anfasse19076 يعتبر الفن ذاك النِتاج الإبداعي للبشر و تعبيراً حرّاً عن مشاعر قادمة من حنايا الذات، نسْج الفكر و الخيال، في أعمال ذات قيمة جمالية متميزة، سواء كانت مادية كالتصوير، السينما و الرسم.. أو لامادية كالكتابة و الموسيقى..الخ.
  فهل تنفصل الحرية في التعبير الفنِّي عن الوعي الأخلاقي و الضوابط الفطرية لدى لإنسان؟ و هل هناك شروط تسمح للفن، داخل نظام إجتماعي يرى في الأخلاق معياراً محوريا لتقييمه، أن يتحلى بقيمته الجمالية في تأدية وظيفته؟ و هل يُمْكِنُ للفن أن يكون لا أخلاقيا؟ و متى يكون إذن الفن فنا؟ 
   فقد تتعدد ألوان الأسئلة في هذا السياق بقدر ما تتعدد وسائل و رسائل الإبداع الفني، بألوان يختلف طيفها بإختلاف الترسبات الثقافية و المنظورات الفكرية  للفنان، التي ترسم أحيانا دلالات متغيرة و متحيزة للعمل الفني، ما قد يمنحه إلتباسا و غموضا محصورا في زاوية نظر معينة. إذ يعكس اللون التعبيري المستعمل، والمقصود هنا طبيعة و مادة الفن، الجانب الشعوري الباطني للفنان و الإنفعالات الداخلية المحتقنة في وجدانه.

anfasse19072تتقدم القصيدة باعتبارها ممارسة ذاتية تتوسل عبر الانتقال من سماء إلى أختها، حتى تبلغ صفحة الإلتماع بالإفصاح سواء البكر أو المُتعالِق، هذا حَدُها، أما ما يثير الانتباه في قصيدة عبد الله زريقة: أنه أخضع البعد اللغوي رُقعتها، لتَحْيِنات عديدة في ممارستها الإبرائية عن شاعرها. ويعتبر ديوان (  فراغات مرقعة بخيط شمس) التجسيد الأول لانطلاق هذا الرهان، الذي سيعرف هذا الشاعر كيف ينميه ويطوره، بهذه البدرة المتأتية عن فضيلة الاختلاف، ليتهيأ لعبور تصرف تام في جسد اللغة كامل قصيدته، بشكل لم تنل منه متعاليات الإخضاع الذي تفرضه على تجارب عديدين لماضيها ومَورُثِها ومتعاقدها القيمي.

يعيد عبد الله زريقة، ترتيب العلائق مع القصيدة السارية بالوجود – وبها تُنكح العلاقات بالعلويات- بما يجدد النظر إليها، ليعتليها كشطح يُعمل احتمالاته، فيما يخلق علاقات سرية بين المتباعد ظاهريا، ومَشهديتها بانتصاب أثر الكشف وازنها، فتمجيد الشعر عبر الاطمئنان به، وإعطائه سيادة إنتاج المعرفة، إلى جانب تعميق هذا الرهان، بتوسيع إمكانيات القصيدة، تجعل الكلمات في معجم هذا الشاعر تكف أن تكون رسوما، وعبارات لتتقدم في ملمح جسد يرتدي الدهشة، ليس التعرية عنها /قراءتها ما يحبل بشبقية تسيل لها إغراءات الكشف عن الرؤية، حيت تجد اللغة ذاتها تتملكها الرغبة ..تهيم بها ..تتغيا الإنكباب الجديد لها في نسقية تشتهي نصغها، ما يكثف مشهد الخِضم التوالدي بتداخله وتشابكه عاملها.

anfasse090711-  على سبيل التشخيص:
-   من تكون حتى تُكَلم الناس هكذا؟ ولِم تنظر إلى الآخرين بعين الإصغار والازدراء؟
 - من تكون حتى تتصرف على هذا النحو المهين؟ ولِم تقسو على ذاتك فتضعها خارج دائرة الإنساني؟
-   لِم تسعى إلى تجحيم حياة الآخرين؟ وتجنح إلى استضعافهم وإذلالهم؟
   -  لِم تعمل على جعل هموم الآخرين تتفاقم، وعُقدهم تتضخم لتسعد؟ أليس هذا منتهى الخِسّة والوضاعة؟ ألا يكفي الآخرين ما يعانون حتى تستزيد لهم؟
-   أليس من الأجدر أن تسمو بنفسك عن سُنن الهمجية؟ 
-   أليس من الرحمة أن تترفق، ومن النُّبل أن ترحم، ومن الأدب أن تتصرف بلباقة؟
-   أليس من الأجمل أن تحب، ومن الخبث أن تكره؟ 
 -  لِم تتكالب على الاستئثار بالجمال، والخير، والسعادة، والقوة، دون سواك؟ 
-   لِم تريد أن تتكلم وحدك؟ أتحب أن يحرمك الآخرون حق الكلام؟ أليس من العدل أن تمنح الآخرين حقهم في الكلام، وتجعل الاستماع إليهم حقا لهم واجبا عليك؟
 -  لِم تميل إلى ممارسة السلطة على الآخرين؟ أتحب أن يتسلط عليك أحد؟
   -  حين تمارس العدوان على الآخرين ألا تتوقع أن يكون رد فعلهم مدمرا؟
 -  من تكون، وماذا، حين تُكره الآخرين على الانصياع والامتثال دونما حجة أو برهان؟ ألا تؤدي سلوكاتك هذه إلى ردود أفعال سلبية؟
 -  أمِن الحصافة أن تفرض رأيك على الآخرين وتستمر في الدفاع عنه وإن كان واهنا ضعيفا؟ 

anfassa01081التواصل مفهوم شاسع وفضفاض، إنه على درجة من الميوعة والرحابة بحيث يعسُر انضباطه ولا يكاد يتأتى الإمساك به إذ تُساءل تخومه، فهو متعدد المظاهر والتجليات، ومتعدد الأبعاد، ومتعدد الأنسقة. وهو فوق كل ذلك مبثوث في كل مناحي الحياة، وبين كائنات تختلف؛ من الحيواني إلى الآلي إلى الإنساني. لذا فإنه إذ يُطلق تعدد دلالاته ولا تكاد تنحصر.
إلا أنه على ذلك، ورغم أنه يمكن الحديث عن تواصل حيواني كما يمكن أيضا الحديث عن تواصل آلي، فإن الذي عليه الإجماع هو ألا تواصلَ على نفس القدر من الكفاءة والكثافة والغنى الذي للتواصل الإنساني، إنه أسمى الأنواع؛ فبالقدرة الفائقة على التواصل استوى الإنسان كائنا متميزا فاوَتَ الكائنات الأخرى فكان الأرقى. ومن أجل أهميته فإن سؤاله ظل دوما يحظى براهنية متميزة لأن إشكالاته لاتني تَنَـزَّل في كل آن.
وأفراد الناس إذ يكون التواصل أحد خصائصهم فإن بداهة الظاهرة غالبا ما تجعلهم يغفلون عن الالتفات إليها والتساؤل بشأنها، إن الُملاحَظ أن جلهم يأتون الأنشطة التواصلية دونما وعي بما يقومون به حالَتَهَا، خاصة إذ تتكلل محاولتهم بالنجاح. إن التساؤل حول الفعل التواصلي والإشكالات التي يطرحها لا يجد مبرره والباعث عليه إلا حين تُفضي المحاولة إلى الفشل، وبوجه خاص إذ يكون الفشل ذريعا، حالتئذ ينبثق السؤال عن أسباب قيام التواصل ونجاحه، والعوائق التي يمكن أن تحول دون ذلك 1. وربما كان القصد إلى تجاوز هذه العوائق لغاية تحقيق فعالية تواصلية ناجعة أقوى مُسوِّغات الاهتمام بالظاهرة والبحث فيها في مستواها التفاعلي، حيث التواصل يمكن اعتباره من أهم محركات الفعل الإنساني بشكل عام.

anfasse24067عند مستهل هاته الألفية الثالثة، تكاثرت بيننا بشكل لافت لم يُعهد من قبل، كتابات نثرية وشعرية، ورقية ورقمية، تقصر كيانها الرمزي على نصوص موجزة لفظا ومكثفة معنى، وفق نسق لغوي بالغ القصر قد يصل إلى درجة الاقتصار على لفظين، بوصفهما كلا متماسكا دالا تقريرا أو إيحاء(1).
وقد ذاع صيت هاته الكتابات الحداثية، حتى تحولت إلى هاجس تهجس به فئة عريضة من الكتاب العرب، الذين خصوها عبر شبكة الأنترنيت بصفحات إبداعية عدة، وانضووا تحت لوائها على شكل مجموعات متباينة حسب المنحى الإبداعي، ومارسوا الريادة في مجالاتها، التي شملت القصة الومضة ذات الشطرين، والقصة الومضة المتدحرجة، والومضة الشعرية، وشعر الهايكو، وشعر التانكا، والتوقيعات الأدبية، والكتابة الشذرية، والقصة القصيرة جدا، ومزيج الهايبون، وشعرالنانو...
ولقد أمكن لهاته الميكرو كتابات، أن تستقطب من القراء والنقاد من واكبوها  بالقراءة التأثرية الانطباعية، والتعليق الشارح والواصف بموضوعية، والنقد التأويلي أو الحواري، كما أمكن للمشرفين عليها أن ينظموا مسابقات لاصطفاء أجودها، واستجماعها في مجاميع إبداعية، ورقية أو رقمية تأتي عبارة عن كتب إلكترونية قابلة للتحميل المجاني.
ولعل تلك المناويل الكتابية، أتت استجابة لروح العصر حيث أضحى الجهاز العصبي للإنسان، نتيجة الوتيرة السريعة، مكيفا مع السرعة التي ما فتئ المزاج يترجم تأثيراتها، في خضم تفاعلاته وردوداته المتوالية حيال المعيش، الذي يقتفي في مساقه نسقا فيه من التسارع، ومن التنوع والإكراه ما لم يعهده من قبل، ففي سياق صيرورة حضارية حداثية متسارعة، غدت السرعة جزءا من كينونة الإنسان، الذي أصبح  يقيس إنجازاته بها، ويتطلع إلى استثمار أمثل للزمن، والاعتماد على القدرة الاستكشافية للعقل المتحرر من المسبق، والمتواتر، والرتيب، واعتبار الحضارة الإنسانية حضارة معرفة، تحرك العالم وفق وتيرة سريعة، على شبكة خطوط إلكترونية حاسوبية، حتى أن مسافاته التواصلية تتقلص ويبدو عبارة عن قرية صغيرة.

anfasse17069فرضيات الموضوع
    كَيْفَ تتجلَّى بُنى النص النقدي عند الباحثة الأكاديمية الفلسطينية صبحية عودة ، من خلال عملها الموسوم ب( الشخصية اليهودية الإسرائيلية في الخطاب الروائي الفلسطيني 1967 _  1997 ) ؟ هل يستطيع النص النقدي التشخيصي ، التصويري عند هذه الباحثة أن يجسِّدَ بنى دلالية توليدية جاهزة ؟  ما أهم طرائق تحويل المفاهيم النقدية المجردة إلى واقع محسوس ، ومشخصٍ في هذا العمل ؟
    لَقَدْ حقَّق النقد الروائي الفلسطيني المعاصر تراكماً فعلياً في المجال الثقافي العربي  ، إذْ نجد تنوعا كبيرا في النظريات والمفاهيم ، والمقاصد العملية عند النقاد والناقدات .
   تَمْلِكُ أعمالُ صبحية عودة قيمةً علمية ، وأهمية عملية بارزة نظرا لارتباطها بأسسٍ ابستمولوجية معروفة ، ومناخ محلي يساعد القارئ العربي (( العليم )) ( 2) على إدراك الاختلافات بين المدارس النقدية ، والمصطلحات ، والمقاصد من وراء أعمالها .
    تُوظِّفُ هذه الناقدة المقتدرة معايير منهجية ابستمولوجية وأبعادا تحليلية متماسكة ، وثرية تسطِّرُ معالم كتابها الموسوم ب ( الشخصية اليهودية الإسرائيلية في الخطاب الروائي الفلسطيني 1967  _ 1997 ) . يضبطُ المنهج النقدي المنظِّم لهذا العمل سياق النصوص ، ويربط بين الجانب النظري والعملي للكتاب ، ويتأقْلَمُ مع طبيعة الموضوع ، دون أية اسقاطات ، أو تعسُّف ، مما يجعل نصوصه تمثل إنجازا فعليا بالنسبة للمنهج الموظف .
    تُعالِجُ الباحثة عدة قضايا تتعلق بالشخصية اليهودية الإسرائيلية المشكِّلة للروايات الفلسطينية المدروسة . قسمتْ عملها إلى ثلاثة فصول ، يشتمل الفصل الأول على أربعة مباحث ، تتعرض في المبحث الأول إلى الشخصية اليهودية الإسرائيلية بين الوعي السلبي والإيجابي ، سواء أكانت شخصيات ضحيةً أم صديقةً ، وتطرح في المبحث الثاني البناء الخارجي  ، والداخلي لهذه الشخصية . أما المبحث الثالث فتتطرق فيه إلى تحولِ منظور الروائيين الفلسطينيين تجاه الآخر ، وتعالج في المبحث الرابع صورةَ العربي في المفهوم الإسرائيلي . يضمُّ الفصل الثاني ثلاثة مباحث ، يدرس الأول موضوعَ الخوف والجُبْن ، والثاني يهتمُّ بالانطوائية والتشاؤم ، والثالث يعالج السادية _ التآمر _ العدوانية بكل تجلِّياتها . يحتوي الفصل الثالث على مبحثين ، الأول يتطرَّق إلى البناء الزمني في الرواية الفلسطينية ، والثاني يهتمُّ ببناء المكان في الرواية الفلسطينية . أما الفصل الرابع فيشتمل أيضا على مبحثين ، طرحتِ الناقدةُ في الأول أساليبَ السَّرْد في الرواية الفلسطينية ، وفي الثاني ناقشتْ طرائق توظيف التراث في الرواية الفلسطينية .

anfasse17068إذا كانت معظم الأبحاث والدراسات المتعلقة بكتابات عميد الأدب العربي طه حسين (1889-1973) قد توجهت إلى بيان أفكاره وآرائه التي لطالما شغلت الناس في زمنه وبعد وفاته لتشكيكها في المعتقدات الأدبية والفكرية والتراثية، فإنها قليلة تلك الكتابات التي انصبت على البحث عن الأوجه البلاغية والتداولية للكاتب. في هذا السياق، تأتي هذه الدراسة التحليلية لتحاول الكشف عن أهم المظاهر التداولية والحجاجية في أحد النصوص المقتطفة من كتاب " في الأدب الجاهلي" وهو:" متى يوجد تاريخ الآداب العربية "، مبرهنة على البناء المنطقي والطبيعة الاستدلالية التي تميزت بها إنتاجات المؤلف. وقد اعتمدت في هذا المقال على وجه الخصوص على التقنيات الحجاجية التي وضعها شايم برلمان (1912-1984) ولوسي أولبريخت تيتيكا (1899-1987) في كتابهما " مصنف في الحجاج- الخطابة الجديدة"[1]، حيث عنيت بمعاينة مدى هذه حضور هذه التقنيات من خلال الوسائل اللغوية والمنطقية وشبه المنطقية في نص طه حسين، إضافة إلى أساليب ووسائل أخرى ساهمت في إضفاء البعد الحجاجي وترسيخ اقتناع القارئ بأطروحة الكاتب.

يقع النص موضوع الدراسة والتحليل: " متى يوجد تاريخ الآداب العربية " في الفصل الثامن من الباب الأول من كتاب " في الأدب الجاهلي "  لطه حسين. وهو عبارة عن مقال نقدي يتناول فيه صاحبه بالشرح والتفصيل قضية تأريخ الأدب العربي ومدى إمكانية ذلك، وهو بذلك يطرح قضية تطبيقية تكمل الأبعاد النظرية لتأريخ الأدب وفق مقاييس معينة تم ذكرها في الفصل السابق المعنون ب"مقاييس التاريخ الأدبي"، حيث أبرز أن المقياس المناسب لكل كتابة تاريخية ذات أبعاد علمية رصينة في مجال الآداب هو المقياس الأدبي خلافا للمقياسين السياسي و العلمي. وعليه، فإن النص هو تساؤل من نوع آخر، لكنه يدخل في علاقة تكاملية مع الفصل السابق من جهة، وفي علاقة تخصيصية له أو علاقة جزء بكل من جهة ثانية حين يحصر قضية تأريخ الأدب في الثقافة العربية.

anfasse17063وسم الأستاذ بشير عمري في مقال له معنون "من الاستعجال إلى الاستعجام: الأدب الجزائري بين أزمتي الوطن والدولة"، منشور بموقع "أنفاس"، تناول فيه قضية التّجاذب بين الأديب والسّلطة بسبب المشاريع المختلفة لكليهما، لكنه ركّز على ما اصطلح عليه في خلال العشرية الدّموية بـ"الأدب الاستعجالي"، الذي حسب رأيه هو "إسهال غير مسبوق للخيال الفنّي لجيل مصدوم من الواقع"، والحقيقة أنّ الإشكال الذي يطرحه "أدب الاستعجال" وفق التّسمية التي رمي بها، يطرح عدّة إشكالات منهجية ووظيفية، لأنّ وظيفة الأديب تكمن في مواكبة الحدث الذي يأخذ باهتمام الذّات الفردية أو الجماعية، من حيث علاقة الحدث بمصير الكيان الاجتماعي ووجوديته، فالحكم التّعميمي بوصف إنتاجية نصية توثّق لمرحلة حاسمة وخطيرة في حياة مجتمع ما، لابد وأنّه يخلو من الموضوعية التي تستلزم على الأقل القراءة لمجمل المنتج كوثيقة تؤرّخ فنّيا للمرحلة، وهذا يقودني إلى أن أعتبر أن إطلاق وصف "الاستعجال" على نص العشرية الدّموية مردّه إلى عملية تصفية حسابات مع نص انخرط في التواشج المخيالي مع الأزمة في حينها، ولهذا، ولغياب تقاليد التّعامل مع النص الحاضر في راهنه وراهن المشكل القائم، تغيب عن العقل المتابع أو النّقدي التّسميات المصاحبة لطبيعة الحركة النصية، إذ لماذا لم نهتم نقديا وفنّيا بنص المرحلة أو نص الأزمة؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة