توطئة:
حققت الكتابة التاريخية المغربية، طفرة مهمة كماً وكيفاً خلال الأربعة عقود الأخيرة، حيث اتسع مجالها وتجاوزت مرحلة الرد على الأطروحة الاستعمارية وتفنيدها، واتخذت منحى اجتماعياً واقتصاديا وثقافيا، بعدما كانت مختصرة في الجانب السياسي، فاقتحم المؤرخون المغاربة مجالات كانت حكراً على الفقهاء والجغرافيين والأنثربولوجيين وعلماء الاجتماع ([1]).
هذا التقدم حتم إعادة النظر في كل المفاهيم التاريخية مثل، الوثيقة والواقعة التاريخية والحقبة التاريخية والنقد التاريخي، الذي لم يعد مقتصراً على التحقيق اللغوي والتدقيق الزماني والمكاني ([2])، كما أن هذه التحولات شملت مواضيع وفترات جديدة، كتاريخ الزمن الراهن، الذي بدأ الاهتمام به من طرف الباحثين والمؤرخين المغاربة ([3]).
فالمغرب لم يكن بمعزل عن التحولات التي شهدها العالم، فقد خضع للاستعمار ما بين 1912و 1956، وواجهت هذا الاستعمار حركة وطنية مسلحة وأحرى سياسية، وبعد الاستقلال وقعت صراعات يبن القوى السياسية، كان من نتائجها حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان خاصة في الفترة التي اصطلح على تسميتها بسنوات الجمر والرصاص، وخلال مطلع القرن الحالي، عرف ب "عدالة انتقالية"، مبنية على مقاربة تصالحية بعد إنشاء " هيئة الإنصاف والمصالحة".
وفي سياق هذه التحولات، وخاصة خلال العقدين الأخيرين اللذين شهدا توسعا ملحوظا في هامش الحريات العامة، عرف المغرب حضورا كبيرا لهذا النوع من الكتابة التاريخية، من مظاهر هذا الحضور بروز كتابات ذات صبغة تاريخية وسياسية وصحافية ومذكرات وسير ذاتية تناولت الفترة الاستعمارية وفترة الاستقلال، كما تعزز هذا الحضور لهذا النوع من الكتابة التاريخية، بالتطور التقني والإعلامي الهائل حيث يمكن الحديث اليوم، عن طغيان وهيمنة وسطوة التاريخ الراهن.
ورغم ما يكتسيه هذا النوع من الكتابة التاريخية من أهمية كبيرة، فمما لا شك فيه أن الباحث أو المؤرخ الذي يسعى إلى المساهمة في كتابته، سيواجه حتماً العديد من العوائق، وستقف أمامه الكثير من الصعوبات وستحول دونه العديد من العقبات، منها إشكالية المفهوم، والتحقيب الزمني، وإشكالية المصادر، والتداخل ما بين التاريخ والذاكرة، وكذا التداخل بين المهام أو بالأحرى من يكتب التاريخ الراهن.