IA1- عتبة :
يراوح الأستاذ عبد الرحيم الورديغي في كتاباته الغزيرة بين حقلين معرفيين هامين؛ هما التاريخ و السياسة كيما يجس بهما نبض المجتمع المغربي في أفق تشريحه  بمبضع العارف و المتخصص.
ومع أن تجربة الكاتب نحت منحى نوعيا خلال السنوات الأخيرة؛ تمثل في الانهماك بالعمل البيوغرافي أساسا، فإن هذه التجربة الجديدة تظل، من دون شك، موصولة، ومحكومة بذينك الحقلين المعرفيين المشار إليهما، ومتوسلة تسليط المزيد من الضوء على جوانب بعينها من تاريخ المغرب السياسي؛ انطلاقا من تعميق البحث وتدقيقه بطريقة مجهرية حول حياة، ومسيرة بعض الأقطاب/ الشخصيات السياسية الوطنية التي بصم حضورها؛ وطبع وزنها الحياة السياسية و الاجتماعية في المغرب المعاصر. [= الفقيه محمد بلعربي العلوي، واحمد رضا اكديرة، و المهدي بن بركة، وعلي يعته.]

AICHATAJالسؤال الأول : كيف تقدمين نفسك للقارئ ؟ من هي عائشة التاج ؟
قد يصعب على الإنسان تحديد هويته ، و قبعاته ، علما أننا نحمل جميعنا الكثير منها إنطلاقا من أدوارنا الاجتماعية المتعددة . لكي لا أختزل في دور وظيفي ، أفضل أن أقدم نفسي  كإنسانة ، أومن بالإنسان بمعناه الواسع ، و بالتالي فأنا أنتصر للقيم الإنسانية المتعارف عليها عالميا ، و أحلم ببشرية تستحق "إنسانيتها " على أرض كوكب الأرض هذا ، الذي هو في طريقه لأن يصبح قرية صغيرة بفعل الثورة المعلوماتية . وظيفتي : اشتغلت بالتدريس الجامعي . تخصصي الأكاديمي العمل الاجتماعي و علم الاجتماع  . دخلت عالم النضال من بابه الحقوقي و  الاجتماعي و الثقافي ، من أجل مغرب للجميع . أومن بالحق في العدالة و المساواة و الكرامة ، و أومن بالسلم و الحب و الخير و الجمال ، كمثل عليا ، و بوصلة في الحياة .

8547ليس بالغريب بتاتا و مطلقا أن تتجاور العبقرية بقليل من نفحات الحمق و الجنون ، و غير بعيد عن المنطق كذلك أن تختلط النشوة الإبداعية لكبار الخلاقين بالإكتئاب النفسي و الإضطراب الوجداني ، و أن تتمازج بالحزن الحاد و العميق ، و من مؤشرات الساذجة و السطحية البلهاء ، أن ننكر بجحود تام دور الهذيان الهوسي و الجنون الدوري في عملية الخلق و الإبداع ، و من الترف و الإبتذال أيضا أن نقصي شيطان المس و نوبات الصرع الدوري من مسار إنتاج المعنى و تبنيه ، فمن المقبول و المستساغ إذن أن يستمد الإبداع غذائه و نسغه أحيانا و لربما دائما من الجنون الداخلي و الإهتزاز النفسي ، فمن غير الغريب أبدا أن يتقوى من زفرات العذاب القتيم ، و أن يتنامى نتيجة إختلالات الذهن الشديد ، المبني عن أخطبوط العصاب و حربائية المزاج .

WEBERشذرة البدء " كنت قد أصبحت نهائيا عالم إجتماع ، كما يدل قرار تعييني ، فذلك لكي أضع بشكل أساسي مفاهيم جماعية ما زال شبحها يحوم بإستمرار ، و بتعبير أخر لا يمكن أن ينجم علم الإجتماع إلا من أفعال أحد الأفراد أو بضعة أفراد ، أو العديد من الأفراد المنفصلين ، لذلك يقتضيه تبني طرائف فردية تحصر المعنى "  ماكسيميليان فيبر

أنهكت السوسيولوجيا نفسها بالبحث و التنقيب ، و لا زالت كذلك في مسعاها للحصول على النجومية داخل مدار الإبستمولوجيا و العلوم ، تفنتت في الفضح و التمحيص ، و لا زالت كذلك لفرض برديغماتها ضمن علوم المجتمع و الإنسان ، و أجهدت حالها بشغف حثيث و بإجتهاد كبير ، لتقديم علمائها داخل خرائط الفكر و التحليل ، و تصارعت بقوة الكتابة و الإنجاز ، لإبراز أهم مفكريها بين فلاسفة العقل و السؤال ، و كافحت و لا زالت كذلك ، لإبراز أيقوناتها للملأ من النقاد و المحللين ، فكدحت بحثا عن موضع قدم داخل مضمار باقي العلوم ، و تصارعت لإصباغ النخبوية على نفسها و تحاليلها ، فحبا و إلتزاما كدحت و ثابرت ، و بآليات الفهم و التشفير تقاتلت لتقديم أنجع الرؤى و النظريات ، و بأدوات المنهج تطاحنت من أجل فهم ما يعتمل في المجتمع أملا في معرفة عين الخلل و الهزات .

Marrakech-au-Marocحاول بعض الباحثين المحليين والأجانب ، سواء بهاته الطريقة أو تلك ، تحديد طبيعة المجتمع المغربي بإبراز الآليات الواقعية التي تحرك هذا البلد المتأرجح بين التقليد والحداثة،و اللاعقلاني والعقلاني.
فبالرغم من أن المجتمع المغربي مجتمع يعيش وضعية كهاته فإن ثمة طموحا يحذوه لاحتلال منزلة داخل عالم التكنولوجيا.
يتضمن النص التالي عرضا لمقتربين في منتهى الوجاهة، أولهما لبول باسكون ، وثانيهما لمحمد جسوس.

-    مقترب بول باسكون : المجتمع المركب :2
لا يوجد ، حسب بول باسكون ، مجتمع واحد في المغرب بل توجد مظاهر جزئية لخمس مجتمعات متراتبة ؛ ذلك أن الأمر يرتهن بمجتمعات أبوية/بطريركية، وتيوقراطية ، وفيودالية [=قايدية] ثم قبلية فصناعية.

Durkheim Weber e Marxشذرة البدء : " إن علماء الاجتماع أشبه ما يكونون بمزعجين يفسدون على الناس حفلاتهم التنكرية " بيير بورديو .
تألمت الفلسفة بتأملها، ووهنت لشدة تفكيرها، وتخلخلت لعقوق أبنائها، فحاولت تهدئة نفسها بالإدمان على التساؤل لتسكين أوجاع جراحها، والبحث عن نشوة تفكير للوصول لحفنة فهم قد تجتث الحزن من أركان قلبها ، حاولت و سعت لكن عانت و تأوهت، و هي الناظرة بعاطفة العقل و المفتقرة للحيلة لضبط نفسها و إعادة جمع شملها، فشلت و انكسر حلم عائلتها و امتدادية شجرتها و تجذر عروقها ، تفرعت و تفرخت أنساق من أحضان معرفتها، لتنزلق السوسيولوجيا هاربة من صرامة تأملها و ميتافيزيقية أسئلتها، لتنحرف باحتراف التساؤل حول منطق الجماعات و ما يخص مناخ المؤسسات، و تراكيب جسد المجتمعات، بحثا عن صيغة أخرى للسؤال، لتخلق افتخارا في عز القلق و هم التفكير و سوداوية الأوضاع ، فبدايتها مخلصة للأزموية ، ارتبطت بالظرفي المتعكر و اللحظي الكارثي، في محاولة منها للإجابة عن أسئلة الضيق و حرج المحنة، و لإستيعاب كذلك عوامل ظهورها و شفرة إعادة إنتاج ظهورها، فولادتها- السوسيولوجيا- لم يكن بالمخاض الهين و اليسير، فأزمة الأزمة من أنتجها و نتيجة للإختلالات تأسست، و في عيوب الواقع حاولت المأزرة و تقديم السند وبرحابة الصدر مدت يد العون و تكلفت، ففي البحث عن مسكنات تفضي إلى التقليص من حدة الألم و ارق السؤال.

Pierre Bourdieuشذرة البدء " مع إختفاء بورديو إختفى أحد أخر من كبار السوسيولوجيين في القرن العشرين ، و الذي لم يكن يأبه بتخوم التخصصات و حدود المجالات ، و قد كان بطبيعة الحال إتنولوجيا منذ أبحاثه الأولى بصدد إصطدام المجتمع الجزائري بالعقلية الرأسمالية ، غير أن إنتاجه الذي تدفق دون كلل يتموضع تحت شارة السوسيولوجيا ، تماما كما ينتسب إلى الفلسفة و الإقتصاد و العلوم الإجتماعية ، أو تحليل اللغة و جميع المجالات التي دشن فيها أفاق جديدة و منظورات واعدة " يورغن هابرماس

arabicgraffitti-nativezentwo-01 webيشكل خروج الجمهور إلى الشارع لتحقيق غاية مباشرة هي "تغيير النظام" فعلا ثوريا بكل ما للكلمة من معنى، وذلك لكون الجمهور كان الغائب الأكبر والأساسي في الفعل السياسي العربي العام، وبوصفه المجتمع المدني الغائب والمغيب لما يناهز نصف قرن. حيث اقتصر الفعل الثوري قبل ذلك على انقلابات عسكرية صدرت من صفوف النخبة ذاتها التي تولت الحكم بعد رحيل الاستعمار، فلم يكن الجمهور حاضرا للمشاركة بل كان حضوره خلال مرحلة الاستقلال احتفاليا أكثر منه حضورا جادا وفاعلا، وهذا يعيدنا إلى التساؤل عن طبيعة التحرر الذي نالته الشعوب العربية خلال تلك المرحلة؟
لذلك كان الفعل الثوري الحاصل اليوم في البلاد العربية متمثلا في شكله غير المسبوق، فتغيير النظام له دلالة مباشرة واحدة، إلا أن إسقاط النظام بالمعنى الواسع هو سعي إلى تقويض الأسس التي يعيش عليها الجمهور العربي منذ نصف قرن إلى أسس جديدة، والخروج عن مسعى الإصلاح الذي يعني بقاء المتسيدين والطامحين بوصفهم النخبة دون تغيير يذكر على المستوى الفعلي المباشر للشعوب، وهي بلغة بورديو في علم الإجتماع محاولة الخروج إلى فضاء حقلي جديد تبنى فيه قواعد جديدة للفعل الاجتماعي.