tunisie 11من يتأمل الوضع العربي الراهن يصاب بالذهول والخوف. ذهول مما آل إليه العرب من تقتيل وترويع من جهة. وخوف مما سيؤول إليه مصير جيل كامل من سكان المنطقة من جهة أخرى, بعد موجة الربيع التي انطلقت شرارتها من تونس, لتنتشر بعد ذلك على امتداد العالم العربي من الماء إلى الماء. والتي تساهم فيها مختلف الشرائح الاجتماعية والمكونات السياسية و الثقافية و الاثنية واللغوية الغنية والمختلفة.
لقد كانت البداية كما يعلم الجميع عندما خرج التونسيون إلى الشارع بعد سنوات من حكم بن علي و بطانته, وشكل هذا الخروج صدمة للشارع العربي, بل شكل صفعة أيقظت الناس و أحسوا من خلالها أن التغيير ممكن. و ان الحاكم العربي أصبح إما جرذا يفر بالزحف الشعبي, كما فعل بن علي, أو وحشا  يشنق كما فعلت أمريكا و عملاؤها بصدام حسين من قبل. غير أن النتيجة المهمة هنا ليست هي الشنق أو الهروب, و إنما هي كسر جدار الخوف من النظام المهيمن. فالحاكم العربي فقد وضعه الاعتباري, و تحطمت تلك الصورة النمطية التي ألصقت به كزعيم له هيبة و كريزما, فأصبح ينظر إليه كوصمة للذل و الخيانة والخنوع.

collision إن كتاب الأستاذ مصطفى العراقي "من باحماد إلى بنكيران: الصدر الأعظم قطيعة أم استمرارية؟"، يشكل عملا صحفيا متميزا أغنى المكتبة المغربية نظرا لتناوله موضوعا سياسيا ودستوريا وتاريخيا مهما هو تاريخ تحولات مؤسسة رئاسة الحكومة / الوزارة الأولى وجذورها التاريخية منذ أول حكومة مغربية برئاسة امبارك البكاي سنة 1955 إلى الحكومة الحالية برئاسة عبد الإله بنكيران. فأهمية الكتاب تكمن في ثلاث نقط أساسية:
·    أولا: أنه يأتي في سياق النقاش الدائر في المغرب بعد الإصلاحات الدستورية سنة 2011 حول الصلاحيات الواسعة لرئيس الحكومة في الدستور الجديد، ومدى ممارسة رئيس الحكومة الحالي لهذه الصلاحيات في ظل التحولات التي يعرفها الحقل السياسي المغربي منذ ما سمي بـ "الحراك المغربي".
·     ثانيا: أن الكاتب يفتح الباب على موضوع حاضر في دراسات العلوم القانونية والسياسية وغائب في حقل البحث التاريخي وخاصة تاريخ المغرب الراهن باعتباره حقلا جديدا بدأ الاهتمام به من طرف الباحثين المغاربة.
·    ثالثا: أن هذا العمل يقدم للقراء عموما والشباب المغربي بشكل خاص بيوغرافيات لشخصيات سياسية بصمت تاريخ مؤسسة الوزارة الأولى / رئاسة الحكومة وتاريخ المغرب بشكل خاص، وفي ذلك تأسيس حقيقي لمصالحة معرفية وتاريخية مع فترة حرجة في تاريخنا الراهن أسست للمغرب المستقل بتحولاته السياسية المتعاقبة، وبصراعاته الاجتماعية، وسياساته الاقتصادية، وأسئلته الثقافية.
      لذا سنحاول خلال هذا المقال تقديم كتاب الأستاذ العراقي وعرضه من زاويتين: الأولى القراءة الخارجية للكتاب، والثانية القراءة التفاعلية معه من خلال خمس قضايا سأطرحها للنقاش والتفاعل مع إشكاليات الكتاب ومحاوره.

RERRR444توطئة:    
" أنا يا تونس الجميلة في لج الهوى     قد سبحت أي سباحه
شرعتي حبك الجميل وأني           قد تذوقت مره وقراحه "1[1]
لماذا الحديث عن بلادنا الجميلة؟ وماهي الدوافع التي جعلت الفكر يطالب الحلم الجميل بالقدوم؟
يقع الفكر فريسة سهلة للايديولوجيا حينما يسعى الى تحقيق أغراضه الخاصة على حساب المقولات الكلية ولما ينظر الى أحكام الواقع من زاوية اعتبارات المصلحة والآراء المتداولة.
لقد آن الأوان بالنسبة للكتاب والشعراء والنقاد لكي يتركوا الجدران السميكة للايديولوجيا ويغادروا الأرض الصلبة للديماغوجيا ويكفوا عن تدوير الزوايا وتربيع الدوائر الفارغة ويقلعوا عن السير في المتاهات الوعرة ويعتبروا من دروس التاريخ ويتعظوا من عناد السائد ونهشة الواقع ويسقطوا من حسابهم واجبات تلبية نداء الأقاصي وتجسيم الأحلام الوردية الآن وهنا.
من هذا المنطلق حري بالفكر الحاذق أن يطرح المزاعم والدعاوي وعناصر القيمة جانبا وأن يتنحى عن التقييم الذاتي والتأملات الفارغة ويفتح الباب على التو نحو عالم الحياة وينخرط في أفعال قصدية ويباشر التفريق بين الجيد والرديء وبين الضار والنافع وبين المؤجل والعاجل.
ما يراهن عليه الفيلسوف ههنا هو اخراج العقل من أبنيته المعرفية المجردة الى الميدان العام والزج به في التاريخ الحي للشعوب وجعله منظومة معيارية وفضاء تقويمي للحياة البيذاتية التواصلية والاحتكام اليه في فض النزاعات وامتصاص العنف وايجاد مخرج للقضايا المستعصية.

k-edward-mitchellهدفنا من هذا المقال تبيان الدور الذي لعبته الحركات التحررية في بلدان العالم في القرن الماضي، والآمال التي عقدت عليها في خلخلة القوى الرأسمالية سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي- الاقتصادي. الجدير بالذكر في هذا السياق أن اليسار الجديد مفهوم ظهر مع هربرت ماركيوز للدلالة على القوى الجديدة التي عوضت البروليتاريا المعارض التقليدي للنظام الرأسمالي، لأنه يعتقد أنها لم تعد قادرة بعد على ممارسة التفكير السالب في الشروط المعاصرة، نظرا لما طالها من وسائل التدجين والاحتواء، إلا أنه لا زال متفائلا إلى حد كبير بالقوى الرافضة التي لم تستطع الاديولوجية القائمة احتوائها، لأنها أصبحت جزءا من النظام القائم، وتخلت عن دورها التاريخي منذ أن قبلت الاشتراك في اللعبة البرلمانيةle jeu parlementaire .

 من هذا المنطلق تصبح القوى النافية الجديدة هي التي لم تندمج بعد في إطار هذا النظام العام، والتي لم تنطو داخل مؤسساته السياسية، برفضها الاشتراك في قواعد اللعبة البرلمانية المعمول بها في النظام القائم. ويعبر ماركيوز عن خصائصها فيقول:" وهذه المعارضة غير مزودة بأساس طبقي تقليدي، وهي تتراءى كأنها عصيان سياسي، وغريزي، وأخلاقي دفعة واحدة: تلك ملامح "غير مستقيمة" تكيف استراتيجيتها وتمدد ساحة عملها، وهي لا توقر الديمقراطية الليبرالية ولا البرلمانية القائمة، وتحمل على جملة تنظيم المجتمع"[1] .

photo-POLI4444حين تبدي شريحة واسعة من المواطنين عزوفها عن المشاركة السياسية , فهي لا تكف عن ممارسة السياسة من خلال منافذ أخرى , لعل أهمها إبداع أشكال جديدة للسخرية من سلوك النخبة السياسية . سخرية تغذيها رحابة الأنترنيت في توفير برامج و أدوات لتصميم و إبداع ردود أفعال تمزج بين الطرافة و المرارة ! وضع كهذا يفرض طبعا بذل جهد كثيف لاستعادة ثقة المواطن , و التصدي لمجمل الاختلالات التي تعيق إشراكه في تحديث و تطوير الأداء السياسي .
 يأتي الالتباس القيمي الذي يطبع مواقف النخبة السياسية و تصريحاتها في مقدمة هذه الاختلالات  فالسماح للأكاذيب بالتسلل إلى ثنايا القول السياسي أنتج خطابا مشوشا و ساذجا , وحول المشهد السياسي إلى فضاء للغو و تبادل اتهامات سخيفة , و دعوات للإقصاء و التخوين و رمي الآخر في البحر !
لماذا يكذب السياسي ؟
إن الكذب في الحياة اليومية انحراف عن النسق الأخلاقي , لكنه في السياسة جريمة . هذا ما عبر عنه خبير الشفافية الدولي الأمريكي مايكل هيرشمان في معرض رده عن سؤال حول كيفية محاسبة المسؤول الفاسد . فالكذب من قبل السياسي أخطر من جريمة الفساد التي يحاسب عليها القانون , إذ أن السياسي عندما يكذب يحاول تحقيق مصالح خاصة بطرق غير مشروعة .

img-9مقدمــــــة
   احتل القطاع الفلاحي منذ 1956 صدارة الاهتمامات الوطنية، و تم اعتباره بمثابة حجر الزاوية في التنمية الاجتماعية و الاقتصادية للبلاد، فغداة الاستقلال حدّد الملك محمد الخامس في أول رسالة له إلى الفلاحين يوم 13 شتنبر 1957، ملامح الفلاحة المغربية، بجعل القطاع الفلاحي يحتل مركز الصدارة في سياق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد.
"كان طبيعيا أن يشمل برنامجنا الإصلاحي العام الذي رسمناه في مستهل العهد الجديد، الميدان الفلاحي و كان لابد لنا أن نوجه قسطا كبيرا من اهتمامنا إلى إيجاد الوسائل الكفيلة بترقية حالة الفلاح، و رفع مستواه المعاشي و الاجتماعي، فالمغرب -كما لا يخفى- بلد فلاحي، و معظم سكانه فلاحون و من المؤسف أن هؤلاء أهمل شأنهم إبان العهد البائد أيما إهمال..."[1]
مقتطف من نداء الملك محمد الخامس في 13 شتنبر 1957.
   لقد كان الهدف من البرنامج الإصلاحي لمحمد الخامس إحداث قطيعة مع فترة الحماية الفرنسية و الاسبانية و مباشرة تنمية البوادي من خلال تأهيل اقتصادها الفلاحي، فالرفع من الدخل الفردي للفلاح و تمكينه من الرقي و التقدم مشروع لا يمكن فصله عن القاعدة المادية للفلاحة و المثمثلة في مختلف وسائل الإنتاج التي ركزتها سلطات الحماية ما بين 1912 و 1956 في يد المعمرين. و لهذا السبب ستشكل الأرض و الماء محور الإصلاح الزراعي في المغرب بعد الاستقلال.

3inaya-azzeddineسفينة الربيع العربي التي أبحرت من تونس عادت إلى مرفإ الانطلاق خاسئة حسيرة. ومرساها في تونس ليس على الجوديّ، فهي تترنّح وقد اشتدت بها الريح في يوم عاصف. ذلك ما لاح لي خلال شهر أغسطس/أوت الذي قضيته في بلدي. فالتجربة تشهد امتحانا عسيرا، ومكابرٌ من يدعي ان الأوضاع مستتبة والعواصف سكنت. لقد تعثرت الأمور في جل الميادين، وطفح مقتٌ من قلوب الناس شاع على الألسن. وأرجّح أن الحالة عائدة بالأساس لعامل رئيس على صلة بمسلك حركة النهضة. أن النظر للواقع لدى قادتها، يختزل عقماً تاريخيا يعاني منه العقل الديني الإسلاموي، بموجب افتقاره إلى السداد والحصافة والفطنة. فهناك اعتماد على الولاء المستند إلى المعايير الحزبية البالية، دون إيلاء انتباه إلى شروط القوة والأمانة والعلم والكفاءة الواردة في قوله تعالى: "قالت إحداهما يا أبت استأجره إنَّ خير من استأجرت القوي الأمين" و"قال اجعلني على خزائن الأرض، إني حفيظٌ عليم".

al-jazeeraدرج الاعلاميون في معظم المنابر الاعلامية على القول بأن مهمتهم كإعلاميين تنحصر في نقل الخبر كما هو لا غير، و هي مقدمة تخفي نتيجة مضمونها حيادية الاعلام و نزاهته بل و أمانته في نقل الأحداث و الوقائع كما هي دون زيادة أو نقصان و دون أي إقحام للذات في الموضوع. و هذه النتيجة الأولى تقذف بنا في اتجاه نتيجة أكبر عنوانها موضوعية الإعلام و الاعلاميين، مع ما يعنيه هذا المفهوم (الموضوعية) في حقل العلوم الحقة كالرياضيات و الفيزياء و غيرها. من هذا المنطلق سنحاول ان نطرق بعض جوانب هذا الموضوع انطلاقا من جملة من التساؤلات نوردها على الشكل التالي:
هل الإعلام موضوعي فعلا في تعاطيه مع الأحداث و الوقائع التي ينقلها؟
ألا يقحم الإعلامي ذاته بشكل من الأشكال في المواد الإخبارية التي يقوم بنقلها و تبليغها؟
هل كانت قناة الجزيرة، كمثال، موضوعية في تعاملها مع أحداث الثورات الأخيرة؟