anfasse01085يختلف الباحثون في تحديد اللحظة التاريخية التي يمكن أن يطلق عليها بداية النهضة العربية، لكنها على العموم لحظات متقاربة تتراوح بين الحملة الفرنسية، بقيادة نابليون، على فلسطين ومصر (1798-1801) و ولاية محمد علي على مصر (1805) وإطلاقه مشروعه الإصلاحي الذي عم نظام الحكم، والجيش، والإدارة، والتعليم، والصناعة، والزراعة وغيرها.
وإذا كان من الصعب تحديد تاريخ معين للانتقالات التاريخية الكبرى، كونها لا تقع في لحظة زمانية واحدة، كما أن حركية التاريخ لا تسير في خط مستقيم متصل بنفس الوتيرة في الزمان والمكان بل يكتنفها كثير من التداخل بين المراحل والتمفصلات التي يحددها المؤرخون والتي لا تعدو في النهاية أن تكون تقسيمات منهجية تتوخى الاقتراب من الواقع لا كونها تقسيمات موضوعية عامة وشاملة، فإن لحظة الالتقاء بين الحضارة العربية الإسلامية التي كانت في طور متقدم من أطوار الانحدار والحضارة الغربية الحديثة التي كانت في طور الصعود قد شكل لحظة فارقة في حياة الأمة وفي وعي النخبة.
لقد بدأ منذ هذه اللحظة الوعي بالتقابل بين القديم الموروث والجديد الوافد، وعي تزامن وترابط مع الوعي بضرورة الإصلاح والتماس أسباب النهوض للخروج من طور الانحطاط، فانقسم دعاة الإصلاح في الوطن العربي إلى فرقتين: أنصار القديم وأنصار الجديد، وفرقة ثالثة من دعاة التوفيق بين القديم والجديد.

anfasse01082من السهل رصد ملامح الصورة الظاهرة للإنسان ،بل من الممكن اعتمادا على ماأنتجه الإنسان من تقنيات تتبع هذه الصورة في جزئياتها واختزانها ولو في مختلف تلوناتها الزمانية،ولكن من الصعب إن لم نقل من المستحيل رصد صورة هذا الإنسان الباطنة ، أي رصد وجدانه ،وإدراك حقيقة هذا الوجدان في كافة تضاريسه.أجل قد نتمكن من تتبع بعض المؤشرات والقرائن التي نتخيل من خلالها هذه الصورة المختفية وراءالصورة الظاهرة، ولكن هذا الخيال يبقى هلاميا يتلون بألوان المواقف التي تصدر من الذات التي نسعى لتخيل وجدانها واستكشافه ،  وتبقى هاته الصورة قابلة للتلون بمختلف الألوان ، مستعدة لأن تفاجأنا بما لم يكن في الحسبان ، فهذا الوجدان قابل لأن ينتقل من القسوة إلى الرقة ، من الضعف إلى القوة ، من الفرح إلى الحزن ، من القبض إلى البسط ، فنجد أنفسنا أمام تقلبات لايفسرها إلا ماورد في الحديث الشريف :" إن   قلوب  بنى آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء "[1] .

anfasse24075 يجدُ الباحث في مفهوم الشخصية من المنظور الإسلامي تباينا في وجهات نظر الدّارسين والمهتمين بهذا الشأن،حيث إن هناك من يعترض أساساً على استخدام تسمية (الشخّصية)، ويرى أن الأنسب من وجهة النظر الإسلامية استخدام تسمية (الذات الإنسانية) لأنها أدق في التعبير عن طبيعة الإنسان.
وهناك باحث يُشير – على استحياء- إلى أن علماء المسلمين الأوائل ابتعدوا عن الخوض في دراسة الشخصية لغلبة ظنهم بأن الروح والنفس من الأمور الإلهية ومن ثم أمسكوا عن اقتحام مجهولها امتثالا للآية الكريمة " ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " الإسراء -85.
ومن الباحثين من يرى " أن استخدام كلمة النفس في القرآن الكريم لا تعني الروح بل تعني الشخصية الإنسانية ".
إلى آخر يعلل عدم وجود تعريف واضح للشخصية كما نجده عند علماء الغرب بقوله:" لم يكتب لعلم النفّس أن يأخذ حظّه وينمو  ويترعرع أو ينصهر في بوتقة العلوم الإسلامية لزمن طويل.. وقرون عديدة، كما أخذت بعض العلوم كالفلسفة والفقه والرّياضيات وعلم الفلك " ولعلّه من الأنسب قبل الخوض في تعريف الشخصية ومفهومها في المنظور الإسلامي أن نتوقف قليلاً عند العقلية العربية منذ عصر الجاهليّة لنسّلط الضوء على تصور الإنسان في تلك البيئة التي بزغ فيها نور الإسلام ليبدّل ما فيها من تصوّرات لاشك أن الإنسان أهم عنصر من عناصرها.

azeddine-inayaالمقال مهدى إلى محسن العوني
بموجب الفترة المطوَّلة التي قضّيتها في جامعة الزيتونة في تونس طالبا وباحثا، على مدى السنوات المتراوحة بين منتصف الثمانينيات ومنتصف التسعينيات من القرن الماضي، سيكون جلّ اهتمامي في هذه المقالة منصبّا على التعرّض إلى تجربة التحصيل العلمي، إضافة إلى استحضار واقع الصراع على الزيتونة، بقصد التأمل في مسارات ومآلات مؤسسة دينية، لا تزال مثار جدل، لا سيما في ظل التحولات العميقة التي يشهدها مجتمعنا.
من الزيتونة إلى الغريغورية
غدا بمثابة اليقين لديّ، أن الإشكال الرئيس الذي يعاني منه الدرس الديني في مؤسساتنا التعليمية في تونس متلخص أساسا في أمرين: خضوع المقرّر التعليمي إلى وصاية سياسية توجه مساراته، ما انعكس على مضامينه وتطلعاته وآفاقه؛ ومن جانب آخر مجافاة منهج التعليم الديني للراهنية الحضارية، وهو ما يتجلى في غياب عناصر الواقعية، والعلمية، والمعقولية.

3inaya-azzeddine"إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة،
 فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها"
حديث نبويّ رواه البخاري وأحمد

تُعدّ مسألة البيئة من جملة المسائل التي باتت تؤرق الضمير البشري في عصرنا الراهن، وليست الأديان والمعتقدات البشرية في منأى عن هذا التحدي. ربما وحدة التراث الإبراهيمي الجامع بين اليهودية والمسيحية والإسلام، ما يجعل تلك الديانات في صدارة تحمّل تلك المسؤولية في عالمنا اليوم، نظرا لاتساع رقعة أتباعها ولما تملكه من مخزون تراثي هائل، وبالتالي قوة أثر هذين العاملين في المساهمة في رفع ذلك التحدي لو تيسر توظيفهما التوظيف الحسن.

جدل الاتصال والانفصال بين الألوهية والكون:
لقد شكلت الأديان الإبراهيمية، مع اليهودية والمسيحية والإسلام، تحوّلا فارقا لدى الإنسان في التعامل مع الكون والنّظر إليه. كان الإنسان طرفا من الطبيعة وامتدادا لها في آن واحد، وبما يماثل ذلك كانت آلهته أيضا، من الطبيعة وفي الطبيعة. غلب ذلك التصوّر دهرا على عقول البشر، وطغى أثناءه منزع الدين الطبيعاني -Naturism- المؤلِّه لشتى العناصر الخارقة، ومنزع الدين الأرواحي -Animism- الناظر إلى الأشياء عبر قياس مستوحى من ذات الإنسان. ولم يتجاوز وعيُ الإنسان عناصرَ الطبيعة المهيمنة على روحه ووجدانه، حتى بات رهين تلك الطبيعة وجودا ومصيرا.

الصورة بين الافتتان والقتل عند ابن عربي ـ أحمد كازيإن هذا التوجه يحمل إمكانية بناء "الحقيقة الوجودية" في استمراريتها أو كينونتها البعدية، وهو أفق الفتوحات المستمرة والمتمثلة في الولاية؛ فإذا كان الوجود الماورائي في لا زمانيته نورانيا، فإن المعنى البعدي هو كوني، أو امتداد لأصله في كليته وشموليته: فهل نحن أمام تصور معين للحياة أو أمام معنى خاص للوجود الإنساني؟ إن معنى الحياة في هذا المنظور التيوصوفي ذو مضمون برزخي: بين الوجود والعدم، الحياة والموت، الفناء والبقاء، الرغبة والواقع… إنها حياة كاشفة لما هو خفي أو حياة "الصورة المكافحة" والمتجاوزة لعقالها.
هل الاهتمام بالصورة عند ابن عربي راجع إلى الحضور "العيسوي" في فلسفته الصوفية؟ وألا يمكن القول إن موقفه من الوضع العيسوي وتصوره الباطني لنشأته وممارسته أفرزا هذا الإشكال: أي الاهتمام بوضع الصورة ومكانتها في الوجود؟
وما يبرر هذه التساؤلات، هو القول مع ابن عربي بالعلية، وشرطها المحدد في ثلاث: الذات، الإرادة، كن؛ إلا أن هذا التصور لا ينبغي أن يؤدي بنا إلى تأويلات فاسدة، وكأن المرجعية الحاتمة هي صميميا عيسوية بمعناها المسيحي؛ مما يؤدي إلى محاولات لفتح باب الاتهام أو النبذ والإقصاء، والتي غالبا ما تكون مصادرها مرتبطة بالوعي الحرفي –الظاهري- "للقول الأكبري" الذي يحمل أكثر من وجه: فهل عودة ابن عربي إلى حقائق الأنبياء هي من أجل الانتصار لحقيقة على أخرى، أم من أجل إظهار "امتيازات" الحقيقة الجامعة، والتي هي في نظره حقيقة الحقائق؟ وألا يمكن القول بأن الانتباه إلى صورة هذه الحقيقة أو درجة الانبهار بها هو طريق لإبعاد الآراء حول افتتانه بفرعون أو الشيعة أو التثليث؟

anfasse8892توطئة:
كان للفكرين الدين اليهودي والمسيحي حضورهما في الحياة الفكرية الإسلامية، ولا يقصد بهذا الحضور –كما يزعم البعض- تسرب عناصر فكرية للتفكير الإسلامي، فقد اكتمل الدين واقتنع الناس بأصوله في قلوبهم وعقولهم، ولم يكن هناك اختلاف إلى في طريقة الاقتناع، وعلاقة الإيمان بالعمل، أما مجمل التصورات، أو لنقل عناصر الإسلام عقيدة وشريعة، فواحدة ثابتة لا تستبدل، إنما المقصود تلك المسائل التي أثارها رجال الدين على مائدة الجدل في ظل حرية التعبير في البيئة الإسلامية، التي تخص العقائد المسيحية واليهودية والتي كانت دافعا للكثيرين من علماء الإسلام لكي يبحثوا في مسائل متشابهة، ربما بنفس الروح وبذات الطريقة ومنهج النظر، الذي لم يسلم من التأثر بالفلسفة الإغريقية في المنهج والمصطلح، خاصة بعد انتشار حركة الترجمة في العصر العباسي [1].
وكانت للأفكار ميتافيزيقية أخرى يحتمل القرآن إثارتها أثناء تأويله[2]. غير أن مجرد الاكتفاء بهذه الرؤية سينسينا الظروف العامة التي نشأ فيها التفكير الإسلامي، والذي كان في الأصل أخلاقيا، مرتبطا بالنزاع حول الخلافة وأهليتها. ولعل هذا الاختلاف هو الذي انجر عنه ظهور عشرات الفرق المتاجرة فيما بينها، وفي إطار هذا الاختلاف، ظهرت فرقة المعتزلة بالذات، لتمثل أنموذج المدافع بالعقل في العقيدة، ضد أعداء الإسلام، بمن فيهم أهل الكتابة في سلسلة من المناظرات حفظها التاريخ في العصر العباسي، وستحاول في هذه القراءة تصليط الضوء على رؤية خاصة في التعامل مع النص الديني غير الإسلامي في سياق متميز من الناحية الثقافية والاجتماعية ممثلة بالمقاربة الحزمية في نقد الأديان والتي ترتكز على مبدأ هو:

5878105 8صدر مؤخرا للدكتور حميد الصولبي، أستاذ الفكر الإسلامي بجامعة القاضي عياض بمراكش، والمهتم بقضايا التحديث في الفكر المغربي خصوصا وقضايا الاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي عموما، كتاب "الفقه والسياسة_نماذج من التفكير المنهجي في دراسة العلوم الإنسانية". والكتاب المطبوع في المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش، في 2014 يقع في 197 صفحة من الحجم المتوسط، وهو عبارة عن دراسات سابقة شارك بها المؤلف في مناسبات علمية وأكاديمية داخل الجامعة المغربية وفي محيطها الثقافي والاجتماعي؛ قدمها في فصلين ومقدمة مسهبة - جاءت في ثلاثين صفحة - بين فيها المؤلف الخيط الناظم لمضامين الكتاب وهو قضية المنهج في العلوم الإنسانية، ليعرض الفصل الأول تحت عنوان: مقاربة في منهج القراءة دراسة في المشروع العلمي للدكتور سعيد بن سعيد العلوي، وقراءة في كتابي "المناظرة في أصول التشريع الإسلامي: دراسة في التناظر بين ابن حزم والباجي" للدكتور المصطفى الوضيفي، و"القول الجامع في تاريخ دمنات وما وقع فيها من الوقائع" للمؤرخ الحاج أحمد نجيب الدمناتي. أما الفصل الثاني، والذي جاء تحت عنوان: مقاربة في منهج دراسة المفاهيم، فخصصه المؤلف لمقاربة مفاهيم التحديث والاجتهاد والتجديد في الخطاب المقاصدي، وفي الخطاب الديني المعاصر.