أتى حين من الدهر على الإسلاميين بالغوا فيه جم المبالغة في نقد الواقع السياسي الوضعي الذي قامت على أسسه الدولة الوطنية الحديثة، بأدوات المثالية التاريخية لتجربة الإسلام الأولى في الحكم، ولم يرق خطابهم إلى مستوى الفاعلية البدائلية التي تروم في نهاية مقاصده التأصيل الناهض على شرطية الواقعية، والمسلح بإجابات التجربة التاريخية عبر مساراتها كبرى السارة منها وغير السارة!..
واليوم يرى الجهد التأصيلي منخرطا في أتون المفاضلات الحركية والمذهبية ذات التأويلات الذاتية لفهوم النصر والخطأ والصواب في التعاطي مع الوقائع السياسية القطرية مما عقد من إمكانية اعتماد التجربة كمصدر للتأصيل الذي غدا أكثر من ضروري لسد فراغات الفكر السياسي الإسلامي الذي أفقره هم الصراعات الطائفية والمذهبية القمع السلطوي الذي ألم به وهو لم يبارح مهده مذ هدأت فتنة السلطان الكبرى معلنة عن ميلاد دولة بني أمية!..
فهل ثمة من سبل لتأصيل التجربة التاريخية في التعاطي مع الشأن السياسي الإسلامي، واعتمادها كآلية مرجعية لمواجهة الطارئ السياسي الذي خلفه التغييب المقصود لحكم الدين في الشأن السياسي العام والمؤسسي في الفقه السياسي الإسلامي؟..
كيف استفادت المشاركة الإسلامية في السلطة بالجزائر من التجارب السياسية الإسلامية الأولي للإسهام في تحقيق الصالح العام؟
حوار صحفي مع الباحث والشاعر المغربي د مصطفى السعودي (..في راهن الثقافة المغربية) ـ نورالدين علوش
*بداية نرحب بك على هذا الموقع
شكرا على الاستضافة الكريمة
* باعتبارك من الباحثين المهتمين بالشأن الثقافي ما هو تقييمك للمشهد الثقافي المغربي؟
يصعُب الحديث عن تقييم بمعناه العلمي والأكاديمي ،فمع الأسف ليست لدينا مراكز كبرى لمواكبة مسار الفعل الثقافي بكل تحولاته وتفاصيله كما هو موجود في الدول المتقدمة والتي يأخذ فيها العامل الثقافي مكانته المحترمة هنا في البلدان العربية الأشياء مختلفة تماما وبالتالي لا أحد يملك قدرة التقييم الحقيقي للأمور ،وطبعا هذا لايمنع من الإشارة إلى مجموعة من الملاحظات التي أسجلها وأنا أراقب وأتفاعل مع ما سميته المشهد الثقافي المغربي ..
في الواقع يبدو حالنا الثقافي مثقلا بكثير من الغموض والتيه والرتابة ، وحتى مفهوم الثقافة لم يعد يملك في ذواتنا ذاك الحد الأدنى من الدلالة والوضوح ..فما المقصود بالثقافة ..ولماذا ...وكيف ..؟هذا الوضوح شخصيا لا أرى له تجليات مقنعة في واقعنا ، عكس ما كان موجودا على الأقل إلى حدود الثمانينات من القرن الماضي ؛ حيث كان بالإمكان الحديث عن زمن ثقافي مغربي بلغته وعناوينه ومجاله التداولي..وعلى الأقل كانت ثمة مجموعة من المفاهيم الكبرى التي تؤطر الفعل الثقافي المغربي كاليسار واليمين والتقدمية والعقلانية ...هذه المفاهيم انهارت منذ أمد استجابة لانهيارات أكبر ..
حوار مع الكاتبة والشاعرة العراقية نور ضياء الهاشمي حول التحول في المشهد الثقافي لعراق اليوم
ترتبط الاشكالات المشهدية لغالب صعد الاجتماع العربي اليوم السياسي منه والثقافي والاقتصادي ارتباطا وثيقا بوضع الحراك السلطوي الذي يشتغل في العادة بمعزل كامل عن موقعه الطبيعي كجزء من مكنون المجامع السياسي، ذلك لأن المنظومة المؤسسية للدولة الأمة العربية ظلت مذ تجلت للوجود عنوانا لحالة مضمرة من الشللية والعصبوية والطائفية والريعية المافياوية المنفعة بالخيرات العامة، لذا يندر جدا أن ترى مواكبة تغيرية ذات نسق مشروعي معرفي متواصل مع الذات يمتح من تراثها كلما تغير نظام عربي داخل نفسه وأتي على أنقاضه آخر مثله.
والعراق الذي شهد أعتى عنف تغييري على مستوى بناه المؤسسية والسلطوية كان جسد المثل الحي للحالة التغيرية الانتقامية الانتقائية غير المؤسسة على قاعدة التراكم في المنتج والتراث الثقافي الجمعي، فإلى أين صار مشهده الثقافي؟ وما هو المشروع البديل للمشروع القومي البعثي الذي انتهى بسقوط نظام صدام؟
ـ الأستاذة نور الهاشمي، صفي لنا في البدء حال حراك المجتمع المدني في العراق؟
الظاهرة الطائفية وإشكالية الدولة المدنية - حميد الحريزي
يدور الحديث عن الطائفية والطوائف في أوساط الناس من ذوي الثقافة وغيرهم، وغالباً ما يتم التركيز على توصيف الظاهرة وعدم التعريف بها، وهذا نهج متأت عن جهل لجوهر ومضمون الظاهرة وجذورها التاريخية. هذا ما يحدث فعلاً وخصوصا في ظل هيمنة ثقافة التغالب والادعاء وحب التظاهر والارتقاء التي غالبا ما تكون سائدة خلال فترات التحولات الهامة إن لم نقل الكبرى والتي يصاحبها حالة فك عقدة اللسان للإنسان المقهور والمهمش من قبل الأنظمة السلطوية والأعراف الاجتماعية الاستبدادية، وإن كان هذا نابع عن جهل أو قلة معرفة فإن هناك من يسعى ويبذل جهداً فكرياً كبيراً من أجل أن يظل سر نشوء وترعرع الظاهرة الطائفية مستورا موارى خلف ستائر القدسية والأغطية الأيديولوجية التي تسعى لتأبيد حالة الجهل والعمى الفكري لجمهور مضلل معطل مكبل بقيود ايدولوجيا قوى ترى في الظاهرة الطائفية وتأييدها خدمة كبرى لدوام سيطرتها، سواء في سدة السلطة الحاكمة أو على وسادة ومنبر المجتمع عبر جمهور مقهور ومبهور ومضلل يقاد بسلاسل وهمية ترسم عليها رموز مقدسة، يوحى للمقاد من خلال استحضار أشباحها أنها تعطي دعمها وتدعم هؤلاء باعتبارهم وكلاء وأمناء ومستودع سر هذا المقدس.
وهنا لابد من سؤال: هل الظاهرة الطائفية هي ظاهرة تخص الدين الإسلامي دون غيره؟
طبعاً إن الجواب سيكون بالنفي حتما حيث إن هذه الظاهرة موجودة في كافة الأديان سواء السماوية منها أو (الوضعية) كما هو حال التشظي والانشقاق في كافة الحركات والأحزاب السياسية العقائدية، وهذا هو حال المسيحية واليهودية والبوذية وغيرها، وهذا مما يجب أن يوفر للعقل دليلاً قوياً كون هذه الظاهرة ليست وليدة عقل خارق مفارق أو نتاج مفكر متأمل، إنما هي حالة نابعة ومولدة من رحم حراك اجتماعي دائم التغير والتبدل والتجدد باعتباره صراع مصالح قوى وطبقات وفئات اجتماعية مختلفة ذات بنية تحتية معينة، وفي مستوى من التطور أو مستوى معين من الصيرورة تستدعي أن يكون لها غطاءا ايدولوجيا في البنية الفوقية يدعم وجودها ويؤمن لها الركائز الفكرية للديمومة والبقاء في حلبة الصراع الدائر بينها وبين نقيضها الطبقي.
محمد الفاضل بن عاشور: حياته، نشاطه العلمي و الدعوي و النقابي - جعفر حسين
سنحاول في هذه الورقة و بمناسبة مئوية العلامة الشيخ محمد الفاضل بن عاشور، باعتبارها أحد علماء تونس الأفذاذ الذي ساهم من موقعه في ترسيخ أصول العلم و الدين في البلاد التونسية، و استنادا إلى ذلك سنقدم في هذه المحاولة التحليلية تقديم لمحة على حياته و نشاطه الدعوي و العلمي و كذلك النقابي، فما هي ملامح ذلك؟
في بداية، يمكن القول أن الشيخ محمد الفاضل بن محمد الطاهر بن الصادق عاشور، ولد في مدينة تونس يوم 2 شوال سنة 1327ه (1-10-1909م) وتربى في بيت كريم من بيوتات الدين والعلم، وكان والده من كبار العلماء في تونس، فتتلمذ عليه وتعهده بالرعاية والتعليم وتحفيظه القرآن الكريم وهو في الثالثة من عمره، وما كاد يبلغ التاسعة، حتى أتمَّ حفظ بعض المتون القديمة كالأجرومية وألفية ابن مالك في النحو، ثم بدأ بتعلم الفرنسية على أيدي معلمين خصوصيين في المنزل، ولما بلغ الثالثة عشرة، بدأ يدرس القراءات والتوحيد والفقه والنحو، ثم التحق بجامع الزيتونة فحصل على الشهادة الثانوية سنة 1347ه (1928م).
ثم استكمل دراسته العليا في الشريعة واللغة وأصول الدين، ودرس على يد والده التفسير، وقرأ عليه الموطأ للإمام مالك، والمطوَّل للتفتازاني في البلاغة، وديوان الحماسة، كما درس علم الكلام على يد الشيخ أبي الحسن النجار، وأصول الفقه على الشيخ محمد بن القاضي، كما كان يقرأ على والده كل ليلة من ليالي رمضان بعد صلاة التراويح قدراً من كتب الحديث والرجال واللغة مثل: صحيحي البخاري ومسلم، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير، ولسان العرب لابن منظور.
و بعد تخرجه عمل مدرساً في جامع الزيتونة سنة 1351ه (1932م)، ثم انتسب إلى كلية الآداب في جامعة الجزائر لاستكمال دراسته في اللغة الفرنسية، وتخرج فيها سنة 1354ه (1935م) حاملاً أعلى درجاتها العلمية.
وقد أصبح عميداً لكلية الشريعة وأصول الدين في جامعة الزيتونة بتونس سنة 1381ه (1961م) وهذه الجامعة هي التي تخرج فيها جهابذة العلماء أمثال: عبدالحميد بن باديس، و عبدالعزيز الثعالبي، ومحمد بيرم، وسالم أبوحطاب، والطاهر بن عاشور وغيرهم.
مخاطر اقتصاديات الدواء فى ظل اتفاقية التريبس - د محمود ابوالوفا
فهذه الشركات تستحوذ – بشكل يمثل احتكارا كاملا - على حقوق براءات اختراع الأدوية وتضع الأسعار الباهظة للأدوية التى تعتبر فى حكم الأساسية , ولذلك تستولى قله من الشركات على صناعة الدواء العالمية وتتحكم فيها بشكل شبه كامل.
مما لاشك فيه ان أعضاء اتفاقية التريبس من الدول الناميه قد واجهوا ضغوطاً لايقدرون على ردها من ممثلى الغرب لحملهم على قبول التزامات تتجاوز بكثبر ما نصت عليه اتفاقية التريبس, ولقد وضح بجلاء الايدى الخفيه للشركات متعددة الجنسيات وتحريكها – من وراء الستار- لحكومات الدول الغربيه من اجل الضغط على دول العالم النامي من أجل التوصل الى صياغة قواعد صارمة لما اسموه "بحماية حقوق الملكية الفكرية".
ان صياغة اتفاقية التريبس تثير الكثير من الخلاف فى وجهات نظر ما بين الدول المتقدمه والناميه خاصة فيما يتعلق بالصحة , فقد استبعد – بشكل متعمد - خبراء الصحة العامة من مناقشات نصوص الاتفاقية قبل اقرارها ، ومما دعا الكثيرين الى القول بان اتفاقية التريبس تخدم وبصوره واضحه متطلبات شركات الأدوية الدوليه لا متطلبات الصحة العامة .
شرعنة العنف : عنف الدولة - أحمد أبو وصال
ليس الهدف من بداية هذه المقالة بشهادة برودون هو مناقشة أرائه وفلسفته ،وهو الذي يصنف من بين أهم رواد التيار الفوضوي ،لكن هدفنا هو طرح سؤال هام : هل شكلت الدولة مصدرا للعنف وما تزال ؟ أم أن عنف الدولة مشروع بحكم سهرها على إحترام قانون متعاقد عليه ؟
لقد إرتبط العنف كظاهرة بالإنسان منذ ظهوره ، عنف مارسته الطبيعة بمختلف ظواهرها ، وعنف مارسه الإنسان ضد الطبيعة بدافع الرغبة في البقاء ،عنف جماعة إتجاه أخرى وعنف فرد ضد ذاته وضد الآخر. إن ظاهرة العنف كانت دائما موجودة وإتخذت صورا وأشكالا مختلفة تطورت أساليبها وآلياتها عبرالتاريخ...إن تركيزنا في هذه المقالة سيكون على عنف الدولة ، أي الضغط والإكراه الذي تمارسه قوة حاكمة على مجموعة من الأفراد الخاضعين لسلطتها، وهو إكراه مشروع ( إرغامهم على التقيد بقوانين تحد من حرياتهم ) وإكراه غير مشروع ( عندما تستغل سلطتها لتجاوز هذه القوانين ).
إن العنف بأشكاله المختلفة يمارس بطرق متعددة تطورت بتطور المجتمعات وتقدم العلوم ،وكما أشرنا سابقا ، لا يهما في هذه المقالة العنف الفردي ( الموجه من فرد لآخر أو ضد جماعة ) ،بل عنف الدولة كمؤسسة حاكمة والذي تمارسه في إتجاه عمودي ( على الفئات الخاضعة لسلطتها ) وفي إتجاه أفقي( على باقي الدول الأخرى ).
النقابات التعليمية: من الركود إلى التجديد - عزيز العرباوي
ومع ذلك، فإننا لا نستطيع الاعتراف كليا بأن هذا الوجود النقابي القائم في ميدان التعليم حاليا يمارس وظيفته بصورة كلية وكاملة وعلى الوجه الأفضل، بل من خلال تتبعاتنا لتطور الأوضاع السياسية في هذا البلد نلاحظ أن المجال النقابي الموجود في الساحة لا يرتقي إلى درجة طموحات العاملين بالقطاع من فاعلين تربويين وشركاء اجتماعيين. إذ نجد أن هناك نوعا من الازدواجية والتداخل بين الحضور المؤسسي للنقابات والتعدد الإيديولوجي لها وبين البعد عن متطلبات النضال النقابي والخوض في غمار المسؤولية القائمة على عاتقها. الأول يوضح بجلاء وجود شكل مؤسسي بدون مضمون يذكر، والثاني مضمون بدون شرعية وشفافية في المطالبة بالحقوق الدنيا ، والحياة النقابية في المغرب تقوم كلها على هذه الازدواجية الواضحة. والواجب علينا في هذه المداخلة أن نجلو مظاهر هذه الازدواجية وأسباب تفاقمها والخوض فيما إذا كان بالإمكان أن نخرج بخلاصة متفق عليها بين الجميع، تكون حدا فاصلا لإيقاف هذا النزيف التراجعي على صعيد العمل النقابي في المغرب .