مقدمة:
بالرغم من وجود أسباب اجتماعية وسياسية واقتصادية لظهور الجماعات الدينية المعاصرة خاصة تلك التي تحاول أن تحقق أهدافها بالقوة الا ان الأسباب الفكرية أو الاسس العقائدية لا تقل أهمية عن الأسباب الاولى لأنها هي التي تعطي الاسس النظرية للسلوك، وبالتالي تكون هي المحرك الاول لهذه الجماعات والدافع لها على الحركة والنشاط والتي تمدها بقيمها وأهدافها ووسائل تحقيقها وتنفيذها.
ومفكر الدولة الاسلامية الاول هو الامام أبو الاعلى المودودي الذي أنشأ حركته "الجماعة الاسلامية" بعد الاخوان المسلمين في مصر بثلاثة عشر عام تقريباً.
ويتسم الفكر الديني عند المودودي بطابع خاص تجعله ذا بناء محدد، يظهر في سلوك هذه الجماعات الدينية المعاصرة. ويمكن وصف هذا البناء على النحو الآتي:
1_ الحاكمية لله:
تعطى الحاكمية لله تصورا مركزيا للعالم. فالله قمة الكون خلقه ويحكمه ويسيطر عليه فالانبياء هم المعلنون عن هذه الحاكمية، ومعهم القادرون على السير على هداهم. وتنبع السيطرة على الكون بكل ما فيه حدا لا يستطيع معه أحد الخروج عنه، فلا تكن الا عبد الله ولا تأتمر الا بأمره ولا تسجد لاحد من دونه فانه ليس هناك من صاحب جلالة فالجلالة كلها مختصة بذاته جل وعلا، ولا شارع من دونه، فالقانون قانونه، ولا يليق التشريع الا بشأنه، ولا يستحقه الا هو، ولا ملك ولا رازق ولا ولي الا هو، وليس من دونه من يسمع دعاء الناس ويستجيب لهم، وليست مفاتيح الكبرياء والجبروت الا بيده، ولا علو لاحد ولا سمو في هذه الدنيا فكل من في السماوات والارض عباد أمثالك والرب هو الله وحده. فارفض كل أنواع العبودية والطاعة والخضوع لاحد من دونه، وكن عبد الله، قانتا مستسلماً لاوامره".
ولما كانت الحاكمية لله فالاستخلاف لا يكون الا في الحاكمية.
وقد قرر جميع الأنبياء هذه الحاكمية وهذا الاستخلاف مؤكدين حقائق ثلاث: الأولى أن السلطة العليا التي على الإنسان أن يخضع لها وبطبعها ويقر بعبوديته لها والتي يتأسس على طاعتها النظام الكامل للأخلاق والمجتمع والحضارة هي سلطة الله وحده وينبغي التسليم بها وقبولها على هذا الاساس. والثانية حتمية طاعة النبي وحكمه بوصفه ممثلا ونائبا عن السلطان الاعلى والحاكم المطلق. والثالثة أن القانون الحكم الذي يقرر التحليل والتحريم في جميع الميادين هو قانون الله وحده الناسخ لكل القوانين البشرية وليس للعباد حق المساءلة والنقاش في أحكام الله فما حرمه الله يكون حراما وما حلله يكون حلالاً لانه مالك كل شيء ويفعل ما يشاء. وقد بين القرآن طاعة الانسان لله وللرسول ولأولي الامر. كما نص على الحاكمية في "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" .
ويصفهم القرآن مرة أخرى بالظالمين ومرة ثانية بالفاسقين. وليس صحيحا أنها آيات خاصة نزلت في أهل الكتاب في مناسبات خاصة بل هي أحكام عامة تتجاوز أسباب النزول وتنطبق على كل أمة بالنسبة لكتابها في كل زمان ومكان.