Aanfasse03112   فاتحة الموضوع :
    شَهِدَتْ بلاد المغرب الإسلامي منذ بداية القرن الرابع وحتى نهاية الثامن الهجري حركة نقدية هائلة ومؤثرة ، حيث تنوعت قضايا النقد والبلاغة ، وشاعت وذاعت آراء حصيفة ، وانتشرت منهجيات وطرائق قِدَدًا .
   اِسْتَفَادَ علماء العربية في هذه الفترة من المصنفات الشهيرة كدلائل الإعجاز للجرجاني ، والصناعتين لأبي هلال العسكري ، والموازنة للآمدي ، والبيان والتبيين للجاحظ ...     
    تَكْتَنِزُ هذه المصادر والمصنفات العربية الخالدة مفاهيم ومصطلحات رصينة ، ومتونا ، ورؤى متميزة للعالم ووجهات نظر منهجية ، واستشرافات علمية عميقة الدلالات بالنسبة لموضوع السياق . يتردد هذا القصد بصور عميقة ومتماثلة عند ثلَّة من علماء العربية في المغرب الإسلامي أمثال أبي علي الحسن بن رشيق القيرواني ( ولد عام  399ه ، وتوفي عام 463 ه ) من خلال مؤلفه ( العمدة في محاسن الشعر وآدابه ) ، وحازم القرطاجني (  ولد عام 608 ه / 1211 م ) في عمله الموسوم ب( منهاج البلغاء وسراج الأدباء ) ، وأبي حيان التوحيدي ( ولد عام  654ه / 1256 م ، توفي عام 745ه /  1344) في مصنَّفه المعروف ب ( الإمتاع والمؤانسة ) . وهذا الطرح نفسه نجده حديثا عند العالم اللساني الانجليزي فيرث John Firth ( 1890م  _ 1960 م ) ، فهل اطلع هذا الرجل على أعمال علماء العربية المذكورين ؟ ألا يمكن إدراج موضوع السياق في مجال (( اللسانيات الكونية ))  The universal linguisticsالتي يلتقي فيها كل سكان المعمورة ؟ هل يمكن القول أن منابع (( نظرية السياق )) الغربية تملك جذورا عميقة ترد موزعة بين طيات كثير من المصادر ، والمتون ، والنصوص ، و(( المدارس )) العربية النقدية والبلاغية القديمة رغم بروز بعض الاختلافات في وجهات النظر التي تحدد الموضوعات والمقاصد عند الطرفين ؟  كيف تطور موضوع السياق عند العرب والغرب ؟ ما وجوه الالتقاء والاختلاف بين هؤلاء الأعلام والكتب والتيارات اللسانية الغربية وعملية المثاقفة  intercultural وحوار الحضارات ؟ 

anfasse28112قد لا يعير المرء كبير اهتمام عالمَ الرموز الثقافية حين يكون داخل حاضنة الثقافة القومية. فالتفاعل بينه وبين ذلك العالم يأتي عفويا ومنسابا بشكل لا واع. ولكن كلّما افتقر المهاجر إلى ثقافة المأتى، ولا سيّما في الغرب، إلا وداهمه الذوبان وكان عرضة للاندثار المبكر، ولربما تشتدّ الوطأة مع نزول المهاجر بالغرب في سن يافعة حين لا يزال عوده طريا غضّاً ولم تكتمل مفردات قاموسه اللغوي ولم تختزن ذاكرته ما يكفي من الصور والذكريات. ما زلت أتساءل كيف استطاع ذلك الصبي الفلسطيني العابر في الرحيل من اللدّ إلى دمشق إلى روما أن ينجو من ذلك الاندثار المتربّص، ويغدو مرجعا وعلما في التواصل الثقافي العربي الإيطالي؟ أقصد بالقول الفلسطيني وسيم دهمش، فهو بحق ثالث ثلاثة، رفقة الراحليْن الأردني عيسى الناعوري والليبي خليفة محمد التلّيسي ممن أغوتهم لغة دانتي وسحرهم أدبها. شاءت الظروف أن تمتزج الثقافة العربية بالثقافة الإيطالية مع الثلاثي كما لم تمتزج مع من سبقهم ممن حطّ بهم الرحال في هذه البقاع. فهناك كلفٌ دفينٌ باللغتين والثقافتين يجمع الثلاثي، يبلغ أحيانا درجة العشق والتجلي.

anfasse28111إن تطوّر المنظومة الشّعرية العربيّة والفلسطينيّة خاصة نتيجة لتعقيد الموضوعات وانفتاح بوابة الشّعر على العديد من الواجهات خاصّة بعد اتّفاق أوسلو سنة 1993 فرض على القصيدة العربيّة والفلسطينيّة خاصّة أشكالا مختلفة  بداية بالقصيدة الشّاملة مع حسين البرغوثي تحديدا والقصيدة الومضة أو التوقيعيّة مع عزا لدين مناصرة مرورا بالقصيدة المدوّرة مع احمد حسين و محمود درويش و صولا إلى نمط جديد أصبح يعرف باسم القصيدة السّوناتا، و ربّما كان هذا التواتر و التّتابع و التنوّع في أشكال القصيدة العربيّة  كان تمهيدا لظهور هذا الضرب من فنون القول الشّعري و هو ما يتجلّى خاصّة مع محمود درويش في ديوانه "سرير الغريبة" .
            و تجدر الإشارة إلى أنّ هذا النمط لم يكن وليد الشّعرية العربيّة بل هو شكل مستحدث ومستقى من المنظومة الشّعرية الغربيّة وبالتحديد ايطاليا مطلع القرن الثّالث عشر مع جياكو دي لينتو ودانيتي اللذين يعدان أول من ابتدعا هذا النّوع واهتمّا بتطويعه وكيفية تطويره، و سرعان ما تسلّل هذا اللّون الجديد إلى سائر أنحاء أوروبا ليحطّ الرّحال في فرنسا و خاصّة مع شارل بود لير الذي البس ديوانه" أزهار الشر" حلّة هذا الشكل الجديد ، فقد عمد الشّاعر في ديوانه المذكور تمرير هذا اللّون الفنّي للتعبير عن العديد من القضايا، ولم تنحصر جذور القصيدة السّوناتا داخل أسوار الشّعرية الغربيّة، إذ سرعان ما تفطّن درويش وهو احد أعلام الشعرية العربيّة إلى هذا الضّرب الإبداعي في الكتابة الشّعرية و أناط ديوانه" "سرير الغريبة" في بعض من قصائده بهذا الجانب الإيقاعي و البلاغي المخصوص الذي ضبط له العديد من القواعد والموازين التي ترسّخه و تشكّله وربّما كان في استلهام بودلير لهذا اللّون محاولة منه لخلق فضاء إبداعي تكون فيه الذّات الإنسانيّة في حلّ من كلّ أغلال الواقع  فكانت سوناتاته تناشد التحرّر أينما ولّت وجهها وكذا الشّأن عند درويش لكنّنا سنبحث في ثنايا هذا التحليل عن خاصيّة كل سوناتا وذلك قد لا يتمّ إلاّ بعقد دراسة مقارنيّه لكلا السوناتاتين الدرويشيّة والبود ليريّة و ذلك بهدف الوقوف عند خصائص كل سوناتا شكلا و مضمونا.    

 anfasse28105   صدر للشاعر المغربي فتح الله بوعزة ديوان شعري بعنوان :" قاب كأسين من ريحه " [1] يتألف من سبع و عشرين قصيدة ، و مصاحبا بلوحتين أو ثلاث للفنان التشكيلي عبد العزيز عباسي . و تكشف القراءة المتأنية لهذا الديوان تمركزه إلى نواة دلالية تقترن بالريح، كما يمكن لقراءات أخرى أن تقطف من حقل هذا الديوان ثمارا دلالية أشكالا و ألوانا. فكيف تنتظم الريح بعض قصائد الديوان ؟

1 – الريح في العتبات  :                                                                                    
   إذا كانت دراسات النقد القديم لم تحفل بالعتبات ، فإن القراءة الحديثة تؤسس مشروع تحليلها و تأويلها انطلاقا من العتبات ، أي من مختلف العناصر الموازية للنص مثل العنوان و لوحة الغلاف  و غيرهما ... حيث تجدر هذه العلامات آثارا دلالية أو بصمات للمعنى، و هي في كليتها جزء من الكون الدلالي للنص[2]

أ – العنوان:                                                                                                
         يعد العنوان عنصرا موازيا للنص ، له  أهميته في سيرورة القراءة و تأويل النص[3] ، من خلال بنيته المعجمية و التركيبية ثم الدلالية ، وذلك ما يضمن استقلاله النسبي عن النص ، لكنه في العمق ينشد إلى النص من خلال تسميته و تعيينه و خلق آفاق توقع عند القارئ .

         يتناص عنوان الديوان :" قاب كأسين من ريحه " مع الآية الكريمة :(  قاب قوسين أو أدنى ...) و قاب قوسين أي قدر قوسين أو طولهما ، و القاب ما بين المقبض و السية  ، و القاب هنا القدر[4] . و الكأس مؤنثة و هي الزجاجة ما دام فيها شراب أو خمر، و إذا لم يكن فيها فهي قدح. و الريح نسيم الهواء . يقال كان لفلان ريح أي نصرة و قوة و بأس، و الريح الأثر، و يجد الباحث في معجم الريح حضورا غنيا لها في الشعر و القرآن و الحديث و الأمثال...  لقد جعل العنوان الكأس أداة لقياس البعد الحاجز بين الذات و ما تصبو إليه . و لما كانت الكأس صغيرة من حيث الحجم و فاتنة من حيث الشكل و المظهر و نمطية من حيث الوظيفة و مفيدة من حيث المحتوى ( ماء، عسل، لبن، حليب، خمر ، دواء ، عطر ... أو قاتلة ( سم ) فالبعيد يظهر و يختفي، يغيب و يحضر، إنه يراوح مكانه كالطيف بفعل الريح التي تصل و تفصل ، تفك و تعقد ، تدني وتبعد ...

anfasse28104  المرأة والرحى في الزجل الليبي
     تعدُّ العلاقةُ وشيجة وأزلية بين المرأة الليبية البدوية والرحى ، إذ تترجمها عدة أزجال تقوم على الحوارات الداخلية ، وتعدد الأصوات ، وتنوع الظواهر النفسية .
     تُديرُ المرأةُ اليدَ الخشبية للرحى أثناء الطحن وهي تناجيها بأشعار شعبية شجيَّة ، فتمتزج نغمات الاثنتين بصوت طحن الحبوب . تتأسس هذه الأزجال الليبية على دوافع كبيرة تنتج (( وظائف نفسية )) مهيمنة :
  1   _     شكوى المرأة همومها وعناءها للرحى .  
  2   _    سرد قصة فراق حبيبها .  
  3   _    تغنيها بحب البلاد والأولاد .
   4  _    تذكرها لرسوم مقاطن الأهل والأحباب .
    تُقاومُ المرأةُ الليبية البدوية نوائب الدهر وعناء الطحن المستمر بواسطة هذه الرحى وأثر الوحدة النفسية ، حيث تنشد :
اللهْ يْعِينهُمْ لولاف ... أخطروا عاوْنُونِي ع الرّْحَى ...
يا سعدي ناوياك         إن كان يا رحى مارس عمر
ديما عليك نميد           مليت يـا رحى يا نا اللِّي.
              أشَّاظى من يْدي عظم   وعلاجه على سيد الرحى.
سفيت لاورا لكمام       بْغيض وين ما جيت للرحى.

youssef-tahiriمقدمة:
تنطلق قراءتي لديوان "كية لحروف" للزجال يوسف الطاهري، من المنطلقات النظرية التالية:
-    "أن أدبية اللغة الأدبية تتأكد بقدر اتساع المسافة بين الدال والمدلول"، (المرايا المحدبة، ص: 302)، بمعنى أنها تقوم على إٍرجاء وتأجيل الدلالة على نحو لا نهائي، أو بمعنى آخر لا وجود لمعنى محدد للنص، "فهناك دائما لعب للدوال واندياح للمعنى ...إلى غير نهاية وبلا حدود. ومن ثم تنتفي قابليته للتفسير النهائي" (نفسه ص: 334)
-    "أن كل قراءة هي إساءة قراءة – بتعبير الناقد الأمريكي "فنسنت ليتش" – بمعنى " لا وجود لقراءة موثوقة أو معتمدة أو نهائية" فاصلة، أو بمعنى آخر كل قراءة هي عملية مؤقتة لها تاريخها الخاص ومحكومة به، لذلك فكل قراءة هي "قراءة صحيحة إلى أن تفكك القراءة نفسها، أو تجيء قراءة أخرى تفككها لتصبح إساءة قراءة" (نفسه ص: 314)
-    "النص (الأدبي) –بتعبير الناقد المصري عز الدين إسماعيل – يوجد بقارئه الذي يحل محل الكاتب في كل قراءة ويتعدد بتعدد قراءه." بمعنى أن النص الأدبي يصبح بمثابة "مفترق طرق" (بتعبير رولان بارت) حيث تتقاطع اللغة على نحو متجدد ومستمر مع ذلك المخزون اللانهائي من المقتطفات والتكرار والأصداء والإشارات. وهكذا يجوز القول إن النص الأدبي يُكتَب وينكتب في الوقت ذاته عبر المؤلف نفسه. عندئذ يصير النص بالضرورة مهرجانا أو كرنافالا بتعبير باختين يختلط فيه كل شيء: الثقافة العليا والثقافة الدنيا، الثقافة الرسمية والثقافة الشعبية. أي يصبح النص بينصا. يكون القارئ والحالة هذه حرا في دخول النص من أي اتجاه، دون أن يكترث بالضرورة بقصد المؤلف ومراده الذي يصبح عندئذ مجرد ضيف على نصه.

anfasse20108" يجب ، إذن ، السعي إلى التحرر من هذه اللغة. لا السعي إليه، فهذا مستحيل من دون أن ننسى تاريخنا. وإنما الحلم بذلك"1[1]
أثار منح المؤلف الأمريكي بوب ديلان جائزة نوبل للآداب لسنة 2016 الكثير من التعليقات والردود من طرف عدد من الكتاب تراوحت بين الاستغراب والانتقاد من جهة وبين الترحيب والثناء من جهة أخرى.
يمكن منذ الوهلة الأولى الإقرار بنهاية الكتاب وخسوف شمس الكتابة في عصر الصورة ومجتمع المشهد وتراجع القدرة التأثيرية للكتاب في ذهنية القراء وهجران الناس مدارج المطالعة والابتعاد عن زيارة الصفحات وفتح الأوراق وخسارة الآداب والعلوم الانسانية والشعر والفلسفة لمعركتهم من أجل الوجود.
في المقابل تزايد دور الصورة والأغنية والفن وصار المطرب هو الذي يتصدر المسرح الاجتماعي وافتكت الموسيقي المكانة من الكاتب وتم تعويض الأدب بالفيلم والسهرة الاحتفالية ولقاء الفنان المباشر بالجمهور وكسب رواد الفن مابعد الحديث معركتهم من أجل اثبات ذواتهم وانتزعوا القيادة الانشائية.
ربما يكون تتويج بوب ديلان يتنزل في هذا الإطار الذي خرج فيه الإبداع الجمالي من باراديغم احترام الذوق الرفيع واستقبل ا جديدا يرضي الرأي العام ويتفق مع الانفعالات والعواطف ويلوح إلى أهمية التقليعات الفنية المعاصرة ودورها التحريضي وقدرتها على الاستقطاب والتعبئة والاستدراج والاستمالة.
لكن تبعات هذا الرأي خطيرة وتداعيات القول بذلك مزلزلة ومن ذلك زوال الامتياز الذي حاز عليه النص والمقال والرواية والقصة والكتاب

anfasse12109ماري إلياس زيادة(1941-1886)،أو "مي زيادة "،أو الذات القلقة و الحائرة بين مسميات عديدة تبعا للأحوال و الظروف.وقبل ذلك قلب موزع بين بلدان شتى،ينتسب إليها دون أن يستشعر معنى الوطن،وينافح عنه كما يفعل كل كتاب العالم !
مي زيادة في طليعة الأديبات العربيات اللواتي مهرن حضورهن المبكر في الساحة الأدبية، وحررن فعل الكتابة من قبضة القلم الذكوري الذي اختار دوما الكتابة عنهن أو إليهن،دون التفكير في منحهن حق تلطيخ ثيابهن بالحبر وألوان الصباغة ! وهي في الآن ذاته تعبير عن النبوغ المبكر والإصرار على تحقيق الندية في عالم الكتابة،وتصفح نفس المرأة فيما تصف به ذاتها وليس فيما يرويه عنها الكاتبون كما أوردت في إحدى مقالاتها. ورغم أن عددا من الكتاب انبروا لتوثيق أعمالها،ودراسة إنتاجها الأدبي و الفكري بغية تكريمها على نحو لائق،إلا أن التعاطف مع "مي" خاصة بعد محنتها الشهيرة حين اتهمت بالجنون،وتم الحجر عليها ووضعها في مستشفى للأمراض العقلية، أضفى على هذه الكتابات سمة المرافعة و بيان الإدانة للظروف و الأحوال، وثلة الأدباء الذين فتنهم حضورها الآسر وتحررها على غير ما ألفوه في عادات الشرق،فغاب التقييم الأدبي و الاشتغال النقدي على ما خطته أناملها في مجالات أدبية متنوعة من قصة وخاطرة وشعر و مقالة ورسائل وترجمات وغيرها،ليحل محله الثناء على حضورها الآسر ورقتها،وكونها ظاهرة ثقافية بامتياز في ذلك العصر .

مفضلات الشهر من القصص القصيرة