أنفاس" صحيح أن العدالة ستعمل على حماية الحس المشترك من الانسياق الى العنف لكن بين دغمائية اليمين المحافظ ودغمائية اليسار الثورية ألا يوجد مكان لمقاربة مغايرة..."

1-  عصر الديمقراطية:
" ان الديمقراطية تنتشر في طول العالم وعرضه".
نحن نعيش الآن دون شك في عصر متوجها الى الديمقراطية لأن النماذج الفاسدة في طور التلاشي واحد بعد الآخر وأشكال السلطة تتبدل وأنماط الحكم تطورت شيئا فشيئا لتصل الى مرتبة الدولة بالمعنى الحقيقي للكلمة، كما أن النظريات المغلقة ألقت بها الطبقة الناشئة في مزبلة التاريخ وكذلك الأفكار الكلانية المعادية للروح الديمقراطية باتت مستهجنة من قبل النخب المثقفة والمتعلمة ومحسوما فيها من قبل الشعوب والجماهير وداست عليها الحشود بالأقدام في كافة أرجاء المعمورة.
 ان الكل اليوم دون سفسطة يريد ديمقراطية، وبكل بساطة إننا نعيش لحظة البراديغم الديمقراطي بمعنى أن جملة المشاكل والآراء والأفكار التوجيهية والنظريات والتصورات التي تتعلق بتنظيم العلاقات بين الأفراد فيما بينهم وبين المجتمع والدولة تطرح ضمن المسطح الذي تنبسط فوقه فكرة الديمقراطية،بعبارة أخرى كل من يبحث عن موطن قدم له في المجتمع ومن يريد الحصول على الصحة والتعليم والشغل والمسكن والحياة الكريمة فانه يطلب الحقنة الديمقراطية من أجل تسكين أوجاعه وكأنها وصفة سحرية تنقل عاشقها من العدم الى الوجود ومن الظلام الى النور.
عبر فوكوياما عن هذا التوجه بقوله:" يتخذ الطابع العالمي للثورة الليبرالية الراهنة أهمية خاصة ذات دلالة وهذا يشكل فعلا شهادة إضافية بأن هناك عملية أساسية تجري وتفرض صورة مشتركة من التطور على جميع المجتمعات الانسانية وبالاختصار هناك ما يشبه التاريخ الشمولي للبشرية باتجاه الديمقراطية الليبرالية."
ان زراعة شجرة الديمقراطية وتربية الناس على مبادئها ونشر غسيل الاستبداد وترسيخ عقلية المواطنة وثقافة التمدن والسلم كفيل بأن يحقق الاطمئنان والثروة والأمن والازدهار للفرد والمجتمع وعلى صعيد الجسد والروح على السواء ومن ناحية المادة والفكر معا. ان النظام الديمقراطي هو المثل الأعلى الذي ينبغي أن يحاكى والمرحلة الأخيرة من تطور المجتمع البشري وهو الأكثر تعبيرا عن طموح الانسانية لتحقيق جملة أهدافها على الأرض الواقع وهو النظام السلام العالمي الذي يعبر عن تضامن الدول وتعاونها حيث يسود التسامح واللاعنف والتعددية والنسبية والاحترام والاعتراف العلاقات الدولية.

أنفاسعنوان المقال هذا ليس لي في الحقيقة؛ بل هو للكاتب الألماني المعروف غونتر غراس, الحاصل على جائزة نوبل في الآداب, والذي يُعاني - بالمصادفة – الآن من مسألةٍ في "تاريخه" لها علاقةٌ إلى حدٍ بعيد بمشكلة الحرية. فقد عاد الكاتب (البالغ من العمر 78 عاماً) لكتابة مذكراته من جديد, وهذه المرة بعنوان "تقشير البَصَل", نعم, تقشير البصل باعتبار صعوبته, وأنّ العين تدمع, وقد تجرح السكين اليد! ومذكّرات الكاتب عن فتوته طويلةٌ ومفصَّلة, وقد سبق أن قصَّ الكثير منها (روائياً) في قصصه الرائعة والتي تتوالى منذ العام 1959م, والتي أورثتْهُ جائزة نوبل للآداب بعد توماس مان وهاينر بول. إنما المهمُّ ليس الطول أو التفصيل أو الروعة؛ بل سرٌّ يذكره الرجل للمرة الأولى, وهو أنه في فتوته (كان عمره 17 سنة) خَدَم في فِرَق الأمن الألمانية (44-1945م)! وهذا الأَمْرُ شديدُ الحساسية ليس للألمان فقط؛ بل ولليهود أيضاً, وسائر الأوروبيين. فقد كانت كتائب الـ SS هذه بقيادتة هاينرش هملر مخيفةً ورهيبةً, وهي تحرس "الفوهرر", ومعسكرات الاعتقال, وتمارس أعمال القمع في الأقطار التي "فتحتها" ألمانيا النازية أو اجتاحتها. وقد كان النازيون الشبان المتحمسون يعتبرون ذلك السلاح والدخول إليه شرفاً ما بعده شرف, وما كانت فِرَقُ النخبة هذه مُتاحةً للجميع؛ ولذلك فهذه مشكلةٌ أُخرى لغــراس: إذ لا بد أنه رغم صِغَر سنّه كان نازياً متحمساً بحيث رضي الذين أجروا له مقابلة الاختيار أن يقبلوا طلبه الدخول إلى منتدى الشرف ذاك!
ولستُ هنا في معرض تقييم تاريخ غراس الشخصي, أو تأثيرات هذه الحادثة على "خلود" عمله الأدبي, الذي كان بمجمله نقداً قاسياً وأخلاقياً ضد نفاق الألمان وخضوعهم خلال العهد النازي, وتلاؤمياتهم "الكاثوليكية" بعد الحرب الثانية! السؤالُ هنا حول المعنى العميق للحرية أو الاختيار الإنساني الفردي": هل اختار غراس الانتماء إلى البوليس الحربي النازي بملء إرادته؟ هو يقول: نعم, لكنني كنتُ صغيراً، وكان الجوُّ النازيُّ جارفاً بين الفتيان  الألمان. لكن: متى أدركْتَ خطأَكَ يا سيّد غراس؟ هو يقول: في مطلع الخمسينات، وظهر الندم في روايته الشهيرة: "الطبل الصفيح"، والتي وردتْ فيها العبارةُ المذكورة في عنوان المقال: أنّ للتبعية (الفكرية والروحية والمادية) وجهاً واحداً، وأنّ للحرية وجوهاً متعددة!. لكنْ يا سيد غراس, إذا كنت قد أدركْتَ ذلك فلماذا لم تُعلِنْ عنه في حين انصرفْتَ طوال أكثر من أربعة عقود إلى إدانة وتعرية ليس كلّ من سار مع النازيين فقط؛ بل وكلّ من جامَلَ أو سكت أو بقي على الحياد؟! ويجيب غراس: نعم هذا صحيح, لقد أردْتُ بناءَ فكرٍ نقدي لدى الألمان لإخراج الفتيان من إسار التاريخ ومن أوهام الحاضر. لقد أردْتُ أن أتسبّبَ في تحرير العقل الألماني والنفسية الألمانية من الجبن والخوف والنفاق والتماس المعاذير! لكنك يا سيد غراس تسبَّبْتَ في نشوء انطباعين باقيين: انطباع الذنب الأبدي للألمان باعتبارهم ألماناً.

أنفاستظهر في فكرنا العربي المعاصر عدة معارك زائفة وثنائيات مصطنعة مثل السلفية والعلمانية، الدين والدولة، الدين والعلم، الدين والفلسفة، الأصالة والمعاصرة، القديم والجديد، الإيمان والإلحاد، الدين والعقل، الله والطبيعة، الله والإنسان، النفس والبدن، الآخرة والدنيا، الرجل والمرأة.. الخ. وتوحي هذه الثنائيات بتناقض أطرافها واستحالة الجمع بينهما لأنهما على طرفي نقيض بمنطق "إما... أو". وتنقسم الأمة إلى فريقين متصارعين كل فريق في صف طرف ضد الفريق الآخر الذي في الطرف الثاني. وتنقسم الثقافة الوطنية إلى قسمين متصارعين، يدمر أحدهما الآخر ويقضي عليه. فينتهي الإبداع، ويعم النقل. ويتوقف الحوار، ويسود التعصب.
والحقيقة أن هذه المعارك الزائفة قد نشأت في الغرب وتجربته في الحداثة. فبعد أن اكتشف الغرب في مطلع عصوره الحديثة منذ الإصلاح الديني وعصر النهضة استحالة الجمع بين الكنيسة والدولة، بين الدين والعقل، بين الإيمان والعلم، بين أرسطو والطبيعة آثر استبعاد القديم واستبقاء الجديد، وترك الكنيسة والدين والإيمان وأرسطو وبطليموس، والاعتماد على العقل والعلم والطبيعة وقدرة الإنسان على الفهم والنقد والتحليل. فنشأ في الوعي الأوروبي هذا الصراع بين القديم والجديد، وتربى على هذه الثنائيات المتعارضة.
ومنذ ريادة أوربا في عصورها الحديثة، وتحولها إلى مركز للعالم، وانتشار ثقافتها منذ القرن الماضي خارج حدودها مصاحبة للمد الاستعماري في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، انتشرت هذه الثنائيات خارج حدودها، وعمت الثقافات الوطنية في الأطراف، ومنها الوطن العربي. فنشأ لدينا ومنذ فجر النهضة العربية في القرن الماضي هذا الرافد الجديد في الثقافة العربية. وبدأ التقابل بين الموروث والوافد في الظهور على نفس النمط الغربي خاصة في التيار العلمي العلماني عند شبلي شميل، وفرح انطون، وسلامة موسى، وإسماعيل مظهر، وزكي نجيب محمود، وفؤاد زكريا. وكلما زاد العداء للموروث انتشر النمط الغربي الذائع خارج الحدود.
وقد حدث هذا الفصام في الثقافة الوطنية في لحظة تاريخية توقف فيها الإبداع، وعم فيها التقليد والاتباع. فلا فرق بين النقل من القدماء لملأ الفراغ أو النقل من المحدثين. فضل البعض النقل عن القدماء لعجزهم عن الإبداع وتوقفهم عن الاجتهاد. فتراكم القديم فوق واقع لا يتلائم معه، ويتطلب حلولا أخرى غير التي صاغها القدماء. فدفع ذلك البعض الآخر إلى أن يولي وجهه شطر الحلول الجاهزة الوافدة من الغرب، فتراكمت بعضها فوق البعض. وأصبح الواقع يئن تحت الموروث والوافد. وكلاهما نقل. فاذا انتفض الواقع باسم الحاضر تهاوى الموروث والوافد معا كما حدث إبان الثورات العربية الأخيرة التي بدأت من الواقع الوطني من أجل التحرر من الاستعمار الخارجي والقهر الداخلي والقضاء على الفقر والتخلف والتجزئة والتبعية دفاعا عن استقلال الإرادة الوطنية.

أنفاسالحداثة السياسية عبارة عن أفق فكري تاريخي مفتوح على كل ممكنات الإبداع الذاتي في التاريخ، فلا يمكن تصور إمكانية تحقق الحداثة بالتقليد، بل إن سؤال الحداثة في أصوله ومبادئه الفكرية والتاريخية العامة يعد ثورة على مختلف أشكال التقليد.
»لايمكن إرغام أحد بالقوة أو بالقانون على امتلاك السعادة الأبدية«
                                       سبينوزا 

تقــــديم
نشتغل في هذه الورقة على زاوية محددة من زوايا التفكير في الحداثة السياسية، نشتغل على الجوانب النظرية الموصولة بالحداثة في فكرنا المعاصر(1)، ولا نعتني كثيراً بالوقائع السياسية إلا في السياقات التي نلجأ فيها إلى التمثيل على مسألة بعينها. نعلن هذا الاختيار في البحث والمقاربة لاتساع مجالات الموضوع وتنوعها، ولأننا نتصور أن التفكير في الحداثة والتحديث السياسي في العالم العربي يتطلب جهوداً بحثية جماعية مركبة، يتم فيها الاهتمام بالفكر مترجماً في المشاريع الإصلاحية وبرامج التحديث، كما تتم فيها العناية بجوانب الممارسة الفعلية التي يفترض أنها تترجم بطريقة أو بأخرى نوعية الاختيارات المفكر فيها، لتبني بلغة الواقع والتجربة أنظمة السياسية وأنماط التدبير السياسي.
ونتجه في سياق عنايتنا بالمجال النظري للحداثة السياسية العربية نحو بناء محاولة تفكر بمنطق السلب وآلياته في التحليل والفهم(2)، حيث نركز اهتمامنا على عوائق الحداثة السياسية في فكرنا المعاصر أكثر من سعينا لتشخيص وجرد المكاسب والمنجزات، ومبرر هذا الاختيار في البحث يعود لقناعتنا بوجود موانع عديدة تحول بيننا وبين استيعاب أكثر تاريخية لنظام الحداثة السياسية ومفاهيمها، ولعلنا في هذا البحث نوفق في إبراز بعض هذه العوائق، وتقديم تصورنا لكيفيات تجاوزها والتقليص من حدة تأثيرها السلبي على مشروعنا التاريخي في الحداثة والتحديث ..
وإذا كنا في هذه الورقة نسلم بأن أغلب التجارب السياسية التي قامت في كثير من البلدان العربية خلال النصف الثاني من القرن العشرين تشكل مرحلة انتقالية جديدة في طريق بناء المشروع السياسي الحداثي، فإننا في الوقت نفسه ننظر إلى علامات التحول الجارية بكثير من الحذر والاحتياط، بحكم مظاهر التردد بل والتراجع التي تتحكم في هذه العلامات في أغلب البلدان العربية.
نقرأ إذن تاريخنا المعاصر، ونعيد ترتيب بعض معطياته في ضوء مساعينا الرامية إلى المساهمة في تعميق الحداثة السياسية العربية، وهذا الأمر بالذات يتطلب بناء توضيحين اثنين.

أنفاس عايشت حركة فتح منذ انطلاقها كرصاصة أولي للثورة حتى عام 1993 العديد من الظروف الصعبة ، والمواقف الحرجة التي وجدت ثورتنا عامة نفسها في معمعان التآمر تارة ، ومحاولات الاحتواء والتصفية تارة أخرى ، ورغم كل هذه الأحداث استطاعت حركة فتح أن تنهض ، وتنهض معها ثورتنا بقوة وعنفوان ، حتى وصلت فتح إلي أتفاق أوسلو وعادت قواتها ورئيسها الشهيد ياسر عرفات إلي الأرض الفلسطينية ولحق بركبها القوي الفلسطينية التي أدعت إنها قوي معارضة ، ورغم كل الإسقاطات التي حدثت لفتح داخلياً وخارجياً ، كان أشدها انشقاق " فتح الانتفاضة " وبعض الانشقاقات الأخرى التي قادها صبري البنا وغيره ، إلا أن فتح برئاسة ياسر عرفات استطاعت الحفاظ على وحدتها وتماسكها وبريقها الثوري وإعادة البناء والسيطرة على أطرها التنظيمية ، حتى سقط ياسر عرفات شهيداً في حصاره برام الله ، وجميع الدلائل تشير أن فتح سقطت بسقوط أبو عمار ، حيث انتخب الرئيس أبو مازن في مناخ مبشر لفتح التي توحدت من خلفه ، وأصبح يمثل رئيساً للسلطة الوطنية ، وفاروق القدومي أميناً للسر لحركة فتح ، وبدأت حالة الطلاق الفعلي بينهما ، طلاق لا رجعه به ، غير قابل للتلاقي والتآلف مرة أخرى. أن المدقق في أزمة فتح سيجد أنها تعاني الكثير من المشاكل، إذ تعاني فتح أولاً من مشكلة بنيوية تنظيمية حقيقية، ومن حالة تشرذم داخلي ومن صراعات وصلت حد الاغتيالات والتصفيات؟ ومنذ سنة 1989 لم تنجح فتح في عقد مؤتمرها العام، وشهدت انتخاباتها الداخلية وانتخابات اختيار من يمثلها في المجلس التشريعي (البرايمرز) ممارسات لا تليق بحركة عريقة مثلها. وكان الكثير من عناصرها يشكون من تفرُّد ودكتاتورية رئيسها الراحل ياسر عرفات، لكن الوضع زاد سوءاً بعد وفاته..وتعاني فتح ثانياً من تآكل رصيدها النضالي، إذ أن فتح التي نشأت لتحرير الأرض غرب الضفة الغربية (الأرض المحتلة 1948) تنازلت عن هذا الهدف، فقد قامت قيادتها (التي تقود م. ت. ف) بالاعتراف بإسرائيل وحقها في الوجود على 77% من أرض فلسطين، وأعلنت نبذ الإرهاب ووقّعت على اتفاق أوسلو وقادت تيار التسوية، واضطرت لقمع حركات المقاومة إيفاءً بالتزاماتها تجاه إسرائيل. وظهرت فيها مجموعات ورموز على علاقات سياسية واقتصادية وأمنية بالإسرائيليين...ومع غياب الرئيس عرفات وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية دخلت حركة "فتح" المرحلة الأخيرة التي شهدت انتهاءها تنظيماً موجوداً ذا رؤية سياسية وفكرية موحدة ومتماسكة وفكرة أو مفهوم جبهة التحرير الجزائرية أي الجبهة التي تجمع اتجاهات ومشارب سياسية فكرية مختلفة عفا عليها الزمن، فضلاً عن رحيل الرجل الذي مثل الخيمة أو العباءة التي تجمع تحتها كل الاختلافات والتباينات. ولم يتم العمل بشكل جدي لإعادة بناء تنظيم حركة "فتح" وفق أسس وطنية وديموقراطية شفافة ونزيهة وسليمة، بل على العكس جرى اختطاف التنظيم والهيمنة عليه من المجموعة نفسها التي حاولت الانقلاب على الرئيس عرفات، وهي اليوم تنقلب على حكومة الشعب الفلسطيني وعلى خياراته الحرة والديموقراطية وتتواطأ حتى مع الأجنبي والعدو من أجل تشديد الحصار وقطع المساعدات والمعونات عن الشعب الفلسطيني.

أنفاستمرعلينا الذكرى الأربعون لانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وشعبنا تعصف به حالة من الانقسام والتشرذم لم يشهد لها مثيلا منذ انتصاب الكيان الصهيوني.
المؤسس:
الدكتور جورج حبش: مناضل فلسطيني كرّس حياته للعمل الدؤوب والمتواصل من أجل القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي ومستقبل أفضل للأمة العربية. طبيباً تحول إلى طريق النضال ليعالج جراح شعبه ويعيش هموم أمته، مؤمناً بالهوية العربية وبحتمية الانتصار وهزيمة المشروع الصهيوني على الأرض العربية.
عندما بدأت الاتصالات السرية بين القيادة الفلسطينية وإسرائيل بإشراف ورعاية أمريكية بعد مؤتمر مدريد عام 1991 ونتج عنها اتفاق أوسلو عام 1993عارض الدكتور حبش بشدة تلك الاتفاقيات التي أدت إلى إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني في مرحلة لاحقة، إيماناً منه أن هذه الاتفاقيات لم تلب الحد الأدنى من طموحات الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة فوق تراب فلسطين وعودة اللاجئين إلى وطنهم.بعد قيام "السلطة الفلسطينية" وعودة الكثير من القيادات الفلسطينية إلى أراضي السلطة الفلسطينية، ربط الدكتور حبش عودته إلى تلك المناطق بعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين، رغم المناشدات والرسائل الكثيرة التي وجهت له، رافضاً التخلي عن اللاجئين.لقد مثل هذا القائد عشقه للوطن والثورة في سياق رده على مناقشة أتفاق السلام مع العدو الذي قال عنه الشهيد ياسر عرفات "إن هذا الاتفاق هو الممكن" فرد عليه حبش "إن الثورة الفلسطينية قامت لتحقق المستحيل لا الممكن".
 من اقواله: "تستطيع طائرات العدو أن تقصف مدننا ومخيماتنا وتقتل الاطفال والشيوخ والنساء ولكن لا تستطيع قتل إرادة القتال فينا".
"لا تستوحشوا طريق الحق لقلة السائرين فيه".
"أنا مسيحي الديانة ، اسلامي التربية، اشتراكي الفكر".
"لا عذر لمن أدرك الفكرة وتخلى عنها".
الاستقالة : عام 2000 قدم استقالته من منصب الأمين العام للجبهة في المؤتمر السادس، فاتحاً بذلك فرصة لرفاق آخرين، معطياً بذلك المثل والنموذج للتخلي الطوعي عن المسؤولية الأولى، رغم تزامن هذه الاستقالة مع عدم رضاه على بعض المواقف السياسية التي اتخذتها الهيئات القيادية للجبهة آنذاك, وبذلك يكون قد حرص على تنفيذ قاعدة لم نعهدها في التاريخ العربي والتي تقول بانه لا يجوز للقيادات ان تبقي في مواقعها الي أن "يأخذ الله امانته" منها فأعطى جورج حبش مثالا حيا علي هذا المفهوم.

أنفاسأمامي التقرير الربعي الأول للحكومة الفلسطينية الثانية عشرة، التي يرأسها د. سلام فياض، وهو تقرير يتحدث حسب العنوان عن الإنجازات، التي حققتها الحكومة في الفترة الممتدة من السادس عشر من حزيران وحتى الرابع عشر من تشرين أول من هذا العام.
لم أقرأ التقرير بعد، وهذا تقصير أعترف به، مع أن عناوين فصوله  أو أجزائه الأربعة تغري المعنيين بمتابعة الشأن الحكومي وسياسة هذه الحكومة بقراءته. كنت أفضل أن أبدأ بقراءة هذا التقرير والتعليق عليه، لأقف على أرضية صلبة في مناقشة ما يدور في الأروقة حول هذه الحكومة، هل نقلق عليها أم نقلق منها ومن سياستها، لنتصرف في ضوء أي من القلقين.
القلق وارد بالتأكيد، ومن منا لا تدفعه الأوضاع، التي نمر بها إلى القلق، أو حتى بعض الممارسات الحكومية، وخاصةً ما يتصل منها بالشأن الأمني وما يتصل منها كذلك بإرساء أسس ودعائم نظام سياسي ديمقراطي يحترم بحزم التعددية السياسية والحزبية والحريات العامة والديمقراطية والحقوق الأساسية للمواطن وللقوى ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها الحق في حرية الرأي والتعبير والتظاهر والمسيرات والاحتجاجات السلمية. وإلى أن أقرأ التقرير الربعي الأول للحكومة الثانية عشرة، فإنني أحتفظ بالحق في مناقشة القلق من السياسة الاجتماعية – الاقتصادية لهذه الحكومة، رغم أنني أقدر الظروف الصعبة التي نمر بها والإرث الثقيل،الذي جاءت هذه الحكومة تحمله على أكتافها بفعل سياسة الحصار والإغلاق وتجفيف الموارد، التي مارستها الإدارة الأمريكية وحكومة إسرائيل بشكل خاص، بما في ذلك السطو اللصوصي على أموال الضرائب الفلسطينية غير المباشرة، ومارسها المجتمع الدولي بشكل عام ضد الشعب الفلسطيني، على امتداد أكثر من عام ونصف، بعد انتخابات المجلس التشريعي التي جرت مطلع العام 2006.
القلق وارد بكل تأكيد، ولكنه غير القلق، الذي يملأ الدنيا ضجيجاً انطلاقاً من اعتبارات فئوية خالصة، واستناداً إلى معايير سياسية فجة وغير مقبولة، كالقول مثلاً، هناك قلق من هذه الحكومة، هل هي حليف راسخ لفتح أم بديل وهمي عنها. المبالغة هنا واضحة، والتعبير عن القلق بهذه الطريقة وهذا الأسلوب يختصر النظام السياسي بحزب واحد، وينزع إلى التعامل مع الوطن كما لو كان مزرعة بملكية خاصة لا تقبل حتى أن تكون ملكية مختلطة. لم يطرح القلق من هذه الحكومة أو القلق على هذه الحكومة استناداً إلى مقاييس ومعايير وطنية شاملة، كقربها مثلاً من منظمة التحرير الفلسطينية ومدى التزامها ببرنامجها وسياستها وتوجهاتها العامة، بل انطلاقاً من حشرها في زاوية الولاء للحركة، التي لا يختلف اثنان على مكانتها ودورها في ساحة العمل الوطنية.

أنفاس تمر علينا الذكرى العشرون لانطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الاولى..انتفاضة"اطفال الحجارة" وشعبنا الفلسطيني يمر بمرحلة من الانقسام والعداء والتشرذم لم يشهد لها مثيلا منذ انتصاب الكيان الصهيوني.
الانتفاضة لغة: هي التحرك فقط، فقد جاء في المعاجم العربية: نفضت الثوب والشجر إذا حركته لينتفض. وكذلك، انتفض الشيء: تحرك واضطرب، وهذا يعني أن الانتفاضة، وهي مصدر المرة والهيئة من فعل انتفض، هي حركة واضطراب.
وأما اصطلاحاً: فهي ذلك التحرك الشّعبي الهائل، الذي انطلق في 8 كانون اول/ديسمبر 1987، وامتد عبر كل أرض فلسطين، لمواجهة القوة الصهيونية المسلحة. بل هي الثورة الجماهيرية، التي تعد فريدة في بابها وسلاحها.
وقد جاء في أسباب اندلاع الانتفاضة، أن الشعب الفلسطيني، الواقع تحت الاحتلال الصهيوني، عندما وصل درجة بالغة من الإحباط واليأس، اندفعت انتفاضة شعبية عارمة، بدأت في ديسمبر 1987؛ وفيها جابه الشباب والأطفال، العدو الإسرائيلي المدجج بأحدث الأسلحة، وهو مجردون من أي سلاح إلاّ إيمانهم بالله، وبعدالة قضيتهم، والحجارة، غير عابئين بالنتائج، التي يمكن أن تسفر عنها هذه المجابهة الحتمية، وهي القتل، والتمثيل، والإصابات والاعتقالات، والتعذيب، وهدم البيوت، وقطع الأرزاق، والطرد من البلاد. ومن هنا أُطلق على عناصر هذه الانتفاضة، مصطلح "أطفال الحجارة".
وقد استمرت الانتفاضة زمناً طويلاً، حتى فرض المصطلح نفسه على الساحة السياسية، ودخل ميدان الصحافة العربية، والصحافة الأجنبية، بلفظة العربي، وكذلك دخل الموسوعات الأجنبية، وفرض نفسه، أيضاً، على المحللين والمؤلفين في الوسط الإسرائيلي، فألف الصحفيان زئيف شيف، وإيهود يعاري، كتاباً عنها، كان عنوانه  Intifada
مثلت الانتفاضات الفلسطينية معلماً أساسياً من معالم التحول النضالي والكفاحي لشعوب العالم ضد الاحتلال والاستعمار، والتي كانت ذروتها باندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى في ديسمبر 1987، والتي قدمت صورة حقيقية لواقع الاحتلال وإجرامه وممارساته اللاإنسانية ووفرت للقضية الفلسطينية ولأول مرة محضناً شعبياً متكاملاً وموحداً داخل فلسطين المحتلة. وبرغم التطور الذي أصاب هذه الانتفاضة خلال مسيرته طوال ست سنوات متواصلة غير أن حجم الأحداث والتحولات الإقليمية والدولية تسبب بإشكالات عديدة لها ، ناهيك عن الخلاف الفلسطيني حول طبيعة التحولات المطلوبة لتحقيق أهدافها بالتحرر والاستقلال بين الاستثمار السياسي غير الناضج الذي تبنته حركة فتح وتوسيع دائرتها ودعمها بخط المقاومة المسلحة الذي تبنته حركة حماس وفرضته مع بواكير العام 1992 بانطلاقة جناحها العسكري تحت اسم " كتائب القسام".