
لئن ارتبطت الفلسفة بالعقل وتكلم العقل لغة المفاهيم وصورت لنا المفاهيم أحداث الواقع ولئن انغمست العلوم في التجربة وتكلمت التجربة بلغة الرياضيات والأرقام والمعادلات ونقلت لنا هذه المعادلات العلاقات بين الأشياء وصاغت قوانين الظواهر فإن الفنون ترتبط بالأحاسيس الدافئة والمتوترة والخيال الخلاب والمنتج وبالذاكرة العميقة والجماعية وستتكلم لغة الأهواء وستعبر لنا هذه المشاعر عما يدور داخل الذات من جموح نحو المطلق وثورة على السائد وإرادة لتجاوز الحدود نحو اللانهائي.
ربما كان مصطلح الفن غامضا بعض الشيء وآيتنا في ذلك أنه يطلق على التقنية وعلى الفنون الجميلة على الرغم من الاختلاف الكبير بين عمل الحرفي الموجه من قبل أهداف نفعية أداتية وعمل الفنان الممارس لذاته والهادف إلى قيمة نوعية متعلقة بالجمال أساسا. لذلك يشير الفن في معناه العام إلى الإنتاج الانساني الذي يجمع بين الحرية والعقل والإبداع. على هذا النحو يشير لالاند في معجمه إلى أن:"الفن أو الفنون تعني كل إنتاج للجميل بواسطة الآثار التي يبدعها كائن واع." وبالتالي يتميز الفن على الطبيعة تميز الفعل عن الحركة والحرية عن الضرورة من حيث أنه كما يقول فرنسيس بايكن "الشيء الذي يضيفه الإنسان إلى الطبيعة".
كما يتميز الفن عن العلم تميز المعرفة النظرية عن المعرفة العملية إذ لا يعرف الإنسان بالضرورة كل ما يقدر على فعله ولا يصنع بالضرورة ما يقدر على معرفته، وقد برهن كانط عن ذلك بقوله:"الفن هو العمل الوحيد الذي لا نملك مهارة صنعه حتى وان كنا نعرفه على الوجه الأكمل." زد على ذلك أن الفن متميز عن المهنة لأن الفنان هو الصانع الذي يمتلك فكرة عما سيبدعه ولكنه يتحرر من كل غرض مادي.