أولا: عوائق ترجمة المصطلح الحضاري:
بالرّغم من أهمية الرّحْلة، وقِيمة ما ورد فيها من أخبار ومَعلومات، فإنها ظلتْ مجهولة لفترة طويلة. إذ لم يُكْشف عنها إلا في القرن التاسع عشر، بعد أن تَنبَّه المُسْتشرقُون خاصّة لقِيمة ما تَتضمنه من مَعْلومات، ومِيزتها ضِمن الرّحلات، فاتجهوا إليها بالدِّراسة والتّحْليل والتّرجمة والنّشر...
ويَرجع الفَضْل في إصدار أوّل عمَل مُتكامل للرِّحلة –بعد أن تُرجمت ونُشـِرت مُـقتطفات كَثيرة مِنها- إلى المُسْتَشرقيْـن الفَرنْسيّيْـن دِيفْريمِيـرِي (C. Defremery) وسَانْكِـنِيـتي (B. R. Sanguinetti) بالاعتماد على ثلاث مَخْطوطات للرّحلة. وبهذا، أصْبحت الرِّحلة في مُتناول القَارِئ الغَربي والعَربي الإسْلامي معًا. لأنّهُما نشرَا الرِّحلة في أرْبع مجلدات باللغة العَربية، مَصْحوبة بالتّرجمة الفَرنسية لها. وبعدهما يَرجع الفَضل لمُستشرق ثالثٍ أسْدى خِدمة لهذا التراث، هو هَامِيلتُـون كِـيب (H. A. R. Gibb) الذي تَرْجم مُعْظم الرّحْلة إلى اللغة الإنْجليزية. وقد حاول في أعْماله شَرْح ما غَمَض من الألفَاظ، وتحْديدَ عَددٍ من الأعْلام الجغرافية، والتعريفَ بعدد من الشّخصيات الوَاردة في الرِّحلة. وتُرجمت بَعد ذلك الرِّحلة –كامِلة أو أجْزاء منها- مرّات متكررة إلى لغات عديدة، منها الإسبانية والبرتغالية والروسية والسويدية والفارسية والتركية والهندية واليابانية... وبذلك، ذَاع صِيتها، وأصْبحت في مُتناول جميع القُرّاء.
المالوف التونسي ـ فتحي عابد
المولع بمعرفة أسرار المقامات الموسيقية ومعانيها لا يسعه إلا أن يقف احتراما لفن المالوف الذي بقي شامخا بكثيرا من الصبر، إذ ليس من السهل التمسك بالإختيارات وفرض هذا النوع من الفن الراقي على أذن تعودت على الإيقاعات الصاخبة والسريعة، وعلى ألوان وأنماط أخرى من الموسيقى التي لا تجد صعوبة في استعمار أذن السامع وخاصة الشباب.. مما يدفعنا بحثا في هذا النوع من الفن الذي يبرز تحدي الأصالة الصلبة لمتغيرات عالم الإستهلاك العبثي، وصخب التهريج الموسيقي. وهذاالمقال الذي أستند فيه إلى أهل المجال يوثق نظريا على الأقل جزءا قليلا من التراث الموسيقي الأصيل لتونس الذي كاد أن يضيع بسبب السياسات التغريبية التي طحنتنا لأكثر من خمسين سنة...
الحضارة الأندلسية بين الخصوصية والتراث الإنساني ـ امحمد بن عبود
على الرغم من أنه قد يبدو أمراً غريباً غير أن معرفتنا بالتراث الأندلسي قد تكون أساسية لصياغة تصور جديد لحوار الثقافات في عالم تطغى فيه الأبعاد السلبية للعولمة. فتعايش الأديان الثلاثة في الأندلس يعتبر نموذجاً يحتذي به في حاضرنا المأهول بالإرهاب والعنف والظلم وانعدام التوازن على الصعيد العالمي بين الأغنياء والجوعى. وبالتالي فإن استيعابا عميقا للحضارة الأندلسية قد يكون جوهرياً لفتح آفاق وتصورات جديدة في أفق تفاهم أكبر بين مختلف الحضارات. إلا أن الأمر لا يتعلق هما بابتداع ثقافة أندلسية وإنما باستيعابها بشكل أفضل لإغناء تصوراتنا الثقافية وتحقيق مستقبل أكثر أماناً وازدهارا، وأقلَ نزوعاً إلى الحرب. ذلك أن الحضارة الأندلسية ليست مبهمة أو غارقة في المثالية لأنها نشأت في بيئة ثقافية إنسانية وبالتالي فقد اتسمت بالحرب والدمار حيناً، وبالسلم والأمان والاحترام المتبادل أحياناً أخرى. ولذلك فلعل ثقافة القرن الحادي والعشرين لا تفتقر لشيء قدر افتقارها إلى اعتماد مقاربة بهذه الواقعية. فقد شهدنا بمجرد استهلال هذا القرن تصعيداً مفاجئاً للعنف قامت به جماعات إرهابية وجيوش نظامية. ومع أنه ليس من السهل إخماد نار العنف إذا ما اضطرمت، إلا أننا سوف نصلي ونعمل على تحقيق تعايش أفضل بين الشعوب وتفاهم أمثل، على الأقل بين المثقفين من مختلف المجتمعات على نهج أهل الفكر الأندلسي في القرن الحادي عشر بنجاح يتفاوت قدره من فترة إلى أخرى.
إشكالية علاقة الدين بالفلسفة بالأندلس ـ إبراهيم بورشاشن
يطمح هذا العرض إلى معالجة إشكالية علاقة الدين بالفلسفة في الغرب الإسلامي من خلال ثلاثة نماذج؛ نموذج غير موحدي ثم نموذجين موحديين ثم نموذج مغربي حديث. وسنسلك من أجل المعالجة توطئات نحدد فيها مفاهيم : الإشكالية – الدين –ا الفلسفة ثم نثير ما تتضمنه من مفارقات. لنضع هذه الإشكالية في سياقها من تاريخ الفلسفة بشكل عام.ثم نقف عند ابن سيد البطليوسي كتاب الحدائق.ثم ابن طفيل وقصة حي بن يقظانثم ابن رشد وكتابه فصل المقالثم نقف بإيجاز عند الحجوي ومقالته الموسومة بالتعاضد المتين.قبل أن نخلص إلى بعض النتائج في الموضوع.
توطئات :
ما الإشكالية :
الإشكالية هي مشكل فلسفي، والمشكل problème آت من الكلمة الإغريقية problèma ، إنه الحاجز الذي ينتصب أمام الذات، الكيفية التي يقتحم بها، والجواب الذي نقدمه والذي لا يمكن أن يكون وثوقيا. أن يكون عند المرء حس الإشكال يعني أن ينظر في جميع الاتجاهات، والمشكل الفلسفي يمكن أن يشير إلى مفارقة أو إحراج ، إلى صعوبة ذات طبيعة عقلانية يبدو أنه لا حل لها.
ملخص حول أطروحة دكتوراه " جماليات العجيب في الكتابات الصوفية: رحلة "ماء الموائد" لأبي سالم العياشي (ت1090هـ) نموذجا" ـ خالد التوزاني
يهدف موضوع هذا البحث إلى رصد جماليات العجيب في الكتابات الصوفية عامة، من خلال تتبع ما حفل به التراث العربي عموما وكتب القوم خصوصا من رصيد ضخم من العجائب، ومركزا – بشكل خاص - على جماليات العجيب في نموذج رحلة "ماء الموائد" لأبي سالم العياشي (ت1090هـ)، وبيان أثره على المتلقي ودوره في خدمة السلوك الصوفي وتعزيز التجربة الروحية العجيبة، حيث يمكن النظر إلى العجيب في الكتابات الصوفية باعتباره ذلك الفسيفساء الذي لا يندرج في سياق التشكيل الجمالي لتلك الكتابات فحسب، وإنما يدخل في مواد بنائها، وعناصر تشكلها، ومن ثم، تعددت تجليات الجمال والجلال في عجيب هذه الكتابات.
إذا كان "العجيب" مصطلحا نقديا تبنته بعض الدراسات الغربية والتي تأثر بها النقد العربي المعاصر، فإن التساؤلات التي فرضت نفسها في هذا السياق، هي: لماذا لم يحظ العجيب باهتمام الباحثين والنقاد العرب؟ وما سر تأخر دراسته؟ ما تحولات العجيب وتجلياته في السياقين العربي والغربي؟ ثم ما صلة العجيب بالتصوف؟ وماهي جمالياته في الكتابات الصوفية؟ وهل يخدم نمط التلقي جماليات العجيب الصوفي؟ ثم أخيرا ما جماليات العجيب في رحلة "ماء الموائد"؟ ما مصادره وتجلياته؟ وكيف أسس عجيب هذه الرحلة هويته وخصوصياته؟
التعايش بين الأديان امتداد لحقيقة واحدة ـ د.محمد غاني
كثييرا ما يكثر اللغط بين المثقفين و المهتمين حول الصراع بين الأديان أو الحوار بين الحضارات فهل هناك صراع بين الاديان أم أن هناك تعايشا فيما بينها؟ وقبل الخوض في ذلك يحق لنا التساؤل عن معنى الدين و مغزاه؟ و هل فعلا هناك دين واحد فقط بينما شرائعه مختلفة و رسله متعددون؟
خير ما أفتتح به هاته المداخلة المتواضعة هو الآية الكريمة التي يقول فيها الحق جل و علا في سورة الحج "ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز "
ترمز الآية بالصوامع لذلك البناء المستطيل المرتفع الذي يصعد إليه بدرج وبأعلاه بيت ، كان الرهبان يتخذونه للعبادة ليكونوا بعداء عن مشاغلة الناس إياهم ، وكانوا يوقدون به مصابيح للإعانة على السهر للعبادة ولإضاءة الطريق للمارين . من أجل ذلك سميت الصومعة المنارة . قال امرؤ القيس :
المرأة في الفكر الاصلاحي المغربي زمن الحماية ’’دعوة للتأمل’’ ـ محمد ودغيري
أعود في هذا المقال الى الفكر الاصلاحي المغربي زمن الحماية,أستجلي حضور المرأة في متن فقهاء كانت لهم رؤى طلائعية في واقع كان يرزح تحت ثقل التقليد ويتغنى بالموروث الجامد.مع الاشارة الى أن هذه العودة ليست تعني انتصارا لهذه الرؤى ولا دعوة مضمرة الى اعادة انتاجها في واقع مشبع بالتحول.
ان عودتي هذه , مجرد محاولة للتأمل واستقراء البوادر الأولى لتكسير الأطر الجامدة,ايمانا منها بأنه لا أمل في مجتمع يعطل ’’نصفه’’. وقد اقتصرت في هذه القراءة على ماكتبه محمد بن الحسن الحجوي-1874-1956- الفقيه ورجل المخزن,أحد صانعي واقع تلك المرحلة بفعل المناصب التي شغلها,وكذا بفعل الكتابات الهامة التي ضمنها أفكارا اصلاحية تجديدية جرت عليه ويلات مناوئيه.
قراءة في كتاب "إمكان النهوض الإسلامي" ـ مراجعة نقدية في المشروع الإصلاحي لعبد الله العروي ـ لمؤلفه الدكتور أمحمد جبرون ـ محمد الرازقي
صدر للأستاذ محمد جبرون، الكاتب المغربي والباحث في التاريخ والفكر السياسي الإسلامي، كتاب جديد تحت عنوان 'إمكان النهوض الإسلامي، مراجعة نقدية في المشروع الإصلاحي لعبد الله العروي" ، عن مركز نماء للدراسات والأبحاث، ضمن سلسلة مراجعات، من 190 صفحة من القطع المتوسط.
بهذا الكتاب يتعزز المشروع الثقافي الذي يتوخى تجديد الفكر الإسلامي وتأصيل مفاهيمه، والذي يمتد إلى المشاريع الإصلاحية الأولى منذ أواخر القرن التاسع عشر والتي عالجت إشكالية النهضة، ودافعت عن الأصالة والهوية والاستمرارية التاريخية، في مقابل المشاريع الأخرى التي تقوم على أوليات وأسس مغايرة، والحوار المفتوح بين "الفرق الكلامية" المعاصرة بتعبير أمحمد جبرون، الذي تمخض عنها، كمحاولة للجواب عن سؤال النهضة الكبير: كيف يمكن تجاوز التأخر السائد في المجتمعات العربية والإسلامية؟