Motherwellأحد الإبتكارات الأصيلة عند ميشال دو سارتو (مفكر ومؤرّخ فرنسي 1925-1986) هو بلورته المفهومية لثنائية «الإستراتيجية» و«التكتيكية» في قراءة المجتمع المعاصر. هذه الثنائية ليست جديدة لأنّها تركّب المعجم التقني للعمليات الحربية والمناورات العسكرية. لكن الأصالة المفهومية التي تحلّى بها دو سارتو هي إزاحة المصطلح من نظرة «حربية» إلى نظرية «إجتماعية» و«سياسية» دون التخلّي عن الدلالة الصراعية التي تنطوي عليها.
تتضمّن الإستراتيجية في بعدها الاشتقاقي ما يسمّيه الإغريق «بوليموس» (polemos) بمعنى الصراع والذي كان يرى فيه هيرقليطس «أب الأشياء جميعاً» (polemos pantôn mèn pater) ومنه انحدر مصطلح السجال أو الجدال (polémique) لما يحتمله من أخذ وردّ، الفعل وردّ الفعل، المناظرة، إلخ. فهو لا ينفكّ عن نمط صراعي في التعامل أو التداول.

abstrait 21111يصنف علماء الاجتماع وسائل الإعلام في خانة تصنيف أطر التنشئة الثانوية خلافا لمؤسستي الأسرة والمدرسة اللتين تنتميان إلى أطر التنشئة الاجتماعية الأوليّة والأساسيّة. وبذلك تكون وسائل الإعلام محدّدا مهما من محدّدات تنشئة الأفراد اجتماعيا حتى وإن كانت هذه الأهمية ثانوية وتشترك في الدور والوظيفة مع أطر اجتماعية أخرى مثل أصدقاء الجيل ودور العبادة وغيرهما. ونفترض أن قوة البعد الاجتماعي للعملية الاتصالية والإعلامية والوظائف الاجتماعية المهمة، التي تقوم بها وسائل الإعلام على غرار التنشئة الاجتماعية (la socialisation) والاندماج الاجتماعي (lصintégration sociale) ، هي التي أعطت المشروعيّة العلميّة السوسيولوجيّة لقيام فرع داخل علم الاجتماع العام يسمى: علم اجتماع الإعلام.
ولكننا إذا أضفنا إلى هذا الاعتبار، تلك الحيرة المعرفية التي انطلقت مع بداية القرن العشرين والتي شهدت تساؤلات جديّة حول الماهية الجديدة للمجتمعات وأثر وسائل الإعلام الجماهيرية في التغييرات التي عرفتها ماهية المجتمع الحديث وما مصداقية ما يسمى المجتمع الجماهيري ثم وصف مجتمع المعلومات، إذا ما أضفنا عامل هيمنة وسائل الإعلام اليوم على الحياة اليومية للأفراد والمجتمعات، إلى أي حدّ يمكن القبول بالتصنيف السوسيولوجي لوسائل الإعلام الجماهيرية كمؤسسات للتنشئة الاجتماعية الثانوية؟

fm ent newsفي أواخر القرن المنصرم برزت حركة طوعية داعمة لفكرة انقراض الجنس البشري لمنع الانحلال البيئي   وانقراض السلالات غير البشرية، تسمي نفسها Voluntary Human Extinction Movement) )
وقد أثير حولها الكثير من الجدل لحداثة الفكرة وطرافتها، فيما يرى مؤسس الحركة أن جذورها تمتد الى عصور ما قبل التاريخ، ويشير الى سفر التكوين| الاصحاح السادس| 1-22. ندرج منه النصوص 5-7:

5- وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ.
6- فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ.
7- فَقَالَ الرَّبُّ: أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ.

48818181"رضاعة التسلية" هو مصطلح بالغ الدلالة أبدعه أحد كبار منظري النظام العالمي الجديد زبغنيو بريجنسكي[1]، و قد أورده مصطفى حجازي في مؤلفه ذائع الصيت "الإنسان المهدور" في سياق حديثه عن هدر الوعي الذي أمسى يتعرض له شباب العالم في عصرنا الراهن، و الشباب العربي بشكل خاص، بفعل برامج التسلية، أو برامج صناعة النجوم، التي تبثها شاشات القنوات التلفزية المتعددة.

لقد شهد العالم المعاصر طفرة إعلامية و تكنولوجية هائلة ألقت بظلالها على نمط حياة الناس إيجابا كما سلبا؛ أما المنحى الايجابي فهو مما لا نجد وسيلة لنكرانه إذ باتت ملامحه بادية على جميع المستويات؛ إغناء الجانب التواصلي، رفاهية الحياة..الخ و ما يهمنا هنا هو المنحى السلبي ما دامت قراءتنا هذه قراءة نريد لها أن تكون متأزمة لنمط العلاقة السائدة بين التقدم التقني الإعلامي من جهة و بين المتلقي الشاب على وجه التحديد من جهة ثانية.

NASSERشكل المجتمع المغربي عموما، و  القطاع القروي منه على الخصوص – منذ فترة ليست بالقصيرة – موضوعا للعديد من الدراسات و الأبحاث التي لا يمكن، الجدال في مدى قوتها وجودة و غنى المعطيات التي ساهمت في تجميعها و عرضها. و الدراسات المذكورة، كما هو معلوم، تنتمي لقطاعات معرفية و تخصصية متعددة و متباينة : كالسوسيولوجيا، و الاثنولوجيا، واللسانيات، و الأركيولوجيا، والسيكولوجيا، و التاريخ، والأدب.
وقد تمخض عن هذه الدراسات الخصبة و المعمقة في الوقت عينه العديد من الآثار œuvres، و الكثير من الوثائق، تراوحت بين المونوغرافيات، و النشرات، و التقارير، و البحوث و المذكرات ... ما زالت تثير في وقتنا الراهن شهية الدراسة؛ و الاطلاع، و تدعو إلى المزيد من التساؤل بصدد مناهجها، وإشكالياتها؛ و الخلاصات التي توصلت إليها بغرض مراجعتها، وتقويمها أو من أجل رسم حدودها[1].

BERQUEيعتبر جاك بيرك من بين المفكرين البارزين في مجال العلوم الإجتماعية ، و لعل أساس التفكير في الإهتمام بأعماله راجع إلى أهمية هذا الإنتاج نظريا و منهجا . تجاوزت أعماله المئات من الكتب و المقالات و الحوارات : بدءا بالمونوغرافيات ، مرورا بالعمل الإثنولوجي المتميز حول سكساوة بالأطلس الكبير ، و صولا إلى ترجمة القرآن الكريم و الأحاديث النبوية ، و خلال ما يزيد على خمسين سنة عايش السلوكات العربية ، و إحتك بها ، و تفاعل معها من أجل فهمها في ماضيها و حاضرها و كيفية توجهها نحو المستقبل . فجاك بيرك ما فتئ خلال مشروعه الفكري برمته ، يبلور إشكاليات و مقاربات و مفاهيم بعيدا عن الطرق المعبدة و عن حدود التخصصات و تقسيم الأجناس ، مازجا بين النظري و العملي في سعيه للإلمام بالواقع العربي في غناه و تعدديته ، وفي أبعاده المحلية و الكونية ، و مهما تعددت و تنوعت موضوعات هذه الإشكاليات يبقى مركزها الإنسان العربي في تعابيره ، في نجاحاته و إخفاقاته ، في عنفه و ليونته ، في إقدامه و تردده ، و في سعيه إلى إثبات وجوده مع الأخر و بالرغم منه  "  حسن المجاهيد .

entrepriseما المقصود بداية بالثقافة ؟ ما محتواها و عناصرها ؟ و هل من تعريف إجرائي لها ؟ ماذا بخصوص المقاولة ؟ هل من تحليل سوسيولوجي لفضائها ؟ ما هي طبيعتها ؟ و أهم مضامينها ؟ و أي علاقة لها بالثقافة ؟ ما مكانة هذه الأخيرة داخل ذات المؤسسة ؟ و ما هي إذن حدودها ؟ و كذلك أبعادها ؟ و ما هي خصوصا مختلف مكوناتها ؟ و أيضا أهم خصائصها ؟
الثقافة بداهة خاطئة ، كلمة تبدو و كأنها كلمة ثابتة حازمة ، و الحال أنها كلمة فخ ، خاوية ، منومة ، ملغمة ، خائنة ، الواقع أن مفهوم الثقافة ليس أقل غموضا و تشككا و تعددا ، في علوم الإنسان منه في التعبير اليومي Morin Edgar  فالثقافة تعني جوانب الحياة الإنسانية التي يكتسبها الإنسان بالتعلم لا بالوراثة ، و يشترك أعضاء المجتمع بعناصر الثقافة تلك ، التي تتيح لهم مجالات التعاون و التواصل ، وتمثل هذه العناصر السياق الذي يعيش فيه أفراد المجتمع . و تتألف ثقافة هذا الأخير من جوانب مضمرة غير عيانية مثل :

matiere-tableau-abstraitمحاور العرض:

  •    تقديم.
  •  ما هو التواصل وكيف يتم؟
  •     نظريات حول التواصل.
  •     مقاربات متعددة للظاهرة التواصلية.

تقديم:
يعد موضوع التواصل أحد أبرز الموضوعات التي استأثرت باهتمام الباحثين والدارسين على مر العصور. وقد تجاذبت قضاياه حقول متعددة مثل نظرية الإعلام والسوسيولوجيا واللسانيات والفلسفة والهندسة إلخ.. وقد أدى هذا التنوع في الدراسات حول التواصل إلى بروز مفاهيم مختلفة بعض الشيء حوله، كما فتح المجال لتطوير نظريات متعددة له باعتباره ظاهرة قائمة الذات. في هذا العمل سنحاول إلقاء بعض الضوء على مفهوم التواصل وبعض نظرياته ومختلف المقاربات التي عولجت من خلالها الظاهرة التواصلية.
إن الإحاطة بكل الذي أشرنا إليه هو عمل يبقى دونه تأليف كتاب؛ لذلك فإننا لا ندعى الإحاطة بكل جوانب الموضوع بل إن كل ما سعينا إليه هو تقديم نظرة موجزة عن الموضوع كمدخل من شأنه أن يساعد الطالب على استكشاف الموضوع.
هذا، وقد قسمنا عرضنا هذا إلى ثلاثة محاور أساسية؛ خصصنا الأول لمفهوم التواصل وبعض الشروط العامة لنجاحه في الحياة اليومية؛ في حين خصصنا الثاني لعرض ثلاث من نظرياته؛ بينما حاولنا في المحور الأخير أن نتوقف عند بعض المقاربات الرئيسية للظاهرة التواصلية.
أملنا أن يساهم هذا المجهود في تقريب الصورة وأن يكون دافعا يجعل الطالب يقبل على التوسع فيه أكثر بالرجوع إلى المراجع المعتمدة في ذلك والتي اعتمدنا بعضها في هذا العرض.

المحور الأول: ما هو التواصل وكيف يتم؟