لقد بات واضحا للقاصي والداني ان الفشل سيكون مكتوبا لمؤتمر الشؤم"انابوليس" رغم ان المطالب الفلسطينية غير تعجيزية, بل على العكس لا تلبي السقف الأدنى من حقوقنا الوطنية في فلسطين التاريخية.وهل يمكن طرح السؤال التالي: هل سئم الأميركيون من أزمة الشرق الأوسط؟ السؤال قد لا يلقى هوى لدى أولئك الذين يعتبرون أن استمرار الأزمة هكذا لنحو ستة عقود هي، بصورة أو بأخرى، ضرورة استراتيجية لأن الصراعات الاقليمية جزء لا يتجزأ من المفهوم الفلسفي للإمبراطوريات، حتى أن الرئيس ''رونالد ريجان'' تبنى نظرية ''حرائق الغابات'' التي تعني تصنيع حروب تحت السيطرة ولأغراض جراحية محددة. هذه المرة يعقد المؤتمر الدولي في ''أنابوليس'' لا في مدريد، ولا في اسطنبول، ولا في لندن، أي على المسرح الأميركي، وبرعاية أميركية، وبقناعة أميركية بضرورة إقفال الملف -الأساس، أي الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي-، وإن قال ''ايهود اولمرت'': إن معاهدة للسلام بعيدة جداً جداً.
لقد اصبح من الدارج بين اوساط كثيرة من اكاديميي ومثقفي وسياسيي مدرسة التطبيع والتعايش مع الكيان الصهيوني، والتي روّجت نخبتها ثقافة السوق خلال السنوات الأخيرة، التطرق بشكل لفظي ومختصر الى النكبة التي حلّت بالشعب الفلسطيني جرّاء وقوع وطنه تحت الاستعمار الصهيوني عام 1948 ثم الانتقال دفعة واحدة، وبشكل غريب ومنافٍ لمنطق التحليل العلمي الملتزم، الى التعامل مع نتائج هذا الإستعمار من خلال التسليم المسبق بشرعية وحق وجود دولة الكيان الصهيوني ثم الابتعاد تدريجياً عن بديهية كونها كيان استعماري عنصري لاجلائي أقيم اساساً كرأس حربة للإمبريالية الغربية في موقع القلب من الوطن العربي. وهكذا ينحصر الاجتهاد الفكري والعمل السياسي النخبوي في محاولة التعايش مع هذا الواقع من خلال المبالغة المبتذلة في التركيز على خصوصية فلسطينيي 1948، ليصبح العمق القومي لقضيتهم شعارات جوفاء يتم التشدق بها كغطاء رمزي فقط لمشروع تعايش انهزامي، عموده الفقري حقوق مواطنين في دولة من المفترض ان تكون ليبرالية وديمقراطية. بكلمات أكثر صراحة، بإمكاننا تشخيص حالة الخيانة الفكرية هذه في الانطلاق من تحديد واقع استعماري غير شرعي مفروض على الأرض العربية وأصحابها الأصليين ثم الانتهاء الى المساهمة في شرعنة هذا الواقع تحت حجج براغماتية هزيلة.
بامكاننا تحديد ثلاث ابعاد او مستويات، متداخلة ومكملة لبعضها البعض في اي محاولة لتحليل وفهم واقع فلسطينيي الداخل، ترتكز كل منها على بديهية او حقيقة تاريخية واضحة لا يمكن تجاهلها او تغييبها من التحليل طالما ان الحالة المصطنعة الناجمة عنها ما زالت قائمة. أولاً، هنالك العلاقة الجدلية بين دور فلسطينيي الداخل في النضال الوطني العام وبين حقوق الناس المطلبية اليومية في ظل الظروف الموضوعية.