anfasse27052لا مندوحة عن التأكيد على مصاحبة الأديب الجزائري وظيفيا  للثورة التحريرية في خمسينيات القرن الماضي، وإسهامه في قتال المعنى برصاص الكلمة الذي لا يدنو في شيء قيمة عن قتال رصاص النار التي كانت تحرق الوجود الوطني في بعده المادي، واقتضت طبيعة الانبلاج القطري المستقل العسيرة، عقب اندحار الإرادة الاستعمارية على الأرض أن يتواصل هذا التلازم الوظيفي ويستمر في شتى قلاع وصنوف الابداع، وينخرط في سجالات المشروع الوطني وأسئلته الاستشكالية الكبرى، اللغة، الهوية والأحادية، وهنا ارتسم الشرخ مسار الأفق المنشود بين الأديب والسلطة خطابا وممارسة، وحاول كل منهما توظيف الثاني في غير ما محطة من محطات التفاعل الوطني سياسيا وأمنيا، وإذا كانت طبيعة الصدام بين الأديب والسلطة قد تجلت ملامحها عبر كامل مسار التجربة القطرية الاستقلالية مذ لاحت علامات الدخول في مشروع المجتمع "التلفيقي" للسلطة، الذي استثار كل المشارب والمذاهب الفكرية والفلسفية عبرت عنها كتابات وإبداعات صارخة بالسخرية من الواقع المبهم والقادم القاتم الذي تنبأت بفشله وانفجاره، وخير ما جسدته بهذا الخصوص رواية الزلزال للراحل الطاهر وطار  لتعرف فترة الانهيار الكبير للمشروع الوطني "التلفيقي" فيما عُرف بالعشرية السوداء والذي أوشك أن ينهار معه البلد بكليته، ومعها برز ما عُرف بأدب الاستعجال، إسهال غير مسبوق للخيال الفني لجيل مصدوم من الواقع الدم استهوى غواية الكتابة من موقع الهواية، فوسمت إنتاجه رداءة فظيعة ومهولة على صعيد قيمة المنتج الإبداعي في ساحق غالبيته، لكنه شذ في تجربة الدم تلك كلية عن مسار اليسار الأول بحيث اصطف مع السلطة في مواجهة الإعصار الظلامي كما سماه الناقد المغربي نجيب العوفي.    

anfasse25050    إن الناظر للتنظيم المجالي المغربي ، يلاحظ نزوعا نحو تقعيد ممارسة تبتغي الحكامة الترابية ، و تهفو إرساء مجال أقرب إلى التجانس ، ساعيا إلى ضمان قدر كبير من المرونة على آليات الرقابة و التدبير ، و " توريط " الفاعل المحلي في إدارة مجاله الخاص ؛ فالمتتبع لمختلف التقسيمات التي عرفها المغرب سواء في ظل الحماية التي قسمت المجال المغربي إلى مناطق عسكرية و أخرى مدنية ، بهدف تأمين مراقبتها للبلد ، دون أن تعير اهتماما للاعتبارات الاقتصادية التي تنبني عليها سياسة إعداد التراب الوطني ، مرورا بتقسيم Célérier سنة 1948 ، و الذي استهدف تجميع الوحدات المجالية ، وصولا إلى تقسيم 1971 الذي قسم المغرب إلى سبع جهات ، و قرر تطبيق الجهوية باعتبارها أداة للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية من أجل تحقيق تنمية متوازنة لمختلف أجزاء المملكة ، و أمام عدم قدرة هذا التقسيم على تجاوز  إكراهات المجال و القضايا التنموية المتعلقة به ،رفع دستور 1992 الجهة إلى مؤسسة دستورية ، و أمدها ظهير 1997 بإمكانات مادية و مالية من خلال سياسة اللامركزية في بعدها الجهوي ، ( قانون تنظيم الجهات 96ـ 46 في أبريل 1997) ، حيث أصبح للجهة كيان مستقل يتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي ، بالإضافة إلى اختصاصات قانونية و تقريرية و استشارية .

Ianfasse08041.    التنمية من مطلب شعبي إلى حق إنساني ومسؤولية الدول بهذا الخصوص:
لقد جاء إعلان الحق في التنمية سنة 1986، ليقطع بشكل تام مع ماض كانت فيه المطالبة باحترام حقوق الإنسان مرتبطة بشكل مباشر بالاستقطاب السياسي الحاصل في العالم بين المعسكرين الشرقي والغربي إبان الحرب الباردة، حيث لعبت ورقة حقوق الإنسان دورا بارزا في تلك المواجهة، واقتصرت المطالبة باحترامها على الحقوق السياسية أكثر من غيرها، بينما غابت حقوق الشعوب في التنمية والعيش الكريم وحقوق الأجيال القادمة في تنمية مستدامة تكفل لهم فرص العيش مستقبلا.
هذا الإعلان العالمي للحق في التنمية عُرّف حينها، بكونه مسارا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا شاملا يهدف الى النهوض التدريجي بمستوى رفاهية الناس اعتمادا على مشاركتهم الفعلية والحقيقية الحرة.
لم تعد التنمية مطلبا شعبيا كما كانت في السابق بل أصبحت بموجب هذا الإعلان حقا لكل البشر، لذا فان موافقة الدول النامية على مضامين هذا الإعلان تعني انها أصبحت مسؤولة أمام شعوبها عن تحقيق التنمية والقيام بكل ما من شأنه المساعدة على إنجازها وتطوير مستواها من إجراءات واصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية.

Anfasse25041   تعد مجلة" لاماليف" بحق مرجعا سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا، لفترات مهمة من تاريخ المغرب، وبداية لأهم المثقفين و المبدعين الذين يملؤون حياتنا الثقافية ( كعبد الله ساعف مثلا) ،و السياسيين الذين يسيرون الشأن العام ( كفتح الله ولعلو و الحبيب المالكي ) و للذاكرة .سأحاول أن أسلط الضوء على هاته التجربة الصحفية في هاته الأسطر . مجلة " لاما ليف" مجلة مكتوبة باللغة الفرنسية ،ظهرت يوم 15 مارس 1966 بالمغرب تحث إدارة محمد لغلام و أوكل رئاسة تحريرها لزوجته "جاكلين ديفيد "المعروفة باسم زكية داوود المجلة صادرة عن" لغلام برس".
دلالة الاسم
"لاما ليف "كلمة مكونة من حرفيين عربيين يشكلان "لا" ،وهي فكرة زوج زكية داوود محمد لغلام الذي وافته المنية مؤخرا ، مما يحيل على موقف المجلة و انتمائها للمعارضة المغربية،سعيا منها لتجاوز الحاضر لفهم الماضي و  المستقبل و إعطاء نظرة عن الرغبة في العطاء و البناء، و ذلك ما عبرت عنه المجلة في افتتاحية عددها الأول.
فالمجلة كانت ترمز للرغبة في التغيير، و تعتبر أن كل شيء لابد أن يكون موضع تساؤل في ذلك تقول زكية داوود في حوار لشبكة الصحافة العربية " نحن نعيش في مجتمع يتظاهر بالأشياء و نحن نرفض أن نرضخ لهذا المنطق ".

Anfasse25038عرف المغرب عدة حركات احتجاجية،مارس 1965،يونيو 1981،يناير 1984،دجنبر 1990،هذا دون ذكر حالات التوتر و العنف التي عرفتها عدة مناطق مغربية.
استحضارنا لانتفاضة مارس1965،نروم و نسعى من خلاله إلى تقديم أجوبة،و لو مرحلية و مؤقتة على بعض الأسئلة التي تهم المجتمع العام و قضاياه.سنحاول تقديم قراءة تركيبية،تلملم شذرات هذه الانتفاضة،و تغوص في خفاياها،و تستنطق مسكوتاتها.
و من هذا المنطلق يظهر أنه من الضروري طرح بعض الأسئلة التي تفيدنا على مستوى التحليل،من قبيل:ماهو سياق بروز انتفاضة 23مارس؟ من هم الفاعلون فيها؟ماهي شعاراتها؟كيف تعامل معها النظام السياسي؟ماهي إفرازاتها؟ما دلالاتها و آليات فعلها و انعكاساتها البعيدة المدى؟

1-    السياق التاريخي:الظرفية السياسية و ملابساتها.
إن انتفاضة 23مارس 1965 كانت وثيقة الارتباط بمختلف الأزمات و المشكلات التي واجهت المجتمع،و ما هي إلا نتيجة موضوعية لسلسة من الإخفاقات و الصراعات السياسية التي بصمت علاقة القصر بأحزاب المعارضة و جيش التحرير.
الإسقاط التدريجي لحكومة عبد الله إبراهيم
فيكفي أن نعرف أنها جاءت في أعقاب الإقالة المفاجئة لحكومة عبد الله إبراهيم(من 4 دجنبر1958 إلى 21 ماي 1960)،و هي الحكومة التي كانت ذات توجه واضح نحو التصنيع،لذا انصب اهتمامها على بناء مؤسسات وطنية قادرة على تصنيع المواد الأولية المتوفرة،و عن معادن و مصادر الطاقة،و توفير وسيلة لضمان التزود بالنفط في أفضل الشروط الممكنة.
و تمكنت الحكومة  في المجال الفلاحي من استرجاع الأراضي التي اغتصبها المعمرون و توزيعها على صغار الفلاحين.

Anfasse20034«إن السلطة المدنيّة لا ينبغي لها أن تفرض عقائد الإيمان بواسطة القانون المرعي، سواء تعلّق الأمر بالعقائد أو بأشكال عبادة الله». جون لوك : من كتاب رسالة التسامح
عاشت مختلف القوى والتيّارات الفاعلة في المشهد السياسيّ ونشطاء باقي مكوّنات المجتمع المدني في تونس ودول الربيع العربي، ردها من الزمن، على وقع تجاذبات أفضت إلى صراعات كانت تخبو حينا وتشتعل أحيانا، وأدّت إلى مزايدات دينيّة وسجالات حماسيّة، ساخنة وصاخبة حول مسالة التنصيص في الدستور الجديد من عدمه على إعتماد الشريعة الإسلاميّة كمصدر أساسيّ أو لعلّه وحيد للتشريع. ولئن كانت هذه السجالات المحتدمة عنوانا بارزا للمناخ الديمقراطي الذي أصبحت تتّسم به الحياة السياسيّة في تونس، فإنّ ما يلاحظ في شأنها أنّها مثّلت حالة انقسام حاد في المجتمع واستقطابا ثنائيّا ما بين حركة "النهضة وما يدور في فلكها من أحزاب وجمعيّات ذات بعد ديني تتبنّى رؤى تراوح بين الوسطيّة والتطرّف، وتنشغل بالماضي أكثر من اهتمامها بالحاضر أو المستقبل، وبين بقيّة الأحزاب وخاصة منها الأحزاب الوطنيّة التقدّمية والحداثيّة والتحديثيّة، ذات البعد اليساري وحتّى الوسطي والليبرالي، التي ترنو إلى المستقبل أكثر ممّا تلتفت إلى الماضي السحيق، بغثّه وسمينه، وانتصاراته وانكساراته، ونجاحاته وإخفاقاته، وحقيقته وأساطيره.
اللّافت في هذا السياقّ أن دول الربيع الثوري العربي غدت فريسة يتصارع عليها الكواسر والجوارح ، والكلّ ينهش الوطن بما تيسّر له من "أنياب"، إن على مستوى الممارسة السياسيّة أو على مستوى الطروحات التي تستأثر بالإهتمام وتقترحها أطراف ذات خلفيّة دينيّة، مهوسة، غباءً أو انتهازيّةً، بالحلم بإمكانيّة" تأخير عقارب الساعة ، والعودة إلى"أمجاد الخلافة التي إستنفدت كل أغراضها وانتهت صلاحيتها وأصبحت من التاريخ الأليم، بعد فشل مدوّ في الحفاظ على وحدة الأمّة الإسلاميّة، بما جعلها فريسة سائغة للإستعمار.

anfasse110261ــ من هو المثقف ؟؟؟
"المثقف" هو مَن  تراكمَ لديه كمّ هائل من المعرفة  بإدراك واع فتَتم ترجمتُها من صور تجريدية وأفكار ذهنية إلى لبنات ملموسة على أرض الواقع ، متسلحا بالعزيمة :ونعني بها  القوة الإرادية على إخراج أفكاره إلى الوجود تطبيقيا ؛ والفعل أي تحويل كل المدركات بما فيها  القيم وكل مكونات الثقافة  التي هي في صالح الإنسان ، وتقدم له خدمات جليلة  تعود عليه بالنفع والخير إلى حيز الوجود كما ذكرت ...والمثقف  طيلة عمره مشحون بنزعة الشك والاستمرارية ، مهووس بالجديد والتجديد، لايقنع  أبدا بما أنتجه ،أو بما  هو بين يديه ..المثقف أولا وأخيرا هو  دينامو الحركة والتغيير عن طريق البحث والتنقيب من أجل الوصول إلى الممكن على أنقاض ما كان...
2ــ المثقف والتغيير
المثقف ليس منفصلا عن الواقع ، ولا على ترسبات الماضي ، فهو متشبع بالتقاليد والأعراف ، والأفكار التقليدية ، لكن بحكم معاينته للواقع والوعي بأوضاعه ، وطبقا لمقارنته مع الركب الحضاري ، وما يراه بعين العدل والحق ، وطموحه القوي  في أن يعيش الإنسان كريما متمتعا بكافة الحقوق الإنسانية ، والبحث عن الجديد خوّل له أن تتضح الرؤية للواقع وللفعل الاجتماعي. كمثقف فاعل بالإبداع والخلق ، وذلك عن طريق التجديد بأفكار نيرة تسير بالإنسان والمجتمع إلى الرقي ، وهذه الرؤيا التي يتحلى بها المثقف ، لم تأت من فراغ ، ولانبوءة أوحى له بها ملاك ، وإنما هي نتاج حمولة فكرية ترسبت في الذاكرة من خلال ما لملمه من الماضي  سالفا ، وتفاعله مع الحياة والواقع حاليا ، حيث أدى هذا التراكم الثقافي إلى نهج طريق نقدي متجدد يقتات من السيرورة التاريخية  ، ليقفز على  بعض الموروثات  والرؤى التقليدية التي تناشدها العقليات القديمة ، مدعمة بثوابت مطلقة وأصول ثابتة توسع المساحة بينها وبين رؤية عقلانية نقدية لواقع الحياة ، وإبداع المثقف المناشد للتغيير لن يكون بأي حال من الأحوال  أسير القرائن الجامدة التي تشكل حلقة   جامدة    في  جسد العقل النقدي ، فتعطل قدرته  على  الخلق والسير إلى الأمام لمصافحة ركب الحضارة والتطور  ..

anfasse11022يعد ماكيافيللي من أبرز الفلاسفة والمنظرين الواقعيين للدولة الحديثة، هذا الأخير استفاد من المنهج التاريخي في عملية استقراء تاريخ الأمم وتجاربهم في الحكم، لمعرفة أسباب سقوط دولهم وانتهاء حكمهم وزوال حضارتهم، محكوما بهاجس السؤال التالي: لماذا تعمر دولة ما طويلا وتسقط وتزول الأخرى سريعا؟ الجواب على هذا السؤال هو ما دفع ماكيافيللي إلى التأليف في السياسة، ورصدها وتتبع خيطها الناظم منذ القديم إلى عهده. ومن أهم ما ألفه في السياسة نجد كتاب "مطارحات" و"فن الحرب" و"تاريخ فلورنسا" و الكتاب الأكثر شهرة هو  "الأمير". وهو كتاب يوجه مجموعة من النصائح للسلطان في كيفية تدبير شؤون إمارته والحفاظ على سلطانه وبقاء دولته، وهو في ذلك يشبه كتاب "الآداب السلطانية" للماوردي الذي يقوم بتقديم النصح للسلطان في كيفية الإحكام برقبة الأمة وآليات قهرها وإخضاعها واستدراجها للانقياد وراءه. والهدف من كتاب "الأمير" هو البحث عن القوانين المتحكمة في السلوك السياسي والتي تقود إلى النجاح في العمل السياسي وتدبير الحكم، بعيدا عن دائرة الأخلاق والفضيلة، واضعا بذلك أسس علم السياسة الحديث، أو فن إدارة الدولة، جاعلا من السياسة حرفة وليس مجرد تنظير أخلاقي وفلسفي كما كان سائدا من قبل.