته تتناول مقارنة بين رؤى كل من ديمقريطس وأبيقور.. وقد سجن بسبب أفكاره وكتاباته الصحفية الثورية وطرد من ألمانيا وفرنسا وبلجيكا، وانتقل إلى لندن ليعيش بقية حياته متخفيا متنكرا تحت أسماء مستعارة كثيرة، وأهم ما يميز حياته الشخصية والعلمية صداقته الأبدية مع فريدريك أنجلز الاشتراكي الألماني، التي بدأت في عام 1844 واستمرت بعد موت ماركس، إذ بقي إنجلز وفيا لماركس وعائلته حتى أنه ترك ثروته الكبيرة لأسرة ماركس بعد وفاته، وقد شاركه تأليف عديد الكتب ومنها: الأسرة المقدسة (Th Holly Family )، والأيديولوجيا الألمانية، والبيان الشيوعي.
الفعل الاجتماعي والتجانس المركزي والمناهج اللغوية - إبراهيم أبو عواد
1
التداخلُ بين الظواهرِ الثقافية والعلاقاتِ الاجتماعية يُؤَدِّي إلى تكوين مصادر جديدة للمعرفة ، وهذه المصادرُ تُمثِّل تأسيسًا للنَّزعة النَّقْدِيَّة للأنماط الاستهلاكية في المُجتمع ، وتُجسِّد وَعْيًا بالصِّراع الدائر بين تفاصيل حياة الإنسان المُتَشَظِّيَة ( الحنين إلى المَاضِي الذي لا يَمْضِي، والغرق في الحَاضِر الذي يتمُّ تفريغُه مِن مَعْنَاه وَجَدْوَاه ، والخَوف مِن المُستقبَل الذي تتمُّ أدلجته كَمَنفى للرُّوحِ والجسدِ ) . ولا يُمكن للإنسان أن يَكُون هُوِيَّةً للوَعْي التاريخي إلا بالتخلُّصِ مِن الخَوْفِ الزمني والقَلَقِ المَكَاني ، ولا يُمكن للمُجتمع أن يَكُون سُلْطَةً للمَعْنى الحضاري إلا بالتخلُّصِ مِن اغترابِ الكِيَان واستلابِ الكَينونة . وإذا كانَ الإنسانُ يَستمد شرعيةَ وُجوده مِن قُدرته على الانعتاق مِن حُطَامِ الرُّوحِ وأنقاضِ الجسد ، فإنَّ المُجتمع يستمد شرعيةَ وُجوده مِن قُدرته على التَّحَرُّر مِن انكسارِ الذات وغُربةِ الشُّعور.وهذا يَعْني أنَّ الإنسانَ والمُجتمعَ يُكوِّنان معًا تاريخًا للأحلام المُشترَكة يَمنع تَحَوُّلَ المَنطِق إلى ضِدِّه ، ويَمنع انتقالَ العقلانية إلى نقيضها ، تحت ضَغْط تضارُب المصالح الفردية والجماعية ، وإفرازاتِ البيئة الحياتيَّة تاريخيًّا وحضاريًّا ، وتأثيراتِ الطبيعة الوُجودية للأشياء والعناصر . والخطرُ الحقيقي الذي يُهدِّد البناءَ الاجتماعي هو تَحَوُّلُ مَنطِق التاريخ إلى نَمَط استهلاكي غَير مَنطقي ، وتَحَوُّلُ عقلانيَّةِ الحضارة إلى غَريزة شَهَوَانِيَّة غَير عقلانية . والتاريخُ والحضارةُ يُشكِّلان منظومةً فلسفيةً مُوَحَّدَةً في الشُّعور والإدراك الحِسِّي ، ومُوَحِّدَةً للانعكاسات الاجتماعية القَصْدِيَّة والعَفْوِيَّة في الزمانِ والمكانِ . وكُلُّ تَوليدٍ للوَعْي الخَلاصِي في التاريخِ والحضارةِ هو بالضَّرورة تأسيسٌ للمَعنى الإنساني في الظواهرِ الثقافية والعلاقاتِ الاجتماعية . والثقافةُ هي إعادةُ مُمارَسة التاريخ الإبداعي مِن مَنظور أخلاقي ، والمُجتمعُ هو إعادةُ تَكوين الجَوْهَر الوجودي في بُنية العقل الجَمْعي المُسيطِر على تحوُّلات الفِعْل الاجتماعي .
الوعي الثقافي والفعل الاجتماعي والعقل الجمعي - إبراهيم أبو عواد
1
التمييزُ بين الوَعْي الثقافي والفِعْلِ الاجتماعي لا يَعْني إيجادَ فُروقات ظاهريَّة بَين طبيعتهما، أو اكتشافَ اختلافات سطحيَّة بين مسارهما ، وإنَّما يَعْني تكوينَ إطار معرفي يشتمل على مُكَوِّنَات السُّلوكِ الإنساني ، ويُحدِّد طريقَ الإنسانِ في المُجتمع ، وطريقةَ المُجتمعِ في التعامل مع تأويلِ الأحداث التاريخية، وكيفيةِ تَوظيفها في الواقعِ اليومي، والعناصرِ المَنبوذة ، والأحلامِ المنسيَّة ، والذكرياتِ المكبوتة ، والتفاصيلِ العابرة ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى نقل الهَامِشِ والمُهَمَّشِ مِن الأطراف إلى مركز الوجود المُسيطِر على الوَعْي والفِعْل معًا . وثنائيةُ (التأويل/ التوظيف) في السياق التاريخي تَكشِف الفرقَ بين الوَعْي الثقافي والفِعْلِ الاجتماعي باستخدام آلِيَّات لُغوية تَدمُج الخِبراتِ معَ المعارف، وتبتكر أدواتٍ فكرية قادرة على التفاعل معَ جَوهر الأشياء إبداعيًّا لا ميكانيكيًّا . وإذا كانَ الوَعْيُ هو الأساسَ الفلسفي للفِعْل، فإنَّ الثقافةَ هي القاعدةُ الأساسيةُ للمُجتمع ، والهُوِيَّةُ المُتماسكةُ للإنسان الواعي الذي يُمارس وُجُودَه المعنوي والمادي لإكمالِ الثغرات في شخصيته المركزية، وتحقيقِ الكمال في سُلطته الاعتبارية ، بِوَصْفِهَا طريقًا لِخَلاصِ المعنى الحياتي مِن ضَغط اللحظة الآنِيَّة ، وتخليصِ الحضارة المادية من النزعة الاستهلاكية ، وانعتاقِ بُنية التفكير مِن المصلحة الضَّيقة ، وتحريرِ رمزية اللغة مِن التفسير الأُحَادي للتاريخ . إذْ إنَّ التاريخَ كِيَانٌ قائمٌ على التفاعلاتِ المعنوية والصراعاتِ المادية ، ومَفتوحٌ على احتماليَّةِ التأويلاتِ وتعدُّدِ التجارب الحياتية فرديًّا وجماعيًّا . والتاريخُ كَكِيَان يُعَاد بِنَاؤُه باستمرار في العلاقةِ المصيرية بين الوَعْي الثقافي والفِعْلِ الاجتماعي . ومِن أجل ضَمَان الاستمرارية في عملية بناء التاريخ ، يَنبغي تحويلُ كِيَانه السُّلطوي إلى كَينونة فلسفية تحتوي على القواعدِ السُّلوكية والتحليلاتِ اللغوية،لفهمِ تركيب المُجتمع ( الوُصول إلى الجُذور العميقة للعلاقات الاجتماعية ) ، وربطِ تفاصيل الحياة اليومية بالشُّعور الإنساني القائم على الخِبْرَةِ القَصْدِيَّة لا البَرَاءَةِ السَّاذَجَةِ .
إسهامات أوغست كونت في علم الاجتماع الحديث - د. حسام الدين فياض
- تمهيد:
يعتبر كونت (1798-1857) مؤسس علم الاجتماع الحديث، وهو أول من صاغ كلمة " سوسيولوجيا ". اكتسب علم الاجتماع على يده أبعاده الحقيقية، حينما حدد إطاره العام حيث اسماه " علم دراسة المجتمع "، وعرفه بأنه " علم دراسة قوانين ظواهر المجتمع ". سعياً منه لتوضيح العلاقات بين الظواهر الاجتماعية وضعياً بغية تحليلها وتفسيرها واستخلاص قوانينها العامة، فهو الشيء المهم لديه. حاول كونت من خلال مؤلفاته، صياغة أسس علمه الجديد الذي أطلق عليه في بادئ الأمر اسم " الفيزياء الاجتماعية " ثم أطلق عليه بعد ذلك اسم " علم الاجتماع "، وفي هذا الصدد يقول: " بما أن الفكر البشري الآن قد أسس الفيزياء السماوية، والفيزياء الأرضية سواء الميكانيكية أو الكيماوية والفيزياء العضوية سواء النباتية أو الحيوانية، يبقى عليه أن يتمم نظام علوم الملاحظة ببنائه للفيزياء الاجتماعية. هذا ما يبدو عليه اليوم في ضوء عدة علاقات رئيسية، أكبر وألح حاجة لعقلنا: مثل هذا الشيء، أقولها بجرأة، هو الهدف الأول لهذه المحاضرة، هدفها المميز "([1]). من أهم كتبه، ما يلي:
- " دروس في الفلسفة الوضعية " يتألف من ستة مجلدات نشر في الفترة الواقعة ما بين (1830-1842).
- " أحاديث عن مجمل الوضعية " (1848)
- " مذهب السياسة الوضعية " يتألف من أربعة مجلدات نشر في الفترة الواقعة ما بين (1851-1854)([2]).
فلسفة التاريخ في التفاعلات الرمزية للعلاقات الاجتماعية - إبراهيم أبو عواد
1
توظيفُ فلسفةِ التاريخ في التفاعلات الرمزية للعلاقات الاجتماعية يُعْتَبَر مُحاولةً لتفسيرِ مَصَادِر المعرفة ، وتَتَبُّعِ آثارها في الأساسِ الأخلاقي للمُجتمع ، والقواعدِ الوجودية للغة ، والجُذورِ العميقة للثقافة . وإذا كانَ الوُجودُ يَسْبِق المَاهِيَّةَ ، فإنَّ التاريخَ يَسْبِق الحضارةَ ، وهذا يَعْني ضَرورةَ توليدِ آلِيَّات معرفية لتفكيك تفاصيل وُجود التاريخ في ماهيَّة الحضارة ، ويُوضِّح أهميةَ تَكوين أدوات نَقْدِيَّة للتنقيب عن مَواضع الاتِّصَال والانفصال في التاريخِ والحضارةِ معًا. وإذا كانت العلاقاتُ بين العناصر أهَمَّ مِن العناصر ذاتها ، فإنَّ مصادرَ المعرفة أهَمُّ مِن المعرفة نَفْسِها، لأنَّ المَصَادِر هي المَنَابِع ، ومَنْبَعُ المعرفةِ هو أصْلُها الذي يُحدِّد طَبِيعَتَهَا الحياتية ومَسَارَهَا الوجودي . وتأثيرُ العلاقات الاجتماعية لا يَكْمُن في المَظهرِ الخارجي ، أو الحركةِ الوهميَّة النابعة مِن الوَعْي الزائف ، وإنَّما يَكمُن في الرُّمُوز التي تَحملها العلاقات الاجتماعية ، وهذه الرُّمُوزُ هي الحاضنةُ الشرعية للمعايير الفكرية دائمة التفاعل ، والقُوَّةُ المُحَرِّكَةُ لفلسفة التاريخ كَإرثٍ ثقافي وتُراثٍ حضاري . وكما أنَّ فلسفة التاريخ لا تَنفصل عن إرادة المعرفة ، كذلك سُلطة الوَعْي لا تَنفصل عن إرادة السَّيطرة . وهذه السَّيطرةُ لا تَعْني تأسيسَ العلاقاتِ الاجتماعية على القَهْرِ واستغلالِ نِقَاط ضَعْف الآخَرين ، وإنَّما تَعْني التَّحَكُّمَ بمسارات الوَعْي في الواقع المُعاش مِن أجل الكشف عن الحقائق الكامنة في بُنية الفِعل الاجتماعي ، بِوَصْفِه الطريقَ الفِكري إلى تحليلِ الدَّلالات الذهنية ، وتأويلِ السُّلوكياتِ الواقعية ، مِن أجل تَوظيفِ الغرائزِ والرَّغَبَاتِ في كِيَان الإنسان وكَينونته _ دَليلًا ودَلالةً ومَدلولًا _ ، للمُحافظة على اتِّزَانه وتَوَازنه ، ولَيس لتحويله إلى ذِئب لأخيه الإنسان .
مركزية الوعي الوجودي في البناء الاجتماعي - إبراهيم أبو عواد
1
فلسفةُ البناءِ الاجتماعي تعتمد على استخراجِ الإشارات مِن الوَعْي الوجودي ، واستنباطِ الرُّمُوز مِن المُستويات التعبيرية في النظام اللغوي كجسدٍ معرفي ، وتجسيدٍ للبُنى الوظيفية في المُجتمع ، التي تُعيد كتابةَ تاريخ العلاقات الاجتماعية مِن مَنظور إنساني ومَصلحي في آنٍ معًا . وإذا كانَ الوَعْيُ الوجودي لا يَنفصل عن اللغة ، فإنَّ السُّلوك الإنساني لا يَنفصل عن المَصلحة . وهذا يَعْني أنَّ كُلَّ نشاط عقلي هُوَ مُمَارَسَة لُغوية تُساهم في تَكوينِ الفِعل الاجتماعي،والدفعِ به في اتِّجاه تحقيق مصلحة الفردِ والجماعةِ ضِمن النسيج الحَيَاتي، بِكُلِّ تفاصيلِه النابعةِ مِن مُكَوِّنَات اللغة ، وتأثيراتِه الحاسمةِ على الظواهرِ الثقافية والمعاييرِ الأخلاقية . والنسيجُ الحَيَاتي لا يُوجَد بِمَعْزِل عَن التجسيد العملي للفِكر اللغوي في أنساق التاريخ ، الذي يُعاد تأويلُه باستمرار ، لِيَصِيرَ التاريخُ تواريخَ مُتكاثرة ، تحتاج إلى الوَعْيِ والإدراكِ للسَّيطرةِ عليها ، ومَنْعِها مِن التَّشَظِّي خارجَ المَعنى الإنساني للحضارة القائمة على الفِطْرَة والخِبْرَة . وإذا تَشَظَّى التاريخُ فإنَّ المَعنى يَفقد وُجُودَه ، وتَختفي المعاييرُ الحاكمةُ على الحُلْمِ الإنساني ، والمحكومةُ بالأحداث اليوميَّة . ولَيس للحُلْمِ الإنساني وُجُودٌ إلا دَاخل فلسفة البناء الاجتماعي، ولَيس للأحداث اليومية شرعيةٌ إلا داخل طبيعة الظواهر الثقافية .
ماهية القلق الاجتماعي بين علم النفس والفلسفة - د. حسام الدين فياض
إن القلق قدیم قدم الإنسانیة، فالإنسان الذي عاش في عصور ما قبل التاریخ لم تكن حیاته البدائیة خالیة من مصادر القلق، رغم أن صراعه في ذلك الوقت كان ینحصر في مواجهة الحیوانات المفترسة ومحاولة التغلب علیها، وبصفة عامة فإن الإنسان في الأزمنة السابقة أكثر حظاً من هذا الزمن، فقد كان مصدر القلق لدیه من مصدر واحد، أما الیوم فتعددت مصادر القلق، فقد أصبح مجرد الاحتفاظ بالتوازن والسلام النفسي یستلزم جهداً فائقاً ومواجهة مستمرة في جبهات متعددة ضد مصادر القلق والتوتر.
یوصف القلق بأنه لعنة عصرنا ونحن جمیعاً معرضون له، لأن الحیاة المعاصرة تسعى بدون رفق لأن تضغط علینا بقوة ولیس هناك من لا یشعر بالاضطراب أحیاناً، لأنه لا یستطیع تحمل بعض أعباء حیاته الیومیة ومربكاتها التي تفوق قوة احتماله وطاقته. كما يمكن أن يتملك بعض الأشخاص سيل من مشاعر الخوف الذي يترك آثاراً سلبية لدى التعامل مع الآخرين، لتتولد مشاعر الارتباك والقلق لدى معايشة مواقف يومية اعتيادية، فتتحول لحالة من الرهاب الذي يعرف بالقلق الاجتماعي.
يعتبر اضطراب القلق الاجتماعي أحد أنواع الاضطرابات النفسية التي قد يصاب بها بعض الأفراد، حيث تتمظهر لديهم من خلال سيطرة الأفكار السلبية حيال اعتقادهم بالتعرض للإذلال أو الإحراج في الوسط الاجتماعي يشعرون فيه بالقلق من انتقاد الآخرين لهم، أو من خلال مراقبتهم، أو تكوين الآراء والأحكام حول شخصيتهم، أو ارتكاب الأخطاء في العلن بسبب قلة المهارات الاجتماعية التي يملكونها. وفي بعض الأحيان، قد يتحول هذا القلق إلى نوبة من الذعر، حيث يشعر الأشخاص الذين لديهم هذا الاضطراب بالخوف لمدة أيام أو عدة أسابيع من أحداث لم تحدث بعد، ومع أنهم يشعرون بأن أسباب هذا الخوف غير موجودة على أرض الواقع إلا أنهم لا يستطيعون تجاوز الخوف الذي لديهم بسببها.