7041339-handprintيستهل الكاتب إيمانويل طود Emmanuel Todd مؤلفه بانتقاد لاذع لساركوزي و أسلوبه في الحكم و سلوكه اليومي العادي، مؤكدا على اختلاط اللعبة السياسية بفرنسا و عدم إمكانية التمييز بين اليمين و اليسار و هيمنة المصلحة الخاصة، و خاصة المادية منها، على حساب الوفاء للحزب أو لمبادئ أيديولوجية و سياسية بعينها. و يعبر هذا في العمق في نظره على النهاية الفعلية للأيدلوجيا: "إن زمن ساركوزي هو حقبة غريبة انفجرت فيها  الإتفاقات السياسية و اختفت فيها العادات الأيديولوجية و سقطت الكرامة في غيبوبة ...  فاستقطاب اشتراكيون كإريك بيسون، جون بيير جويي، برنارد كوشنير و جون ماري بوكل أو شخصيات تعد على اليسار كفضيلة عمارة و مارتين هيرش كانت بمثابة صاعقة بالنسبة للحزب الإشتراكي"[1] .
و إذا كان ساركوزي، على حد تعبير الكاتب، يمثل نموذج السياسي اليميني الذي يعمل جاهدا من أجل انحلال الأيديولوجية السياسية، فإن "سيجولين روايال" تمثل نفس الشيء في القطب الإشتراكي: "لا يجب تصور سيجولين روايال و نيكولا ساركوزي في معزل عن بعضهما البعض: إنهما يشكلان مترادفينْ tandem، أي يجران العربة معا الواحد بعد الآخر. لا يعتبران في نظر المؤرخ و السوسيولوجي إلا أعراض إضافية لحالة فراغ أيديولوجي عام و للصعود القوي لقوى سلبية ضد الديمقراطية"[2].

 abstr-lumieالصدمة الإرهابية التي تعرضت لها  باريس مدينة التنوير والأنوار  كانت أشبه بالبركان بالزلزال بالإعصار الذي هزّ  العقل الغربي وأيقظه من غفوته الحالمة . فالإرهاب تمكن هذه المرة من قلب الحضارة الغربية واصابها في الصميم ليضرب أحد أعظم أركان الحضارة في الغرب الأوروبي ويصيبها بطعنته النجلاء في صميم مبدأ الحرية الذي هو أصل الأصول في الكيان الحضاري الغربي . فقتل الصحفيين الفرنسيين في عقر دارهم اغتيال لحرية الفكر والعقل اغتيال لفكرة التنوير الذي تقوم عليه الجمهورية الفرنسية منذ القرن الثامن عشر حتى اليوم . ومما لا ريب فيه أن الحرية  المحصنة تشكل غرة الثقافة الفرنسية والحضارة الغربية برمتها ، وما حرية الصحافة في أوروبا وفرنسا سوى التعبير الأعمق والأشمل عن روح الحضارة الغربية برمتها .
مقتل الصحفيين بهذه الطريقة الوحشية سابقة نَدُر مثيلها في التاريخ الإنساني الحديث ، وستشكل هذه الحادثة شرخا كبيرا  في طبيعة العلاقة الحضارية ما بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي وما بين المسيحية والإسلام . وقد تكون أشبه بشرارة موجة من الإرهاب القادم بين المسيحيين المتطرفين من جهة وبين المتشددين الإسلاميين المتطرفين من جهة أخرى  وربما ستكون الضربة قاسية على قوى اليسار في أوربا ؛ فالحادثة أضعفت قوى اليسار الأوروبي واليسار الفرنسي الذي نهج نهجا سياسيا تسامحيا وديمقراطيا مع المغتربين العرب والمسلمين والذي لطالما كان وما زال مناهضا للسياسيات العنصرية ضد المسلمين والعرب في أوروبا قاطبة .

mohmed-rmihiالقضية المطروحة أولا على الدول الأوروبية، وثانيا علينا نحن العرب، بعد حادثة اغتيال الصحافيين  العاملين في مجلة «شارلي إيبدو» في باريس، ليست جديدة؛ هي قضية أصبح لها الآن أكثر من نصف قرن تقريبا، تنمو في خلفية المشهد المُكون للعلاقات الأوروبية مع الجوار الجنوبي، وفي السنوات القليلة الماضية بدأت تتصدر المشهد، وعادة ما تُتناول تلك القضية، إما بشكل موسمي، أو عندما يحدث حادث خطير، كما حدث في الأسبوع الماضي، ثم تختفي القضية خلف أولويات دولية أخرى، أو مناورات سياسية. القضية الأساس في الصورة الأوسع لا في الأجزاء أو التفاصيل، هي الإجابة عن سؤال: هل تعترف أوروبا (بما فيها فرنسا) بالديانة الإسلامية والمسلمين بين ظهرانيها، بأنهم أحد مكونات أوروبا الحديثة التي يجب التعايش معها أم لا؟ الإجابة عن هذا السؤال بأي توجه كان، يقدم لنا مشروع حلول للكثير من القضايا العالقة، ولكنه سؤال لا يأبه بالإجابة عنه السياسيون، لأنهم في العادة يوظفون الأحداث بشكل يخدم مصالحهم الآنية، لا مصالح الكتل السكانية الكبيرة التي من المفروض أن يمثلوا مصالحها الاستراتيجية، فيبحثوا عن الحلول الآنية لا الحلول طويلة الأمد.

8516259 orig  لا غرو أن العمل السياسي لا يكون له معنى إذا لم يضع المثقف بصمته فيه، لأن الثقافة هي الضامن الأساسي لطهر السياسة و عفتها. و إذا انفصلت السياسة عن أصلها الثقافي و الفكري و الأخلاقي، طغى ـ لا محالة ـ على من يمارسها النفع الذاتي و الاقتصار على خدمة الأجندة الإيديولوجية الحزبية، خاصة إذا كانت عقلية السياسي رهينة لما تقرره القيادة الحزبية، ومُنْصَاعَة لـ (نظرية القطيع) التي تعمل المنظمة السياسية على ترسيخها.
    إن ما يعيب سياسة العصر الحاضر أنها موسومة بالسمات التالية:
-    إنها سياسة ارتجالية غير محددة المعالم، غوغائية، يتصارع فيها الجميع (الأغلبية) ضد الجميع (المعارضة).
-    إنها سياسة الاتكالية و اللامبالاة، فهي سياسة يعتمد فيها السياسي على الآخرين سواء كان هذا الأخر هو الحزب أو الحكومة....
-    إنها سياسة جامدة يسودها تكرار البرامج و اجترارها و ينقصها الإبداع و التجديد.
-    إنها سياسة ركب سفينتها العامة و الخاصة، فأراد البعض الاستسقاء من الأعلى و أحتاج الآخرون إلى خرق السفينة حتى لا يمروا على من فوقهم، فغرقت السفينة و طفقوا يلقون اللوم على بغضهم البعض.
-    إنها سياسة ـ في غالبها ـ تتناقض فيها الأقوال مع الأفعال و تستفحل فيها ظاهرة (الكلام الكبير) ـ على حد تعبير طارق حجي ـ. لهذه الظاهرة جعل البعض يصفنا بأننا (حضارة كلامية) أو (حضارة حنجرية) أو مع التطور العلمي (حضارة ميكروفونية). فما يقال في (الخطابات السياسية) لا يقابله أي شيء محدد في (الواقع المادي).
  فكل ما أصاب الواقع السياسي من عبث في المواقف و فساد في الرؤى و التوجهات، مَرَدّه غياب المثقف عن المشهد السياسي و غيابه هذا سببه أمرين اثنين:
ـ

LAW12" إن القانون كالمسافر،  يجب أن يكون مستعدا للغد، عليه أن يحمل بذرة التطور في ذاته "
القاضي  كرد  وزو.
يرفض الفيلسوف الفرنسي جيل  دولوز أن تكون الفلسفة في تميزها و اختلافها عن العلوم و المعارف الأخرى ,مجرد تأمل أو انعكاس الفكر على ذاته,كما يرفض أن تكون تواصلا و مشاركة بين الذوات في الفضاء العمومي, من أجل صياغة الحقيقة, و الرفض هنا يطال القول الذي يجعل من الفلسفة وليدة للدهشة , و تعلم التفكير , و ممارسة الشك لمعرفة الذات لذاتها بذاتها, ننتهي مع دولوز إذن أن الفلسفة لا هي تأمل و لا تفكير و لا توصل , إنها بكل تأكيد فن تشكيل و إبداع للمفاهيم, و بذلك تصير  المهمة  الأولى  للفلسفة  هي  خلق  المفاهيم  و  نحتها ، وهي  بذلك  تنفرد  بهذه المهمة  عن باقي  المعارف  الأخرى,   من  حيث  كونها  مبحثا  ثوريا  لا  يتوقف  عن  ابتكار  المفاهيم،  وعملية النحت  و الإبداع  هاته  ليست  بالعملية  السهلة  ،  كونها  تخرج  على  حد  تعبير  دولوز  من  رحم  الكتابة الفلسفية  ،  كما  يخرج  الوليد من  رحم  أمه ،  عبر  سلسلة  من  الألم  و  المعاناة   القاسية.

azeiddine-inayaعزالدين عناية في حوار مع عبدالسلام سكية الصحفي في جريدة الشروق الجزائرية
-    كيف تنظر إلى تسابق الكثير من شباب الدول الغربية إلى الإلتحاق بصفوف الدولة الإسلامية , هل تعتقد أنّ التنشئة الإسلامية في العالم الغربي تميل إلى التشدد ورفض ما في العالم الغربي؟
ثمة حملة قذرة يتعرض لها المسلم في الغرب، سواء منه المهتدي إلى دين الإسلام أو الوليد في تلك الربوع ويعود إلى أرومة إسلامية، ولا أستبعد دوائر كنسية ويمينية وراء ذلك التشويه المتعمد بقصد محاصرته وصده، باعتباره مريضا نفسيا يتحول إلى دين عنيف وهمجي، أو باعتباره رافضا للاندماج. الإسلام يخطو خطى مهمة في الغرب، ولا سيما في أوساط الطلاب والمثقفين، حتى ليمكن الحديث عن ظاهرة اهتداء للإسلام لا تخلو منها أي دولة أوروبية، تم ابتكار أساليب مستجدة للوقوف أمامها.

mehdi-amileاليوم يتأكّد لي أكثر من أيّ يوم مضى مدى الحضور الحيّ والقويّ والفاعل لمهدي عامل. “لأنّ الذين أحبّوا مهدي ويحبّونه يعرفون جيّدا أن حسن/ حمدان مازال يشعّ وجودا فعليّا. فالنّسيان والفراق والموت لا يمكن أن يهدّد وجود من وضع وجوده كلّه في مشروع حياة، من خاض كلّ نضال من أجل الحياة نفسها. إنّ حلم مهدي هو بناء عالم من أجل الإنسان في كلّ أرض الإنسان”1.
هكذا هم الشّهداء الحقيقيّون، شهداء حرّيّة الفكر والكرامة والقيمة الإنسانيّة، يتحدّون القتلة الطّغاة و يسخرون من حدود ومحدوديّة الاغتيال، فيصرّون على الحضور الكامل إلى جانب شعوبهم، خاصّة في مثل هذه الأوضاع التي تعيشها شعوب جنوب شرق المتوسّط، حيث يتحايل مثلّث الخراب والدّمار والفاشيّة، المتمثّل في الإسلام الطّائفي السّياسي والرّجعيّة القروسطيّة الخليجيّة والقوى العظمى الغربيّة والشّرقيّة على تحريف الثّورات وتيئيس الشّعوب من الضّرورة السّياسيّة الكامنة في صيرورة تطوّر الحركة التّاريخيّة لمجتمعاتهم نحو الآفاق الرّحبة للتّغيير المستقبلي.

130719-jordanie-syrieمصادر عديدة تدخل في تشكيل الماركة السياسية منها العامل البلاغي الذي يصاغ عبره المنتج السياسي سواء كان مؤسسة أو مرشحاً او برنامجاً ، وهو يندرج تحت ما يسمى بالحدث المتحكم به.
وفي تفكيك أثر هذا العامل لا بد من الإشارة إلى أن البلاغة بالتعريف هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال وأنها لكي تؤتي أكلها في التشكيل الناجح للماركة السياسية تمرّ بثلاث مراحل في مساهمتها في سيرورة صناعة المعنى التي تساهم بدورها ، و باعتبارها ممارسة اجتماعية تتوسط  - بحسب نظرية التشييدية الاجتماعية - بين الخطاب وبين الكيانات الاجتماعية في التأثير على هذه الكيانات التي هي الجمهور المستهدف باستعارة مصطلحات التسويق السياسي  الأول هو التأطير والثاني هو التحقيق والثالث هو الترسيخ .
أما التأطير فيقصد به الصياغة للمنتج ، وأما التحقيق فيعني تجسيد المنتج تجسيداً عملياً ، وأما الترسيخ فهو قدرة العامل البلاغي عبر انتشاره على تحويل المنتج إلى مكون متناسج مع البنية الذهنية والنفسية للمستهدف بهذا المنتج .