إنسان ما بعد الحداثة - ضمد كاظم وسمي
يمكن القول أن الكائن الإنساني كان محكوماً ومحدداً بالفكر اللاهوتي الذي يركز على الحياة الأخروية ، ويشل من إرادة الإنسان بوصمه بالإثم والذي يتطلب منه صرف كل همه في سبيل التطهر إنتظاراً ليوم الدينونة لمحاسبته على عمله الدنيوي المدنس .. ثم حكم الإنسان بالفكر الماورائي الذي يرى أن وجوده وأفعاله مخلوقة له من قبل القوى القصوى على حد وصف أرسطو أي قوى خارجة عن إرادة الإنسان وإمكاناته .
بعد ذلك ومع بزوغ عصر النهضة الأوربية والتطورات التاريخية الكبرى حل الفكر الحداثي الذي يبنى على أساس أن الإنسان جوهر فكري هو عين ذاته .. يفكر بعقله المستقل ، له وعيه الناضج ويمارس سلطته على الطبيعة والأشياء بملئ إرادته ومطلق حريته . وقد ترافق المد الحداثي مع نشوء العلمانية التي إرتبطت بظهور البرجوازية حيث حررت الإنسان من هيمنة الكنيسة ، فالعلمانية هي : (( الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية دون التصدي لقضية الإيمان سواء بالقبول أو الرفض )) حسب تعريف جون هوليوك ( 1817 – 1906 ) ، حيث نما الفكر البراغماتي الذي هدف أولاً الى تعظيم الإنتاج كهدف لوجود الإنسان الذي إنتهى الى موجات إستعمارية في الخارج وقيام الدول القومية في الداخل مبتناها الفصل بين العلم والأخلاق .. وفي مرحلة لاحقة أعتبر الإستهلاك هو الهدف النهائي لوجود الإنسان فيما لاح في الأفق من أن آلية السوق (( الخالية من القيم )) صارت تهدد سيادة الدولة القومية وكذلك تهددها مشكلات تفكيكية (( مثل ظهور النزعات الأثنية )) فيما تم إستبدال النموذج الإستعماري العسكري بنماذج أخرى كالإستعمار الإقتصادي والثقافي .. الخ