انفاسلنكتف بالقول إذن، كان سقراط حسن النية بالإنسان، فلنقتد به، ولننشر ثقافة حقوق الإنسان ليس من أجل إقناع الناس باحترام هذه الحقوق وحسب بل أيضا، وهذا أهم، من أجل توعية أصحاب الحقوق الضائعة ليطالبوا بحقوقهم. وبالمطالبة المستمرة المتواصلة سيحصلون عليها. وحقا: "ما ضاع حق وراءه طالب".
1- الحق … والقانون
ظلت فكرة الحق الطبيعي الذي قال به فلاسفة اليونان وبعض مفكري الرومان غائبة، أو بالأحرى مغمورة في كتبهم طوال القرون الوسطى: لقد حل محلها قانون الإيمان الذي تحدده الكنيسة هو و"الحق الإلهي" للملوك الذي باسمه يحكمون ويشرعون ويضعون القوانين ويحددون الحقوق…
مع القرن السابع عشر أخذت الأمور تتغير: لقد قطع العلم الحديث وعلى رأسه علوم الطبيعة أشواطا جديدة تماما من التقدم والازدهار. وأصبح لفكرة "القانون الطبيعي" معنى آخر: لم تعد تعني، كما كان الشأن عند اليونان، مجرد النظام والترتيب الذين يسودان العالم، بل صار القانون الطبيعي وسيلة العقل البشري للسيطرة على الطبيعة: الإنسان هو الذي يكتشفه وهو الذي يستثمره لصالحه. العقل هو واضع القوانين، وقوانين العقل متطابقة مع قوانين الطبيعة، لأن الأمر يتعلق في الحقيقة بقانون واحد. لقد كانت الفكرة السائدة هي أن : "القانون كما هو في العقل الإلهي، يظهر في الطبيعة وفي العقل البشري معا، ولا تناقض بين الاثنين". العقل البشري هو واضع القوانين والقيم، يكتشف قوانين الطبيعة بعقله، أو لنقل في عقله، ويحدد القيم التي يجب أن يعمل بها الإنسان وفقا لطبيعة الإنسان نفسه.