” إن الوعي اللغوي النقدي ينظر إلى اللغات باعتبارها ظاهرة ديناميكية وليست بناءً ثابتاً من المعايير الراسخة ويتعامل مع ذخيرة اللغة باعتبارها ممارسات اجتماعية. وفي مجال التعليم، تهدف الأنشطة المصممة والمنفذة في الفصول الدراسية إلى تطوير الوعي اللغوي من خلال المناقشة والتحليل والتأمل باستخدام أمثلة وذخيرة لغوية مختلفة للغاية، على النحو الذي يتيح إجراء مناقشة هادفة ونقدية “.
يذهب نورمان فيركلف في كتابه اللغة والسلطة الصادر عام 2001 إلى أن السبب الرئيسي لاختياره التركيز على هذه القضية هو اتصالها بالأحوال الراهنة، ونظراً للتغييرات الكبرى في السياسات والممارسات التعليمية التي يجري تنفيذها أو يعتزم تنفيذها، ونظراً بصفة أخص إلى التقرير الذي قدمته (لجنة كينجمان)، ومداولات (لجنة كوكس) عن تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس (والإحالة في ذلك كله بسبب عدم إحراز أي تقدم كبير منذ ذلك الوقت في السياسة الرسمية من حيث الوعي النقدي باللغة).
يطرح المقال التساؤل الرئيسي التالي: كيف يمكن للدراسة النقدية للغة أن تُسهم في تحرير الخاضعين للهيمنة والقهر في مجتمعنا؟ وبعد مناقشة عامة وموجزة لإمكانية مساهمة الدراسة النقدية للغة في التحرر الاجتماعي، سنركز في هذا السياق على مجال تنمية هذه الإمكانية فيه، وهو تدريس اللغة في المدارس. والحجة المركزية في هذا السياق تذهب إلى أن: الوعي النقدي باللغة، المبني على الدراسة النقدية للغة، يجب أن يكون من الأهداف المهمة لتعليم اللغة، من خلال السعي الدؤوب إلى تقديم بعض الاقتراحات حول أساليب تنميته.
ويمكننا تعريف الوعي النقدي باللغة بأنه " فهم مظاهر الاجتماعية والسياسية والاعتقادية للغة والتغير اللغوي والخطاب. ويختص بدراسة سبب تهميش الفرد لتكلمه بطريقة معينة، خاصةً إذا اعتبرت مؤشراً على عنصره أو عرقيته أو دينه أو مركزه الاجتماعي ". أي يشير الوعي النقدي باللغة إلى فهم الجوانب الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية للغة والتنوع اللغوي والخطاب. وهو يعمل كتطبيق تربوي لتحليل الخطاب اللغوي بالاعتماد على المنهج النقدي، حيث ينظر إلى اللغة باعتبارها ممارسة اجتماعية. كما يسعى إلى تنمية الوعي النقدي باللغة كجزء من تعليم الطلبة للغة من خلال ترسيخ مهارات تحليل مضامينها التي يستخدمونها هم وغيرهم. وبشكل أكثر تحديداً، فإن الوعي النقدي باللغة هو تنمية مهارات إعادة إنتاج أو تعزيز أو تحدي سمات اللغة مثل: الكلمات والقواعد واختيارات الخطاب لإيديولوجيات معينة وصراعات من أجل السلطة والهيمنة.
إن أحد الأهداف الأساسية لهذا المقال هو رفع الوعي بأساليب إسهام اللغة في تمكين بعض الناس من الهيمنة على البعض الآخر، لأن الوعي يمثل الخطوة الأولى على طريق التحرير. وكون الوعي باللغة عنصراً مهماً من عناصر تلك " الخطوة الأولى "، نتيجة مترتبة على أساليب عمل الهيمنة في المجتمع الحديث، فالهيمنة تعمل، كما دأبت على تأكيد ذلك، بطرائق تزداد شدتها، من خلال " الرضا " لا " القسر "، ومن خلال الإيديولوجيا، ومن خلال اللغة، ولكن ازدياد الشدة المطرد لا يعني الاقتصار عليها، فلا يجوز اختزال أسلوب الهيمنة في توليد الرضا، واستعمال أوعية الإيديولوجيا واللغة، مثلما لا يجوز اختزال التحرر في " إماطة اللثام "، والتغيير وممارسات الخطاب. بل إننا، حتى ونحن نركز على اللغة والخطاب، علينا أن نذكر أنفسنا بأن التحرر الاجتماعي يدور في المقام الأول حول مسائل عملية محسوسة، مثل البطالة، والإسكان، وإمكان الالتحاق بالتعليم، وتوزيع الثروة، وتخليص النظام الاقتصادي من المصلحة الشخصية والربح ونزواتهما.