ملخص:
لم يحظ مفهوم الخوف بالدراسة والتحليل اللازمين في مجال العلوم الإنسانية، ولم نشهد أبحاث اجتماعية حول المعنى الذي يعطيه الإنسان لمخاوفه ومصادر هذه المخاوف. إذ نجد أن الكثير من السلوكات والتصرفات اليومية للإنسان غالبا ما يحركها هاجس الخوف، لدرجة أنه أصبح بنية ثقافية في مجتمعاتنا المعاصرة. فرغم التطور المعرفي الحاصل في مجالات علمية كثيرة، لازال الإنسان المعاصر لم يتجاوز حالة اللأمن التي كان يعيشها في العصور السابقة. في هذا الصدد نجد أن المجتمعات العربية هي من تعرف منسوبا كبيرا من هذا الخوف، يعود في جزئه الأكبر إلى رواسب، تم توارثها كأنماط ثقافية، كبلت تفكيره وشلت قدراته وطاقته الإبداعية على التحرر من تلك المخاوف.
تقديم:
لم تول الدراسات الأنتروبولوجية الكثير من الاهتمام لظاهرة الخوف، كظاهرة اجتماعية ومجتمعية تستدعي طرح الأسئلة حول الآليات التي من خلالها يتم إنتاج هذا الخوف، هل يتعلق الأمر بمحدد بيولوجي فطري؟ أم أنه معطى اجتماعي وثقافي؟ وفي جميع الحالات، ما هي الآليات المتحكمة في إنتاج الخوف؟ هل هذه الآليات فردية سيكولوجية أم أنها إنتاج اجتماعي مرتبط بثقافة المجتمعات؟ وهل يمكن للأفراد تكسير هاجس الخوف من أجل العيش في مجتمع يضمن الأمن النفسي والاجتماعي؟
• الخوف كخاصية ثقافية:
الدين بين البعد الأرثودوكسي و التطبيقات الشعبية من خلال مؤلف "الإخفاق الاجتماعي بين الجنس، الدين و الجريمة" للدكتور عياد أبلال. عبد القادر ملوك
1. مهاد نظري:
يتألف كتاب "الإخفاق الاجتماعي بين الجنس، الدين و الجريمة"، من مقدمة و ثلاثة فصول و خاتمة توزعت على 224 صفحة من الحجم المتوسط. انصب الفصل الأول منها حول دراسة موضوع الجنسانية بين حلم التحرر و الهيمنة الذكورية، في حين تصدى الفصل الثاني – و هو الذي سنتناوله بشيء من التفصيل بعد حين – للدين، من خلال محاولة موضعته بين الفهم الارثودوكسي (المرتبط سياسيا بالدولة الإسلامية) و بين التمثلات الشعبية له. أما الفصل الثالث و الأخير فقد تطرق لظاهرة العنف من خلال حصرها في تجسدين لها هما الجريمة و الإرهاب.
ان المتأمل في المواضيع التي طرقها الدكتور أبلال في كل فصل من الفصول المؤثثة لفضاء الكتاب و التي هي من التباين و الشساعة إلى الحد الذي يمكن لكل فصل منها أن يشكل بمفرده موضوع كتاب، لَيتبادر إلى ذهنه السؤال التالي:
هل من خيط ناظم بين هذه المواضيع يسوغ تواجدها مجتمعة بين دفتي كتاب واحد؟
سؤال مشروع و يزيد من مشروعيته بوح الباحث في مقدمة كتابه بأن مؤلفه لم يدبج مرة واحدة و حول موضوع مخصوص بل هو تجميع لسلسلة مقالات و حوارات نشرت هنا و هناك. و لأن الباحث ليس ممن تفوته مثل هذه الملاحظة، فقد سارع إلى رفع هذا "القلق" الذي يمكن أن يساور أي قارئ يكتفي بإطلالة خاطفة على فهرس المحتويات، بأن أشار في مقدمته إلى أن كل الظواهر المعالجة في الكتاب هي ظواهر اجتماعية، بمعنى أن المجتمع يشكل خلفية حاضنة لها. و قد يتولد عن هذا الكلام في البداية انطباع يدفع في اتجاه اعتبار ه مجرد تحصيل حاصل.
المعاش وحضور اليومي في فلسفة الحياة عند زيمل ـ د.شهاب اليحياوي
1 ـ وحدة لتفكير الزيملي
ظلّت أعمال زيمل Simmel محلّ تناول أهمّ في مجال الفلسفة منه في مجال السوسيولوجيا ، فأعماله عادة ما تنسب إلى الفلسفة وكثيرا ما يذكر عنها طابعها أو توجّهها أو مضمونها أو مقاربتها الفلسفية لظواهر موضوع التناول السوسيولوجي . وقد حظي بمتابعة من قبل المدرسة الفرنسية لعلم الاجتماع أو علماء اجتماع ـ المجلّة الدولية لعلم الاجتماع والمجمع العالمي لعلم الاجتماع ، لم تخل من نقد مثل الذي وجّهه دوركايم Durkheim" لمعارفه الإجمالية المحمّلة بكيفيّة مبكّرة والغير خاضعة لأيّ مراقبة "[1]. وقد حاول جانكاليفيتش بعد انقطاع الصلة بين المثقّفين الفرنسيين ونظرائهم الألمان إثر الحرب العالمية الأولى،إحياء الفكر الزيملي عبر مقال حول فلسفة الحياة لديه نشر بمجلّة الميتافيزيقا والأخلاق 1925 م. إلاّ أنّ أكثر المقاربات الجديّة والناجحة تعود إلى آرونAron الذي خصّ زيمل Simmel بدراستين[2]. أمّا خارج فرنسا فقد حظي الفكر الزيملي بإهتمام في ايطاليا واسبانيا واليابان وخاصّة عبر مدرسة شيكاغو في الولايات المتّحدة الأمريكية من قبل بارك وبرجس . وقد اجتهد العديد من علماء الاجتماع والباحثين في فلسفة الحياة وتمثّل زيمل للعالم الاجتماعي على الوقوف على الوحدة الممكنة لطرحه أو لفكره.
تغير السلوك الجنوسي عند الذكور ( الجزء الاول ) ـ سفيان الضريف *
I. الهوية الجنوسية والتنشئة الاجتماعية
رغم أنه لا يمكننا الرفض بصورة مطلقة النظرية القائلة "أن العوامل البيولوجية تحدد أنماط السلوك للنساء والرجال" فإن البحوث والدراسات التي أجريت إلى حد الآن : والتي انطلقت من تساؤلات همت بالأساس النوع الاجتماعي - كيف يعني أن يكون الإنسان رجلا؟ وماذا يعني أن يكون امرأة ؟ _ وركزت هذه الدراسات المتأخرة عن الجنوسة والسلوك الجنسي من وجهة سوسيولوجية وسيكوسوسيولوجية معتبرة أن التفاعل الاجتماعي له النصيب الأكبر من حيث تشكل السلوك البشري[1] وإعطاء الفرد هوية جنوسية مناسبة لنوعه الاجتماعي، ويكون ذلك عبر عملية التنشئة الاجتماعية التي تنطلق من لحظة الولادة، ويتعلم فيها الجنسين الأدوار الجنوسية، وهذا ما سنتطرق إليه في الفصل الأول، حيث سنحدد مفهوم الهوية الجنوسية وكيفية تشكلها عند الطفل (الذكر)، كما سنتحدث عن التنشئة الاجتماعية ودورها في تشكل الهوية الجنوسية باعتبارها من الوسائل التي تساعد على فهم الطريقة التي يجري فيها تعلم الأدوار والتغير في السلوك بصفة عامة، والسلوك ألذكوري على وجه الخصوص.
العنف المؤسس على الدين ـ حاتم تنحيرت
تقديم :
إن العنف يحيل دائما إلى ذلك العدوان الموجه من الإنسان نحو الإنسان -أو تجاه الأشياء أو الطبيعة– و الذي يمكن حصره في مقياس من درجة الصفر ينطلق من مستوى العنف الرمزي و اللفظي ثم يبلغ درجته القصوى كما يبدو جليا في العنف الجسدي، وحالات الحرب و الدمار الشامل بين الأمم و الشعوب ، وقد ارتبط تاريخ الإنسانية بحالة العنف . إلا أنه لا يوجد عنف خالص ، أعني أنه عاجز عن تبرير نفسه فهو دائما يرفق بتعليلات تضفي عليه طابع – الشرعية- و تؤسس نفسيا و اجتماعيا لاستبطانه وجدانيا و ثقافيا . و لما كان تاريخ الإنسانية هو تاريخ إيمان بالماوراء كذلك و الاعتقاد في أنه لا يوجد خواء خلف الكون بقدر ما يمتلك هذا الكون في قبضة كائن أسمى يعد غاية قصوى للإنسان . فإن العبور إلى الذات المطلقة تحمله الصلوات لكن ترويه الدماء في أحيان أخرى حسب نماذج من تاريخ الإنسانية .
و ليست الغاية هنا تقديم رسالة في التسامح أو إصدار أحكام قيمة بقدر ما هي محاولة للفهم ، فهم علاقة الديني بالعنف و مستويات الالتقاء بينهما، و تفسيرات ذلك اللقاء و فهم تلك التفسيرات الخارجية الذي تربط العنف المؤسس على الدين بعوامل متعددة لكن دون أي أمل في الإمساك بفهمه من الداخل .
كما لا يهم الموضوع الإشارة لهذه الجماعة أو تلك ثم تصويرها كاتجاه عنيف، إذ أن ذلك خارج عن الأغراض البحثية الصرفة، بقدر ما نهتم ببحث و إثارة التفكير حول العنف الذي يجد مبرراته و يستمدها من الديني .
الذاكرة الجماعة والسلوك الفضائي للفاعلين الاجتماعيين ـ د.شهاب اليحياوي
إنّ الناس" لا يحيون كأموات " [1] ضمن الفضاء الذي يشغلونه جسدا وذهنا ولكن أيضا عبر ذاكرة جماعية. توصل هذه الذاكرة الفاعل بالذي كان في الفضاء ذاته أو في الفضاءات المرجع . فالناس لا ينقطعون عن ماضيهم أي ذاكرتهم، عند التحوّل من فضاء إلى آخر مغاير ضمن المدينة أو من فضاء ريفيّ أو تخوميّ إلى مدينيّ : أي من تمثّل وتصوّر للفضاء ونمط عيش إلى آخر ومن يومي معاش إلى آخر . فالفرد ـ مثلما الجماعة ـ يتحوّل ويتحوّل معه كلّ موروثه الثقافي وكلّ ثقافته المعيشيّة وتصوّراته وأوهامه وأساطيره وخيالاته وتمثّلاته وأحلامه التي تلتصق بالفضاء المحتلّ وتشكّله . ولعلّ أوضح مجال لاختبار صحّة ذلك هو لمركّبات السكنية المشيّدة عبر الباعثين العقاريين الخواص أو الدولة والتي تستند فيها الوحدات السكنية إلى نفس المعايير وتوحّد الشكل واللون وإن إ اختلفت المساحات أحيانا . ففي هذه الفضاءات نلاحظ بعد مدّة من الحيازة ليست طويلة خضوعها إلى تدخّلات من الشاغلين لها على مستويات الواجهة أساسا بالدرجة الأولى ثمّ على مستوى الألوان العامّة أو تناسق الألوان بين الجدران والأبواب عبر الشبابيك الخارجية مثلما الداخلية ، إلى مستوى إعادة رسم التوزيع الفضائي لوظائف الجسد داخل المنزل : أي ترتيب الغرف بما يستجيب لمعايير أخلاقية وجمالية بالأساس [2] . يعني ذلك أنّ كلّ هذا المخزون الذي يشكّل ويكوّن الذاكرة ويتجسّد رمزيّا ، يصبغ الفضاء الذي يشغله الفاعلين . وهو ما تعكسه كما أسلفنا المدينة العربية من خليط متباين ولا متجانس ضمن الفضاء الواحد بين أشكال حيازة واستعمال الفضاء مثلما التواصل معه . تحيل الموضعة الفضائيّة للذكريات في نظرية ( هالبوشز ) حول الذاكرة الجماعية وأطرها الإجتماعية ، إلى " وجود مورفولوجيا للحياة العقليّة داخل مساحة جغرافية وإراثيّة ـ طبوغرافية ّ[3] . ثمّ إنّ الإجتماعي مثلما الفضائي يرتبطان بقانون مورفولوجي ديناميكي [4] . فإعادة بناء أنماط التبادل الرمزي الإجتماعي يحوّل مجال الذاكرة " إلى مسرح معرفة موضوعيّة " [5].
المفاهيم الأساسية لمقاربة الفضاء المديني والتغير الاجتماعي ـ د. شهاب اليحياوي
ـ مفهوم الفضاء الاجتماعي :
دعنا نتّفق أوّلا ، قبل استدعاء مختلف مقاربات الفضاء، على شبه غياب أو تغييب عديد حقول البحث العلمي لمفهوم الفضاء لا فحسب ضمن علم الاجتماع بل أيضا لدى غالبية علماء الاقتصاد مثلما علماء النفس. يبدو الاهتمام بالفضاء غائبا أو ن سجّل حضوره فلا يتعدّى العرضي والهامشي ؟ ذلك أنّنا لم نجد تخصيصا لمجال تعريفيّ لمفهوم الفضاء والفضاء الاجتماعي ضمن عدد هائل ن البحوث الاجتماعية والحضرية بالخصوص نظرا للعلاقة الترابطية بين إثارة المديني واستدعاء مفهوم الفضاء وحتّى وإن وردت في البعض منها فإشارة لا تعمّقا [1]. وهي ذات الملاحظة التي وقف عليها كلّ من بيار مرلان و فرنسواز كواي في معجمهما [2] .
أ ـ الفضاء الرياضي:
تمثّل مقولة الفضاء محور اهتمام الرياضيات وعلمائها الذين يعتبرونها ميدانهم الخاصّ. ويعني الفضاء في مدلوله الرياضي ذلك " الوسط الفارغ " [3] أو هو" ما لا تستطيع تحديده أي ما هو مرادف للاّنهائي " [4].
تميّز وتصيغ الرياضيات تصنيفات دقيقة لفضاءاتها غير القابلة للحصر من الناحية العدديّة : مجرّدة ، لا إقليديّة ، ذات تقوّسات ، ذات أبعاد محدّدة ، غير محدودة الأبعاد . لكن من وجهة نظر لوفافر توجد مسافة فاصلة تتّجه نحو الاتساع بين لغة الرياضيات والواقع الماديّ والاجتماعيّ تتعمّق معها إشكاليّة غير جديدة على المعرفة تتمثّل في كيفية التحوّل من الفضاء بالمعنى الرياضي أي من القدرات الذهنيّة (المنطق) إلى الطبيعة ، في مرحلة أولى ثم الانتقال إلى الممارسة وإلى الحياة الاجتماعية التي هي ذاتها تكون داخل فضاء يستدعي فهمه معرفة بالفضاء تصنع القطيعة مع ما يسميّه لوفافر[5] بالخطاب حول الفضاء ويقصد به الدراسات الوصفية للفضاء التي لا ترتقي إلى المستوى التحليليّ وبدرجة أقلّ النظري أو تلك البحوث التجزيئيّة والتقسيميّة للفضاء .
في نقد تصور عبد الله العروي لأشكال الوعي الأيديولوجي العربي، من خلال كتاب "الأيديولوجيا العبرية المعاصر ة"ـ إسماعيل أعشير
- يعتبر عبد الله العروي من أبرز المفكرين المغاربة والعرب، وقد ساهم في مجموعة من المجالات الفكرية سواء في التاريخ أو نقد التراث أو في الدراسات الاجتماعية ... ويعتبر كتاب "الأيديولوجيا العربية المعاصرة" من أبرز أعماله الفكرية التي خلقت نقاشا في الساحة الفكرية العربية، والذي تعرض لمجموعة من الانتقادات من طرف مجموعة من المفكرين كمحمد عابد الجابري وجورج لابيكا وغيرهم عديدون ..
- وفي هذا المقال سنتطرق لمجموعة من أفكار هذا الكتاب، محاولين إبراز أوجه أخرى، وطرح تساؤلات من أجل خلق نقاش مع أفكار الكاتب. وهذه المساهمة المقالية لا ندعي فيها التطرق إلى كل الأفكار، بل فقط بعض الأفكار أردناها مقدمة للنقاش مع القراء في أفكار أخرى للكتاب. وتجدر الإشارة إلى أن عبد الله العروي لا يعترف بالترجمة الأولى لهذا الكتاب وينتقدها بشدة، لذلك أعاد هو بنفسه ترجمة الكتاب الذي كتب في الأصل باللغة الفرنسية إلى اللغة العربية (الأيديولوجيا العربية المعاصرة، عبد الله العروي، المركز الثقافي العربي، 272 صفحة).