أدى فشل مشاريع التغيير الديمقراطي التي طرحت في السنوات القليلة الماضية إلى انتشار اليأس من مستقبل الديمقراطية في المجتمعات العربية. فبعد تنامي الآمال في السنوات الأولى من هذا القرن الجديد بربيع عربي ديمقراطي، عبر عنه الرأي العام المثقف ومؤسسات المجتمع المدني، وبدا وكأن العديد من النظم السياسية قد استجاب ولو جزئيا له تحت ضغط الدول الغربية، عادت الأمور اليوم إلى أسوأ مما كانت في نهاية القرن الماضي. وأصبح حلم توريث السلطة والرئاسة من قبل الحاكمين فرضية ممكنة من جديد، في الوقت الذي زادت فيه جرأة السلطات العربية على التصدي بالعنف لحركات المطالب الديمقراطية، وعدم الخوف من الاعتقالات التعسفية والجماعية ولا من تعقب المثقفين وتهديدهم ليكفوا عن الخطاب النقدي الذي بدأ يسيطر على كتاباتهم في الفترة الأخيرة. وسبب هذا التراجع كامن في السياسة الكارثية التي اتبعتها الإدارة الأمريكية القائمة. فهي في سبيل إضفاء الشرعية على مشروعها الاستعماري في العراق والشرق الأوسط عموما جعلت من الاصلاح أحد شعاراتها أو جوهر دعايتها. وادعت، للتخفيف من الانتقادات الدولية المتزايدة لمغامرتها السياسية، رغبتها في تحرير الشعوب العربية من الاستبداد. وقد ساهمت بذلك في تقويض مشروعية الكفاح الديمقراطي العربي لدى قسم كبير من الرأي العام العربي، بعد أن دعمت، خلال أكثر من ستين عاما، حسب تصريح الرئيس بوش نفسه، نظم الديكتاتورية. وجاءت هزيمتها في العراق لتعطي للنظم العربية، التي حنت رأسها للعاصفة لفترة قصيرة، فرصة الانتقام من القوى الديمقراطية المحلية وسحقها، في سياق انحسار النفوذ الأمريكي وتقلص الضغط الخارجي الموجه إليها. هذا هو ما يفسر الجزر الديمقراطي الذي تعيشه الشعوب العربية التي وقعت ضحية السياسات المغامرة واللاعقلانية والاستعمارية للإدارة الأمريكية.
ومن الطبيعي أن يدفع هذا الوضع العديد من الديمقراطيين وقطاعات الرأي العام العربي المتأثرة بهم، إلى التساؤل فيما إذا كانت لا تزال هناك فرص لاستعادة المبادرة من قبل الحركة الديمقراطية لبدء مشروع التغيير الذي تحلم به الشعوب العربية. وجوابي أن الانتصار الذي تشعر به أغلب النظم العربية اليوم قصير الأجل وملغوم بالأساس. لأنها لا تملك، بالرغم منه، أي حل للأزمات المتفاقمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية التي تعيشها المجتمعات العربية، ولا أمل لها في الخروج من مأزقها. .فهي لم تربح شيئا ولكنها تعيش على الفراغ أو الوقت الضائع الذي خلفه انحسار النفوذ الأمريكي، من دون أن تملك أي فضيلة تؤهلها لملء هذا الفراغ والإجابة على تحديات التغير السريع الذي تعيشه المجتمعات.
ولهذا، بعد الصدمة التي أحدثتها نتائج تطبيق الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وبشكل خاص في العراق، سوف تعود الحركة الديمقراطية العربية أقوى مما كانت. والمطلوب، في انتظار ذلك، التغلب على مشاعر الاحباط الناجمة عن الانقلاب الحاصل في موازين القوى الإقليمية، والعمل منذ الآن على تحرير الحركة والفكر الديمقراطيين من المخانق والتناقضات والالتباسات التي ورثتها عن المرحلة السابقة.