علي الحسن أوعبيشةإن الهدف الأساسي من هذه الورقة ليس هو البحث في مشروعية الخطاب الوهابي أو العكس، وليس سعيا لإدراك معالم هذا الخطاب أو استكناه خصائصه ومميزاته، إنها لا تجيب عن سؤال ماهي داعش؟ أو ما هو الخطاب الوهابي؟ بقدر ما تسعى للانخراط في المسعى الجينيالوجي الذي يهدف إلى حلّ ألغاز الخطاب المتمثّلة في القوى التي تديره والتي تنتجه والتي من مصلحتها أن يكون، محاولة منا إذا للإسهام في المخاض المتجدّد للسؤال الجينيالوجي (من؟)  أي من يقف وراء داعش؟ ومن من مصلحته أن يكون الأمر على هذا الحال؟ إنه سؤال ينبش ويحفر في جغرافية المتستر والمقنّع والمخفي...
وهذه الدعوة إلى إقامة جنيالوجيا للخطاب الوهابي أقرب ما تكون إلى رغبة جادة في رسم معالم هذا الذي يوجّه ويقود الخطاب الوهابي بما هو ممارسة جهادية وفعل سلفي تكفيري، في اتجاه فضح استراتيجية القوى المقنّعة التي تحجب ذاتها وترسم لنفسها صورة مزيّفة عبر عدسات تروّجها من خلال سحر "شعاراتها" ودفء تعويضها للمعتقد.
لكي نجيب عن سؤال: من يوجّه داعش؟ علينا أولا أن نبين من يوجّه الخطاب الوهابي ككل من حيث كون داعش ممارسة عملية لهذا الخطاب على أرض الواقع؟

citadelleلقد كان للمثقف العربي من صفاء الفكر و نقاء الضمير ما جعله يتماهى مع صفات الأنبياء . و يكفي أن نتذكر ما يبذله البعض من جهد و عناء سواء في الوقت الحاضر أو الماضي . ٳذ يحاول هؤلاء الوصول بالمجتمعات العربية  إلى الغاية القصوى ؛ أي مملكة الغايات ليبلغ الإنسان العربي الفردوس المفقود ، بمطابقة السماء للأرض حيث تضمحل السنوات الضوئية الفاصلة بينهما . لكن و بمقدار ما يحاول هؤلاء جر السماء إلى الأرض ، فإن البعض الآخر يسعى بلا هوادة إلى تعميق الفجوة بينهما ، لتحل لعنة التدمير و الإبادة انطلاقا من فئة نصبت نفسها راعية السماء على الأرض .
فما تناقلته الأقاويل عن لعنة الأقوام البائدة ، لما شاع فيها من صنوف الممارسات اللاأخلاقية – لا نغالي إن قلنا – قد بدأت في الحلول بالمجتمعات العربية . فالتشدق بمواصفات الحداثة تحت جلباب الشيخ ، و فقدان الجذر الوتدي للمجتمع العربي أفقدا الذات العربية القدرة على تخطيط الإجابات الواعدة للوصول إلى المثل الأعلى .
فكيف حال مثقف الدولة دون بلوغ المجتمعات العربية فردوسها المفقود   ؟
مثقف الدولة  أكبر مخترع عندما يتعلق الأمر بتقنيع مصالحه الخاصة ، و ذلك  بزيادة نسبة المدخول التصوري الذي يوهم من خلاله خدمة الصالح العام . و بتعبير أدق ، لا يكف عن اتخاد نفسه بالمعنى النرجسي موضوعا ،مدعيا التكلم عن الآخرين بالنيابة ، متقمصا دور النبي المؤيد بشكل خفي من طرف الدولة .

chefichouهل التقرير الذي تقدمت به اللجنة الاستشارية عن الجهوية المتقدمة لامس نموذجا جديدا للجهوية بالمغرب تاريخيا ، مجاليا و حقوقيا ؟ و أي جهوية نريد ؟
2)    حقوقيا :
ان إعمال البيروقراطية ( خاصة مع جهة الشمال/الريف الكبير ) بدل الديمقراطية التشاركية يتناقض مع المرجعية المعيارية المؤسسة لمشروع الجهوية المتقدمة وهي المتمثلة في الخطاب الملكي يوم 30 يناير 2010 غداة تنصيبه لهته اللجنة وقد ورد في مضامينه :  ( لذا قررنا اشراك كل القوى الحية للأمة في بلورته...وطبقا لما رسخناه من انتهاج المقاربة التشاركية في كل الاصلاحات الكبرى ، ندعو اللجنة الى الاصغاء و التشاور مع الهيئات و الفعاليات المعنية  و المؤهلة ) . فقد كان اقصاء وزارة العدل(نموذجH) كفاعل تشاركي يؤكد تغييب الدولة للمقاربة الحقوقية و لمبادئ العدالة الانتقالية في تعاطيها مع الجهات التاريخية التي تعرضت لجرائم ضد الانسانية و لانتهاكات جسيمة لحقوق الانسان.

Blue Polesشكلت عبارة الأمن القومي خيطا رفيعا في النسيج المفهومي ،للمعجم السياسي الدولي ،لذلك حظي باهتمام جميع الدول ،لاسيما الدول العظمى،وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبره :
أساس وجودها .
مصدر قوتها .
أساس قوتها .
فلسفة التشريع لسياساتها الخارجية .
لهذه الاعتبارات السيادية والسياسية ،ظلت الولايات المتحدة الأمريكية ومازالت تنظر إليه على انه المجال الحيوي الذي يمدها بالقوة،من جهة ،ويمنحها الذرائع لترسم سياساتها الخارجية ،وفق الرؤية السياسية القادرة على تحقيق مصالحها في أي منطقة من مناطق الخريطة الكونية .و نظرا لأهمية ومكانة هذا المجال الحيوي لدى الساهرين على تدبير شأن الأمن القومي،فإنهم يسخرون  الطاقات البشرية   الكفوءة ،القادرة على تحمل المهام بأمانة ومسؤولية ،و كذا توظيف اعتمادات مالية ضخمة لتغطية النفقات المخصصة لتنفيذ البرامج والخطط الاستراتيجية الأمنية داخل البلاد وخارجها .وذلك من خلال تجنيد شبكات أمنية متخصصة في هذا الشأن .والجدير ذكره في هذا السياق ،أن الأمن القومي في العرف الامبريالي ، أو السياسة الامبريالية،يدعم بالقوة العسكرية ،لأنها على حد تعبير احد الخبراء العسكريين الاستراتيجيين في الأمن القومي،" هي الدرع الواقي للأمن القومي ،الذي يرهب العدو ويجعله يفكر مليا قبل الإقدام على العبث بأمن البلاد..." وعلى هذا الأساس ،ظل الأمن القومي في المفهوم الأمريكي ،هو القلب النابض الذي يضخ دماء القوة في الجسم الأمريكي ،وكبرياء السيادة والهيمنة في العقلية الأمريكية ،التي اقتنعت أن أمنها القومي محفوظ ومصون،وذلك بما تملكه من قدرات ومؤهلات ،جعلا منه أسطورة ،أساسها نظرية التفوق الأمني الأمريكي ،فأضحت بذلك قبلة تولي شطرها وجوه الساسة الباحثين عن امن بلدانهم .

chefichouهل التقرير الذي تقدمت به اللجنة الاستشارية عن الجهوية المتقدمة لامس نموذجا جديدا للجهوية بالمغرب تاريخيا ، مجاليا و حقوقيا ؟ و أي جهوية نريد ؟
2)    مجاليا:
مع استمرار التناقض المجالي بين جهات المملكة مع النموذج  الجهوي الاخير لسنة 1997 وعودة الى ثنائية المغرب النافع و غير النافع بفعل سيادة السلطة المركزية و ضعف اختصاصات السلطة اللامركزية الجهوية ، ستثور الحاجة الى جهوية حقيقية تستجيب لمطالب التنمية الاقتصادية ، الاجتماعية ، الثقافية و المجالية و لكن بمعايير علمية دقيقة و وفق نموذج قادر على بناء أسس عدالة مجالية.
أ‌-    الاخلال بمنهجية المقاربة التشاركية :
يعاب على اللجنة عدم تفعيلها لمنهجية المقاربة التشاركية مع فعاليا ت المجتمع المدني بصفة خاصة بالريف الكبير / الشمال ، حيث استشارت مع أكثر من 900 هيئة مدنية على الصعيد الوطني مع اقصاء تام لجميع هيئات و منظمات و جمعيات و شبكات الجمعيات العاملة بجهة الشمال باستثناء شبكة المواطنة بمدينة طنجة ، اضافة الى عدم استشارتها مع مغاربة الخارج الذين يمثلون أزيد من خمسة مليون نسمة ن وكذا اقصاء المعاهد و الجامعات و المدارس العليا في المغرب و إقصاء كذلك وزارة الثقافة ، مما يعني تغييب المرتكز الثقافي كمبدأ هام            من المبادئ المرشدة في المجال ، في مقابل طلك تشاورت اللجنة مع مؤسسة البنك الدولي ، مجلس اوروبا (مؤتمر السلطات المحلية و الاقليمية) ، منظمة الامم المتحدة للمرأة ، معهد التوقعات الاقتصادية في عالم البحر الابيض المتوسط ، 30 جمعية فرنسية  ، 202 جمعية تهتم بشجرة أركان بأكادير .(06)

chefichouهل التقرير الذي تقدمت به اللجنة الاستشارية عن الجهوية المتقدمة لامس نموذجا جديدا للجهوية بالمغرب تاريخيا ، مجاليا و حقوقيا ؟ و أية جهوية نريد ؟
1)تاريخيا :
في المغرب انطلقت الجهوية مع صدور ظهير 16 يونيو 1971 الذي أسس للجهة كأحد الشركاء  و الفاعلين الاقتصاديين الرئيسيين للدولة الى جانب المؤسسات العمومية و المقاولات الخاصة، لكن مع فشل هذه التجربة في تحقيق أهدافها التنموية وعملا على مسايرة التحولات التي تفرضها التنمية الاقتصادية و لمواكبات التطورات الاقليمية و العالمية عمل المغرب على تثبيت برنامج تقويم هيكلي في اطار اصلاح اداري و دستوري جعل المشرع يعترف بأهمية الجهة و يرتقي بها الى مصاف الجماعات المحلية كما هو مبين في المادة 94 من دستور 1992 و هو ما سيؤكده دستور 1996، وفي هذا السياق صدر القانون 96-47 المنظم للجهات و الصادر بمقتضى الظهير الشريف 02 ابريل 1997 ليؤكد ان الجهة اصبحت وحدة ترابية لامركزية تتمتع بالشخصية القانونية و الاستقلال المالي و الاداري.
الإخلال بالمفهوم التاريخي للريف:
لقد اقتصرت اللجنة في تحديد مجال الريف على اقليمي الحسيمة و الناظور فقط اضافة الى اقليم ادريوش المستحدث ما يعني ان منطقة اكزناية التي تعد جزءا من الريف الاوسط  لا تدخل ضمن هذا المسمى  ونفس الامر ينطبق على الريف الغربي ، لكن الريف هو مفهوم تاريخي اوسع مما حددته اللجنة ويتبين من خلال بعض المصادر و المراجع التاريخية ان مصطلح الريف برز في القرون الاولى من الحقبة الوسطية.

apres anfasseيقودنا بيير لاكوم عبر ردهات المحاكم الأوربية و سجلات الملاحقات القضائية إلى الإقرار بأن موقفنا إزاء الفساد يفرض اليوم مراجعة وتحيينا للقناعات والمباديء التي تشكل خطوطه العريضة.ليس الفساد ورما يخرب التماسك الاجتماعي بقدر ماهو انحراف وظيفي,يخدم بشكل أو بآخر دورة الحياة الاقتصادية و السياسية ! إننا أمام سلوك توافقي يتحد بشكل وثيق مع النظام القائم و يتكيء على آلياته و قيمه ذاتها .
أسهم التداول الإعلامي لقضايا الفساد في إضفاء مزيد من الغموض على المصطلح ودلالاته في الحقلين السياسي والاقتصادي.هل يتعلق الأمر بتصرف خارج إطار الشرعية تسهل إدانته وتحريك آليات معالجته ؟ من المؤسف القول بأن هذه المقاربة تبسيطية و غير واقعية,لأن لكل ثقافة مجتمعية نسقها الخاص لإضفاء الشرعية على بعض أشكال الفساد التي تحقق النفع ولا تلحق ضررا ملحوظا بالقيم الأساسية !وهنا تنتصب السياسة  كفضاء رحب للكشف عن المفارقة المحيرة التي تحكم سلوك المواطنين إزاء النخب السياسية المتورطة في ملفات الفساد. فبراعة السياسي في تبديد عوامل الاتهام وتحويل الفضيحة إلى مشكلة,يغذيها رد فعل اجتماعي هش وظرفي ,مما يتيح لهذه النخب فرصة العودة إلى مسرح السياسة .ألم يتمكن سيلفيو برلسكوني من استعادة موقعه في المشهد السياسي الإيطالي رغم إدانته بالتهرب الضريبي والتمويل غير المشروع للأحزاب ,عقب الهزة السياسية القوية التي أحدثتها عملية "الأيدي النظيفة" مطلع التسعينات؟ من المؤلم إذن الاعتراف بأن تراجع التأييد الشعبي عند تفجر الفضائح لا يعني بالضرورة فقدان الثقة العامة ! 

le-style-abstrai111إلى روح الفقيد أستاذنا سالم يفوت
 "ينبغي التفكير في السياسة، فإذا امتنعا عن ذلك، سيكون عقابنا قاسيا "
إن الإنسان حيوان اجتماعي: يستحيل عليه العيش إلا مع أشباهه أو الانفتاح إلا عليهم.بيد أنه كذلك، حيوان أناني.ف“مفارقة النزوع للمجتمع وعزلته عنه في آن معا”بحسب تعبير كانط، يجعل منه كائنا غير قادر على الاستغناء عن الآخرين ولا الإقلاع،من أجلهم، عن إشباع رغباته الخاصة.لهذا السبب،فنحن في أشد الحاجة إلى السياسة بغية تسوية صراع المصالح بأساليب أخرى عوض اللجوء إلى العنف،وكذلك من أجل تضافر جهودنا بدل أن تتعارض، أملا في النأي عن الحرب،عن الخوف،وعن الوحشية.لهذه الأسباب كلها، نحن في حاجة إلى الدولة. لا لأن الناس طيبون أو صادقون، بل لأنهم لا يتحلون بخصال من قبيل الطيبوبة و الصدق.و لا لأنهم متضامنون، بل لأن لديهم فرصة، على ما يبدو، لكي يصيروا كذلك.ولا يتم تحولهم (وفق الطبيعة) بالرغم مما ذهب إليه أرسطو، بل يسير وفق الثقافة بل وفق التاريخ بل وفق السياسة نفسها؛أي وفق التاريخ كما يصنع،كما ينكسر،كما يعاد بناؤه، كما يستمر،وكما التاريخ يتجلى في حاضرنا باعتباره تاريخنا الوحيد الذي لا تاريخ سواه. فمادام الأمر كذلك، فكيف لا يراد منا ألا نهتم بالسياسة؟ بل كيف لا يتوجب منا الانشغال بها،مادامت الأشياء كلها موصولا بحبائلها؟