من الناحية النظريّة، فإن الأجيال التي تعيش في الوقت الراهن ينبغي أن تكون سعيدة إلى حدٍّ بعيد، فالتطوّر العلمي الذي تنعم به هائل، وحجم الأمراض المُميتة في تناقص مُستمر، والبشرية قادرة على الوصول إلى المعرفة في أي وقت، ناهيك عن وسائل الترفيه التي لا حصر لها. لكن مع كل ذلك، فإن مؤشرات السعادة في انخفاض مُستمر، ومُعدّلات الاكتئاب في تزايد حول العالم(1)(2)، كما أن التقنية التي أتاحت فرصا كثيرة ساهمت في تزايد وسائل المراقبة والضبط الاجتماعي، عدا عن توظيف التقنيات الحديثة في صناعة أسلحة فتّاكة، أهلكت الكثير من البشر، ودمرت العديد من المدن.

هل تقبل أن تكون مراقبا إما لأن ذلك يخدمك بشكل من الأشكال، أو لأنك لا تبالي به؟  هل تبحث عن مواجهة الاستغلال الذي يتخذك موضوعا؟ أربعة من الفلاسفة بإمكان صحبتهم مساعدتك والأخذ بيدك  لأجل تحديد موقفك.
مشيل إيلتشانينوف

في صحبة غوتفريد فلهلم لايبنز(1646-1716) Gottfried Wilhelm Leibniz أو المُجوِّدُ المتفائل

أنت تحت العين الرقيبة لكل من غوغل وفايسبوك وأمازون وغيرهم، ذلك ما تعرفه، غير أنك تتحمله لاعتقادك، مثلُك في ذلك مثل مقاولي الشبكة العنكبوتبة، أن عالماً يتحدث فيه الناس بعضهم إلى بعض ويتواصلون فيما بينهم أفضل من عالم يتجاهل فيه أحدهم الآخر. فأنت على يقين تام أن أفعالك وتحركاتك مراقبةُ كما أن المنتجات التي يتم نُصْحُك بها هي في تطابق مع أذواقك.  لكن هذا الأمر هو الأحسن والأفضل! بل إنك لَتشعُر في نفسك بضرب من الافتتان  بهذه البناءات الهندسية الرقمية البديعة والهائلة  التي تضمن اتصال الملايير من الأفراد فيما بينهم  بكل اللغات وحول جميع المواضيع، وهي بناءات لا تزداد إلا انغراسا ورسوخا. تديرها خواريزميات خفية وقوية جدا، تابعة لـشركة ذات تكنولوجيا فائقة   بكاليفورنيا.

يرى البعض أن أسوأ سيناريو يُمكن أن تتخيّله البشرية، قد تجلى في مأساة "تشيرنوبيل" (Chernobyl) -التي تحوّلت مؤخّرًا لمُسلسل حقّق نجاحًا مُنقطع النظير-، وهنا الحديث عن تسعينات القرن الماضي فقط؛ لأن -ربما- أسوأ سيناريو يُمكن أن يحدث للبشرية في وقتنا الحالي هو أن تختفي شبكة فيسبوك الاجتماعية خصوصًا مع تعالي الأصوات التي تُطالب بالحد من خدماتها(1)(2)، فهل يُمكن فعلًا السيطرة على شبكة فيسبوك بسهولة؟ أم أن ما أسّسه "مارك زوكربيرغ" من الصعب جدًا تفكيكه؟
ما بعد الشبكة الاجتماعية
كان "زوكربيرغ" أول المُتأثّرين بسلسلة الفضائح التي طالت شبكته الاجتماعية، فنظرية ترك الشيء الذي يعمل على حاله دون تغييره باستمرار لم تعد تفي بالغرض، ليخرج على العالم بفكرة تحويل فيسبوك لشبكة اجتماعية للمحادثات الفورية على غرار مسنجر أو "واتس آب" تُركّز بشكل أساسي على خصوصيّة بيانات المُستخدم من جهة، ومحادثاته وعلاقاته الشخصيّة من جهة أُخرى.

مقدمة المترجم
هل ساعد اختراع الإنترنت البشرية على اكتساب المعرفة والحكمة حقًا؟ يتناول الفيلسوف مات بلومنك تأثير الإنترنت على الذاكرة والانتباه، عبر جدليات سقراط وتلميذه أفلاطون منذ 2400 عام.
نص التقرير
قال تحوت: "هاك أيها الملك.. معرفة ستجعل المصريين أحكم وأكثر قدرة على التذكر. لقد اكتشفت سر الحكمة والذاكرة". أما الملك فقد أجاب: "يا تحوت، يا سيد الفنون الذي لا مثيل له: هناك رجل قد أوتي القدرة على اختراع الفن، وهناك رجل غيره هو الذي يحكم على ما جلبه هذا الفن من ضرر أو نفع لمن يستخدمونه. والآن، وبوصفك مخترع الكتابة، أراك قد نسبت لها عكس نتائجها الصحيحة بدافع تحيزك لها. ذلك لأن هذا الاختراع سينتهي بمن سيعلمونه إلى ضعف التذكر، لأنهم سيتوقفون عن تمرين ذاكرتهم حين يعتمدون على المكتوب".
- محاورة فايدروس لأفلاطون، ترجمة د. أميرة حلمي مطر
إن من المدهش أن يظل اقتباس يزيد عمره عن ألفي سنة وثيق الصلة بالمشاكل التي نواجهها في مجتمعنا المعاصر. في هذا الاقتباس، من كتاب "محاورة فايدروس" لأفلاطون، يستخدم سقراط هذا الحوار المتخيل بين الإله المصري القديم تحوت، مخترع الكتابة، وبين الملك تاموز، ليبيِّن لفايدروس مخاطر الكتابة وآثارها المقلقة على الحكمة البشرية في رأي سقراط. يعتقد تحوت أنه باختراع الحروف قد وجد طريقة لحفظ ذواكر المصريين، وأنه بهذا قد منح الشعب المصري حكمة تتجاوز حدود الإمكانات الطبيعية.

"أشعر بالقلق من أن ذلك النوع من السرعة الرهيبة للمعلومات يؤثر في الإدراك، يؤثر في قدرتنا على التفكير العميق، وما زلت أعتقد أن الجلوس وقراءة كتاب هو أفضل وسيلة لتعلم شيء ما، وأخشى أننا في طريقنا لفقدان ذلك"
 (إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لغوغل)      
يجلس شاب، لم يجتز بعد العشرين من عمره، في محاضرة علم الأدوية بكلية الصيدلة ليستمع إلى الأستاذ بينما يشرح تركيب بعض المواد المستخدمة في علاج التهابات المفاصل، وحركيتها في الجسم، لكن هاتفه الذكي، لسبب ما، يضيء في حقيبته دون صوت. تلفت تلك النبضة الضوئية انتباه صديقنا لوهلة، ثم يعود للدرس مرة أخرى، لكنه هذه المرة لن يتمكّن من التركيز بكامل قدرته، فجزء منه يود لو تمتد يداه لتعرف السبب في ذلك الإشعار.
   هل هو لصديق يحدد موعد لعب الكرة الليلة؟ أم رسالة على واتساب من زميلة جميلة في مختبر الصيدلانيات؟ أو ربما قد علّق أحدهم على منشوره المثير للجدل الذي كان قد وضعه بالأمس على فيسبوك، هنا سوف تبدأ الذكريات بالانسياب في عقله لترسم سيناريو محتمل لكل خاطر يطرأ، في أثناء ذلك كله تكون قد مرّت ساعة كاملة من المحاضرة المعقّدة.  

ليس مارك زوكربيرغ أول شخص في تاريخ البشرية يستمد إلهامه من أغسطس قيصر، مؤسس الإمبراطورية الرومانية، ولكنه واحد من القلائل الذين تشكل لهم دروس فترة حكم أوغسطس أهمية ملحة. فعلى كل حال شيد الرجلان إمبراطوريات عالمية قبل بلوغ سن الثالثة والثلاثين. وأوضح زوكربيرج لمراسل صحيفة نيويوركر في وقت سابق من هذا العام قائلا "ببساطة أسس أغسطس، باتباع نهج قاسٍ للغاية، لـ 200 عامًا من السلام العالمي".  و"ما هي التنازلات التي قدمت في سبيل تحقيق ذلك؟" أوضح زوكربيرج أن أغسطس "كان عليه أن يفعل أشياء معينة" لضمان استقرار إمبراطوريته. وكذلك -على ما يبدو- يفعل فيسبوك".

توقيف المسؤولة الأولى في شركة هواوي من قبل السلطات الأمريكية يثبت مرة أخرى أن هذه المقاولة الصينية أصبحت رمزا للعداء الذي يسود بين واشنطن وبكين. لقد تبين من خلال ذلك أنها أول من يدفع الثمن.
مما لا شك فيه أن سنة 2018 بالنسبة لشركة هواوي شكلت سنة نجاح من خلال إطلاق هاتفي ب20 ثم لدفعة مايت20 . فهذان الهاتفان الذكيان فرضا نفسيهما كمرجعين رئيسيين في السوق. بعبارة أخرى، من خلالهما أظهرت الشركة الصينية بوضوح طموحاتها الهائلة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من السمعة المتزايدة لهذه العلامة التجارية في جميع أنحاء العالم، هناك سوق لا تني تقاوم شركة هواوي؛ ألا وهي الولايات المتحدة. تنظر السلطات الأمريكية إلى الشركة الصينية باعتبارها تهديدًا للأمن القومي وزادت من العقبات التي تحول دون إنشاء العلامة التجارية الدائمة فوق أراضي العم سام.

بادئ ذي بدء، وبلغة فوكاوية أنطولوجية راهنية واقعية، بلغة كذلك، النحن والعقل التقني، وعلى واقع فلسفة الاختلاف، التشظي، الشتات والهامش، نقدم هذه القراءة الهامشية حول هامش الواقع التقني الذي يفرض نفسه بنفسه على سيكولوجيات متعددة ومختلفة باختلاف أجناسها وأعراقها، وكذلك نستقرئ ما يفرضه هذا الواقع التقني على الفيزياء الاجتماعية من خلال نماذج على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي نذكر منها الصفحات الزرقاء الفايسبوكية على وجه التحديد التي تعرف بكثرة تعددها وتشظيها وانتشارها بشكل كبير، بل بشكل مهول، على هذا البرنامج الأزرق أو التطبيق المسمى بالفايسبوك.

"عند جهينة الخبر اليقين"
مثل عربي
تتعدد  اليوم الوسائط المهتمة بنقل الخبر، وقد أدى هذا التعدد الهام، إلى تنوع القنوات التواصلية الخبرية، وتَخَيُر المتلقي طرق التعرف الأنسب إلى الأخبار الجديدة، والتثبت من القديمة منها، بغية الوصول إلى بناء تصور نقدي خاص حول الموضوعات المطروقة.
إن طبيعة الإعلام المُسْتَجِد عَوْلَمَ المعلومة وجعلها لا تبقى حكرا على مؤسسة بعينها حاضنة لها، ومروجة لها حيث تريد وأنى تشاء، فالمعلومة غدت جوالة ورحالة بين الناس لا تعرف القيود التقليدية إليها سبيلا، فبمقدور الإنسان بوصفه كذلك لا غير الاطلاع عليها والوصول إلى جوهرها بأيسر السبل، حتى إننا أصبحنا بفعل تعدد الوسائط الخبرية يمكننا أن نضع سؤالا قد يكون محرجا مفاده: هل تطور وسائط نقل المعلومة المستجدة إنذار بنهاية "الإعلام المؤَسَسة" الحاضن للمعلومة؟ أليست هذه الوسائط اليوم التي أصبح يشغف بها الفرد في زمن الصورة كفيلة بالتخلي عن المنظومة الإعلامية التقليدية؟