صدر مؤخرا للدكتور حميد الصولبي، أستاذ الفكر الإسلامي بجامعة القاضي عياض بمراكش، والمهتم بقضايا التحديث في الفكر المغربي خصوصا وقضايا الاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي عموما، كتاب "الفقه والسياسة_نماذج من التفكير المنهجي في دراسة العلوم الإنسانية". والكتاب المطبوع في المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش، في 2014 يقع في 197 صفحة من الحجم المتوسط، وهو عبارة عن دراسات سابقة شارك بها المؤلف في مناسبات علمية وأكاديمية داخل الجامعة المغربية وفي محيطها الثقافي والاجتماعي؛ قدمها في فصلين ومقدمة مسهبة - جاءت في ثلاثين صفحة - بين فيها المؤلف الخيط الناظم لمضامين الكتاب وهو قضية المنهج في العلوم الإنسانية، ليعرض الفصل الأول تحت عنوان: مقاربة في منهج القراءة دراسة في المشروع العلمي للدكتور سعيد بن سعيد العلوي، وقراءة في كتابي "المناظرة في أصول التشريع الإسلامي: دراسة في التناظر بين ابن حزم والباجي" للدكتور المصطفى الوضيفي، و"القول الجامع في تاريخ دمنات وما وقع فيها من الوقائع" للمؤرخ الحاج أحمد نجيب الدمناتي. أما الفصل الثاني، والذي جاء تحت عنوان: مقاربة في منهج دراسة المفاهيم، فخصصه المؤلف لمقاربة مفاهيم التحديث والاجتهاد والتجديد في الخطاب المقاصدي، وفي الخطاب الديني المعاصر.
قراءة في القضايا اللغوية من خلال كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ـ محمد موزون
على سبيل التقديم:
خدم النقاد والأدباء القدامى اللغة بطرق شتى بحثا ودراسة وتأليفا، مثلما خدمها اللسانيون في العصر الحديث، لقد بدأت الحركة النقدية في الأندلس على يد اللغويين، ثم المؤدبين ومجالس الأمراء والمساجد، إلى أن برزت سمات نقدية مميزة مع ابن عبد ربه (870ـ 940)، وابن شهيد (992ـ1035) وابن حزم (994ـ 1064) وابن بسام (915ـ 1147) الذي لم يخرج عن هذه الحركة النقدية النشيطة إبانها، وقد اختار القرن الخامس الهجري محورا لجمع مادة كتابه "الذخيرة في محاسن الجزيرة".
يبدو ابن بسام من خلال كتاب الذخيرة جامعا للإنتاج الأدبي في الأندلس ومتذوقا له، وأحيانا أخرى ناقدا يوازي بين عملية الإنتاج، والدفاع عن الإبداع الأندلسي في انطباعات ذاتية أو موضوعية، نظرا للسياق الثقافي الذي يجلّ الإبداع المشرقي وينقص من حد الإبداعية في الأندلس، وفي ظل كل ذلك لم يغفل ابن بسام أن يورد بعض القضايا اللغوية داخل إطار الحركة النقدية.
إن موضوع اللغة يعتبر قاسما مشتركا بين كل مجلات ووجوه الفكر البشري، إما باعتبارها أداة أو باعتبارها موضوعا للدراسة والبحث، ومن خلال تتبع تناول ابن بسام للقضايا اللغوية، يمكننا رصد الموضوع في خمس قضايا كبرى، وهي إما على لسانه أو على لسان غيره ممن يؤرخ له ويجمع إبداعه، على الشكل التالي:
القرآن الكريم بين الواقع والقصص ـ د.زهير الخويلدي
" أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالحَا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "
القرآن الكريم ، سورة سبأ،الآية 11.
تعاني علوم القرآن من ضعف في الأساس الهرمينوطيقي الذي تقف عليه جعلها تنتصر تاريخيا للتفسير على حساب التأويل وللنص على حساب الواقع وتضيق دوائر الحكم في ثنائية المنع والاباحة وتتناسى المندوب والمكروه وتحصر انتاج المعنى في آلية قياسية تعمل على رد الفروع الجزئية الى الأصول الكلية. على هذا النحو يمثل الاستنجاد بالمنهجية السردية جرعة تجديدية تمنح لها الكفاءة التأويلية الناقصة وتساعدها على التخلص من العراقيل التفسيرية والأخطاء الابستيمولوجية التي وقعت فيها.
لو طبقنا الآن المقاربة الفلسفية السردية على الإسلام بشكل عام وعلى القرآن بشكل خاص وجعلنا من التقاطع بين الحدث والسرد نبراسا هاديا لفهم الدائرة الروحية للمعتقد الديني فإننا نطرح الاشكال الهرمينوطيقي المستعصي التالي: هل القرآن هو مجرد سرد لوقائع كونية وأحداث تاريخية أم هو أحسن القصص والبيان الاعجازي ؟
حي بن يقظان وسؤال من يربي من...؟ ـ محمد قرافلي
عالم حي يختلف جوهريا عن عالم اليوم، ما الذي تبدل؟ ما الذي تغير؟ ما الذي بقي؟ كل شئ ... لا شئ.... السماء غير السماء، الكائنات غير الكائنات، وحده الحي يغدو ويروح يندهش ...يسأل...ينظر... ينتظر...ويمضي...
أ- الحياة تربي الحي:
لم يخطر على حي طرح السؤال من يربي من، بكون سؤال من يربي من، لا معنى له وفق منطق الحي الذي خبره وعاينه قلبا وقالبا. فالحي ابن الحياة، هي وحدها من تتولى مهمة الاعتناء بالحي وتأخذه في لعبتها التي تتكلف بتهيئة شروط ومقتضيات تلك اللعبة وتلف الموجودات وتبث فيها روح الحياة وأسرارها.
بالنسبة لحي ، السماء تربي الكائنات والموجودات وتحتويها تحت قبتها مثلما تحضن الدجاجة فراخها . مثلما تسري النفخة في عمق الكائنات فإن تلك الروح تحمل معها مقومات وجودها التي من شأنها ان تدفع بتلك الموجودات الى أقصى الحدود الممكنة لتحقق تلك الروح .
الماء بين الخرافة والكرامة من خلال بعض النصوص التاريخية بالمغرب ـ فاطمة الزهراء الدبياني
مقدمة:
حديثنا عن الماء يدفعنا لا محالة لتبيان أهمية هذه المادة كعنصر حياتي حيث "احتل الماء في الحضارة والتراث الإسلاميين مكانة عظيمة، وتبدو مكانته هذه بجلاء من خلال اهتمام القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بهذا السائل المبارك باعتباره أصل الحياة كلها"[1] مصداقا لقوله تعالى " وَجَعَلْنَاْ مِنَ المَاْءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاْ يُؤْمِنُوْنَ "[2]، وتكفينا هذه الآية الكريمة للدلالة على أهمية الماء في حياتنا، حتى لا نبالغ إن قلنا إن الله عز وجل جعل منه السر الدفين لكل شيء حي على هذه الكرة الأرضية وباختفائه تختفي الحياة.
وارتبط الماء بحياة البشر ارتباطا وثيقا سواء أكانوا أفرادا، قبائل أو حتى شعوبا وأمم، وهذا يرجح ما للماء من أهمية كونية، وقد تجاوزت مساهمته في الحياة حدود الاستعمال اليومي وما يرتبط به من أمور العبادات والحاجات اليومية من شرب، وطهارة ووضوء ليتجلى في خوارق وكرامات وخرافات تضمنت مجموعة من الدلالات الرمزية ذات الأبعاد الاجتماعية والخلفيات التربوية والدينية، ولعل ذلك مرده إلى أن الإنسان لم يعرف أصل الماء في الوقت الذي أدرك أهميته الكبيرة وحاجته الماسة والمستمرة إليه فأحاطه بهالة من التقديس وصنع حوله كما من القصص والاعتقادات.
مدخل لفقه النوازل ـ محمد أقسقوس
تقدم المعاجم اللغوية العربية القديمة و الحديثة على حدٍّ سواء معانيَ متعددة لِلَفْظِ النازلة، وتكاد تختلف، لكنها تشترك في بعض المحددات التي كانت وراء نشوء لفظ النازلة في الحقل الفقهي. فالفقهاء لم يقع اختيارهم على لفظ النازلة عبثاً، بل قَدَّم هذا اللفظ نفسه كفعل يعكس طبيعة الواقع المُنتج للنازلة دون أن يشير إلى نازلة بعينها.
قال ابن منظور في لسان العرب النازلة: بعد فعل النزول و النِّزال هي "المصيبة الشديدة، و الشديدة من شدائد الدهر التي تنزل بالناس"[1]، و هو ما يجعلنا نستشف أن النازلة مرتبطة بالمصيبة المؤثرة في المجتمع، مع التأكيد على شِدَّتها و إلا لما صَحَّ تسميتها نازلة. إذن فالنازلة واقعة لها أثر شديد على الإنسان سواء كان فردا أو جزءا من كتلة اجتماعية معينة.
و إلى جانب ابن منظور نجد الفيومي يذكر في مصباحه: "والنازلة هي المصيبة الشديدة التي تنزل بالناس"، وقال أيضا:" نازله في الحرب مُنازلةً ونِزالاً وتنازلاَ، نزل كل واحد منهما لمقابلة الآخر و به نَزْلَة، وهي كالزُّكام"[2]، ومن هذا المعنى أُخِذت النوازل الفقهية، فيقال: "نَزَلَتْ نازلة فَرُفِعَتْ إلى فلان ليفتي فيها"[3].
والنوازل في اللغة أيضا : "جمع نازلةٍ، اسم فاعل من فعل نزل به ينزل إذا حلّ، وقد تَنَزّلَ الوصف مَحَل ّالموصوف فأصبحت تطلق على الشِّدَّةِ من شدائد الدهر"[4]، وقال ابن فارس: "النُّونُ والزَّاي واللاّم كلمة صحيحة تدل على هبوط شيء ووقوعه"[5]. ويعبرون عن الحج بالنزول، ونزل، إذا حج.
الملاحات في المدن المغربية ـ سهام لعسري
يعتبر الملاح الحي الذي يقطنه اليهود بالمغرب، ويمثل مؤسسة سكانية واقتصادية تزاول فيها كافة الأنشطة التجارية والحرفية، كما ساهم في الحفاظ بشكل كبير على الخصوصية اليهودية لمئات السنين، وفي المقابل نجد الملاح في إسبانيا بالعصر الوسيط يسمى " اليوديريا" و" الجيتو" في أغلب دول أوروبا والأمريكيتين ويسمى في ألمانيا بـ (judengasse) أما في العراق يطلق عليه "حارة اليهود" و "قاع اليهود" في مدن اليمن [1] . من هنا نتسآل:كيف كانت الملاحات في مغرب القرن التاسع عشر؟ وهل كانت متشابهة في مميزاتها أم متباينة نوعا ما؟ وهل لتأسيس الملاح دور في تعميق الفوارق بين المسلمين واليهود؟
اختلفت الروايات التاريخية في معرفة أصل تسمية الملاح ، غير ان ما تردد في الأوساط الشعبية أعطى جملة من التفسيرات، من جملتها أنها ترجع إلى الوظيفة التي كان اليهود يقومون بها، وهي تمليح رؤوس الثائرين وتعليقها في أبواب المدينة لتصبح عبرة للرعية[2]، وظل اليهود يقومون بهذا الدور حتى مطلع القرن العشرين.وبالنظر إلى المدلول اللغوي، فإن الملاح من أصل كلمة ملح – ملحا، والتي تعني: اشتدت زرقته[3] ، وهذا يقودنا إلى تذكر مشاهد مساكن الملاح، حيث تقوم النساء اليهوديات بطلاء جدران البيوت، بشكل أسبوعي باللون الأزرق النيلي، وذلك تمييزا عن منازل المسلمين وهذا طبعا من باب التأويل.
الأسس التربوية عند الشيخ ماءالعينين ـ محمد الاغظف بوية
اعتبر الشيخ ماء العينين أن أساس التربية الحرص على تعلم ونشر العلم بين الناس، وخاصة لأتباعه وساكنة المناطق المجاورة لمركز الشيخ ماء العينين، أو القبائل التي تنقل إليها بفعل دعوته وحركته التاريخية الجهادية التي امتدت من مكناس وفاس مرورا بمراكش شمالا إلا الجنوب والوسط وإلى أن بلغت تخوم بلاد شنقيط وغرب الجزائر.
أنشأ الشيخ ماء العينين مدارس واختار المدرسين الذين يتكلفون بمهام التعليم مع توفير المأكل والمشرب والملبس لطلاب العلم وخاصة الأطفال الذين توافدوا عليه من كل حدب وصوب ومن أخياف القبائل الصحراوية[1] والسوسية[2] والشنقيطية[3] يقول صاحب كتاب "سحر البيان" في هذا الصدد مثمنا ومتحدثا عن منهجه: "وكان يرتب معلمين قادة حفاظا في حضرته الشريفة لتعليم أولاده الصغار، وسائر صغار حضرته، ومن أحب التعلم من سائر الناس والأغلب في المعلمين أن يكونوا من أقاربه أو تلامذته، وعند كل واحد منهم مدرسة كبيرة فيها بعض أولاده، وما انضم إليهم من سائر الناس، وهو رضي الله عنه القائم بشؤون تلك المدارس ومؤنها وما تحتاج إليه، وكان أولاده الصغار وسائر صغار حضرته يجتمعون كل يوم وليلة عند بيت كتبه – الخزانة أو قاعة الكتب – فيطعم الجميع غذاء أو عشاء، وكان يقدم عليهم واحدا من أبنائه الكبار ليرتبهم على تلك المطاعم ويتفقد أحوالهم"[4].